بين المبادرة والآلية :الشباب والمشترك ما هي المآزق والمآلات ؟؟
بقلم/ د. محمد أمين الكمالي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 28 يوماً
الثلاثاء 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 03:30 م

المطلوب ألان وفي هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ اليمن أن تتم قراءة هادئة وواقعية لطبيعة المرحلة التي نمر بها لكي نستطيع التعامل معها بايجابية وفاعلية ,,وباستعراض مواقف الأطراف المختلفة من الوضع الحالي مع مناقشة بعض جوانب الآلية الموقعة والتي تعدت كونها آلية تنفيذية لتصبح مبادرة مستقلة بذاتها وحسب المعلن والمفهوم أن ما تم التوقيع عليه هو الإلية التنفيذية .

وقد يكون أفضل مدخل لقراءة الوضع الراهن هو كلمات المحامي هائل سلام والد الشهيد نزار وعضو المجلس الوطني الذي أعلن تبرؤه من كل ما تم عندما قال (يبدو أن صالح' بقبوله التوقيع أخيرا يراهن ضمن ما يراهن عليه على ضرب الساحات ببعضها..وضرب المشترك بالشباب.ندرك حجم الغضب والتذمر والسخط,, لدينا مواقف ومآخذ تجاه/وعلى المشترك..صحيح..مستائين من الأداء السياسي للأحزاب' أكيد..مواقفنا ومآخذنا مبررة' ممكن. ولكن في جميع الأحوال'علينا الا نمكن صالح من تحقيق أغراضه..وللشباب أن يستعيد زمام المبادرة'ولكن دون اصطدام مع الأحزاب..ولكل مشكلة حل.علينا ان نسعى لحل مشاكلنا على نحو نغلب فيه المصلحة العامة..ولنا ان نستمر في نضالنا من أجل تحقيق أهدافنا ومبادئنا ومطالبنا' بإصرار وعزيمة..أكثر من ذي قبل..ولكن دون خصومات او إتهامات أو تخوين ).

وبعيدا عن التخوين ولطرح روئية ومنظور مختلف فاللقاء المشترك لم يوفق في طرح رؤيته وتبريراته والأطر التي تحرك خلالها وربما يعود ذلك إلي عدم قيامه بالتشاور الكافي مع شباب الساحات ليبين ما هي الظروف التي أجبرته علي التوقيع وخصوصا أن الطرح الأولي للقاء المشترك أننا نوافق علي المبادرة والتعديلات لان الطرف الأخر لن يوافق عليها وبالتالي نقوم بإحراجه أمام المجتمع الدولي وهذا كان جزء من عدم الوضوح والصراحة في خطاب اللقاء المشترك الذي أتى بنتائج عكسية فالمشترك لم يرد أن يقول إن خياراتنا كانت محدودة والوضع الاقتصادي في اليمن وتكلفة الحرب المفتوحة اكبر من أن نتحملها سياسيا واقتصاديا وإنسانيا وأننا كنا نناضل للوصول إلي مبداء أساسي ومهم هو الرحيل ونحاول حشد دعم إقليمي ودولي لذلك ولم يكن ممكنا إلا بالتنازلات التي قدمناها حيث لم يكن في مقدورنا مواجهة علي صالح وهو يتمتع بغطاء دولي وإقليمي إضافة لامتلاكه لقوة عسكرية ومالية ولم نرد تحويل الثورة إلي نزاع عسكري معه خصوصا مع عدم وجود قيود أو حدود أخلاقية أو إنسانية له ولا يوجد ما يمنعه من تدمير البلد في سبيل الحفاظ علي السلطة وعلي آسرته ولن يسلم إلا بعد تحويلها إلي محرقة لا يوجد بها حجر علي حجر .

