أغبياء وهم يختارون عن عمد, أن يكونوا طغاة
بقلم/ هناء ذيبان
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 27 يوماً
السبت 21 مايو 2011 09:25 م

الحقيقة أننا عندما نؤرخ للرؤساء العرب, علينا أن نأخذ حدثا تاريخيا كبيرا وهو أن جميعهم (من سقط, ومن ينتظر) متشابهون, متماثلون ولو في قول كلِّ واحدٍ منهم: "إنَّني لستُ غيري"! وهذه إحدى سمات الخطاب السياسي والإعلامي, في زمن (السقوط- النهوض)

أما السمة الثانية فهي الاستهداف، فكل نظام حكم عربي، أكان من جيمٍ أم من ميمٍ، يُصَوِّر نفسه وكأنَّ شعبه لا يميِّز الصورة من الأصل, على أنَّه "المدينة الفاضلة"، التي لا تَغْبِطها دولة، وتحسدها كل الدول؛ وكأنَّه مُذْ أبصر النور وهو في صراع دائم لا يلين ضدَّ المتآمرين عليه، والمتربِّصين به الدوائر، فهذا مُسْتَهْدَفٌ في مناعته القومية، فهو الصمود والمقاومة والحارس الأمين للقضايا والحقوق القومية العربية، والصخرة الصلبة التي تكسَّرت عليها مؤامرات الأعداء القومية، ومؤامرة "الشرق الأوسط الجديد" على وجه الخصوص، فإذا ذهب ذهبت الأُمَّة، ولن تُبْعَث أبداً؛ وذاك مُسْتَهْدَف في أمنه واستقراره؛ فهو لِفَرْط الأمن والاستقرار فيه يُضْرَب به المثل عالمياً، ويحسده الحاسدون مِمَّن حرمهم الله هذه النعمة التي هي عينها النقمة، ( نقمة الحُكم على الشعب) إذا نادى بحقوقه السياسية والديمقراطية، ونزل إلى الشارع منتصِراً لها، فإمَّا أنْ يَنْعُم الشعب بما يَنْعُم به قطيع الغنم من أمن واستقرار في حظائر الحُكَّام وإمَّا الحرب الأهلية والاقتتال والفوضى والصوملة..؛ وذلك مُسْتَهْدَفٌ في ثراء شعبه، وعُلوِّ مستوى عيشه، وكأنَّ فقراء العرب يكيدون له، ويتحيَّنون تأميم ثرواته، أي جعلها مُلْكاً للأُمَّة.

وسمة ثالثة مشترَكة هي لولا المحرِّضون وتحريضهم فإنَّ الشعب راضٍ قانعٍ، موالٍ مؤيِّدٍ، مؤمِنٍ لا يُشْرِك بوليِّ أمره؛ لكنَّ الأشرار من المحرِّضين، المتوفِّرين على إثارة الفِتَن والقلاقل والاضطِّرابات، هُمْ الذين أثاروا الشعب على حاكمه، مُخْرجين مئات الألوف والملايين من المواطنين (الصالحين المسالمين) من بيوتهم إلى الشوارع والميادين والساحات.

وإلى هذا الزَّعم يضيفون زَعْماً آخر مناقضاً؛ لكن من غير أنْ يروا تناقضاً؛ فكل هذا الاحتشاد الشعبي المنادي بما يُغْضِب وليِّ الأمر ولا يرضيه لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، عدم وجود الغالبية الشعبية الصَّامتة، أي التي تقول في صَمْت إنَّها مع وليِّ الأمر ولو لم يكن مِنَّا، أو منها.

لقد أضرب آلاف العمَّال؛ فحار "الكهنة" في التفسير والتعليل؛ ثمَّ عرفوا السبب فَبَطُل العجب, إنَّ مُحرِّضاً قد حرَّضهم على ارتكاب إثم الإضراب، وما كانوا ليرتكبوه؛ فإنَّ ظروف وأحوال عملهم وعيشهم، وأجورهم، لا تكفي تفسيراً وتعليلاً، فالمحرِّض مع تحريضه هو وحده السبب، أو السبب الدخيل في العلاقة الأُسرية بين العامل وربِّ العمل.

