على خلفية أحداث صعده ...مهاترات الرئيس والمعارضة
بقلم/ كاتبة - صحفية/رحمه حجيرة
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 10 أيام
الأربعاء 14 فبراير-شباط 2007 07:07 م

مأرب برس – خاص

متى تقررون البدء في بناء اليمن الحديث ؟

مرت حتى الآن خمسة أشهر فقط على تنصيب الرئيس علي عبد الله صالح نفسه رئيسا لليمن بعد أن تداول السلطة سلميا مع نفسه وفق نتائج أول انتخابات رئاسية فعلية في اليمن في 20 سبتمبر 2005. وبرغم غياب الفرص المتكافئة بين المرشحين الرئيسيين إذ يملك المرشح الأول قيادات أكبر مؤسسة رسمية في اليمن وهي المؤسسة العسكرية التي يديرها الرئيس المرشح وأسرته بالإضافة إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وخزينة الدولة وأخيرا وزارة الشباب والرياضة بينما لا يملك الثاني سوى 29 مليون من وزارة المالية ومساندة رجال الإعمال القلة في أحزاب المعارضة إلا إن النتيجة كانت النتيجة مرضية قياسا لنسبة الجهل والفقر والفساد في اليمن التي تصل تقريبا إلى 70 % بينما نسبة اليمنيين المقتنعين بالتغيير ومستعدين للتضحية من أجله 30 % أو أقل .

 فقبلت المعارضة فوز الرئيس ولم تقبل نسبة فوزه والحق أنها كانت محقة في ذلك حيث تعد فترة الحكم هذه الفترة الشرعية الوحيدة في تاريخ حكم الرئيس صالح لليمن 29 سنة .

ذهبت معركة الانتخابات مخلفة حراكا إيجابيا حقيقيا في العملية الديمقراطية في اليمن إذ أتيح المجال ل28 % من الشعب اليمني أن يقولوا لأول مرة لرئيس حكمهم هذه الفترة الطويلة لا نريدك ولست أهلا لها وربما كانت النسبة أكبر لكن الرائع أنه وحده من يعرفها وهو المعني بالرسالة .

ثم أتت معركة أخرى أكثر تحديا للرئيس صالح ومعارضته, معركة البناء الحقيقي لليمن الحديث الذي ذكرها في برنامجه الانتخابي والدعائي أكثر من أربع عشرة مرة ! فأوفى أصدقاء اليمن بوعدهم وحصل نظام الرئيس صالح على وعود متوجسة بحوالي 5 مليار دولار لدعم التنمية في اليمن وكانت الخطوة التالية المتوقعة لكل من النظام والمعارضة , تشمير السواعد والبدء يدا بيد لمواجهة الفساد لكن الواقع يعكس بوضوح شديد سطحية النظام السياسي في اليمن سواء كان سلطة أو معارضة لكنها استبدلت بمعارك وشتائم تحت مسمى التحديث والتغيير وكان اليمن الغائب الرئيسي فيها .

وبدلا من أن تمنح أحزاب المعارضة النظام فرصة أخرى حتى وإن اقتنعت بشعار الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي " المجرب لا يجرب مرتين " وتتجه لتقييم أدائها في الانتخابات السابقة مؤسسيا من القاعدة إلى القمة وترسم ملامح الحضور القادم لها في الشارع اليمني واصلت معركة المواجهات الكلامية مع النظام .

وعلى الجهة الأخرى فاق الأمر وصف السطحية عند الحديث عن دور الرئيس القديم الجديد بعد الانتخابات ليصل إلى الرجل الذي لا يتعلم بل ويزداد الوصف حدة عند قراءة ما نسب لأحد أبناء أخ الرئيس, طارق صالح, من تصريحات تحريضية للحرس الخاص ضد المعارضة وتمجيد عمه وإنجازاته الخاصة المرتبطة به وبأسرته أكثر من ارتباطها بمصالح الوطن وكل اليمنيين . وخلاف لمتطلبات مرحلة مابعد الانتخابات التي تستدعي إقامة حوار حقيقي مع كافة ممثلي اليمن (معارضة في الداخل والخارج ومشايخ ونساء وأقلية و...و... الخ) لبناء اليمن الحديث وتعزيز وحدته الوطنية أنجر الرئيس صالح للمهاترات الكلامية كرئيس لجزء من اليمن وعدو للجزء الأخر ولم يحدث أي تغيير فعلي يطمئن المواطنين بأن الرئيس هذه المرة كان صادقا وسيفي بوعوده , فلم تتغير حكومة باجمال ومازالت ملامح استقلالية الهيئة الخاصة بمحاربة الفساد لم تتضح بعد ولا نتائج الطاقة النووية !! وقبل كل هذا لم يتحقق الحوار كمطلب رئيسي لمرحلة مابعد الانتخابات ومازال اليمنيون والأصدقاء في الخارج ينتظرون لبنات الإصلاحات الموعودون بها جميعا .

