الإصلاحيون وتصحيح المسار
بقلم/ نبيل البكيري
نشر منذ: 7 سنوات و 6 أشهر و 4 أيام
الخميس 22 سبتمبر-أيلول 2016 12:04 م
مرت علينا الذكرى الـ26 لتأسيس التجمع اليمني للإصلاح الذي يقدم نفسه من خلال أدبياته كامتداد طبيعي للحركة الإصلاحية الوطنية اليمنية، التي تمتد جذورها حتى نهاية القرن الثالث الهجري، منذ أبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني، مرورا بكل جهود الإصلاحية اليمنية وأعلامها الكبار، الذين مثلوا مراحلة نضالية متواصلة علميا وثقافيا على مدى قرون من الزمن.
لا شك أن إعلان تأسيس التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990م، كان بمثابة إعلان ميلاد جديد للإصلاحية اليمنية بشكل أقرب إلى حالة التيار منها إلى حالة الحزب السياسي، وهو ما انعكس على أداء الإصلاح طوال فترة ما بعد الإعلان وحتى هذه اللحظة، فقد كانت هذه الحالة الجماهيرية العامة، التي جمعت في طياتها مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، من دعاة وتربويين ومثقفين وشيوخ ووجاهات اجتماعية، وطلاب ومهندسين وأطباء وغيرهم، مثلت حالة تأطيرية للمدرسة الإصلاحية في إطار تيار سياسي وطني جامع.
إلا أن حالة الاشتباك في رؤية الحزب بين ما هو دعوي ديني ما هو سياسي دنيوي ، شكل عائق كبيرا أمام ديناميكية الحزب وخلق الكثير من المعوقات أمام الأداء السياسي الذي كان يتقدم أحيانا ويتأخر أخرى، فضلا عن أن هذا الاشتباك مثل حالة انقطاع عن الجهود الإصلاحية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، والي كانت أكثر ديناميكية و ووضحا في تميز بين ما هو ديني وسياسي.
تمكن إشكالية الإصلاحية اليمنية الجديدة، بمدى ما تركه تأثير المدرستين الإخوانية المصرية والسلفية السعودية، والتي حملها عدد من خريجي مصر وجامعات المملكة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ولم يتوقف هذا التأثير عند مستوى تراجع الأداء السياسي للحزب فقط وإنما أيضا حتى على مستوى الأداء الفكري والثقافي للمدرسة الإصلاحية اليمنية على حد سواء، والتي مثلت ما يشبه مرحلة الانقطاع عن خصوصياتها الوطنية.
صحيح لم تكن مرحلة الضياع والانقطاع عن الهوية الوطنية حالة إصلاحية بقدر ما كانت حالة وطنية عامة لدى كل تيارات وأحزاب المشهد اليمني من يسار ويمين ووسط، فكان كل حزب يخوض صراعاته السياسية بأدوات وأفكار تأثره الخارجي وقوالبه الايدلوجية المستوردة، ولا علاقة لها بهويته الوطنية ورموزه وبيئته، وهذه الفجوة التي وسعت من حالة الاستقطاب و الصراع بين الإسلامين واليساريين بحرب باردة ومباشرة وغير مباشرة طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات، و مستمرة بدرجة ما حتى اللحظة، مما شكل فجوة كبيرة تسلل من خلالها المشروع الإمامي العصبوي.
ومثل ما حصل بين الاشتراكيين والإسلاميين فقد حدث نفس الصراع وإن بدرجة أخف بين الإسلاميين والقوميين الناصريين الذين استوردوا صراع الإخوان وعبد الناصر من القاهرة إلى صنعاء واليمن عموما، في حالة استغباء تاريخية لا مثيل لها، وكل هذا الصراع بين تيارات ونخب المشهد السياسي والثقافي اليمني ، كان بمثابة البيئة الخصبة التي استغلها المشروع الإمامي وتمدد خلالها مستفيدا من حالة الصراع والتنافس غير المعقلن، في كل تفاصيل المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي اليمني، وتمكن حينها من تشويه كل نضالات الحركة الوطنية اليمنية بمختلف توجهاتها ضد المشروع الإمامي الذي تكلل بثورة الـ26 سبتمبر المجيدة كواحدة من أعظم ثورات اليمنيين على الإطلاق.
