الصيام معراج الروح
بقلم/ عارف الدوش
نشر منذ: 10 سنوات و 9 أشهر و 7 أيام
الأربعاء 10 يوليو-تموز 2013 09:04 م

في حياة الإنسان البدائي كان الصيام علاجاً للكرب والبحث عن التفريج أو ما كان يسمى البحث عن الطوطم الخاص بالإنسان، وفي حضارات الصين والهند واليونان القديمة كان الصيام علاجاً طبياً للكثير من العلل والأمراض واكتشف الكهنة والمصلحون بالتجربة أن الصيام ضروري لصحة الإنسان باعتباره الطريقة المثلى لاستعادة الجسم العليل للصحة. وأثبتت العديد من الدراسات الحديثة أن بعض الأمراض المستعصية مثل أمراض القلب والتهابات الكلى وفقر الدم وقرحة المعدة والشلل والتهاب الجيوب الأنفية وغيرها من الأمراض بفضل الصيام تحسنت حالتها وبعضها شفيت.

من المثير جداً بحسب دراسات حديثة أن الصيام يؤدي إلى تحسن كيفية الدم وارتفاع عدد كريات الدم الحمراء ويؤدي إلى سهولة الدورة الدموية وتنشيطها كما يؤدي إلى قلة الجهد التي تمكن القلب من تحسين حالته والعودة إلى وضعه الطبيعي وزيادة نشاطه.. ويتحدث أطباء بعد دراسات معملية أن الأمراض الوظيفية والعضوية يمكن معالجتها بواسطة الصيام ويعمل الصيام على تنظيف الكبد والكلى من كل الشوائب والسموم العالقة ويعطي الصيام الصائم شعوراً بالراحة النفسية ويهبه هدوءاً في جميع تصرفاته.

وبالتالي فإن الصيام يؤدي إلى صفاء الروح وجلاء النفس.. وهناك دراسات تتحدث عن أن النفس البشرية تكون أقرب إلى الحقيقة في حال صفوها وهدوئها باعتبار الصيام يؤدي إلى تحرير الروح والسمو بالنفس، وقد استخدم كهنة المعابد قديماً الصوم وسيلة للوصول إلى الحقائق والتنبؤ، ففي حضارات الهند واليونان القديمة يعتبر الصيام وسيلة للتجلي الروحي وسبيلاً للاستكشاف والنتؤ وطريقاً للخلاص لأن الصوم يؤدي إلى التطهر ويهب الإنسان بصيرة يدرك بها.. وفي الديانة اليهودية نجد مثل هذا الربط بين الصيام والاستعداد النفسي لاستقبال الوحي فقد صام النبي موسى عليه السلام أربعين يوماً استعداداً لاستقبال التوراة، وكذلك صام النبي إلياهو (إلياس) عليه السلام أربعين يوماً قبل أن يتكلم مع الله.

وفي تراثنا الإسلامي نجد الإمام الغزالي يذكر في كتابه "إحياء علوم الدين" الصيام كوسيلة لتحصيل صفاء الفكر وعلوم الكشف، ويتحدث عن صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص.. ويرى الإمام الغزالي أن من أهداف الصيام الارتقاء بإنسانية الإنسان والسمو بروحه ويقول (الإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة والملائكة مقربون من الله عز وجل والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم فإن الشبيه من القريب قريب وليس القريب ثَم بالمكان بل بالصفات وهذا هو سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب) الإحياء (1 / 458).

وفي رمضان تسمو روح الصائم وترتقي إلى درجات من العلو والجلال لم يكن يعرفها من نفسه ولم يكن يعهدها من قلبه فالحياة التي نعيشها أتت للمرء بقسوة في قلبه وجفاف في عينه فإذا جاء رمضان تغير ذلك كله وأرسلت الدموع في خشوع وخضوع وحصلت التوبة وراجع الناس أعمالهم وهكذا هو رمضان.

ويقول سعيد رمضان أحد كبار الخطباء الذي أقام في سويسرا هرباً من طغاة مصر وتوفي بجنيف 1996 :أيها الإنسان في حقيقتك الروحية سر وجودك وفي حفاظك عليها نور طريقك وفي سلطانهما على حياتك شهادة الصدق أنك أهل لقول "الله ولقد كرمنا بني آدم".

ولهذا يصوم الإنسان المسلم وليس لله حاجة إلى طعامه وشرابه كي يشهد حاله أن نداء السماء أعز عليه من شهوة جسده فتنقدح بذلك شرارات تذكي روحه وتبدد ظلمة نفسه ويروضه الصيام أياماً كل عام على ضبط إرادته وتوثيق عزمه فتستقيم حياته.

ورسالة الصيام هي رسالة القرآن الكريم تقوم بتذكير المؤمن بحقيقته الروحية وراء عوارض الشبع والجوع والري والظمأ وترويض إرادته في ظل سلطان الروح على إيثار داعي الله على كل هوى وشهوة و تزكية روحه وتحريرها من الغفلة كي تظل الرائد المشرق لنشاط الحياة