سور الصين العظيم..
بقلم/ حسام أبو جبارة
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 28 يوماً
الأربعاء 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 04:21 م

طالما عُرف سور الصين العظيم بأنه المَعلم الوحيد الذي بناه الإنسان ويمكن رؤيته من الفضاء، وبالرغم من أن هذا التعريف غير صحيح دائماً بسبب الغطاء النباتي الكثيف المحيط بالسور وسمكه اللذين لا يسمحان برؤيته أحياناً من الفضاء، فإن هذا السور الذي يُقال له باللغة الصينية "تشانغ تشينغ" أو "الحائط الطويل" ما يزال له سحره وجاذبيته اللذين يجعلا ملايين الزوار والسياح يزورنه سنوياً، ليتمتعوا برؤية رمز الأمة الصينية، الذي لا يظهر ذكاء أسلاف الصينيين فحسب، بل يُجسد جهداً بذلوا فيه العرق والدماء، إذ استغرق بناؤه ألفي عام، بسواعد عشرات الملايين من العمال، الذين يُقال أن حوالي اثنا عشر مليوناً منهم قد توفوا نتيجة الجهد الخارق الذي بذلوه في بنائه.

* معلم سياحي

يُعتبر سور الصين العظيم واحداً من أبرز معالم البلاد السياحية، وقد ورد عن ماو تسي تونغ، الزعيم ا لصيني الراحل، قوله: "ليس إنساناً حقيقياً من لم يزر سور الصين العظيم"، ولذلك لا بدّ أن تجد زيارة السور مدرجة ضمن قوائم الرحلات السياحية الخاصة بهذا البلد العظيم بتاريخه، الواسع بمساحته، والكبير جداً بعدد سكانه.

فزيارة السور تكتشف لك أن عظمة أي شعب تتجسد في آثاره التي تحكي تاريخ حقب زمنية متوالية، وأن بناءه لم يكن فقط بهدف الدفاع عن البلاد، وإنما كان لمشيديه نظرة مستقبلية بأنه سيكون سبباً رئيسياً لانفتاح الصين على البلاد الأخرى، وأحد الموارد الاقتصادية للبلاد كونه يستقطب السياح من كل أنحاء العالم.

* وصف السور

بُني سور الصين أساساً بهدف صد الغزاة القادمين من شمال البلاد، وبدأ العمل به في أوائل القرن الرابع قبل الميلاد على الأرجح، واستمر حتى بداية القرن السابع عشر الميلادي. ويصل طول السور حالياً إلى 6400 كيلو متر، بالرغم من أن أجزاء كثيرة منه تقوضت وهدمت بفعل الزمن، والجزء الرئيسي منه يبلغ طوله حوالي 3460 كيلو متر، وارتفاعه حوالي 7.5 متر، ويضيق عرضه من 75 متراً في القاعدة حتى 4.6 متر في القمة. وهناك أبراج مراقبة وضعت على مسافاتٍ تتراوح بين 90 و180 متراً على طول السور، ويبلغ ارتفاع هذه الأبراج حوالي 12 متراً.

وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها الحكام الصينيون لإنهاء بنائه، فإن السور لم يقم بمهمته المطلوبة في الدفاع عن البلاد ضد هجمات الشعوب البدوية. وحدها الغزوات التي قام بها أباطرة ملوك تشينغ، والذين كانوا ينحدرون بدورهم من أحد هذه الشعوب، سمحت للبلاد بالتخلص من تلك التهديدات.

وبالإضافة إلى دوره العسكري، أثّر سور الصين العظيم على التنمية الاقتصادية الصينية أيضاً. فاتجاهه متطابق تقريباً مع الخط الفاصل بين المناخ شبه الرطب والمناخ الجاف في الصين، وبالتالي أصبح السور يفصل بين المناطق الزراعية والمناطق البدوية.

* الموقع والحدود

يمتد سور الصين العظيم على الحدود الشمالية والشمالية الغربية لجمهورية الصين الشعبية، من تشنهوانغتاو على خليج بحر بوهاي (البحر الأصفر) في الشرق إلى منطقة غاوتاي في مقاطعة غانسو في الغرب. وتم بناء سور آخر إلى الجنوب، وامتد من منطقة بكين إلى هاندان.

يجنح السور في الشرق عبر سلسلة جبلية تُسمى الحدود المغولية المرتفعة، ولهذا الجزء من السور أساس من الكتل الجرانيتية، وله جوانب من الحجر، بينما ملئ داخل السور بالطمي. وقد رصفت القمة بالحجر المثبت بالإسمنت الجيري. وتُشكل كتل الحجارة طريقاً كان العمال الذين اشتغلوا في بناء السور يستخدمونه وكذلك الجنود الذين دافعوا عنه. أما من الغرب، فيمر السور عبر مناطق هضبية وعلى طول حدود صحراوية.