الرئيس كعادته مازال مترددا أو غير قادر حتى الآن على تنفيذ خطوات جريئة باتجاه الإصلاحات ومواجهة الفساد بناءا على وعوده المتكررة إذ تستوجب هذه الخطوة مواجهات مع أركان الفساد الذين تربطهم علاقات مختلفة بنظام وأسرة الرئيس بالإضافة إلى إصرار الرئيس حتى الآن التعامل مع معارضيه والمختلفين معه كأعداء بينما مواليه هم مواطنوه فقط وكلما اقتربوا منه ومن عائلته إما بالقرابة أو بالنسب أو بالعنوان أصبحوا أكثر تأهيلا لمساندته في إدارة البلاد التي لم تعد تحتاج معارك بقدر احتياجها لتجاوز أزمات المعارك الفاشلة السابقة . الظروف نفسها في اليمن وحالة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والتراكمات السلبية الموجودة داخلهم باتجاه النظام لن يمنح الرئيس وقتا إضافيا أخر في البناء فبعد فقط أشهر قليلة من الانتخابات ظهرت قضية السيدة الجريئة أنيسة الشعبي التي تعرضت للاغتصاب والتعذيب في السجون اليمنية ومثلت شاهدا على الانتهاك الرسمي لحقوق الإنسان والأعراض في اليمن . وساهم ظهورها والتعاطف الدولي والمحلي مع قضيتها في فتح ملف غير متوقع وفي وقت غير مناسب للرئيس ثم تلاه ملفا أخر ملف تعذيب المواطن حمدان الدرسي من قبل شيخ مشايخ قبائل الزرانيق بسهل تهامة والعضو البارز في حزب الرئيس ,المؤتمر الشعبي العام, يفاقم الشعور بالمعاناة والاضطهاد لدى اليمنيين من قبل إدارتهم التي شاركوا بانتخاب رئيسها.

ولسوء حظ الرئيس أن تسارع ظهور الأزمات والملفات الحرجة كان أكثر من قدرته على السير في الإصلاح ففي مطلع هذا العام- 16 يناير2007 - ظهرت أحداث الضالع لتعبر عن جاهزية الناس في اليمن للثورة ضد نظام لا يأمنوا حمايته لمصالحهم كما فتحت هذه المظاهرات ملفا معقدا لم يناقشه الرئيس بجدية حتى الآن وهو ملف الشمال والجنوب الذي عززته السياسات الخاطئة لإدارته وممثليها في الجنوب أضف إلى التدهور التي مرت بها اليمن كلها شمالا وجنوبا .

وأخيرا وياليته الملف الأخير في ما بعد فوز الرئيس في الانتخابات الرئاسية الأخيرة - ملف صعدة- يفتتح من جديد وحرب أخرى وكراهية وبغضاء ومحاولة لدفع اليمن باتجاه معركة الصراع الطائفي الذي أحدثته مشاكل العراق الأخيرة رغم أن اليمن لم يشهد مثل هذا الفرز عبر تاريخه أو على الأقل بهذه الطريقة التي يحاول فيها النظام وإعلامه تبريرها باتجاه تعقيدها وفتح بؤرة لا تختلف عن بؤر الصراع الذي فتحها نظام الرئيس خلال السنوات الماضية بقصد أو بغير قصد لكنها الأكثر تعصيا على إخفائها كسائر المشكلات اليمنية المعقدة .

