هل عجلة التغيير في اليمن تدور الى الوراء
بقلم/ علي مبارك ملص
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 3 أيام
الإثنين 23 يوليو-تموز 2012 11:29 م

عندما تفجرت ثورات الربيع العربي في البلدان العربية كان رائدها بلا شك أن تدور عجلة التغيير الى الأمام لتكنس بدورانها ما تعفن من أنظمة الاستبداد والظلم الى مزبلة التاريخ ولتلقى تلك الأنظمة المتهالكة المصير المحتوم الذي يجب أن يوصلها الى المكان الذي تستحقه في هذه المزبلة التاريخية وانطلقت عجلات التغيير في مختلف البلدان العربية وكان لليمن نصيب من هذه الانطلاقة ودارت رحى التغيير على النظام اليمني كغيره من الأنظمة واستطاعت أن تضرب في بدايتها بارتفاع زخمها وسقوف مطالبها في مفاصل النظام وحاول النظام في خضم ذلك الموج المترامي والعباب المتلاطم ان يسابق الزمن وأن يلتقط بعض أنفاسه واستخرج جميع اوراقه واستدعى جميع ألاعيبه التي أكسبته خبره سابقه في تجاوز بعض القناطر التي مر بها في مراحل أزماته السابقة والتي كان يستفيد منها لإطالة عمره بل أنه في بعض الأحيان يختلق مثل هذه الأزمات ليغطي بها أزمات اخرى امعانا في تثبيت نفسه واطالة نفسه الا أن عجلة التغيير قد دارت رحاها وأخذت مداها فلم يجد بدا من الاستجابة لمتطلباتها والإذعان لمقتضياتها غير ان الأزمة اليمنية رتب لها أن تخرج بنموذج يختلف عن النماذج الأخرى نظرا لحساسية موقعها وخصوصية موقفها اذا استطاع أن يتدخل المتدخلون اما لكسر العجلة أو لتخفيف وطأتها على النظام المتهالك وكان لهم ما أرادوا وبعد ان رتبت الأوراق في أروقة السياسية والتي لا تعرف سوى الميكا فيلية منهجا والأصولية مسلكا ووسيلة هنا ترنحت الأزمة اليمنية مكانها ودارت عجلة التغيير بعكس نوالها ولكي تتضح لفكرة نحو هذا المقصد فإنه يمكن سبر الأزمة اليمنية منذ نشوء جذوتها وبداية حركتها والتي بدأت بالاحتجاجات السلمية مرورا بدموية مشهدها الدرامي والباس الغموض على سير موقعها المترامي وصولا الى ترتيب الأوراق على المستوى الإقليمي والأممي وتسليط الضغوط على مكونات الأزمة اليمنية بالخروج بوثيقة ظاهرها الخروج من الأزمة بأسلم الطرق وباطنها تجاوز هذه الأزمة والالتفاف تحت وطأة عباب موجها المتعالي حتى ينقشع غبارها ولا تؤتي ثمارها , هنا رضخ المشترك للضغوط وذلك بالضغط على اهم مكونات الأزمة وهي الساحات اضافة الى التحرك الأممي الحثيث والذي يركز في غالب حالتها على سلامة خروج رأس النظام في أحسن حالته وبالفعل تم تمرير مهزلة قانون الحصانة وتم تدويل الأزمة تحت اشراف بريمر اليمن وسارق ثورات الأمم واستعاد النظام الفاسد وبدأ يمارس مرة أخرى ألاعيبه وذلك بدافع الانتقام المقيت واستخدم بذلك كل اسلوب قذر ومميت لهذا الشعب المظلوم وبرعاية من سادتها ودراية من خصومه واعوانه بدا يخرج بعض الأوراق بالضغط على ما يسمى بحكومة الوفاق وذلك بقصد افشالها وتحقيق مقاصد آنية ومكاسب سياسية وتبين أنه بدلا أن تدور العجلة نحو التغيير الى الأمام انكفأت لتدور الى الوراء وفي تقديري أن ذلك حصل للأسباب التالية

1- أن التغيير المنشود لم يتضح منذ بداية الأزمة اليمنية بل ان دعاة التغيير انطلقوا نحوه كل بحسب مفهومه فالسياسيون أرادوا من التغيير تحقيق مكاسب سياسية كانوا يلهثون وراءها منذ زمن بعيد وراء النظام واستطاع النظام أن يضحك عليهم تحت وطأة الاحتجاجات بإيهامهم بأنه يعطيهم شيء من ذلك وان كان منقوصا وكذا الشباب كان مفهومهم من التغيير هو التخلص من خلل النظام وأعوانه ولم يوسعوا مفهوم التغيير على التخلص من جميع مكونات النظام وركائزه المختلفة