وقد لا يكون لعلي صالح الاندفاع أو البطش الذي يتميز بهي بعض الزعماء أو علي الأقل هذا ما يبدو للناظر من بعيد انه أكثر تساهلا خصوصا مع قدرته علي الخداع والإيهام واتهام الغير بجرائم يرتكبها هو وأسرته ولا يتردد حتى في اتهام الضحايا ,, ولكي نتجنب المسارات الدموية خصوصا أن نهاية ألقذافي قد تدفعه للتهور ولا نقول شجاعة الخائف والمذعور ,,وهذا الوضع الذي دفعه لطلب المبادرة الخليجية مع اعتراضه الدائم عليها والذي لم يفهمه البعض رغم أنها تعطيه الحماية والحصانة له ولأسرته إلا أن صالح يعرف أن الحصانة الحقيقية له هي بقائه في السلطة وضمن معادلة التوازن الهش في اليمن ,,وشكل التوقيع علي المبادرة تنازل منه ولو تكتيكيا – أظهرته ابتسامته المتوترة عند التوقيع ويده المرتعشة عند تسلم الورقة كأنما يتسلم حكم الإعدام- لأنه سيصبح مقيد بمبداء الخروج من السلطة وكذلك تشل يده عن التدخل المباشر وسيكون الوفاق الوطني قيد والية ستحاصره وبقايا أسرته في السلطة وهذا ما اعتقد أن المشترك أراد قوله علي لسان الناطق الرسمي الأستاذ محمد قحطان عندما صرح (في تصريح لقناة الجزيرة " ما وقعنا عليه ليس إلغاء لثورة الشباب وإنما هو لتوفير لهم مناخ أفضل لمواصلتها والسير في تحقيق أهدافها " ، قائلا " الشباب اليمني الآن يستطيعون مواصلة ثورتهم في ظل دولة لا تقتلهم " .وذكر أن مطالب الشباب كثيرة ، وإذا لم يتم الاتفاق الذي وقعناه يستطيعون السير في ثورتهم والمطالبة بتحقيق الأهداف التي خرجوا من أجلها " .).

فالمشترك لم يستطع أن يقولها مباشرة هذا أقصى ما استطعنا الحصول علية والسياسة فن اخذ الممكن والدور الحقيقي لإكمال الثورة سيكون علي الشباب وحدهم الذين يجب عليهم إكمال المسيرة وقد أصبحوا أكثر حرية من سيطرة وعوائق الأحزاب التي أصبحت بحكم الواقع جزء من المنظومة السياسية الجديدة تاركة الساحات للقوى الشبابية وقد بدئت الاتهامات فعلا من جانب الحاكم وحلفائه أن المشترك يلعب لعبة الدورين مع الشباب لنقض الاتفاق - مما يعكس رغبة الحاكم نفسه في تبرير نقض الاتفاق – متناسيا أن احد أهم انجازات المشترك والتي أحجم عن التصريح بها هو رفضه لفض الاعتصامات او الالتزام بالعمل علي ذلك كونه يدرك أن هذا من الثوابت التي لا يجب التنازل عنها وهو المدخل الذي أراده الحاكم لوئد الثورة وإثارة الشقاق .

قد تكون احد الأسباب التي جعلت المشترك يظهر كالعاجز وهو يتعرض للهجوم والتخوين هو إدراكه لحجم القصور والتنازلات التي اضطر لتقديمها ليستطيع المسير في رؤيته للحل هذا القصور الذي بداء خصوم الثورة من الحاكم وأتباعه بإثارتها وكأنهم غيورين علي الثورة أكثر من الثوار .

الملاحظات والمأخذ علي الآلية كثيرة والتي تتنوع بين انتقادات بنيوية وعامة تتعلق بأساسها والأطر والتطبيق والبعض الأخر تفصيلي و يصب في تحويلها إلي مجرد هدنة ومدخل لمعركة السيطرة علي السلطة من جديد :

-المبادرة التي من المفروض أن تحول الرئيس إلي رئيس منزوع السم – أو الدسم – كبديل عن التنحي أو الاستقالة الفورية كمخرج وسط بعد تعنت الحاكم في التوقيع واستمراره في ارتكاب المجازر والجرائم ,, بدلا من ذلك جعلت الرئيس الساقط الشرعية منذ أن ارتكبت أول جريمة قتل ضد متظاهر سلمي عاد أكثر شرعية من أي وقت مضى علي الأقل بالنسبة للموقعين فخصومه السياسيين – وليس الثوار – قبل حزبه وحلفائه يضمنوا له هذا الوضع خلال الفترة الانتقالية الأولى .

 -حكومة الوفاق – وليس العهد والاتفاق كما يقول الجندي – والتي من المفترض أن تخفف الأجواء وتمهد للتغيير وتشكل أرضية مناسبة للشباب لاستكمال نضالهم حسب رؤية المشترك ,,بدئت بوادر التصريحات الإعلامية وتحركات صالح لتظهر أنها ستكون المدخل لتفجير الأوضاع وافتعال الحرب .

