قراءة في قرار مجلس الأمن (2051)
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 10 أيام
الإثنين 16 يوليو-تموز 2012 08:40 م

يعتبر قرار مجلس الأمن رقم (2051) الصادر بتاريخ 12 يونيو 2012م، هو ثاني قرار متعلق بالحالة اليمنية منذ انطلاقة الثورة الشبابية السلمية أوائل العام الماضي 2011م.

وما يميز قرارات مجلس الأمن تجاه أية قضية من القضايا الدولية، هو أنها لا تأتي منفصلة عن بعضها ولكنها تأتي مترابطة، موضوعياً وزمانياً، بحيث لا يمكن اعتبار صدور أي قرار جديد وكأن القرار السابق له قد انتهى مفعوله. فمثلاً القرار (2014) الصادر بتاريخ 21 أكتوبر 2011م استند في حيثياته إلى كل الجهود التي قامت بها الأمم المتحدة في اليمن حتى تلك اللحظة.

وهنا يأتي القرار الجديد الذي يحمل رقم (2051) ليشير إلى القرار السابق وما تبعه من بيانات، كما هو الحال بالنسبة للبيان الرئاسي الصادر في 29 مارس 2012م وبيان الأمين العام الصادر في 21 مايو 2012م وإلى بيان مجموعة أصدقاء اليمن في 23 مايو 2012م، بالإضافة إلى الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية باعتبارها آلية أممية.

وهذا الربط والترابط يعني أن تنفيذ ما سبق يظل مسئولية قائمة لا تنتهي بصدور قرارات جديدة، وهي رسالة موجهة إلى كل الأطراف المعنية كي لا يظنوا أنهم قادرون على التلاعب واستغلال الوقت للهروب عن الالتزامات المترتبة عليهم. ولذلك بدأ القرار (2051) بالإعراب عن قلقه البالغ إزاء الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والإنساني في اليمن، وكأنه يؤكد أن كل المخاطر لا زالت قائمة، وأن ما جرى من خطوات لم تحقق المطلوب حتى الآن. وفي مقابل هذا القلق هناك رسالة تطمينية مهمة نص عليها القرار السابق وتكررت في هذا القرار أيضاً، وهي أن مجلس الأمن "يعيد تأكيد التزامه الشديد بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله السياسي وسلامته الإقليمية".

بين الإرهاب والاقتصاد

ولاشك أن مجلس الأمن في قراره الجديد هذا، قدّم لليمنيين خارطة طريق الفترة الانتقالية في أبعادها الأمنية والاقتصادية والسياسية. وحاول التعاطي مع مختلف القضايا في السياق الذي يعبر عن وجهة نظره من ناحية، وما يترتب على الجانب اليمني من التزامات مطلوب تحقيقها وتنفيذها.

-فالمجلس ينظر إلى مكافحة الإرهاب باعتبارها التحدي الأمني الأول، وبصورة غير مباشرة يعتبر أن كل الأعمال التخريبية يمكن أن تدخل ضمن الأعمال الإرهابية. ( ) وفي هذا السياق بحاول التأكيد عن وجود دور مباشر يقوم به تنظيم القاعدة، وأدوار أخرى يقوم بها غيره ولكن تحت رعايته. ‘‘يعبر عن قلقه إزاء تزايد عدد الهجمات التي ينفذها أو يرعاها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية...’’ وهي إشارة خطيرة تعكس التفريق بين ما يقوم به تنظيم القاعدة بشكل مباشر وبين طبيعة الأدوار التي تتقمص نشاطات تنظيم القاعدة، وبالتالي طبيعة العلاقة التي يمكن أن تجمع بين بعض الأطراف وبين هذا التنظيم أو المحسوبين عليه.

