دمج الجيش في الحرس أم دمج الحرس في الجيش!!!
بقلم/ د.طارق عبدالله الحروي
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 28 يوماً
الجمعة 29 يونيو-حزيران 2012 01:32 م

قراءة في أبجديات خارطة الطريق الجديدة لإرساء مداميك الدولة المدنية البحرية الحديثة

- من نافلة القول أني عندما قررت تناول هذا الموضوع الحساس والمعقد جدا ومن ثم المؤثر جدا في واقع اليمن دولة وشعبا حاضرا ومستقبلا بعد مرور كل هذه المدة من إثارته من قبل القليل من أصحاب الاختصاص والكثير ما دونهم (والذي لم يكن مرجعه بالطبع قلة التقدير والاهتمام به من قبلنا)؛ من خلال هكذا جدلية مهمة يتوقع لها أن تلقي بحزمة من الأضواء المركزة على زاويا مهمة جدا وغير مرئية للكثيرين وقلما تم تناولها إذا ما صح لنا القول ذلك، لم يكن خاضعا لمعايير تلك اللحظات الفارقة التي تتحكم فيها الصدف في أحيانا كثيرة، وإنما لأنه قد أصبح بالفعل عنوانا كبيرا وأساسيا من عناوين المرحلة الحالية والقادمة التي فرضته المعطيات الظرفية التي رسمت معالمها الرئيسة خارطة الطريق الجديدة ليس هذا فحسب، لا بل وأمرا مهما حتمته خصوصية المرحلة التي نقف على عتبة أبوابها.

- ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الشأن إن الخوض في موضوع إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ومهنية طموحة، يجب وليس ينبغي أن يرتكز على موجهات أسياسية مستقاة من مضمون السياسة العليا للدولة التي تجسد من خلالها أولويات المصلحة الوطنية العليا والمصالح الحيوية العليا للدول المعنية صاحبة المصلحة المشتركة على حد سواء وليس أقل من ذلك، سيما في حال أخذنا في الاعتبار تلك الحقيقة الدامغة في واقع العلاقات الدولية التي تتمحور في مضمونها حول استمرار تنامي حالات التشابك والتقارب ومن ثم التعقيد والوضوح لهذه المصالح على المستويين الداخلي والخارجي.

- أما في حال استمرت دوائر صنع القرار المعنية بهذا الأمر تعمل خارج نطاق حدود هذه السياسة خاضعة لأهواء وأمزجة أفراد داخل السلطة وخارجها على المستويين الداخلي والخارجي، فإنها تكون قد فقدت بوصلة حركتها من لحظة البدء، بصورة ترجح بقائها دائرة في حلقة شبه مفرغة ليس لها نهاية، وعندها بالضبط ستكون قد أضاعت على نفسها ومن ثم على اليمن فرصة تاريخية لا بل وذهبية تراعي فيها عامل السرعة والوقت والكلفة لن تتكرر إلا على فترات طويلة.

- ومن الجدير بالذكر بهذا الشأن أن مهمة إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ومهنية طموحة الملقاة على عاتق اللجنة العسكرية- الأمنية العليا لن يتسنى لها أن تأخذ ذلك المعنى والأهمية اللذان يرنو إليها الكثيرين من عناصر التيار التحديثي التحرري (التيار الوطني المعتدل) إلا في حال ارتقت هذه العملية برمتها إلى تمثيل الحدود العليا من أولويات المصلحة الوطنية العليا ومصالح الأطراف المعنية صاحبة المصلحة الحيوية المشتركة بهذا الأمر، التي أشرنا إلى معالمها الرئيسة في مقالنا المنشور من على صدر الصحافة المحلية الورقية والالكترونية تحت عنوان (قراءة في البعد الاستراتيجي: اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة) أما لماذا ؟

- فيسعني الرد بالقول لأن أية تغييرات متوقعة أو محتملة (وصولا إلى المرغوبة) لا ترقي إلى مستوى الفعل الاستراتيجي المنشود المشار إليه أعلاه بكل أبعاده ودلالاته ومعانيه ومؤشراته، الذي نستطيع من خلاله توفير الضمانة الأكيدة لإمكانية حدوث تغييرات جذرية يجب وليس ينبغي أن تطال واقع ومستقبل المؤسسة العسكرية برمتها فكرا ومنهاجا وأفرادا، في ضوء ما تفرضه خارطة الطريق الجديدة من معطيات ظرفية داخلية وخارجية لها شأنها في هذا المجال.