في نهاية المطاف يظل الرئيس علي عبد الله صالح أم تحديات كبيرة تفوق قدرته على مواجهتها منفردا وبنفس سياساته السابقة فوضع اليمن يزداد تعقيدا على مستويات ومجالات مختلفة ولم تعد المداواة بذر الرماد أو اختلاق الأزمات أو (مهارة الرئيس ) ! الخارقة في إدارة اليمن تجدي حلا أو نفعا .وهو ما يلزم كل الحريصين على اليمن التعامل بعقلانية وحكمه تجاه هذه الملفات المختلفة وهذا التراكم الذي قد يقود اليمن في ظل وضعها وظروفها بل وظروف المنطقة إلى نهاية مأساوية سندفع ثمنها جميعا من علي صالح وأسرته ومرورا بقيادات الأحزاب وحتى معارضي الخارج .

باعتقادي أن الرئيس صالح بحاجة في هذا الوقت لأن يتجاوز على الأقل سياسياته السابقة في استعداء الآخرين وجهل أصدقائه ويفكر بجدية حول دوره كرئيس للجمهورية اليمنية وكل اليمنيين كانوا في الداخل أو الخارج كانوا مطيعين أو عاصين كانوا صالحين أو طالحين كانوا في الشمال أو الجنوب مولودين من سنحان أو من شعيب زيديين أو شافعيين !! ويدعوا الجميع إلى طاولته(الشيخ والمثقف ,العسكري والمدني , الشمالي والجنوبي ,المؤتمري والمعارض المرأة والرجل , السيد والخادم )في تجمع وطني يمثل اليمن جميعا ويمنحهم كعادته قلبا مفتوحا وعقلا مدركا وأذنا صاغية فينفخون الرماد جميعا من على الأزمات التي تمر بها اليمن في هذه المرحلة العصيبة بغض النظر عن من كان خلفها ثم يفكر الجميع في الإجابة على سؤال واحد -بشكل عملي- كيف يمكن أن نداوي جراح هذه البلاد ونتجاوز أزماتها جميعا .

وأظن أن الرئيس علي عبد الله صالح يدرك تماما خطورة الملفات التي تتراكم على واقع هذه البلاد ويستطيع بمهاراته التي مكنته السنوات الطويلة من البقاء رئيسا لليمن أن يتعاطى معها بسبب التالي:-

1- 
فهو قادر على الحوار مع الأخر واجتذابه وإرضاءه

2- 
ويمتلك من الشجاعة والجرأة التي قد تجعله يعلن أنه بحاجة إلى دعم الأخر - بعيدا عن المكابرة -- كانوا مواليه أو معارضيه عربا أو أجانب وأعتقد أنه سلوك كل المجتمعات والبلدان التي منحها الله قيادات مخلصة قادرة على أن تجتمع مخلصة لبلدانها لحل أزماتهم.

3- 
يمتلك الرئيس علاقات طيبة مع الدول الشقيقة والصديقة وهي راغبة و قادرة على تلبية دعوته في أي وقت يطلب منهم المساعدة كونهم سيتضررون من أي زعزعة للاستقرار والأمن في بلد كاليمن.

4- 
لم يعد أمامه فرص أخرى لينجو من وعوده وتدهور الوضع.

على الجهة الأخرى هناك معارضة مستشعرة خطورة ما ألت إليه الأوضاع في اليمن حتى وإن كانت قرون الاستشعار الخاصة بها متقدمة ومبكرة إلا أن الأرضية المشتركة لإقامة حوار صادق هذه المرة يصل إلى برنامج مشترك للجميع يعالج أزمات اليمن ويعيد بنائها بما يتفق مع متطلبات التنمية والتحديث . وعبر الشد والجدب السياسي بين نظام الرئيس صالح والمعارضة لم يحدث يوما أن رفض المشترك أي دعوة واضحة ورسمية للحوار أو أغلق أيا من أبوابه أمامها .

فالجميع إذن معنيون بالحوار والعمل الجماعي واليمن بحاجتهما أكثر من أي فترة أخرى فهل يتجاوز الأطراف قضاياهم الثانوية ويفكرون عمليا بمصلحة اليمن التي لا تتطلب أكثر من حوار وقناعة بدور مشترك للجميع ؟