 -ما لم يكن الموقعون في الرياض قد وقعوا علي المبادرة مع الآلية أو إن التوقيع علي الآلية يجزي عن المبادرة فان ما تم التوقيع عليه هي الآلية حسب ظاهر ما تم إعلانه والتي يحسب لها أنها لم تحتوي ضمانات قانونية أو حصانة إلا أنها أيضا لا يوجد فيها أي بند يمنع الرئيس من ممارسة مهامه بل تفويض للنائب بممارسة مهام معينة وليس الحلول محله فحتى الدعوة إلي الانتخابات الرئاسية تأتي من النائب بتخويل من الرئيس وخلال فترة الثلاثة قروء - التسعين يوم – يمكن أن يقوم الرئيس المجمد في الفترة الانتقالية بمحاولة القيام ببعض المهام مدعيا انه ذلك لا يتداخل مع تفويض النائب وهو ما بدئت بوادره بتهنئة الجيش بحلول العام الهجري والتوجيه للداخلية بالتحقيق في خروقات .

-الفقرة 14 نصت أن النائب بالإضافة لصلاحياته يمارس الصلاحيات المنصوصة في المادة والنائب في اليمن لا صلاحيات له أصلا ثم إن حصر صلاحياته بنقاط محدده يفتح باب التأويل عن أحقية الرئيس بممارسة الصلاحيات مشاركة مع النائب أو التحرك في الصلاحيات غير المنصوص عليها ,, يؤكد ذلك الجزء ب من نفس المادة التي تعطي النائب كافة الصلاحيات فقط في ما يتعلق بمجلس النواب المطط والمدد والجزء ه التي تجعل مهام النائب في إدارة العلاقات الخارجية محصور بالمدى الضروري لتنفيذ الآلية أي أن ما يخرج عنها يصبح من اختصاص الرئيس خلال الفترة الانتقالية الأولى ومما يمكن سحبة أيضا علي الأمور المتعلقة بصفقات النفط والسلاح المرتبطة بمنصب الرئيس والقائد الأعلى للجيش .

-العديد من الثوابت التي تخلى عنها المشترك ومنها محاسبة القتلة والتي لا يقتصر ضررها علي الماضي أو مجرد وفاء للشهداء الذين قدموا أغلى ما يملكون حياتهم لكي نعيش نحن حياة أفضل ,,ولكن حتى العواقب السياسية والإستراتيجية لذلك فمن امن العقوبة أمعن في الغي كما يقال والدليل علي ذلك الاعتداءات المستمرة التي لم تتوقف في تعز وأرحب وغيرها وحتى العاصمة التي لازالت تستهدف حتى بيت النائب لم يسلم .

-المحافظة علي الدماء وتجنب الخسائر الإنسانية والذي كان المبرر الرئيسي للمعارضة للتوقيع سيصطدم بنقطة إعادة هيكلة الجيش,, فاللجنة العسكرية والأمنية المسؤلة عن إعادة الهيكلة هل تستطع إقالة القادة من الأسرة الحاكمة أم إنها ستكون النخلة التي تقصم ظهر البعير ,,فالاتفاقية بالنسبة للحاكم خطوة تكتيكية للنقض وبدء الصراع من موقع مختلف بعيدا عن الحصار الدولي وحالة الإدانة للجرائم والتعاطف الذي يحظى بهي الشباب والذي أظهره الترحيب الدولي بتوكل كرمان .

-الفقرة 13 ج من الآلية تقول بالتزام حكومة الوفاق بكافة قرارات مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان فكيف ستتعامل الحكومة إذا طرحت أسماء ممن فيها كمرتكبين للانتهاكات التي حصلت والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت وإذا حاولت الحكومة ذلك هل سيؤدي إلي تفجير الأوضاع أم أن الحكومة ستكون بمثابة الحصانة السياسية لهم .

-البند الخاص بان يكون النائب مرشح توافقيا للحزب الحاكم والمعارضة وتتحدث بعد ذلك آلية بن عمر مقررة فوز هذا المرشح التوافقي سلفا فما الجدوى من عمل انتخابات أصلا ,أم أن الغرض منها إعطاء شرعية انتخابية للنائب الذي سيصبح رئيسا وكان يمكن الاكتفاء بالتوافق علية سياسيا أن يصبح رئيسا انتقاليا وتترك الشرعية الانتخابية للمرحلة الدائمة بعيدا عن التزوير والتزييف والاستغفال .

-الفقرة 12تفوض النائب كحكم بين الأطراف المختلفة في الفترة الانتقالية في حال عدم التوافق ,فما هو مدى الثقة بالنائب وخصوصا انه لا يسيطر بشكل فعلي وحقيقي علي الحزب الحاكم وسيحاولون فرض أجندتهم عليه كممثل لهم وفي حال الاختلاف سيكون للطرف الذي يقف معه النائب قوة سياسية ودبلوماسية داخلية وخارجية وهذا ما تكرر ذكره في الفقرتين 8 و12 .

