نحو مصالحة وطنية يمنية شاملة
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و أسبوع و 3 أيام
السبت 17 مارس - آذار 2007 05:11 م

مأرب برس – خاص

ما تناقلته وسائل الإعلام الحزبية الأربعاء , 14- مارس-2007 ، عن تشكيل الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام لجنة للحوار مع إخوانه في أحزاب المعارضة أمر يبعث على البهجة والسرور ، وأيضاً يبعث على الأمل في التوصل لحل للأزمة الراهنة التي يمر بها النظام ، والتي انعكست بالطبع سلباً على كل الوطن وعلى كل الأحزاب السياسية والعمل السياسي برمته ، والخبر مع ما يحمله من مبشّرات ونوايا سياسية حسنة للجوء إلى مائدة الحوار بدلاً من المراشقات الإعلامية والصحفية ، وتبادل التهم عبر صفحات الصحف .

إلا أنه يحمل العديد من علامات الاستفهام العابرة حول توقيت هذه اللجنة ، وظهورها المتأخر جداً ، وحول مضمونها ، وحول قضايا الحوار التي تريد مناقشتها ، ومدى توفر شرط الجديّة السياسية فيها ، وما الغرض الحقيقي من ورائها ، هل الغرض فعلا حقيقة الحوار السياسي البنّاء أم المراد كسب الوقت؟! ، ريثما تهدأ الفتنة العارمة في صعدة التي فيما يبدوا تؤرق النظام كثيراً؟!! ، أم الغرض من هذه اللجنة فرض إملاءات معينة؟! ، أم أن النظام بدأ يشعر – إن كان بقي لديه شعور- بالوِحدة والوحشة والتفرد والانفراد المقيت على الساحة السياسية لا سيما مع الظروف الراهنة الصعبة والعصيبة والخطيرة؟!، التي من أبجديات إدارتها إدارة سليمة تظافر وتعاون كل الجهود والقوى السياسية رسميا وشعبياً ، وهل فعلاً المؤتمر الحاكم وصل إلى شبه قناعة أن اليد الواحدة لا تصفّق ، وأن الظروف السياسية والاقتصادية والحربية التي تخوضها السلطة تتطلب تظافر كل الجهود الخيّرة لبناء الوطن وانتشاله من السقوط؟؟!! .

كل هذه الاستفسارات وغيرها تتطلب من الجميع الإجابة عليها قبل الخوض في أية حوارات ، فبالإجابة عليها تتضح الأهداف والغايات والوسائل ، وعدم فهم شيء منها معناه التخبط ومضيعة الوقت ، ومسايرة الأهواء الفاسدة والأمزجة المأزومة ، وربما كانت النتيجة مزيداً من الفجوة السياسية بين الحزب الحاكم وإخوانه في باقي الأحزاب الوطنية التي تشاركه همّ الوطن .

ابتداءاً الحوار البنّاء إن كان المقصود منه الإصلاحات وإزالة الفجوات لا مجرد تفريغ الشحنات يعد أمراً إيجابياً تحرص على تعزيزه الأنظمة العادلة الحرة المحبة لشعوبها وأوطانها ، كما أن الحوار هو لغة العصر ، فما من بلد من البلدان المتحضرة إلا وفيه لجنة أو لجان حوار وطني ، تؤلف المتنافر وتقرّب المتباعد وتجمع المفترق ، ولعل الأنموذج الفلسطيني الرائع الذي اختطه حركتا فتح وحماس - رغم أن حماس بيدها مقاليد الأمور ، حسب العرف الديموقراطي - لخير شاهد ودليل على ما نقول ، لكن هل فعلاً تحقق لجنة الحوار المؤتمرية هذه الأهداف والأماني الوطنية؟؟!! .

يبدوا لي أن الإجابة ليست بالأمر الهيّن أو السهل ، فالنظام من طبيعته المراوغة كما أنه يعاني ضعفاً كبيراً في احترام الآخرين ، كما أنّ لديه الأنانية المقيتة والأثرة السياسية ، مما يصعب معه التكهن بالنتائج التي سوف تسفر عنها هذه اللجنة ، بيد أن نجاح لجنة الحوار عموماً تتطلب شروطاً من أهمها:

1) يجب أن تخرج اللجنة من الإطار الحزبي إلى الإطار الوطني ، سواءا من حيث التركيبة أو من حيث الموضوعية ، بمعنى أن لا تكن تشكيلتها حزبية محضة كما هو الوضع الحالي لهذه اللجنة ، لأنها ستكون أكثر توجها نحو الإملاءات الحزبية وفرض الرؤية الأحادية والأجندة الحزبية من هذا الطرف أو ذاك ، الأمر الذي لن يجعل هذه اللجنة بمنأى عن الفشل ، ولا مانع من اشتمال اللجنة على بعض الأطراف الحزبية كونهم المعنيون بالحوار، لكن يجب أن تخرج من الإطار الحزبي إلى الإطار الوطني ، بمعنى أن تعنى بمناقشة قضايا الوطن وهمومه ومشكلاته وأزماته ، لا مجرد مناقشة قضايا الأحزاب وأزماتها ، فمشكلات الوطن ليست بالضرورة هي كل مشكلات الأحزاب ، إذ الوطن أكبر من الأحزاب ، يؤكد ما ذكرته هنا مما يبعث على القلق تلك البنود المعلنة لهذه اللجنة ، فمع أهمية تلك البنود التي بدورها هي محل مطالبة من أحزاب المعارضة كإيجاد ضمانات حقيقية للعملية الإنتخابية ، وتصحيح لمسارها ، لكن هناك ما هو أهم منها في الوقت الراهن ، وهو الوضع العام الذي تمر به البلد والتدهور الأمني والحقوقي والاقتصادي والفتنة الشاملة التي تكاد تقضي على الأخضر واليابس ، أليس لها أولوية - بالضرورة والواقع - لا تقل عن أولوية ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات؟! ، فلِم تستبعد!! مما يجعلنا نميل إلى القول بأن هذه اللجنة المقصود منها حل مشكلات الأحزاب لا مشكلات الوطن ، أو حلحلة هذه الأحزاب ، أو بعبارة أوضح وأصدق حل محنة الحزب الحاكم ومشكلاته وتهدئة بعض الأطراف السياسية إزاء السياسات العمياء التي يسلكها الحزب الحاكم على حساب قضايا الأمة ومشكلاتها الحقيقية .

