السعودية ومحاور الالتفاف على الثورة
بقلم/ محمد احمد العقاب
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 18 يوماً
الإثنين 09 مايو 2011 11:54 م

في لحظات حاسمة ومنعطفات تاريخية هامة في مسيرات الشعوب تنكشف الكثير من الأقنعة الضبابية لسياسة بعض الدول نحو الأخرى ، هي لحظات فارقة وان ظهر عليها المراوغة أو النفاق السياسي ، إلا أن الجميع أصبح يقرا خفايا السطور والفرق يكمن بان البعض منا يقرا بصمت ، في حين يرى البعض أن ثمة أمانة أخلاقية ومهنية توجب على البعض الأخر الكلام بصراحة دون مداهنة في ظرف يتطلب منا الوقفة الصادقة بالكلمة أو الحرف ، وما نستطيع القيام به من اجل وطن يقف بين حلمة وكابوسه سياج صنعه وعززه ما يسمون بالأشقاء ؛ حفاظا على وصية او خوفا من حسابات تتعدى المألوف .

وهذا النفاق السياسي ليس غريب على الأشقاء فهو سمة من سمات الأعراب قديما وحديثا فقد وسمهم الله سبحانه وتعالى بقولة (الأعراب اشد نفاقا ) فان ترجمة واضحة للمضمون تبرز اليوم جلية من خلال الدور السلبي الخليجي المناوئ للثورة الشعبية اليمنية المشروعة ،والذي يمكن إسقاطه بصورة واضحة على الدور السعودي المتناقض والمتداخل سياسيا واجتماعيا وأيدلوجيا والتي تحاول من خلاله المملكة سرقة حلم الملايين من اليمنيين الثائرين في ميادين التغيير والحرية عبر العديد من المحاور التي يمكن تلخيصها بما يلي .

المحور الدولي : ثمة أسئلة تتبادر إلى أذهان الجميع من متابعي الشأن اليميني عن الصمت الدولي والفشل الذر يع للمنظومات الدولية والإقليمية باتخاذ أي خطوات يمكن أن تؤثر ايجابيا على النظام الحاكم في اليمن ، او على الأقل محاكمة البعض من الذين تسببوا بقتل الأبرياء مما ولد لدى اليمنيين شعورا بالإحباط واليائس في هذا الجانب ، وشعرنا بان هناك استرخاص للدماء اليمنية العطرة التي تفوق (500) شهيد منذ بزوغ فجر الثورة والتي لا ذنب لها سوى أنها حلمت بربيع زهوره الحرية ورائحته استقلالية القرار والإرادة السياسية ، فكان غض الطرف عن كل جرائم النظام هو السمة الظاهرة خلال يوميات الثورة وهذا ليس عائد للدور الدبلوماسي اليمني للنظام او العلاقات الدولية ، وإنما لضغط الحليف الاستراتيجي لصالح المتمثل بالمملكة بكافة المحافل الدولية وبطرق غير مباشرة وغير معلنه كانت السعودية هي من يضع حبر مسودات أي نقاش سياسي حول اليمن او مستقبله ومستقبل ثورته ، فا حجمت المملكة بذلك دور المنظمات الدولية وأصبحت تنظر إلى اليمن من خلال عدسة المملكة وتصورها .

المحور السياسي الداخلي : وتمثل بالمبادرات المتعددة الصيغ والنسخ والتي صيغت بحسب الحالة والمزاج المتناسب مع صالح ، والذي عمل جاهدا في صياغة شروط فصلت بنفس الطريقة التي فصل بها الدستور من اجل الاحتيال والالتفاف على الثورة تحت مسميات براقة كالشرعية الدستورية والدستور في بلد لا شرعية فيه إلا للغاب ولا دستور إلا للقبيلة ،،، بل وفروا من خلالها غطاء قانوني لجرائم النظام والتي كان للجارة الشقيقة يد طولا في صناعتها أو حياكة خيوطها .

وقد تجاوزت الشقيقة هذا الدور سابقا لتقوم بتحمل بعض الأعباء المالية لنظام صالح التي مولت الحشود اللحظية في بعض ساحات نهب المال العام .