-ويؤكد مجلس الأمن على موضوع التحديات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي يواجهها اليمن، حيث يرحب بتركيز حكومة الوفاق على تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى القصير، ومن ناحية ثانية يدعو المجتمع الدولي إلى تقديم دعم نشط ومتزايد لمساعدة الحكومة اليمنية للتغلب على ما ستواجهه في المرحلة المقبلة من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية وإنسانية. وفي هذا السياق نجد أن القرار يضع الحكومة اليمنية أمام مسئوليتها في الإعداد والاستعداد المطلوب، حيث يؤكد على "أهمية أن تُتم حكومة الوفاق الوطني إعداد خطتها الإنمائية للسنتين وتتفق عليها لكي يتسنى تحديد مجالات الأولوية السياساتية وطرائق التمويل، إلى جانب تحديد أهم المجالات التي تحتاج إلى إصلاح". وهذا يعني أن الحكومة اليمنية تقف أمام تحدٍ حقيقي، من حيث العمل بمهنية واحترافية عالية حتى تستطيع تجاوز كل العقبات وانتشال الوضع الاقتصادي من حالته المنهارة إلى مستويات متقدمة، ومن حيث عدم تكرار الأخطاء التي وقعت فيها الحكومات السابقة وبالذات في ما يخص آليات العمل مع المانحين والقدرة على استيعاب مختلف التعهدات بشكل عملي واضح وشفاف. وقبل هذا وذاك من حيث العمل على إعادة الطمأنينية والثقة لدى المواطنين اليمنيين الذين جثم كابوس الفساد على صدورهم بدون رحمة، وعمل على إيصالهم إلى حالة من اليأس والإحباط. 

عقوبات محتملة

-من خلال نص البند (3) يؤكد قرار مجلس الأمن أن إجراء الانتخابات العامة سيكون في فبراير 2014م، وبالتالي فإن إنجاز مهام المرحلة الانتقالية هو أمر ملزم، بما في ذلك عقد مؤتمر الحوار الوطني وإعادة هيكلة الجيش والأمن، وإصدار قانون العدالة الانتقالية وتحقيق المصالحة الوطنية، وإجراء إصلاح دستوري وانتخابي. وإنجاز هذه القضايا هو مسئولية مشتركة بين الرئيس وحكومة الوفاق، فالرئيس هادي بيده مفاتيح القرار السياسي والحكومة هي الجهاز الذي يملك أدوات الفعل التنفيذي، ولذلك فإن مستوى التعاون والتنسيق وتوحيد الجهود هو الذي سيحدد درجة النجاح في كل قضية أو مسألة، بل ان أسلوب كل طرف سيكون له انعكاساته الإيجابية أو السلبية على المسار العام، وهو مايجعل الفترة الانتقالية مرحلة اختبار حقيقية، حيث سيعلن المجتمع اليمني بكل فئاته في ختام تلك الفترة حكمه النهائي والقاطع، وذلك على ضوء مشاهداته ومعايشاته ومعاناته وما تولدت لديه من قناعات تجاه طرفي العملية السياسية بمجموعهما كتكتلات أو بصفة أشخاصهما كقيادات سياسية وإدارية. 

-في إطار دعم الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني، يضع مجلس الأمن المناوئين لهما تحت طائلة العقوبات، فهو يطالب بوقف جميع الأعمال التي يُهدف بها إلى تقويض حكومة الوفاق الوطني وتقويض عملية الانتقال السياسي، ويعرب عن استعداده للنظر في اتخاذ مزيد من التدابير بموجب المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة إذا استمرت هذه الأعمال. ومع أن هذه أول مرة يُشير فيها مجلس الأمن إلى امكانيات اتخاذ عقوبات، فإن تحديد المادة (41) يعني أن العقوبات ستكون شخصية وليست عامة، وستتجه نحو القضايا المالية وبالذات تجميد الأرصدة والاستثمارات، وهذا الموضوع مرتبط بخصوصية الحالة اليمنية وبالتركيبة النفسية للقيادات المعنية. 

-وفي سياق ردع المحاولات التخريبية والتقويضية التي قد يقوم بها بعض رموز النظام السابق، فإن مجلس الأمن وبتلميح واضح يضع قانون الحصانة أمام إمكانية الطعن، حيث يؤكد على وجوب محاسبة جميع المسئولين عن أعمال انتهاك وامتهان حقوق الإنسان، ويشدد على ضرورة إجراء تحقيق شامل ومستقل ومحايد ومستوفٍ للمعايير الدولية. وارتباطاً بذلك يذكر الحكومة اليمنية وغيرها من الجهات الفاعلة بضرورة الإفراج الفوري عن المتظاهرين الذين احتجزوا بشكل غير قانوني خلال الأزمة. 

مسئولية مشتركة

-في الوقت الذي يؤكد فيه مجلس الأمن على ضرورة إشراك جميع الفئات في مؤتمر الحوار الوطني، فإنه يعتبر تنفيذ هذا القرار وإنجاح عملية الانتقال السياسي مسئولية مشتركة، بما في ذلك الجماعات التي لم تشارك في التوقيع على المبادرة الخليجية. وفي هذا رسالة واضحة للحوثيين وجماعة الحراك المطالبين بفك الارتباط، حيث يهيب بجميع الأطراف أن تمتنع فوراً عن استخدام العنف لبلوغ أهداف سياسية.