2- ان قبول الأطراف بالمبادرة الخليجية ابتداء واللهث ورائها انتهاء هو ما حقق للنظام طوق النجاة من ازمته الحقيقية فإن القبول بها أدى في المحصلة النهائية الى انقاذ النظام وبالتالي ضيع أهم هدف قامت لأجله الثورات والتغيرات في الربيع العربي

3- ان غياب قيادة موحدة للقيادة وبروز رؤوس مختلفة ذات اجندة مزدوجة أدى الى خلل خطير في مكونات الثورة وبالتالي أفقدها أهم أمورها وهو توازنها وصمودها حتى تتحقق جميع أهدافها وليس القبول بأنصاف الحلو التي من خلالها تم تمرير جميع ألاعيب النظام واستطاع المروق من هذه الأزمة كما مرق من سابقاتها

4-إحجام النخب الفاعلة على الصعيد المجتمعي وظهور الأغلبية الصامتة في موقف المتفرج أكسب الأطراف الفاعلة في الأزمة أريحية نحو التحرك الى خلخلة صفوف المناوئين للنظام وإملاء الشروط عليهم للقبول بحلول وسط لا تمت الى منهج التغيير بشيء ولا في مبدأ الثورات في شيء

5- على الرغم مما تحقق من مكاسب بسبب وجود الاحتجاجات من إبعاد رأس النظام وإحراق بعض أوراقه التي استخدمها وغيرها من مكاسب الا أن ذلك لا يعد شيء يذكر مقابل ارتهان الزمة للخارج واستمرار بقايا النظام في التحكم في مفاصل الدولة المهمة مما أدى الى إفشال استمرا التغيير المنشود .

ولكي تعود عجلة تغيير اليمن الى نصابها الصحيح لابد أن تثبت هذه العجلة على طريق التغيير الصحيح فـ(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فالناظر في حال اليمن يرى ترهلا في سير التغيير الى الأمام نظرا للأمور التالية :ـ

أولا :ـ ما يزال النظام يمسك بمفاصل البلاد الاقتصادية والأمنية وهذين المفصلين هما أساس التغيير في أي تغيير يراد أن يتحقق له النجاح وبالتالي لابد من أخذ زمام الأمور في التخلص من مسكة النظام على هذين المفصلين

ثانيا :ـ أن العودة الى الخارج في جميع أمور الأطراف المختلفة هو ما تسبب حقيقة في ترهل الأمور في الأزمة اليمنية وصدق عليها قول العرب " حتى علمت أنه لن يحك جلدي مثل ظفري " فغالبا ما تدور قرارات الخارج وإملاءاته حول مصالحه أكثر مما تدور حول تحقيق مصالح الداخل .

ثالثا : ـ ان عدم وضوح معطيات الحوار الوطني والذي كان يعول عليه أن يكون المحطة الأخيرة في آخر نفق الأزمة اليمنية المستحكمة تسبب حقيقة في عودة الأزمة الى المربع الأول وهو الباسها لباس الغموض وإيسامها بوسام الإرباك بل استطاع النظام أن يطل برأسه ويملي شروطه مجددا بل ويتطلع أن يصبح فاعلا في معطيات المرحلة القادمة

رابعا :ـ ان ظهور أطراف على هامش الأزمة تملي الشروط وتحقق أجندات ومشاريع خارجية وتقوم اما بالوكالة أو بالنيابة لتحويل اليمن الى ساحة صراع وتصفية حسابات لمشاريع خارجية ليس لليمن فيها ناقة ولا جمل أدى الى إضافة تعقيدات أخرى على الأزمة اليمنية بتسريع التسوية المزمعة .

خامسا :ـ عدم ظهور طرف محايد يقوم بتحقيق أهداف التغيير المنشود أضاع الكثير من الجهد وسمح بتحرك أطراف كانت قد استكانت في بداية الاحتجاجات او اضطرت الى استخدام التقية وركوب الموجة حتى لا تضيع في معطيات المرحلة القادمة لكنها لما رات ان الظروف تسمح لها بالظهور مرة أخرى على الساحة فأبانت عن مكنون صدورها ووضوح أجنداتها

وأخيرا فإن عجلة التغيير في اليمن كما يرى للعين تدور الى الوراء وكأن الأطراف التي تدخلت لحل الأزمة اليمنية إنما كانت تقصد من ذلك التدخل هو أحد أمور ثلاثة اما إنقاذ النظام وبالتالي سلامته , أو إعادة انتاجه او تشتيت جهود المعترضين والمحتجين عليه حتى لا يتحقق لهم هدف ولا تثبت لهم راية