حتى ينجح مؤتمر الحوار الوطني
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 11 سنة و أسبوع و 3 أيام
الأحد 17 مارس - آذار 2013 05:07 م
ربما جاء نشر هذه الموضوعة أثناء أو بعد بدء أعمال مؤتمر الحوار الوطني الذي سيدشن أعماله في الثامن عشر من شهر مارس الحالي وسيستمر لستة أشهر يفترض به أن يقدم حزمة معالجات لأزمات اليمن المزمنة، وقبل الخوض في عوامل نجاح وفشل المؤتمر لا بد من التنويه إلى ما يمكن اعتباره بديهيات تستحق التذكير:
إن المؤتمر لا يأتي من أجل حل ما أسماه البعض بـ"الأزمة" الناجمة عن ثورة الشباب السلمية التي اندلعت في العام 2011م، ذلك إن الثورة لم تأت إلا بعد أن أثقلت البلاد بحمل جائر من المشكلات المتراكمة والمركبة صنعتها سلطة لم تتقن شيئا مثلما أتقنت الفشل في كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وهذا ما يقتضي التأكيد أن مهمة المؤتمر ليست حل المشاكل التي ارتبطت باندلاع الثورة بل ينبغي أن تشمل تصورا شاملا ليمن مختلف عن يمن ما قبل 2011م.
إن هذا المؤتمر لا يأتي لفك اشتباك بين طرفين متصارعين، كما يتصور البعض أو كما يصور بعض الأطراف الذين التحق بعضهم بثوة العام 2011م فاعتبر أن الثورة هي ثورته واعتبر الطرف الآخر أن الثورة ليست سوى مؤامرة ضده، . . . إن المؤتمر يأتي لرسم خريطة جديدة للبنية السياسية والدستورية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وربما الثقافية والأخلاقية لليمن الجديد، للانتقال من يمن النزاعات والحروب والاستقطابات السياسية المتنازعة على المنهوبات والغنائم ومراكز النفوذ إلى يمن البناء والتنمية والحريات العامة وحقوق الانسان والدولة المدنية.
إن مؤتمر الحوار لن يقدم وصفة سحرية خارقة للعقل والمألوف تجعل اليمنيين ينامون وهم مملوءون بالأحقاد والضغائن والتنازعات فيصحون وهم ملائكة يقبلون بعضهم بعضا وقد نسوا كل ما راكمته العقود الماضية من تضارب للمصالح وتصادم للتصورات وعداوات متأصلة أو مصالح شرعية أو غير شرعية ، . . . بل إن المؤتمر هو مجرد ساحة لتبادل الأفكار والمبادرات الخلاقة، الهادفة إلى الخروج من الماضي بمآسيه وأخطائه وخطاياه، إلى المستقبل الموعود، مستقبل التقدم والازدهار والتنمية والحريات العامة، وهذا لن يتأتى بمجرد الرهان على المؤتمر كمؤتمر والنظر إليه وكأنه كائن خرافي يخرج اليمن من كل ما ورثته من متاعب الفشل السياسي، إذ إن المؤتمر ليس سوى مجموع المؤتمرين، وهم من يحدد نجاحه أو فشله بما يحملون من أفكار وما يطرحون من أجندات، وما يقدمون من مبادرات وما يتخذون من قرارات وتوصيات.
ومن هنا فإنه على الرغم من الكثير من المصاعب التي تعترض سير أعمال التحضير والإعداد للمؤتمر فإن هناك ممكنات لنجاح المؤتمر والوصول به إلى مبتغياته إذا ما تم التقيد بالشروط التالي:
-أن يغدو المؤتمر مساحة لتقديم المبادرات الخلاقة لا ساحة لعرض الأجندات الفئوية أو المناطقية أو حتى الحزبية أو العائلية.
-أن يكون المؤتمر ساحة حوار للمبادرات لا منبر صراع الأفكار والمصالح وتبادل الضغائن المنتمية إلى الماضي أو المحسوبة حتى على اللحظة الراهنة أو المراهنة على اختطاف المستقبل.
-أن يأتي المتحاورون بعقلية التفاعل المتبادل بين متحاورين أكفاء وأنداد ومتكاملين، لا حلبة صراع بين منتصر ومهزوم أو بين خادع ومخدوع، أو بين شاطر وأقل شطارة أو حتى بين أغلبية وأقلية أو مجموعة أقليات.
