العدالة الانتقالية
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 19 يوماً
السبت 07 يناير-كانون الثاني 2012 07:56 م

كان كنث روت المدير التنفيذي لمنضمة هيومان رايتس ووتش يتحدث قبل ايام على قناة الجزيرة واصفا بند الضمانات ومفسراً الإقدام عليه بمصدره في دول الخليج العربي التي منحت صالح ضمانات بعدم محاكمته فيما لو استقال هو وحكومته من السلطة.

الحقوقي المتحدث باسم منظمة دوليه كان دقيقا لأنه يدرك أن الأمم المتحدة والعالم المتحضر لا يمنح مثل هكذا ضمانات وليس بإمكانه أصلا منحها. وقد كان دقيقاً في وصفه لمثل هكذا وعود بأنها تمنح المتشبث بالسلطة ترخيصاً لارتكاب المزيد من جرائم القتل من أجل البقاء في الحكم لأنه سيفلت من العقاب فيما لو ترك السلطة، وسيحمي نفسه فيما لو تمكن من البقاء.

من هذه المحددات المعمول بها في دول الغرب وكل منها دولة قانون جاءت جملة العدالة الانتقالية في الآلية المزمنة للمبادرة الخليجية لتخرج الرعاة الدوليين للمبادرة من ورطة الضمانات الممنوحة لصالح من المبادرين في مجلس الخليج العربي . هذه الجملة ليست حشوا فائضا عن المضمون بل مصطلح يشير إلى برنامج متكامل معروف على المستوى الدولي وله مراكز وأدبيات وتاريخ من تجارب التطبيق التي تترافق مع الثورات والتغييرات الجذرية التي تشهدها المجتمعات التي تنتقل من أنظمة قمعية ديكتاتورية مغلقة إلى وضع ديمقراطي جديد ترعاه دولة قانون.

إذن لدينا انتقالان تؤدي إليهما الثورة، انتقال سلمي سياسي للسلطة عبر الانتخابات العامة والانتقال السلمي للمجتمع من وضع إلى وضع عبر برنامج العدالة الانتقالية.

هدف العدالة الانتقالية هو أن ينتقل المجتمع من حالة الديكتاتورية ودولة القوة الباطشة إلى حالة الديمقراطية ودولة القانون بعد أن يكون قد تخلص من مظالم المرحلة المنتهية ويتم ذلك وفق خطوات مدروسة ومنظمة بحيث لا تتورط مؤسسات المحاسبة الجديدة في ثارات انتقامية وتصفيات خارج إطار القانون.

وتشمل المحاسبة فترة الثورة، والعهد كاملا من بدايته ، وتتأسس إستناداً الى الدعاوى الجنائيه ، والملفات التي تعدها لجان الحقيقه لنوع من الساعده في تقصي الحقائق وتحديداً حول الجرائم المشهوده مثل جمعة الكرامه وتقدمها لهذه المحاكم المستقلة . الخطوة الثانية في برنامج انتقال المجتمع هي الإصلاح المؤسسي أو التطهير وتحديدا تطهير مؤسسات الإعلام والقضاء والشرطة، وهي المؤسسات التي على تماس مباشر مع الجمهور.

وكلمة التطهير لا تعني الإجحاف وإنما نقل الواجهات المرتبطة بالعهد البائد إلى وظائف أخرى ليست على تماس مع الجمهور مع الاحتفاظ بكامل مستحقاتهم وحقوقهم الوظيفية.

البند الثالث هو «الاعتراف». ويحيل إلى فتح كل قنوات الإعلام للضحايا ومن تعرضوا للتعذيب ومن فقدوا أحباءهم وكذلك لمن مارس التعذيب أو القمع ويريد أن تتاح له الفرصة للتطهير.

وكل هذه الإجراءات هدفها إدانة الفعل وتدمير أسسه في الوعي الجمعي حتى لا تتكرر الانتهاكات. ويتم ذلك من خلال النقاش العام ومراجعة وخلخلة منظومة ثقافة الاستبداد التي عممت على المجتمع في ظل الإدارة الأمنيه التي رزح المجتمع تحت وطأتها لعقود عجاف

المحدد الرابع للعدالة الانتقالية هو التعويض، ويشمل تعويض الضحايا وتشارك في التعويض الدولة والمؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة.

الخطوة الأخيرة هي تخليد الذكرى بإقامة النصب التذكارية وما في سياقها لتخليد الشهداء وإحياء روح الثورة بصورة دائمة وقد طبق برنامج العدالة الانتقالية في أوروبا الشرقية بداية التسعينات والعراق وأمريكا اللاتينية وجزئيا في المغرب وجنوب إفريقيا.

كانت المملكه المغربيه رائده في المنطقة العربيه حين بادر النظام الملكي اواخر القرن الماضي ببرنامج إصلاح ديمقراطي ، كان فتح ملف سنوات العذاب والتصفيات والسجون الخطوة المحوريه في استحقاقاته . وقي هذا المنحى تم إطلاق السجناء السياسيين وعودة المنفيين ورفع الحظر عن الاحزاب وازاحة وجوه القمع وفتح ملفات التعذيب والقتل وفي صدارتها إغتيال الزعيم المهدي بن بركه في السبعينات ، وتوجت كل هذه الخطوات بدعوة الضحايا أو أقاربهم الى القصر الملكي حيث طلب منهم الملك محمد السادس العفو يعد ان قدم لهم إعتذارعلنيا ً بخطاب مؤثر شاهده المغاربه على الهواء