- سوف تبقى- في نهاية المطاف- جدار عازلا ومن ثم عائقا حقيقا يحول إلى حد كبير دون إمكانية امتلاك المؤسسة العسكرية لزمام الفرصة التاريخية الذهبية المتاحة، التي تستطيع من خلالها الوصول إلى مكامن القدرة الضرورية اللازمة لتلبية متطلبات المرحلة الحالية والقادمة بحدودها العليا المشار إليها في المؤشرات التي أشرنا إليها في مقالنا المذكور آنفا، ومقالاتنا اللاحقة المنشورة في صحيفة 26 سبتمبر بتاريخ 15/3/2012م بعنوان (حول شكل ومعايير نظام الحكم المحلي الأمثل الذي نريده)، وتاريخ 5/4/2012م بعنوان (المحليات...بيئة الثورة الوطنية الرابعة القادمة في اليمن)، وتاريخ 12/4/2012م بعنوان (لمحات مع الدور الحكومي المنشود في المرحلة القادمة).

- على خلفية إن هذا الأمر بحد ذاته يعني إلى حد كبير أن نطاق حدود التغييرات المتوقعة أو المحتملة بهذا الشأن سوف تبقى إلى حد كبير شبه محصورة بتلبية متطلبات آنية محدودة يغلب عليها الطابع المرحلي- التكتيكي أكثر منها الإستراتيجي، لأنها- في نهاية المطاف- لن تطال سوى الشكل أكثر منه المضمون، وهذا الأمر لم يتفق مع متطلبات المرحلة الحالية والقادمة على المستويين الداخلي والخارجي.

- أما منبع هذا الأمر برمته فيكمن في استمرار تنامي حالة التوافق الاستثنائية في تاريخ العلاقات الدولية قاطبة الحاصلة في مضمون الإرادة الداخلية والخارجية التي تؤكد على أهمية لا بل وضرورة قيام الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون، وصولا إلى أهمية تمكين الدولة اليمنية من إحكام سيطرتها على مقاليد الأمور على المستويين الداخلي والخارجي؛ من خلال المساهمة الفاعلة في انسيابية ومرونة انتقال اليمن إلى مصاف دولة النظام والقانون التي سوف تتكفل بمهام فرض النظام والقانون، ومن ثم سوف تمهد لولوج اليمن إلى مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة، أما لماذا ؟

- نرد بالقول باعتباره الخيار الأكثر بروزا وإلحاحا على قمة الأجندة الدولية ومن ثم الإقليمية التي أخذت به دوائر صنع القرار، الذي ثبت بالخبرة الدولية المتراكمة أنه القادر على مراعاة مجمل مصالحها الحيوية إلى حد كبير كما أشرنا إليه في مقالنا الأنف الذكر، والذي من خلاله تستطيع أن تعيد التوازن النسبي المفقود في واقع الحياة العامة الذي أشرنا إلى بعض أهم معالمه الرئيسة في مقالاتنا المنشورة الأنفة الذكر.

- وهو الأمر الذي تصعب إمكانية حدوثه إلى حد كبير دون وجود مؤسسة دفاعية نظامية لها شأنها، قادرة على حماية وضمان تأمين الحدود البحرية والبرية الطويلة، وتتجاوب إلى حد كبير مع طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المتغيرات المتسارعة في البيئتين الخارجية ومن ثم الداخلية، بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع مؤسسات أمنية لها شأنها قادرة على تولى مهام فرض النظام والقانون، على خلفية ما تمثله المؤسسة العسكرية والأمنية من محور ارتكاز لإمكانية قيام الدولة المدنية الحديثة المنشودة من عدمه.

- في ضوء ما تعنيه البيئة الداخلية بهذا الشأن من خصوصية فريدة لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها، سيما في تلك الأمور وثيقة الصلة بمقومات تحقيق الأمن القومي كـ(توزيع الثقل السكاني بين ريف وحضر (71%، 29%) على التوالي، تركز ما يقارب الـ85% من السكان في إقليم المرتفعات الجبلية....الخ، شبه انعدام للوجود السكاني في الشريط الساحلي 2500كم2 (ومن ثم الحدود البرية 1500 كم2)، ضعف القدرة على السيطرة على المنافذ البرية والبحرية، كبر مساحة الحدود البرية والبحرية، تركز الثقل العسكري داخل المدن، ثقافة حمل السلاح، انتشار السلاح بكميات هائلة خارج سيطرة أجهزة الدولة،....الخ).