لقد أعاد الإماميون لملمت صفوفهم ورسم خططهم على وقع صراع داحس والغبراء بين الإسلاميين وخصومهم، وتمكنوا من تشويه الهوية الوطنية اليمنية التي تغافلت عنها كل التيارات السياسية من اليسار إلى اليمن، واستبدلتها بهويات أيدولوجية أممية خارج سياق هويتنا الأولى ودائرة الذات الوطنية كأساس في صناعة أي أمة وبنائها.
كل التيارات السياسية بمختلف مدارسها الفكرية والثقافية اشتغلت دون قصدا منها -حتى لا نظلم الجميع- ضدا للهوية الوطنية اليمنية الجامعة القائمة على مبادئ ومداميك أهداف ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م، والتي بتشويهها تمكن الإماميون من العودة إلى مربع السياسة كفاعلين سياسيين ومن خلال هذه التيارات التي تسلل الإماميون إليها وأقادوا معاركهم ضد الهوية اليمنية من خلالها للأسف.
 بالعودة إلى الحالة الإصلاحية وما لها وما عليها، فلا شك أن التيار الإصلاحي والذي مثل من خلال حزب التجمع اليمني للإصلاح، كأكبر التيارات اليمنية تأثيرا وتنظيما، وبتالي تحمله لمسؤولية كبيرة كحجمة الكبير فيما جرى كحاضر أبرز في مختلف المحطات الوطنية بمواقف واتجاهات وطنية، أصاب في بعضها وأخفق في البعض الأخر.
إن الإصلاح اليوم، بكل مواقفه الوطنية الكبيرة والتي كان أبرزها دعمه ودوره الكبير في ثورة 11 فبراير 2011م، يمثل رافعة وطنية حقيقية للمشروع الوطني الجمهوري، ذلك المشروع الذي انسجمت توجهات الحزب مع كل تحولاته طوال الخمس السنوات الماضية وحتى اللحظة، هذا التناغم الذي يتطلب مزيد من المراجعة للأليات والأدبيات والوسائل العاملة من أجل المشروع الوطني، بشراكة كل الأطراف الوطنية ذات المواقف الواضحة والصريحة من ارتكاسه و "انتفاشة" 21 سبتمبر 2014م المشؤمة والتي على ضوئها ينبغي تحديد موقف كل طرف على حده.
لقد كان استهداف حزب الإصلاح، مدخلا سهلا لضرب المشروع الوطني، كما بات يعرف الجميع، لا لشيء سوى لما يمثله الإصلاح من حاجز صد قوي للمشاريع الصغيرة التي تتغذى من تشويه وضرب كل القوى الوطنية الفاعلة والحقيقية، تلك المشاريع الصغيرة التي نمت وعشعشت في كل التيارات الوطنية الأخرى، أو تحوصلت في مشاريع صغيرة واضحة شمالا وجنوبا، وكانت ترى بالتيار الإصلاحي عقبة كبيرة أمام تمرير مشاريعها الصغيرة.
أصبح واضحا اليوم، للجميع مدى الدور الذي لعبه ومثله الإصلاح في المعادلة الوطنية في مختلف المراحل الوطنية، رغم حالة التشويه التي مارسها ضده رفقائه في النضال، ولازالوا حتى اللحظة، مع كل حالة الانكشاف التي عرت الجميع وأظهرت دور كل طرف على حده، ومع هذا لا يزال هناك البعض من لا يرد أن يفهم أو يتخيل له أنه قادر على فبركة حقائق اللحظة الواضحة للجميع والتي في مقدمتها محورية ومركزية الإصلاح كتيار ضامن للمشروع الوطني الجمهوري في هذه المرحلة، ولا يمكن تجاوزه أو تشويه نضالاته.
صحيح هناك أخطاء وإخفاقات في أداء ومسيرة الإصلاح على المستوى الثقافي والسياسي، والتي تأتي في مقدمتها مسالة الهوية الوطنية، وتكلس المسار الديمقراطي ضمن مؤسساته الداخلية، لكن باعتقادي بما يمتلكه الإصلاح من طاقات شابه كبيرة ومتنوعة وتنويرية يمكن تحاوز هذه الإشكالية بشكل سريع وإعادة ضبط البوصلة الوطنية للحزب والتي مثل البيان الأخير رسالة واضحة وصريحة في هذا المسار القادم في شكل الحزب وتوجهاته.