الانحباس السياسي لا مخرج منه إلا بثورة
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و يومين
الثلاثاء 14 فبراير-شباط 2012 05:47 م

إلى المعنيين بصناعة التغيير والممانعين له

كيف يصنع التاريخ نفسه عندما يوشك الإنسان – الوطن على السقوط ؟

هذه المقالة موجهة للنخبة صانعة التغيير، وتتولى الإجابة عن أسئلة محددة حول « أواليات التحولات السياسية » ضمن ثلاث مجالات: 1-« الكيفيات = البرامج ». 2-« والممكنات = القدرة » وفقا للبيئة الاجتماعية. 3-« والحتميات = مجمل النتائج » التي نصل إليها شئنا أم أبينا. ويدخل ضمن هذه التناولة مجمل الأوضاع العربية الراهنة دون استثناء مع شيء من التفاوت.

في توطئة هذه المقالة لابد من التنويه إلى مؤشرات التحولات السياسية «= مجمل الإرهاصات» قبل الانتقال إلى آلياتها ، ومن هذه المؤشرات مايلي:

-الانحباس السياسي حيث يحتكر طرف واحد « الوطن والدولة والسلطة» بالتحايل أو القهر .

-حين ينحسر دور الدولة والسياسية ليلجأ الفرد إلى أصوله الاجتماعية الأولية بحثا عن حماية أخرى ، وأفول شعب الوطن وظهور شعب السلطة «= مجموعة المنتفعين والمصفقين ».

-حين تقبل السلطة تسليم البلاد والعباد إلى الخارج بطيب خاطر ولا تقبل بتسليم السلطة للشعب

-حين تصبح الرفاهة حتى البذخ، والنفوذ حد السفه، والسلطة حد التوحش، فيصير الحاكم إلها والإنسان عبدا.

في ظل هذه المؤشرات نضع السؤال حول الصيرورة التاريخية أو أواليات التحولات السياسية التي يطل بها التاريخ - حتما- كلما أوشك الإنسان على السقوط ؟

تتخذ حالة السقوط أحد خيارين : 1- « الثورة » من القاع الاجتماعي مع شرط ظهور بوادر طبقة وسطى تتمتع بالوعي وشيئا من الكفاية الاقتصادية. 2- أو « الانهيار » الفوقي للسلطات بحكم الفشل وانتهاء الصلاحية ، ونستعرض الخيارين تباعا فيما يلي:

أولا : الثورة: الهياج الشعبي والغضب العام

إجرائيا احدد لنفسي معنى الثورة بأنها فعل اجتماعي جماهيري عفوي غير منظوم في مواجهة الوضع الراهن، تتمثل في وضع الشباب في الساحات اليمنية أو مطالب الحراك الجنوبي في العمق الاجتماعي، ومن يستهين بالحراك الجنوبي على اعتبار أنه عمل مشتت وغير منظوم فإنه في الواقع اقرب إلى بوادر ثورة وشيكة منه إلى عمل حزبي مسيطر عليه أو عمل اجتماعي ظرفي سيزول، وبالتالي لابد من إعادة النظر في مواقف هؤلاء والدخول معهم في حوار يرضيهم ويستجيب لمطالبهم بدلا من شيوع المواجهة والاحتراب.

فالثورة هي في أحد مظاهرها رفض اجتماعي قد يصل إلى حد المصادمة بين المجتمع والسلطة بشكل سلمي حين لم تعد للقوانين فاعليتها ولا للعدالة حضورها ، وقد تتطور المواجهة إلى عنف دامي لا يكون بعد انفجاره قابلا للسيطرة ، ويتصاعد معها الغصب والكراهية الاجتماعية والتحلل الاجتماعي وانتشار الحروب الداخلية والعنف وتقلص دور المركز وتمرد الأطراف، وعندما حذرنا في مقالة سابقة من الانجرار إلى حرب أهلية إنما ننبه العقلاء « في السلطة والمعارضة » - أيا كان شخوص السلطة والمعارضة - من مغبة الوقوع في المحذور دون أن يكون لنا قدرة على السيطرة على نتائجه بعد حدوثه حتى ولو كانت نسبة احتمال المواجهة واندلاع العنف واحد في المائة.

وفي حالة الثورة الشعبية الخالصة تكون السلطة في صراع مع الشعب الذي يدخل في مواجهة مستمرة معها أيضا. وتظل الدولة مهددة بخطر السقوط وفقا لمسار الصراع .

ولقائل أن يقول إن الشعوب الضعيفة لا يحدث معها مثل هذا، بيد أن الشعوب الضعيفة تسيطر عليها سلطة ضعيفة وقد يكون ضعف السلطة هو بحد ذاته مدخل للتغيير كما هو آت على شكل الانهيار الذاتي .