المحور الأيدلوجي : والمتمثل ببعض من يسمون أنفسهم علماء او أوصياء على الدين ، والذين تربطهم علاقات مباشرة بالديوان الملكي ، وهذا المحور يستخدم عند الضرورة وربما يمارس بطريقة او بأخرى تصرفات تسئ إلى الروح الثورية لشباب الثورة بهدف رسم التصورات الخاطئة والغلو وفي الحقيقة أنهم مأجورون ومسلوبي الضمير والروح الوطنية .

المحور الاجتماعي : وهذا المحور يتمثل بالقاعدة العريضة الاجتماعية والسياسية ( اللجنة الخاصة ) والتي يشرف على سير أعمالها سلطان بن عبد العزيز مباشرة ، وتتمثل ببعض الشخصيات القبلية النافذة والقيادات العسكرية والقيادات الحزبية في بعض أحزاب اللقاء المشترك ولجنة الحوار الوطني وتستفيد المملكة من هذا المحور في تأجيج النزاعات الطائفية والقبلية لكي تترجم حرفيا ما يلزم عند الحاجة ، ولعل ما يحدث اليوم في محافظة الجوف من حرب قبلية هي إحدى مهام هذا المحور .

المحور الجيوسياسي : والمتمثل بالقضية الجنوبية بأبعادها المختلفة ،وهي ورقة كامنة لا تزال إلى ألان المملكة محتفظة بها ربما لمرحلة ما بعد صالح ، ويتوقف مدى استخدام هذه الورقة على مقدار التبعية والولاء في القرار والإرادة السياسية من نظام ما بعد صالح للسعودية .

وأمام هذه المحاور المتعددة والتي لعبت وتلعب من خلالها المملكة دورا في رسم المطبخ السياسي ومشاكله ، فان الكثير منا يدرك ان السعودية هي السبب الأول في اصطناع الأزمات وتأجيجها في اليمن ، وعلى ضوء ما سبق فان على الجميع أن يدرك أيضا ان السعودية حسمت أمرها وخيارها المتمثل بالعداء للثورة الشبابية مستخدمة كل إمكانياتها من اجل إجهاض حلم الملايين ؛ وهذا عائد الى الخوف الذي تضمره المملكة من نجاح الثورة وقيام مجتمع مدني يقود اليمن الى دولة عصرية تتلاشى فيها محاور سلطان السابقة فضلا عن الخوف من اشتعال فتيل الحالة الثورية في السعودية التي تشهد حاليا حراكا شبابيا وطلابيا ينادي بضرورة التغيير والبحث عن هوية في ظل نظام اسري كهنوتي لا يحكمه دستور ولا يعرف لمواطنيه هوية او انتماء وما يحكمه سوى مجموعة من الناس الذين فصلوا الدين على مقاسات الملك وأسرته ولو تطلب ذلك ولادة أبو هريرة من جديد .

ويتمثل العامل الأخر المزعج للمملكة بان قيام دولة مدنية لا تخضع في القرار والإرادة السياسية للمملكة ضياع الحليف السياسي الثالث بعد تونس ومصر مما يضعف من الدور الذي تحاول المملكة عبر السنين الماضية المحافظة عليه كلاعب استراتيجي هام في المنطقة ومؤثر في رسم الكثير من قرارات الدول التي تستمد شرعيتها من البلاط الملكي .

وعليه فان المراهنة على المملكة ودورها في الثورة اليمنية هو مراهنة على سراب لا يجدي شيئا وربما يقود إلى مرحلة المجهول وهذا ما يدعوا للاستغراب من نداء لبعض لها لكي تقوم بدور ايجابي اذ لا يزال البعض يعلقون عليها الأمل وكأنهم لا يدركون بأنها تفضل الابن البار الذي باع لهم البر والبحار وسخر لهم الجو لضرب الشهداء من أبناء صعده الأبرار .

والواجب الذي يحتم القيام به من قبل شباب الثورة اليوم هو عدم المراهنة او الاتكالية على أي دور إقليمي او دولي من أي طرف كان ، ليبقى الرهان على ما ستفرزه الثورة من ردة فعل ثورية تلقائية تخضع لعنصر المفاجئة والإرادة أمام صلف النظام وصمت المجتمع الدولي وفشل المعارضة السياسية التي يبدو أن مصالحها تتقاطع مع الثورة وحلمها المنشود .