- ومن هذا المنطلق يسعنا قبل تناول واحدا من أهم التفسيرات التي قد يتفتق عنها ذهن المخطط الاستراتيجي في بلدنا عند سعيه وراء محاولة إعطاء إجابات شبه وافية لمجمل التساؤلات التي قد تثار بهذا الشأن عند يمعن نعمتي البصرة والبصيرة ويجهد الذهن والعقل طويلا، في محاولة الإجابة عن ذلك السؤال المحوري في مقالنا الذي مفاده هل نحن بالفعل نقف أمام خيار دمج الجيش في الحرس أم العكس ؟ وما الفرق بينهما ولماذا ؟

- هو محاولة تفكيك هذه الجدلية إلى محاور أساسية عدة لها علاقة بالسياسة العليا للدولة المفترضة بهذا الشأن التي من خلالها نستطيع تحديد الأهداف والمصالح الحيوية للوصول إلى الغاية المنشودة، قبل أن يتسنى لنا الشروع في وضع تلك المقدمات الأساسية المهمة التي من خلالها سوف تتضح أمامنا الملامح الرئيسة للإجابة المنشودة من خلال ثلاثة محاور أساسية:

- المحور الأول يتعلق بأهمية تحول اليمن إلى دولة بحرية لها شأنها:

- المحور الثاني: يتعلق بمحورية القوات البحرية وقوات الدفاع الساحلي.

- المحور الثالث: محورية إقليمي الشريط الساحلي والجزر في خطط ومشاريع الاستثمار المركزية القادمة.

- وتأسيسا على ما تقدم لا يسعني إلا القول في محضر محاولة الإجابة عن تساؤلنا المحوري أنف الذكر الذي مفاده هل نحن بالفعل نقف أمام خيار دمج الجيش في الحرس أو دمج الحرس في الجيش أم الاثنين معا ؟ وما الفرق بينهما ولماذا ؟ نرد بالقول إن أهم المحددات الرئيسة الحاكمة لمسار الأخذ بمثل هكذا خيار دون الآخر؛ تقرره فحوى السياسة العليا الجديدة الطموحة للدولة التي استعرضنا الجزء الأكبر والمهم من ملامحها الرئيسة آنفا، إلى جانب أن معظم المؤشرات الأولية التي لدينا تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا نقف بالفعل أمام خيار دمج الجيش في الحرس أما لماذا؟

- نرد بالقول لأن وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة بوضعها الحالي لم يتسنى لها أن ترقى إلى هذا المستوى من الأداء والفاعلية وأن تأخذ هذا المسمى كمؤسسة دفاعية نوعية وفريدة من نوعها بين وحدات الجيش لها كيانها وطقوسها وتقاليدها الخاصة التي ترتقي بدون أدنى شك إلى مستوى الجيوش النظامية في العالم والمنطقة العربية خاصة، والقائمة على الأسس والمبادئ العلمية والمعرفية والمهنية والمشبعة بالروح والقيم الدينية والأخلاقية والوطنية؛ بما يرقى بها إلى مستوى شرف الجندية، إلا في السنوات العشرة الأخيرة ونيف.

- على خلفية منظومة التغييرات الجذرية الجارية على قدم وساق الحاصلة في طبيعة ومستوى ومن ثم حجم إطارها العام الحاكم لتوجهاتها الرئيسة بشقيه النظري- الفلسفي والعملي- التطبيقي؛ ابتداء من رؤيتها ورسالتها الوطنية بأبعادها الإنسانية والوطنية والأخلاقية والمهنية...الخ، وصولا إلى الأبعاد التنموية المنشودة التي سوف تتضح معالمها الرئيسة تباعا- وفقا- لطبيعة ونوعية المهام الملقاة على عاتقها في المرحلة الحالية والقادمة كما أشرنا إليها آنفا، ضمن منظومة واسعة من مشاريع التغيير الجذرية التي شملت الجهاز الإداري للدولة بشقه المدني والعسكري على مطلع العقد الماضي.

- ومرورا بنوعية القيادات العسكرية العليا التي امتلكت ذلك النوع من الإرادة والعزيمة ومن ثم القدرة على تحمل المسئولية الوطنية والتاريخية للوصول بها إلى ما يجب أن تكون عليه، وصولا إلى القيادات الوسطى والدنيا، وانتهاء بالجوانب المهنية والإدارية العالية المتبعة في إعادة تأسيسها ومتابعة نموها وتطورها، التي تمت فيها مراعاة كافة الشروط العالمية المتبعة في بناء هياكلها التنظيمية والتشريعية والرقابية والمالية..الخ، وآلية اختيار عناصرها من قيادات وجنود وبرامج تدريبها وطرق معيشتها...الخ، مع مراعاة الخصوصية الوطنية.

