صفحة من دفتر شجون الموفدين
بقلم/ عبدالملك طاهر المخلافي
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و 24 يوماً
الإثنين 02 يونيو-حزيران 2008 04:48 م

مأرب برس - خاص

تحكي الأساطير اليونانية القديمة أن البطل (برومثـيوس) سرق النار من الآلهة وأعطاها للبشر, ومن حينها استطاع الإنسان أن يشعل النار ويستخدمها في حياته, الأمر الذي اغضب كبير الآلهة (زيوس), فعاقبه بربطه إلى صخرة كبيرة مرسلاً إليه نسراً عملاقاً يأكل كبده في النهار ويقوم (زيوس) بتجديدها في الليل, ليأكلها النسر مرة أخرى وهكذا استمر الحال لعدة سنوات؛ لأن (برومثيوس) قد أرتكب جريمة كبرى في حق الآلهة؛ إذ أعطى الإنسان سلاحاً يواجه به الظلام والآلهة .

 ومع مرور الزمن اخذ مفهوم النار معنىً أخر, حيث أصبح يدل على العلم والمعرفة؛ لأن المعرفة هي الوسيلة المثلى التي تنير عقول ودروب الأفراد والمجتمعات, ومن ثم أصبح يوصف كل من يتجشم مهمة نقل العلوم والمعارف من مجتمع إلى آخر بـ(سارق النار), وقد وظف الشاعر نزار قباني هذه المفهوم الفلسفي في قصيدة من أروع إنتاجه الشعري مخاطباً عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين حيث يقول فيها:

أيها الأزهريُ يا سارقَ النارِ ... ويا كاسرَ الحدودِ الثوانـي

ارمي نظارتيكَ ما أنت أعمى ... إنما نحن جوقةُ العمـيانِ

ما هو الشعرُ لن تلاقي جواباً ... هو بين الجنونِ والهذيانِ

وفي ذلك إشارة إلى أن طه حسين هو من سرق المعرفة العلمية من الغرب أثناء ابتعاثه إلي فرنسا للدراسة, وعاد بها إلى مصر والأمة العربية عموماً, وهو أيضاً من حطم الحدود العتيدة التي كانت تفصل بين الثقافتين العربية والفرنسية.

وفي هذا السياق أعتقد جازماً أن الموفدين للدراسة خارجياً أو حتى داخلياً, هم من ينطبق عليهم مفهوم (سارق النار)؛ لأنهم يقومون بمهمة شاقة ونبيلة, وهي انتزاع ونقل نار المعرفة وفنون التكنولوجيا من مواطنها ومراكز إنتاجها, وذلك عن طريق انخراطهم بالبيئات العلمية في المجتمعات الأخرى, وتفاعلهم مع مكوناتها ورموزها وأعلامها؛ ليعودوا إلى بلادهم وفي جعبتهم الكثير من العلوم الحديثة والخبرات والممارسات الفعالة, وهو ما يمثل وقودا إضافياً لماكينة التنمية الاجتماعية الشاملة. ولعل انصع مثال على ذلك ما يرويه التاريخ حول أحد أسرار النهضة الحديثة لليابان, و هو أن الإمبراطور ميجي (1868م) فطن أثناء فترة حكمه إلى إرسال بعثات طلابية إلى أوروبا, وحث الطلاب المبتعثين على التدرب والتدقيق في كل ما يقابلهم من أمور جديدة ومحاولة رسمها وعمل مخطط لها في سبيل نقلها إلى بلادهم. 

بعد هذه المقدمة الفلسفية والتاريخية نستطيع القول أن الموفدين دراسياً وهم يمثلون همزة الوصل أو حلقة التواصل بين بلادهم وحركة البحث العلمي في مختلف أقطار الدنيا, ليسوا مجرد أوعية وأدوات لنقل المعارف المتخصصة فحسب، ولكنهم - علاوة على ذلك- يشكلون جسوراً تنتقل عبرها المفاهيم والمعايير والقيم والأنماط السلوكية بين الأجيال المتعاقبة, وبين المجتمعات المختلفة.

 إن مهمة كبيرة وعلى هذا القدر من الأهمية, يفترض أن تسخر لأصحابها أجواء خالية تماماً من المقلقات والمشتتات والمنغصات المادية والمعنوية ليتفرغ الطالب لمهامه التحصيلية, ويُفرغ جل طاقته في الدرس والبحث, وهذا ما ينبغي على أجهزة الإيفاد والأجهزة المساندة والملحقيات الثقافية في سفاراتنا بالخارج أن تستوعبه وتسعى إليه باستمرار كهدف مركزي ضمن أهدافها المتعدد.