ثانيا: الانهيار: السقوط الذاتي

السلطة الضعيفة مآلها الانهيار بدون ثورة لأنها تعمد إلى خلق شعب ضعيف لتنجو من الثورة والتمرد والخلع ولكنها في هكذا حال لن تنجو من الانهيار ، وقد فسر المفكر الفرنسي الكس دو توكفيل اندلاع الثورة الفرنسية بأنها حدثت على شكل انهيار ذاتي للسلطات وليس بوقع الفعل الثوري الذي كانت طريقة سالكة اجتماعيا بفعل الانهيار .

وهنا ينبغي أن نفرق بين حجم الانهيار ونوعه، « انهيار للسلطات أو انهيار للدولة » ففي حال انهيار السلطات يظل الانهيار محصورا بها دون مساس بالأرضية الاجتماعية للدولة ويبقى التماسك شعبيا قائما حيث يسهل إعادة البناء ويتم لاحقا تدارك الخسائر الناجمة عن هذا الانهيار، أما في حالة توسع الانهيار ليشمل الدولة فان الوضع يكون اقرب إلى الحالة الصومالية، وبالتالي فان فلول السلطة الساقطة في اليمن سيسعون إلى توسيع الانهيار حتى ينتقموا من عامة الناس تشفيا بإخراجهم من السلطة التي اعتبروها شأنا يخصهم.

من المهم أن نشير إلى أن ثمة صور أخرى للتغيير تختلف باختلاف طبيعة الصراع والمتصارعين مثل :

1-الانقلاب: ينحصر في دور النخبة العسكرية وهو صراع فوقي على السلطة وقد رغب علي صالح بتحويل الثورة اليمنية إلى نمط من الانقلاب ليبطل مفعولها ويعزز المساندة الدولية لصالحه ولم يفلح.

2- المبادرة: منع الانهيار : تيقن على صالح من عدم إمكانية الاستمرار في السلطة لأنه متيقن في قرارة نفسه أن الشعب قرر خلعه دون تردد ولا رحمة وبالتالي فقد سعى إلى استجداء المبادرة الخليجية لتحقيق غرضين : الأول تفادي الانهيار ولم يفلح ، والثاني التسليم والخروج محصنا وبشروط مجحفة للثورة وتعزيز موقفه.

وفي ظل هذه المبادرة حدث شرخ اجتماعي بين بعض الثوار في الساحات والأحزاب الشريكة في الحوار ، وفي هذا السياق فاني بموضوعية كافية أقول : إن ثورة الشباب هيأت للأحزاب مجالا رحبا للعمل السياسي يتميز بالتحرر من هيمنة السلطة والقدرة على المناورة والانتصار بطريق غير ثوري ، وفي المقابل عملت الأحزاب على إنقاذ الثورة من انسداد الأفق والمراوحة في المكان فحصل التغيير – ظاهريا لا جوهريا - سلميا بالاتفاق وليس بالثورة ، بينما الحقيقة أن التغيير حصل بفعل الثورة والسياسة معا وليس بأحدهما.

3- حركات التحرر: البحث عن الاستقلال . وهنا ينبغي أن نحدد أي نوع من الاستقلال ، فإذا كان الاستقلال عن الاحتلال الخارجي فتظل الثورة حركة تحرر للوطن بأكمله، وان كان الاستقلال عن هيمنة السلطة المستبدة فهذا التحرر يغدو ثورة شعبية تؤسس لشرعية جديدة ونظام سياسي وسلطة منبثقة عن الشعب .

خاتمة : إلى النخبة الحاكمة

تنتظر القادمون الجدد إلى موقع السلطة قضايا لابد من التفكير بحلها دون إبطاء واهم هذه القضايا :

- غلاء المعيشة : وحلها يقتضي إصدار قرار فوري وعاجل بعد الانتخابات مباشرة بإعادة أسعار البترول والديزل والغاز إلى سابق عهدها وإعادة التيار الكهرباء إلى المدن المظلمة فقد أثر ارتفاعهما على معظم الأسعار. « للعلم فان سعر الاسطوانة الغاز في مصر نصف دولار بينما في اليمن سعرها الرسمي سبعة دولار » إنها والله كارثة على كل المواطنين. وقرار كهذا قد يرضي عامة الناس ويعزز ثقتهم في الحكومة التوافقية.

- انعدام الأمن : حلها يقتضي إعادة هيكلة الجيش وأجهزة الأمن والسلطة القضائية بصورة عاجلة فبهذه المؤسسات فقط يمكن تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي وتعزيز هيبة الدولة.

- الحراك الجنوبي والحوثية : العدل كفيل بحل الصراعات ولكن بدون إقرار مؤتمر وطني للحوار يشارك فيه كل الأطراف ويفضي إلى إقرار دولة فيدرالية تغدو فيها كل محافظة إقليم مستقل وتكتفي السلطة المركزية بالتمثيل الدولي والسيادة وإدارة الثروة السيادية وتوزيعها وفقا لقانون الدولة الجديدة فان أبواب الصراعات ستظل مفتوحة . وقبل ذلك وعلى عجل نتمنى إن يتخذ الرئيس الجديد أولى قراراته بنقل العاصمة إلى عدن فذلك ادعى إلى تعزيز الأمل.

hodaifah@yahoo.com