- وهو الأمر الذي يعني لنا- في نهاية المطاف- أننا نقف بالفعل أمام مؤسسة دفاعية وطنية من طراز جديد تتبع الجيش اليمني قلبا وقالبا، تتبنى عقيدة عسكرية جديدة؛ تتفق إلى حد كبير مع متطلبات المرحلة الحالية والقادمة في البيئتين الداخلية والخارجية، أخذت عند تأسيسها ومراحل نموها وتطورها بكافة المعايير العالمية في بناء الجيوش النظامية، مع مراعاة خصوصية الشأن اليمني بكل أبعاده، لذلك فقد نالت الدعم والمساندة ومن ثم الرعاية والإشراف الدولي.

- يقف على رأسها خيرة أبناء اليمن من القيادات العسكرية المقتدرة التي تنتمي إلى الجيلين؛ فامتزجت بذلك همة وطموح ومن ثم مرونة القادة الشباب وقدراتهم المتنامية مع رسوخ خبرة كبار القادة وحكمتهم، في حين أن معظم منتسيبها كانوا ينتمون إلى مختلف صنوف القوات المسلحة في الأساس، تم انتقائهم- وفقا- لمعايير مهنية ووطنية عالية في الدقة، إلى جانب ما تشير إليه الدلائل التاريخية بهذا الشأن من حقائق دامغة لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها بالمطلق من أن قيادات وعناصر قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة تنتمي إلى معظم أطياف وشرائح المجتمع على إمتداد الأرض اليمنية بدون أية استثناء يذكر بهذا الشأن، إذا ما صح لنا القول ذلك.

- وبالرغم من ان قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة إلى حد كبير؛ يمثلون- بالدرجة الأساس- وحدة من وحدات الجيش والقوات البرية منها- بوجه خاص- إلا أنه في حقيقة الأمر عند تتبع مسيرتهم من التأسيس حتى النهوض الحاصل في طبيعة ومستوى ومن ثم حجم قدراتهم ومرافقهم الحيوية على مدار العقد ونيف، يجعلنا نجزم بأننا نقف بالفعل أمام نواة حقيقية (إلى حد كبير) وهيكل متكامل (إلى حد ما) للمؤسسة الدفاعية الجديدة المنشودة بكافة صنوفها البرية والبحرية والجوية.

- وصولا إلى تلك الحقيقة الدامغة التي مفادها أن قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ليس لها إلا قيادة عسكرية واحدة وقائد عسكري واحد؛ تنتمي- في المجمل النهائي- إلى التيار التحديثي التحرري ( التيار الوطني المعتدل)، وتقوم على عقيدة عسكرية وطنية جديدة، تراعي إلى حد كبير تمثيل أولويات المصلحة الوطنية العليا بكل أبعادها ومصالح الأطراف الإقليمية والدولية صاحبة المصلحة الحيوية المشتركة، وهو الأمر الذي يجب وليس ينبغي مراعاته عند الشروع بوضع أول حجر أساس في هذا الأمر في الجانبين النظري والعملي.

- وختاما لا يسعني في هذا المقام إلا ان أقف احتراما وإجلالا للرجال الرجال من حماة الوطن في مؤسستنا الدفاعية الجديدة مؤسسة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة قيادات وضباطا وجنودا صناع هذه المعجزة الذين بذلوا من أجلها الغالي والنفيس إيثارا وتضحية ومحبة وصبرا ولم يبخلوا فيها بشيء عنا جهدا ووقتا وعمرا.. عرقا ودما ...الخ، وهو يجسدون فيما مضي من الأيام وهذه الأيام العصيبة على أمتنا أعلى درجات الانضباط والصبر والحزم والتضحية والشجاعة والمرونة والوطنية...الخ، ومن ورائهم للرجال الرجال من رموز وقيادات وعناصر التيار الوطني المعتدل، نعم إنها مؤسسة الوطن الدفاعية الأولى والقلب النابض للجيش اليمني، وأحد أهم أعمدة الارتكاز الأساسية في إمكانية انتقال اليمن دولة وشعبا إلى مصاف الدولة المدنية البحرية الحديثة المنشودة من عدمه، ولقلمي الشرف الرفيع أن يكون معكم أينما كنتم.

والله ولي التوفيق