السمة الرابعة المشترَكة هي أن وليُّ الأمر، لا اعتراض لديه على حقِّكم الديمقراطي في التجمُّع والتجمهر والتظاهر والاعتصام, على ألاَّ تُعَرْقلوا السَّير، وتَقْطعوا أرزاق العباد, والشعب يُحْسِن صُنْعاً، ويُوازِن خير موازَنة بين حقِّه هذا وحقوق الآخرين، لو نَصَب خياماً للاعتصام في الصحراء، أو في ما يشبهها من أمكنة فسيحة لا ضرر من الاعتصام فيها إلى يوم يُبْعَثون! أمَّا إذا أبيتم فلا تلوموا إلاَّ أنفسكم إذا ما ثار المتضرِّرون (من المواطنين) عليكم، وأوسعوكم ضرباً بالعصيِّ والحجارة والسكاكين والغاز المسيل للدموع أو حتى بالرصاص,

وكان علي مُعَلِّماً ومُخْتَرِعاً ومُكْتَشِفاً؛ وكيف له ألاَّ يكون كذلك و"الحكمة يمانية"، ولو كانت حكمةً للحُكَّام في رُبْع الساعة الأخير من زمانهم؟!

السمة الخامسة المشترَكة "اطلبوا الإصلاح، فالحاكم لا يقلَّ عنكم طَلَباً له؛ لكنَّ عليكم ألاَّ تطلبوا منه كثيراً، فإذا اقتنعتم بطلب القليل منه فإيَّاكم أنْ تطلبوه سريعاً؛ فالإفراط في طلبه، تفريط في تلبيته، والعجلة من الشيطان.

إذا قرَّر الحاكم أنْ يَحْكُم شعبه بقوانين منافية تماماً للديمقراطية، وإنْ ألبسها لبوس المصلحة العامة، أو مصلحة الوطن والمواطِن، فإنَّ قراره يأتينا سريعاً، وكأنَّه أمْرٌ يقع بين الكاف والنون؛ أمَّا إذا ثار الشعب عليه، ودعاه إلى أنْ يلغي سريعاً ذلك الذي قرَّره سريعاً، فإنَّه يشرع يُحدِّث شعبه عن خَلْق الله للسماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وليس من طريق أمْرٍ يقع بين الكاف والنون؛ فقرار الإلغاء يحتاج، عندئذٍ، إلى لجنة يؤلِّفها، وتعكف على البحث والدراسة، توصُّلاً إلى حسم الأمر، إيجاباً أو سلباً؛ فربَّما اكتشفت، بعد نقاش مستفيض، وحوارٍ جاد، أنَّ مضار الإلغاء تفوق منافعه!

لقد وَعَد الحاكم شعبه الثائر عليه، بالإصلاح؛ لا بل بإصلاح كل شيء، وبحفظ وصون حقوقه، بعد إقراره بشرعيتها، مؤكِّداً صِدْق زعمه ووعده بإكثاره من "سَوْف" التي هي دائماً أطول عُمْراً منه, أمَّا إذا كان مطلب الشعب "ارْحَل" بعد حكمه له عشرات السنين فإنَّه قد يستخذي ويُذْعِن ويمتثل لهذا الأمر الشعبي؛ لكن ليس "الآن"، وإنَّما بعد بضعة شهور؛ فالصابر دهراً يصبر شهراً! يقول ذلك، لابساً لبوس الحكمة، وهو يَعْلَم أنْ ليس من الحكمة في شيء أنْ تدعو الحامل إلى أن تَلِد جنينها، الذي اكتمل نموه إذ أصبح عمره الآن (في رحمها) تسعة أشهر، بعد بضعة أسابيع؛ إنَّه يدعوها إلى أنْ تؤجِّل حتى يموت الجنين في رحمها ..

 إنَّه لخطاب يليق بأسوأ حاكم لخير أُمَّة أُخْرِجَت للناس! وإنهم لأغبياء, عندما يختارون جميعهم عن عمد أن يكونوا طغاة..!