التخلي والتحلي والتجلي
بقلم/ عارف الدوش
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 4 أيام
الإثنين 23 يوليو-تموز 2012 12:34 ص

• المقصد النهائي للحياة البشرية تحقيق مطلب واحد هو الوصول إلى السعادة ولقاء الله عز وجل ولا يظفر بذلك إلاّ من أتى الله بقلب سليم وأعمال صالحة وهم أهل الله وخاصته من جاهدوا لتزكية أنفسهم قال تعالى” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا “(العنكبوت69) فلما كان صلاح الإنسان مرتبطا بصلاح القلب تعين عليه العمل على إصلاحه بالتخلي من الصفات المذمومة والتحلي بالصفات الممدوحة حتي يفوز بالتجلي والفوز العظيم وهو رضا الله تعالى دنيا وآخرة وهذه دعوة للتخلي والتحلي بمناسبة شهر رمضان المبارك التخلي عن العيوب القلبية والتحلي بالأخلاق الإسلامية الحميدة وهي دعوة علمية للنظر في أمراض القلوب وأسبابها وكيفية اقتلاعها وعلاجها وهناك ثلاث خطوات هي\"التخلي والتحلي والتجلي\" فالأولى عبارة عن مجاهدات ورياضات نفسية باطنية وترويض وتهذيب من الإنسان لنفسه من خلال التخلي عما سوى الله عز وجل وتطهير القلب مما علق به من أدران وسموم الذنوب وآثار المعاصي وران الغفلة والتخلي دائماً يكون شاقاً على الإنسان وأكثر ثقلاً على النفس؛ لأنه مخالفة وجراحة واستئصال للتشوهات النفسية وتنقية من الشوائب التي صارت النفس تألفها وتعتادها وتعيش بها سنوات طويلة وهو أيضا يتحقق بأن يغوص الإنسان بداخل نفسه إلى أعمق أعماقها البعيدة حتى يصل إلى قاعها فهناك مصانع انتاج الشحناء والبغضاء والعلل والوهن والتراخي والأهواء والعيوب الخطيرة التي تنحرف بالنفس انحرافًا بعيداً مما ينتج الظلم والمكر والخداع والتحايل والحرص الشديد الزائد والطمع والشَّرَه وهي معان تملأ الباطن بالكدر وتوقظ أسوأ ما في النفس من عادات وأخلاق وردود أفعال.

• أما التحلي فهو تطعيم النفس بالفضائل والمواظبة على إروائها بالذكر والشكر وصدق التوجه والسير إلى الله والتحلي يتم بدوام المراقبة لله عز وجل والانشغال بالذكر والتدبر والتفكر وهذه مرحلة عظيمة يحبها الله ورسوله مصداقا لقول الله تبارك وتعالى”إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين” فكمال الإيمان ونقصانه يدور علي زيادة التحلي بالأخلاق الحميدة وبمجرد التيقن والانتهاء من مرحلتي “ التخلي والتحلي “ تأتي الخطوة الثالثة كنتيجة لهما وهي “التجلي” الذي هو من فعل الله تعالى حينما يرى من عبده صدق المجاهدة والتوجه فيقابل الله تعالى ذلك بفتح أبواب التوفيق ومد أسباب المعونة واصطفاء ذلك الباطن لمناجاته وشرف معرفته فالتجلي شأن إلهي وتصرّف رباني يفعله الله تعالى بتلك النفوس التي قامت بالتخلي والتحلي بحيث يفيض الله على تلك النفس أنوار معرفته وينظر إليها نظر الرحمة واللطف ويجعل الله تعالى تلك النفس راضية مرضية متسعة اتساعاً وطهراً وإقبالاً على الله وتزكية وسمواً ورقياً وعرفاناً ونوراً وبصيرة.

• وانتبهوا إلى أنه لا يمكن للإنسان أن يصنع نفسه بنفسه ولا أن يقوم بإجراءات التخلي والاستئصال وحده ولا أن يجري تلك الجراحة النفسية الدقيقة التي تزيل عيوب النفس المتراكمة وعاداتها الرديئة، بل لا بد من المربي الخبير بتلك المسالك البصير بعلل النفوس صاحب منهج نوراني في تزكيتها قد عبّر على تلك المجاهدات والرياضات من قبل وقد عرف الطريق ومزالقه وعرف ما ينبغي فعله في كل مرحلة وفوق كل ذلك أن تكون آفاقه قد اتسعت فعرف مناهج أهل الله وخاصته في بناء النفوس وتغلغل وغاص في آيات القرآن الكريم ورأى منهجه في بناء النفس البشرية وكيفية ربطها بالمنهج الإلهي وكيفية نزع حجب الجهل والاندفاع والضيق والحمق عنها فذلك الأستاذ المربي هو طوق النجاة الذي يأخذ بيدك في طريق أهل الله ويراقب معك أفعالك في المواقف المختلفة، ويلفت نظرك في كل موقف إلى مواضع الخطأ والمخالفة فيه، لا سيما وهو يقارن أفعالك ويعرضها على أخلاق النبيين والمرسلين وأهل الله المقربين، ثم يغوص معك بداخل نفسك ويصحح معك المفاهيم التي تنتج توجّهك وتصنع رؤيتك وتحدد وتملي عليك ما سوف تقوم به في كل تصرف وفي كل موقف ولا يصنع الرجال والأبطال إلا أمثال هذا المربي وبمثل هذه الطريقة صنع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام وكذلك صنع الأئمة في كل زمن أجيال العظماء من تلامذتهم؛ لأن قضية التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل أمر جوهري في عملية التدين والممارسة، يحتاج إليها الناس أجمعون لتصفية القلوب؛ لأن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى قلوبنا وليس إلى صورنا والتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل للخروج من المشكلات وتحقيق التوازن النفسي ولإصلاح النفوس وزيادة مناعة الأجسام ولإعـلاء شأن المثل والقيم التي تتوقف عليها سعادة المجتمعات.