هذه الملاحظة (الأخيرة) تجعلنا نؤكد أن المؤتمر الذي ينبغي له أن يقدم وصفة علاجية لأمراض اليمن المزمنة لن يكون فيه مكانا للشطارة السياسية التي يأتي فيها طرف أو بعض الأطراف بمجموعة من العبارات الخادعة والمنمقة ليقول للآخرين لقد امتثلت لمتطلبات المؤتمر ثم يذهب ليمارس عكس ما أعلن عنه، مثل أن يقول أحدهم أنه مع الدولة المدنية، لكنه قد يذهب لحشد قبائله ومناصروه لحمل السلاح في مواجهة نتائج المؤتمر إذا ما مست مصالحه، أو أن يقول أحد الناهبين لأبناء الجنوب تعالوا لنتحاور ولندع الأغلبية تقرر ما تشاء، بعد أن يكون قد ضمن الأغلبية المؤيدة لاستمرار سياسة النهب والاستباحة التي مورست على الجنوب منذ العام 1994م، أو يكون قد استجلب المسلحين الذين سيرهبون المشاركين في المؤتمر ليجبروهم على الموافقة على ما يخدم مصالحه، أو أن يأتي أحد الذين تمترسوا بقوة السلطة ومارسوا ما مارسوا من الموبقات ليقول لأولياء أمور الشهداء والجرحى تعالوا لنتحاور ثم يتمرد على قرارت المؤتمر متحججا أن لديه حصانة تحميه من المساءلة أو حتى الحديث عن المفاسد والجرائم التي ارتكبها، وإذا ما طالب الضحايا بالإنصاف سيعتبرهم مخالفون للمبادرة الخليجية فيجب إحالتهم إلى مجلس الأمن الذي سيدخلهم ضمن قائمة المعطلين لعملية التسوية السياسية التي توافق عليها الجميع.
إن مؤتمر الحوار يمكن أن ينجح إذا ما تخلى أصحاب المصالح الشخصية والفئوية والجهوية عن مصالحهم التي كونوها بفعل الخلل السياسي والقانوني، أو تلك التي ينتظرون أن يحققها لهم المؤتمر بانحرافه عن هدفه الأسمى، وإذا ما اتجهت الأنظار صوب المستقبل، لكن محاذير الفشل تظل قائمة إذا ما جاء المؤتمرون وكل منهم يراهن على خداع الأطراف الأخرى أو الاستقواء بقوة السلاح أو التهديد والوعيد أو إذا ما جاء المؤتمرون وهم مشدودون إلى الماضي، بأخطائه وخطاياه وأثقاله ومآسيه ، وما أكثر المشاركين في المؤتمر الذين عاشوا هذا الماضي وساهموا بفعالية في صناعة تلك الأخطاء والخطايا.
لينجح مؤتمر الحوار لا بد من التحرر من عقلية الاستحواذ والخديعة والشطارة والفهلوة والمكر، والانطلاق نحو المستقبل بعقلية مستقبلية تطمح إلى العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والتباري بالفكر والمبادرة لا باستعراض القوة وتدبير المكائد.
وللحديث بقية
برقيات:
بدأ بعض الكتبة الذين يملكون مواقع إلكترونية ممولة من هذا النافذ أو ذاك، يلعنون فكرة الأقاليم والفيدرالية ويقولون فيها ما لم يقله مالك في الخمر، يخيفوننا بمستقبل يشبه أسبانيا التي هي (رغم صعوباتها) من أكثر عشرين دولة تقدما في العالم، ولم يبشرونا بنجاح ماليزيا والهند ، ناهيك عن أميريكا وسويسرا والإمارات. . . . ليتهم يستطيعون إقناع الجنوبيين بالقبول بالفيدراليه!
 لم أكن أتمنى أن يمن الرئيس هادي على الرئيسين علي ناصر محمد وحيدر العطاس بأنه قد منحهما كامل مستحقاتهما لأن ذلك لو صح ليس سوى حقوق مشروعة (ومنها جاءت مفردة مستحقات) لكن ما أفهمه أن الرئيسين ناصر والعطاس مثلما جميع القيادات الجنوبية لا يناضلون من أجل مستحقات فردية بقدر ما يطرحون قضية سياسية عادلة يعترف بها الرئيس هادي نفسه وكل أركان نظامه.
  قال الشاعر الفيلسوف جبران خليل جبران:
تعلموا الذَّود عن حقٍّ تطيب لهُ        عن كل ما هو غالٍ نفس محتسبِ
تعلَّموا قوة الإيــــــمان في دأبٍ        فإنــــــــــــــــــما قوة الإيمان بالدأبِ
تعلَّــموا الّصَّبر أو تقضى لبانتـكم       والعزم في بدئها كالعزم في العقبِ
تعلَّــــــــموا أن هذا العمر مرحلةً       لا ترتقى هضـــــــــبةً فيها بلا تعبِ
تعلموا أن من حذق الرماة بها        ليدركوا النصر أن يجثوا على الرُّكبِ