الأمر الذي يجعلنا نتوجه بمناشدة إلى مصدر القرار في الحزب الحاكم إلى توخّي مصلحة الوطن - التي فيما يبدوا آخر ما يفكر فيه الحزب الحاكم - قبل النظر في مصلحة أو مشكلات وأزمات الحزب بالأحق والأحرى ، هذه المصلحة الوطنية تبدأ بمصالحة وطنية شاملة ، وفق أجندة وطنية لا حزبية .

2) لا بد من إظهار حسن النية وتوفر الإرادة السياسية الكافية ويبدأ هذا بإيقاف حمام الدم الذي يسفك على أرض الوطن ، أعني على صعيد الملف الحوثي قبل كل شيء ، فالدم اليمني أياً كان يجب صونه وحفظه ، ولا يباح بحال إلا إن تعذرت كل وسائل وأساليب المعالجة والمصالحة ، وهي غير متعذرة في الوضع الراهن ، ولقد رأينا كيف استطاع الفلسطينيون إصلاح ذات بينهم رغم العمالة المكشوفة الظاهرة من بعض الأطراف لديهم ، ورغم أنه أوشكت أن تشبّ حرب أهلية شاملة على كل التراب الفلسطيني ، لكن استطاعت الأطراف الفلسطينية معالجة وضعها ، وها نحن نرى حكومة وحدة تكاد تلقى قبولا دولياً إلا من محور الشر أمريكا وإسرائيل ، والبريطانيون على تفصيل لديهم .

إن العنف والسلاح لا يمكن أن يقضي على الفتنة ، والواجب هو تدخل بعض الأطراف المحايدة للمصالحة ، ويقيناً أن الطرف الآخر الذي أنهكته الحرب سيقبل بأية شروط ، ولا مانع من قبول بعض الشروط حقنا للدماء ، وحفاظاً على الأرواح والممتلكات ، ولا يمكن أن ننقل الصورة في حرب 94م إلى الصورة الراهنة لأن الصورتان مختلفتان في تقديري إلى حد كبير .

وإن الله تعالى أخبرنا أن الصلح خير، وأن الواجب هو اللجوء إلى المصالحة ابتداءاً وانتهاءاً فقال سبحانه وتعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}الحجرات9 .

إن الحروب الحديثة بكل التقديرات والمعايير خسائرها أكبر من أرباحها ، وضررها أكبر من نفعها ، إن لم نقل لا أرباح فيها ولا نفع ، نتيجة اعتمادها على الدمار الشامل .

وليس شرطاً أن تجرى المصالحة على أيدٍ يمنية خالصة ، بل يمكن الاستعانة ببعض الأطراف الدولية المحايدة من العرب أو المسلمين ، أو المنظمات والهيئات الإسلامية ، إلا أن يخشى من تدويل القضية ، وأخذها أبعاداً ومسارات أخرى ، على سبيل المثال يمكن أن تدخل وساطة من هيئة علماء المسلمين العالمية التي تحتضن أيضاً بعضاً من العلماء الذين يحظون برضىً وقبول من التيار الشيعي ، أو منظمة المؤتمر الإسلامي ، كون الخلاف ديني طائفي وفكري بالدرجة الأولى .

ويا للأسف لو استطاع المسلمون إيجاد محكمة عدل إسلامية لأسهمت في حل كثير من قضايا الأمة الداخلية ومشكلاتها الطائفية ، سواء في اليمن أو السودان أو العراق أو فلسطين أو غيرها ..وتظهر هنا مدى الحاجة الماسة والملحة لمثل هذه المحكمة .

وإذا كنا ندعو للمصالحة حتى مع الحوثيين الذين يشهرون السلاح في وجه السلطة ، مع ما فيهم من شر وفتنة ، فالأولى بنا أن ندعوَ لمصالحة وطنية شاملة لرفاق العمل السياسي الوطني من الأحزاب الإسلامية والوطنية الحية في البلد ، وحينذاك وعلى قاعدة المساواة والحرية والشراكة وإزالة الاحتقان وضمان حقن الدماء والمحافظة على الممتلكات يمكن أن تثمر لجنة الحوار عملاً إيجابياً مثمراً يخدم الأمة والوطن والملة .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والله تعالى من وراء القصد ،،،

Moafa12@hotmail.com