ويمر السور بتضاريس جغرافية مختلفة ومعقدة، حيث يعبر الجبال والأجرف ويخترق الصحراء ويجتاز المروج ويقطع الأنهار. لذلك فالهياكل المعمارية للسور مختلفة وغريبة أيضاً، إذ بني السور في المناطق الصحراوية بمواد مكونة من الأحجار المحلية ونوع خاص من الصفصاف نظراً لشح الصخور والطوب. أما في مناطق هضبة التراب الأصفر شمال غربي الصين، فبُني من التراب المدكوك أو الطوب غير المحروق، لكنه متين وقوي لا يقل عن متانة السور المبني بالصخور والآجر. وبُني السور في عهد أسرة مينغ الملكية غالباً من الطوب أو الصخور أو بخليط من الطوب والصخور. وتوجد قناة لصرف المياه على قمة السور من أجل صرف مياه الأمطار تلقائياً وحماية السور.

* تاريخ البناء

ويرجع الكثير من الباحثين تاريخ بناء السور إلى القرن السابع قبل الميلاد، حيث بدأت الممالك المختلفة في عهد الربيع والخريف (من عام 770 ق.م إلى عام 476 ق.م) وعهد الممالك المتحاربة (من عام 475 ق.م إلى عام 221 ق.م) بناء أسوار على حدودها من أجل الدفاع عن نفسها، وأصبحت تلك الأسوار أقدم جزء من سور الصين العظيم. وفي عام 221 ق.م وحد الإمبراطور شي هوانغ دي الممالك المتحاربة، وأسس أول دولة موحدة ذات سلطة مركزية في تاريخ الصين وهي أسرة تشين الملكية. ومن أجل تثبيت حدودها وصد عدوان أقلية أسرة شيونغ نو التي كانت تعيش في مناطق شمال أسرة تشين الملكية، ربط شي هوانغ دي الأسوار التي كانت بنتها الممالك المتحاربة، ما شكل سور أسرة تشين الملكية الذي بلغ طوله أكثر من 5000 كيلو متر ويبدأ من شرقي مقاطعة لياو نينغ شرقي الصين وينتهي عند لين تاو بمقاطعة قان سو غربي الصين. وبعد ذلك، واصلت الأسر الملكية المتعاقبة في الصين بناء أسوار على هذا الأساس، وتجاوز طول الأسوار التي بنتها كل من أسرة هان الملكية وأسرة مينغ الملكية 5000 كيلو متر. ويبلغ إجمالي طول الأسوار التي بنتها الأسر الملكية المختلفة 50 ألف كيلو متر. ولكن المساحة المتبقية من السور اليوم لا تتجاوز 6400 كيلو متر، إذ أصبحت البقية أطلالاً أو اختفت تماماً.

* مشروع دفاعي

صحيح أن سور الصين فشل في صد هجمات الغزاة من شمال البلاد، إلا أنه مع ذلك ينظر إليه بقدرٍ كبير من الاعتزاز لدى الصينيين، كما يرتبط في مخيلتهم بكثيرٍ من البطولات والخرافات والقصص التي يرفض بعضها مقولة فشله في حماية الصين من الأعداء. وبينما تقول الروايات التاريخية إنه بني على أجزاء، فإن البعض يعتقد أن تلك الأجزاء انهارت بسبب بكاء خادمة على زوجها الذي لقي حتفه في عمليات البناء وسارت نحو 400 كيلو متر للوصول إلى جثته!.

والواقع أن كل جزء في السور يؤكد حقيقة الغرض الدفاعي والعسكري من بنائه، فالحيطان الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الإستراتيجية وثكنات الجنود وأبراج المراقبة وغيرها من المنشآت الدفاعية، تتوزع على طول السور بشكلٍ مخطط إليه بدقة. فمثلاً بنيت الحيطان فوق الجبال الشاهقة أو المواقع الخطرة في السهول حسب التضاريس الجغرافية والحاجات الدفاعية. وغالباً ما كانت الحيطان التي بنيت في السهول أو الأماكن المهمة عالية ومتينة للغاية، أما الحيطان المبنية على المواقع الخطرة فوق الجبال، فهي منخفضة وضيقة نسبياً، وذلك من أجل توفير القوى العاملة ونفقات البناء. وفي المناطق المهمة جداً، بنيت على السور حيطان متعددة لمنع صعود الأعداء عليه.

أما أبراج المراقبة، فكان الهدف منها هو إرسال ونقل معلومات عسكرية، إذ كان يتم إطلاق الدخان نهاراً وإشعال النار ليلاً من هذه الأبراج لتعريف السكان والجيش بتحركات الأعداء، فيمكن معرفة عددهم من عدد المواقع التي انطلق منها الدخان أو أشعلت فيها النار. وفي عهد أسرة مينغ الملكية أضيفت أصوات المفرقعات في وقت إطلاق الدخان وإشعال النار لتعزيز فعالية الإنذار، الأمر الذي يمكن من إبلاغ المعلومات العسكرية بدقة إلى أماكن بعيدة ومختلفة في لحظة واحدة. وفي ظل عدم وجود الهواتف والاتصالات اللاسلكية في العهود القديمة، يمكن القول إن هذا الأسلوب لنقل المعلومات العسكرية كان سريعاً جداً.