 -البنود الخاصة بمؤتمر الحوار الوطني وتحقيق العدالة الانتقالية والتعامل مع انتهاكات حقق الإنسان والإعداد لدستور جديد ؟؟ تطرح أكثر من تساءل فالتصالح والمسامحة يتطلب المكاشفة والمحاسبة .

 -في الجزء الخاص بالأحكام الختامية تطلب الآلية من الحكومة توفير التمويل للمؤسسات والنشاطات التي تتطلبها الآلية مع ملاحظة غياب الضمانات الاقتصادية والمساعدات في الاتفاقيات والآليات وخصوصا أن اليمن يرزح تحت ظروف صعبة لم تنشاء في فترة الثورة ولكن خلال المرحلة السابقة كلها .

ونتيجة للأخطاء والعيوب الكثيرة والكبيرة التي تكتنف مبادرة الآلية يجب علي الشباب كل الشباب ( المستقلين منهم والمتحزبين ) أن يدركوا ما يلي :

1. إذا كان اللقاء المشترك والسياسيين المخضرمين يطرحوا أن هذا أقصى ما استطعنا الحصول عليه وان السياسة فن الحصول علي الممكن فان الثورة هي فن تحقيق المستحيل وإذا كانت الواقعية السياسية أملت عليهم القبول بما هو موجود فان الواقعية الثورية ليس لها حدود وهي التي جعلت الشعب اليمني يتمرد علي كل حسابات القوة والنفوذ والتوازنات الدولية ويخرج للساحات والميادين طالبا غد أفضل .

2. إذا كان الوضع الحالي كما يصف البعض هو أن الكل خسران حسب لعبة لا غالب ولا مغلوب فالتوقيع لا يجب أن يكون كالصخرة التي وقعت علي رئوس الثوار بل يجب أن يضعوها كحجر تحت أقدامهم للوصول إلي أهدافهم .

 3. بوجود السلطة الجديدة متمثلة بحكومة الوفاق والمعارضة الجديدة الممثلة بالقوى الثورية يكون النظام القديم قد آل للسقوط وهناك نظام جديد يتشكل يجب أن تكون لهم فيه كلمة الفصل ليأتي محققا أهداف الثورة .

4. بالنظر إن علي صالح قد خرج من موقع المواجهة في الصراع –ولم تخرج أسرته- وانتقل لمحاولة الحكم من خلف ستار وإظهار النائب كواجهة إلا أننا لا ننسى إن علي صالح آتى لحكم اليمن كواجهة لقوى أخرى ثم أمسى في حكم اليمن أطول من غيره وعبد ربه ألان أصبح يمتلك قوة سياسية ودعم دبلوماسي وخارجي مما يستوجب بناء رؤية إستراتيجية للتعامل مع المرحلة القادمة بدخول لاعب جديد ومهم في الساحة .

5. المطلوب أيضا من الشباب كل الشباب المستقلين منهم والحزبيين أن لا يتنازلوا عن ثوريتهم وأحلامهم وأهدافهم فالأحزاب والقيادات القديمة لن تقدم الكثير وقد يكون هذا أقصى ما يستطيعون فلا تطلبوا منهم ولا تتوقعوا أكثر ,,فانتم من سينتزع الحقوق انتزاعا ويجب عليكم إعادة تنظيم أنفسكم وتفعيل الوسائل الثورية مع تطوير آلية التحرك والقيادة والتواصل والتمثيل والاستمرار في النضال والثورة بغض النظر عن التغيرات والسيناريوهات القادمة .

 6. الملف الحقوقي والإنساني لمحاسبة المجرمين ومرتكبي جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية يكتسب قوة معنوية وأخلاقية كبيرة يجب الاستفادة منها وتحويلها إلي واقع ومنجزات علي الأرض بما يخدم أهداف الثورة اليمنية وهذا ما بدأته توكل كرمان وما تعنيه الناشطة الحقوقية أمل الباشا عندما تقول (والله لو توقع عشرات المعاهدات السياسية ,ولو بهدف وقف جرائم جسيمة محتملة وحقن الدماء وفقاً لحسابات الكلفة الإنسانية, فإن الجرائم ضد الإنسانية تبقى محل المسائلة القانونية ولا حصانة لأحدٍ منها, فلا اتفاقات الساسة ولا الصمت يسقطها ولو مضت عشرات السنين, هذا ما يؤكده التشريع الوطني والقانون والعرف الدولي الجنائي, فلنشمر السواعد ونبدء طريق الألف ميل في سبيل المحاكمات العادلة لجميع القتلة, من هنا فقط نبدء بتأسيس دولتنا المدنية).