حمل السلاح وآثاره المدمرة في اليمن
بقلم/ احمد احمد القادري
نشر منذ: 10 سنوات و 7 أشهر و 3 أيام
الأربعاء 11 سبتمبر-أيلول 2013 05:48 م

لا يمر يومٌ دون أن تقدم لنا وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمصورة، أخبار جديدة، ومتفرقة، من مختلف مناطق الجمهورية، عن سقوط ضحايا نتيجة اعتداءات مسلحة، من قَبيلْ:

مقتل مجموعة على يد مسلحين في .... ، مسلحون يختطفون .....، قطاع قبلي في ....، مصدر أمني: مقتل وجرح .. بنيران مسلحين مجهولين .....، مسلحون قبليون يهاجمون .... ، عصابة مسلحة تعتدي وتحاصر ....، اغتيال مسؤول أمني على يد مسلح يستقل دراجة نارية .......، القبيلة الفلانية تهاجم قبيلة كذا ....، وأنصار فلان يعتدون على نقطة للجيش، ومرافقو الشيخ فلان يقتلون.. هذا فقط ما تتناقله وسائل الإعلام، وما خفي من العبوات الناسفة كان أعظم.

أطفالٌ في عمر الزهور، يودّعون آباءهم، وأمهاتهم نتيجة عبثهم بأسلحة وجدوها في منازلهم دون رقيب أو حسيب.. بل نجد من يفقد حياته على يد أبيه أو أخيه، أو أحد أقربائه، في حوادث متكررة ناتجة عن العبث بالسلاح.

أبرياء يلقون حتفهم في أسواق أو طرقات أو أماكن عامة، لا ذنب لهم سوى أن الصدفة ساقتهم إلى تلكم الأماكن، لتقابلهم رصاصات طائشة من قبل مسلحين يثأرون لأنسفهم من غرماء - ربما- لم تفتح الدولة في قضاياهم أي ملفات تذكر.

 هل كان لمثل هذه الحوادث أن تقع بين ظهراني شعبٍ وُصفَ بالحكمة والإيمان، لولا وجود آفة السلاح اللعينة؟

تعودنا على قراءة وسماع ومشاهدة هذه العناوين، وغيرها وأصبحت لازمة من لوازم متابعاتنا الصحفية والإعلامية، مثلما تعودت مختلف المؤسسات المعنية بالنشر، وأصبحت مأدبة يومية يجتمع حولها القراء والمحللون والناشطون الحقوقيون، وغيرهم بغرض الرصد والتحليل، بينما تكتفي الجهات الأمنية بقيد الحوادث ضد مجهولين.

 "فوضى حمل السلاح" واستخدامه على نحوٍ همجي في الشارع اليمني، أشدُّ خطورة من فوضى الفساد المالي والإداري الحاصل في المؤسسات العسكرية والمدنية للدولة.. واعتقد جازماً بأننا لن نتحرك باتجاه بناء الدولة المدنية الحديثة قيد أنملة، في ظل وجود ما يقارب سبعون مليون قطعة سلاح، من النوع الخفيف والمتوسط والثقيل، بخلاف ما تجود به علينا البحار والخلجان المجاورة من السفن المحملة بملايين القطع المهربة، والتي لم تدخل حيز الخدمة بعدْ، لدى هذا الطرف أو ذاك.

لم تكن هذه ثقافتنا، ولم تكن هذه هويتنا، ولم يكن هذا ديننا وتاريخنا!!

متى كانت لغة السلاح هي الوسيط المباشر لنقل الرسائل المعبرة عن الرفض أو مخالفة الرأي بين اليمنيين؟

متى كانت ثقافة العنف واللاتسامح هي السائدة في الشارع اليمني؟

متى كانت هويتنا محوراً للجدل، ومثاراً للشك لدى الآخرين؟

في أي حقبة من حقب التاريخ كان للتقطع والاغتيال والعبث بمصالح الأمة، حضوراً في تفاصيل المشهد اليمني؟

لماذا تعثّر صوت المثقف، والخطيب، والشاعر، والفنان والرسام، والمعلم، في دهاليز الفوضى، ليرتفع بالمقابل صوت الجهل والتخلف والاستبداد لتبلغ حصيلة ما تحمله الأرض اليمنية من ذلك العدد المهول من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة؟

من جهة ثانية، فقد أخفقنا تماماً، نحن معشر المسالمين من مواطنين عاديين، ومثقفين، ومعلمين، ورجال دين، في مواجهة الغول الأكبر ورفعنا أمامه الراية البيضاء، لدرجة أن تياره القوي جرفنا، حتى أصبحت فكرة شراء السلاح، والاحتفاظ به لـ"يوم الجن" قد تسللت إلى أذهاننا المنهكة على حين غرّة.. لم نعد نحتفظ بالسلاح كزينة أو للدفاع عن النفس في حالات الضرورة القصوى.. لدرجة أن بعض الشعراء أو (البدّاعين) حينما يشرع أحدهم في كتابة قصيدة أو زامل، يكون أول ما يتبادر إلى ذهنه السلاح، وجبروته ودقة إصابته للخصم، وأما البعض الآخر فإنه يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، يأخذك إلى صواريخ سام6، وشدة تدميرها، وما إلى ذلك من الخزعبلات التي تغزو وتسمم أفكارنا، وأفكار شبابنا من بعدنا، دون أن يتصدى أحد، سواء من المثقفين، أو الشعراء أو الكتاب، لمثل هذه الثقافة الدخيلة على مجتمعنا، والتي لا تثمر إلا الحقد، واستعار الحروب القبلية، ..إلخ

نرجو ممن يرسمون ملامح مستقبل اليمن، في مؤتمر الحوار، أن يتنبهوا لهذه القضية، في وضع حلول دائمة، لقضية حمل السلاح في الشارع اليمني، التي لم تعد ثقافة أو ظاهرة فحسب، بل أصبحت فوضى بكل المقاييس، هذا إن كانت النوايا لترسيخ دعائم الدولة المدنية الحديثة موجودة، ما لم فعلى الدنيا السلاااااح.