غير أن المتأمل في واقع الطالب اليمني الموفد, يدرك أنه بات على درجة كبيرة منالشظف والبؤس, ولم يعد يفي ولو بالحد الأدنى من شروط الاستقرار وحافزات التفوق والتميز. فمن الناحية المادية بات ما يتحصل عليه الطالب الموفد من مزايا مالية مصاباً بالضمور الدائم, فاقداً للقوة الشرائية جراء التدهور المستمر لسعر الدولار وانتعاش قيمة العملات الوطنية للدول الأخرى, وقد سمعنا طلاباً زملاء يشكون بمرارة من وطأة الغلاء كالموفدين في ماليزيا والمغرب, وسوريا, والسودان, وألمانيا وغيرها من الدول, وهذا ما أكده أحد أعضاء لجنة التعليم العالي بمجلس النواب, وهو بالطبع رجل أكاديمي, حين قال: أن الطالب اليمني يعيش أسوأ ظروف معيشية، ويتقاضى اقل منحة مالية في العالم حتى مقارنة بالصومال وأثيوبيا وجيبوتي (راجع صحيفة الوسط , العدد 160, أغسطس 2007 م). لذلك يضطر الطالب المبتعث للبحث عن أي فرصة عمل إلى جانب الدراسة, إلا أن ذلك بلا شك يكون على حساب المستوى العلمي الذي يفترض ألا يجتزأ من وقته ولو الشيء اليسير. هذا ما يتعلق بالطلاب الذين يتقاضون منحة وان كانت شهرية, وماذا عن الطلاب الذين أوكل أمر إعاشتهم على الدولة المستقبلة وهم الطلاب الذين حققوا مستويات علمية ممتازة فارتأت جامعاتهم منحهم مقاعد مجانية وخصوصاً المقبولين في الجامعات السعودية, ألا يحق لهم كمواطنين يمنيين الحصول على مساعدة مالية من حكومتهم, وهل من اللائق إيكالهم إلى المكافأة المتواضعة المتحصل عليها من الدولة المضيفة, ويشاطرهم نفس الهم الطلاب المبتعثين لدرجة البكالوريوس في نفس الجامعات. 

حقيقةً نكاد نشفق على الطالب الموفد لا سيما من سلك طريق الدراسات العليا, حيث يقضي ما يربو على العشر سنوات من العمر بين هموم المعيشة والغربة وهاجس الخوف من الإخفاق والفشل العلمي, ثم لا يعود إلا وقد شارف على الولوج إلى نادي الأربعين من العمر, يعود بعد هذه السنوات فيرى كل شيء قد تغير من حوله (الإنسان والبنيان), يلتفت يسرة ويمنة فلا يجد بحوزته أي ثروة أو رأس مال سوى ورقة صغيرة تدل على تخصص ربما قد تقيأه روح العصر ولفظته أسواق العمل, فيضاف كرقم جديد إلى قائمة العاطلين, لذلك لم يكن مستغرباً أن تظهر مؤخراً جمعيات للدكاترة العاطلين عن العمل, وهم بالطبع حملة المؤهلات العليا في السياسة والتاريخ والجغرافيا والاجتماع والتربية ونحو ذلك.

 لذلك نرى كحل للتدهور المستمر في الحياة المعيشية للطلاب الموفدين سرعة إعادة النظر في سياسات وبرامج الإيفاد المعتمدة منذ نحو ثلاثين عام, ولا سيما السياسات المالية بمكوناتها المختلفة, بما في ذلك مبلغ الإعاشة الشهرية, وتذاكر السفر السنوية, وبدل الكتب, ورسوم نقل الكتب عند العودة, وبدل البحث الميداني, وطباعة الأطروحة, وبدل العلاج, وذلك بما يمكن للطالب من حياة لائقة, وتوفير مستلزمات الدراسة والبحوث, وتعويضه عن الفرص البديلة الضائعة.   

هذا, والأهم من كل هذا وذاك, إذا أردنا بناء موارد بشرية مقتدرة ومنافسة, أن يتم البحث عن أفق جديد لتأهيل الشباب اليمني لدى دول وجامعات توطنت فيها العلوم والتقنية الحديثة, واللغة الإنجليزية باعتبارها وبدون مجال للمجادلة والمكابرة لغة العلم والإدارة والتجارة والصناعة والإنترنت. لا ادري سر الإصرار على إرسال طلابنا إلى جامعات في أرياف بعض الدول العربية النامية ليقضي الواحد منهم قرابة خمس سنوات لمرحلة الماجستير أو الدكتوراه دون أن يعود بالفائدة المرجوة, بينما كان بالإمكان إيفاده إلى بعض الجامعات الغربية ليحصل في مدة اقل على نفس الشهادة فضلاً عن اكتساب اللغة الإنجليزية.

أن من التصريحات التي أومضت كبارق أمل في حياة الطالب الموفد ما جاء على لسان وكيل وزارة التعليم العالي, والذي مفاده أن الوزارة أعدت خطة أو مشروع أو تصور متكامل لحقوق الموفدين تلبي احتياجات الطالب وتوفر له الحد الأدنى من مقومات ومتطلبات حياته الطبيعية والجامعية, وأن ذلك التصور قد سلك طريقه ليستقر على مكتب دولة رئيس الوزراء. ونحن هنا كطلاب موفدين نناشد الوالد علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية- حفظه الله وأطال في عمره - الدفع بهذا المشروع تطبيقاً لجانب من جوانب برنامجه الانتخابي, ألا وهو البعد الخاص بتنمية وتطوير الموارد البشرية اليمنية.

إن هذه إلا الصفحة الأولى من دفتر شئون وشجون الموفد اليمني, وهو بلا مراء دفتر كبير ومتضخم. والله المستعان.