-إلى جانب النص الواضح على دعم التغييرات التي أصدرها الرئيس هادي خلال الأشهر الماضية، فإن قرار مجلس الأمن يضع في الحسبان بروز محاولات معيقة لأية قرارات قادمة، ولذا فإنه "يؤيد جهود الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني الرامية إلى الدفع قدما بعملية الانتقال عبر سبل منها إصلاح القطاع الأمني، وإجراء تغييرات في المناصب العليا في قوات الأمن والقوات المسلحة، وبدء العملية التحضيرية لعقد مؤتمر الحوار الوطني". ولاشك أن مثل هذه النصوص تبدد الشائعات التي تتحدث عن تعديل أو تشكيل حكومي جديد بين وقت وآخر، باعتبار أن عملية الدعم والتأييد هي حزمة متكاملة، فإن هذا يفرض على الرئيس هادي وحكومة الوفاق أن يتعاطوا مع موضوع إزاحة رموز الفساد وإتاحة الفرصة للكفاءات والخبرات المعطلة كخطوة لها أولوية أساسية في عملية الانتقال، وذلك في إطار استراتيجية وطنية شاملة، بعيداً عن الانتقائية وبعيداً عن شعور أي طرف أن له حظوة خاصة، وأنه قادر على لي ذراع الآخرين وتحقيق طموحاته الذاتية على حساب الوفاق وعلى حساب عقلانية أولئك أو مخاوفهم من حدوث انتكاسات هنا أو هناك.

وفي هذا السياق يبدو واضحاً أن هناك قصوراً في الأداء الكلي لأطراف العملية السياسية، فحتى الآن لم تستكمل الأدوات الإجرائية التي حددتها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وحتى الآن لازال هناك من يلعب على عامل الوقت، الأمر الذي حال دون تحقيق الوفاق بصورته الإيجابية عملياً، فقد كان يفترض مثلاً أن يتم تشكيل فريق فني وسياسي مشترك يعمل مباشرة تحت إشراف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وذلك لمتابعة تنفيذ عملية الانتقال السياسي في مختلف الجوانب والعمل على تسريع الخطوات التي تقوم بها الجهات المعنية، وموافاة الرئيس ورئيس الحكومة بكل جديد أولاً بأول.

ولذلك فإن ترحيب قرار مجلس الأمن "بالدور السياسي الذي تقوم به الأمم المتحدة من خلال وجود فريق في اليمن مكون من خبراء لدعم تنفيذ عملية الانتقال وإسداء المشورة إلى الأطراف جنباً إلى جنب مع حكومة اليمن" يثير التساؤل عن الكيفية التي سيقوم من خلالها فريق الأمم المتحدة بتقديم استشاراته وخبراته طالماً أنه لا توجد مرجعية مؤسساتية، وبالتالي هل سيتعامل هذا الفريق مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقادة الأحزاب بصفاتهم الشخصية، أم أن فريق الأمم المتحدة سيتحول بدوره إلى مرجعية تقصده الأطراف اليمنية متى احتاجت إليه، أخذاً للرأي أو حلاً للخلاف.

أنت وشطارتك

-وأخيراً إذا كان قرار مجلس الأمن (2051) قد جاء أكثر وضوحاً في تحديد خطوط ومهام المرحلة الانتقالية، فإن جدية المجتمع الدولي لاستكمال عملية الانتقال السياسي السلمي في اليمن بحاجة إلى تفاعل جاد من قبل الأطراف اليمنية نفسها، إذ لا يكفي الترحيب المعلن بقرارات الأمم المتحدة من هذا الطرف أو ذاك، ولا يكفي الركون إلى الاعتقاد أن الدعم الدولي سيظل مستمراً بنفس الوتيرة خلال الفترة الانتقالية وما بعدها، فقد تطرأ في السنوات القادمة متغيرات تعمل على حرف الجهود الدولية واهتماماتها في اتجاهات أخرى، الأمر الذي يعني أن عدم استغلال الفرصة في وقتها قد يكون سبباً في الخسران والفشل، فالحكمة العربية تقول "ما مضى فات والمؤمل غيب ولك اللحظة التي أنت فيها". ثم إن الدعم والتأييد الدولي يقوم دائماً على مبدأ "أنت وشطارتك" وقاموس السياسة الدولية لا يعترف بثقافة الإتكالية الشائعة في بلداننا. 

Ahmdm75@yahoo.com