نصيحة ترامب لنتنياهو بشأن إيران.. هل هي جدية أم مجرد مناورة؟
بقلم/ كلادس صعب
نشر منذ: أسبوع و 6 أيام و 23 ساعة
السبت 31 مايو 2025 08:13 م
  

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معضلة معقدة وحساسة للغاية فيما يتعلق بالتعامل مع برنامج إيران النووي. فبينما يرى نتنياهو برنامج إيران النووي تهديداً وجودياً لإسرائيل، فإن اتخاذ قرار بشن ضربة عسكرية ينطوي على مخاطر جمة وأثمان باهظة، تتشابك فيها المصالح الداخلية والخارجية بشكل دقيق.

في خضم هذه المعضلة، تبرز نصيحة الرئيس دونالد ترامب الأخيرة لنتنياهو “بالتريث” وعدم توجيه ضربة عسكرية لإيران، خاصة مع الحديث عن اقتراب الولايات المتحدة من إبرام اتفاق نووي جديد أو تجديد المفاوضات بشأنه. هذه النصيحة، التي نقلتها تقارير إخبارية، تثير تساؤلات جدية حول دوافعها ومدى التزام نتنياهو بها. قد تعكس نصيحة ترامب رغبة حقيقية في تحقيق اختراق دبلوماسي مع إيران، وهو ما قد يعتبره إنجازاً سياسياً يعزز موقفه إذا ترشح للرئاسة مجدداً. فبالنسبة لترامب، أي عمل عسكري إسرائيلي قد يعرقل هذه المفاوضات التي يراها فرصة لتحقيق مكسب سياسي. أسلوبه المعروف في استخدام التصريحات العامة كأداة للتأثير يعزز هذا التفسير لدوافعه. لكن العلاقة بين ترامب ونتنياهو، رغم قربها التاريخي، شهدت توترات بعد خروج ترامب من الرئاسة، فانتقادات ترامب العلنية لنتنياهو في عدة ملفات قد تشير إلى أن نصيحته ليست مجرد دعم مطلق، بل جزء من استراتيجية أوسع لفرض رؤيته للتعامل مع التحديات الإقليمية.

بالنسبة لنتنياهو، الذي لطالما تمسك بموقف يدعو إلى اتخاذ إجراءات وقائية ضد البرنامج النووي الإيراني، فإن قرار عدم توجيه ضربة عسكرية ينبع من عدة اعتبارات استراتيجية وعملية جوهرية. فأي ضربة إسرائيلية ستواجه برد إيراني شبه مؤكد ومتعدد الأوجه، قد يشمل إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة وتفعيل الوكلاء في المنطقة (كحزب الله)، مما قد يجر المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، بأثمان بشرية واقتصادية باهظة للجميع. علاوة على ذلك، لا تدعم الولايات المتحدة بالضرورة ضربة عسكرية أحادية الجانب لإيران، وتفضل الحل الدبلوماسي أو الضغط الاقتصادي، لذا، فإن أي عملية عسكرية دون تنسيق وثيق مع واشنطن قد تؤدي إلى توترات في العلاقة الثنائية وفقدان الدعم الدبلوماسي واللوجستي الحيوي لإسرائيل، بالإضافة إلى إدانة دولية واسعة. عائق آخر يتمثل في إصرار إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، بغض النظر عن الشكوك الدولية، وهو ما يمثل خطاً أحمر لطهران. الضغط العسكري وحده قد لا يوقف التخصيب بشكل دائم، بل قد يدفع إيران إلى التخصيب سراً، مما يزيد التعقيد ويصعب الرقابة الدولية. ولا يمكن إغفال الخلافات الداخلية الإيرانية، حيث إن توجيه ضربة عسكرية قد يوحد التيارات المختلفة (المحافظون والإصلاحيون) ضد “العدو المشترك”، مما قد يعزز موقف المتشددين ويدفعهم نحو مزيد من التصعيد وتطوير القدرات النووية والدفاعية، بدلاً من إضعافهم.

تحقيق السلام في المنطقة في ظل هذه المعضلة هو تحدٍ هائل، خاصة وأن الدول العربية لديها هواجس مشروعة ومستمرة من ممارسات طهران، وتحديداً من تدخلاتها الإقليمية ودعمها للجماعات المسلحة، بالإضافة إلى قلقها العميق من برنامجها النووي. ويبقى السؤال قائماً حول ما إذا كان بإمكان الدول العربية أن “تسكت” عن إعادة إيران إنتاج اليورانيوم بشكل سري، هذا الاحتمال وارد إذا كان جزءاً من اتفاق إقليمي أوسع يحقق مصالحها الأمنية، لكن هذا السكوت سيظل محاطاً بالشكوك العميقة وانعدام الثقة، حيث تفضل الدول العربية حلاً يضمن عدم امتلاك إيران للسلاح النووي بأي شكل. من غير المرجح أن تقبل إيران بـ “الاستسلام” والتخلي التام عن برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية ونفوذها الإقليمي، فالقيادة الإيرانية تعتبر هذه الأمور جزءاً من أمنها القومي. ما يمكن أن تقبله طهران هو تسوية، قد تتضمن قيوداً على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات وتلقي ضمانات أمنية، لكنها لن تتخلى عن مبادئها الأساسية.

في النهاية، يدرك نتنياهو جيداً أهمية الدعم الأمريكي، خاصة مع احتمال عودة ترامب. لذلك، من المرجح أن يدرس نصيحة ترامب بعناية، محاولاً الموازنة بين ما يراه مصالح إسرائيل الأمنية الملحة والحاجة للحفاظ على الدعم الأمريكي، مع إدراك أن أي تسوية مستقبلية تتطلب معالجة شاملة لهواجس جميع الأطراف الإقليمية والدولية. ومع ذلك، تبقى قدرته على المضي قدماً في عمل عسكري أحادي الجانب ضد إيران، حتى لو تعارض مع نصيحة حلفائه، احتمالاً لا يمكن إغفاله في ظل رؤيته للتهديدات