خواطر سبتمبرية
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 3 سنوات و 6 أشهر
السبت 26 سبتمبر-أيلول 2020 06:24 م
 

لم تشهد أعياد سبتمبر اليمنية زخماً شعبياً كما هي الحال بعد انقلاب مليشيات الحوثيين على قيم الجمهورية التي تأسست عام ١٩٦٢.

لقد هز انقلاب ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م الوجدان الجمهوري، وجعل جماهير اليمنيين يدركون مدى أهمية الثورة التي أخرجتهم من سيطرة نظام قائم على الكهانة والتضليل الديني واحتكار السلطات في يد الإمام الفرد.

من المهم ونحن نتذكر اليوم ما جرى يوم ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ أن نقول لأبنائنا كيف عاش آباؤنا تحت سيطرة نظام حكم كان يرى أن الشعب خادمه بدلاً من رؤية الحاكم خادماً لشعبه.

مهم أن نقول لأبنائنا أن نظام الأئمة طوال فترة تاريخه لم يقدم لليمنيين منجزاً يمكن أن يعتد به، وهذا هو سبب غيرة الإمامة الحوثية الجديدة من تراثنا الحضاري المادي وغير المادي.

لم تبن الإمامة قصور صنعاء ولا شبام حضرموت، لم يشيد الكهنة السدود وقنوات الري، وليس لديها تراث بحجم معابد اليمنيين القدماء، وليس للأئمة على اختلاف عصورهم حتى منجزات الدول التي عاصرتهم في اليمن بعد الإسلام

يسجل المؤرخون أن فترة العصور الوسطى التي توصف بالظلام لم تمر على التاريخ اليمني لوجود دولة الرسوليين التي كانت عاصمتها تعز كعبة الزوار من علماء وطلبة علم ومؤرخين وشعراء وغيرهم، حيث جعل المنتج الفكري اليمني في تلك الدولة عصرها أحد أبرز عصور التنوير الإسلامي في التاريخ الوسيط.

بالمقابل اعتمد الأئمة على وسائل معينة لاستمرار سلطتهم ليس من بينها العلوم والمعارف والنظم القائمة على الشورى في السياسة والحرية في التفكير والإبداع في الفنون والآداب.

ولمزيد من المقارنة نقول إن أي طالب في أية جامعة عالمية عريقة مختصة بالدراسات الشرقية يعرف من هو نشوان الحميري، لكن من طلبة تلك الجامعات يعرف من هو عبدالله بن حمزة الذي كان معاصراً لنشوان الحميري؟!

إن ابن حمزة في معيار العطاء العلمي والشهرة التاريخية يعد نكرة أمام علم الأعلام ومعرفة المعارف نشوان بن سعيد الحميري الذي تنوعت مواهبه بين الشعر والأدب والتاريخ والفلك والفقه والفكر واللغة ومجالات كثيرة تعرفه بها أعرق جامعات العالم اليوم. ومع ذلك يحاول الإماميون الجدد تقديم ابن حمزة وإعادة إنتاجه في صورة أسطورية لا تتلاءم مع جرائمه التاريخية في حق أبناء شعبنا الصابر المجاهد.

كان الجهل والتجهيل سلاح الإمامة الأبرز للسيطرة على اليمنيين، ولذا عرفنا في تاريخهم قصصاً لا تحصى لتوظيف الدجل والشعوذة والسحر أحياناً لإيهام الجمهور بأن للإمام شخصية أسطورية لا تتسنى لغيره ممن لا تجري فيهم دماء “أئمة العترة الطاهرة”. ومن أشهر الأئمة الذين استعانوا بالتضليل في هذا السياق الإمامين يحيى وابنه أحمد حميد الدين.

يذكر الأستاذ محسن العيني في ترجمته لكتاب كلودي فايان “كنت طبيبة في اليمن” رحلة الإمام يحيى إلى إيطاليا، وكيف فاحت منها روائح عفنة ناتجة عن مصاريف الوفد الباذخة على الملذات الحسية في روما، قبل أن يعود الإمام و”سيوف الإسلام” إلى اليمن مجللين بسيما الصالحين وتقمص أدوار حراس العقيدة وحماة الإسلام.

ويحيى هذا هو الذي كان يدس جواسيسه بين القادمين للسلام عليه قبل أن يروه حتى إذا دخلوا عليه حدثهم بمعلومات شخصية عنهم نقلها له جواسيسه الذين خالطوهم قبل “تشرفهم بتقبيل اليد المباركة”، الأمر الذي رسم شخصية يحيى على هيئة أسطورية مقدسة تتلقى عن الله المعارف والمواهب اللدنية.

أما الإمام أحمد فكان رأس حربة التجهيل والتضليل والبطش الإمامي، لدرجة أنه كان يشيع أن لديه قدرات خارقة تجعل الجن يخضعون له كما خضعوا لسليمان بن داوود، كل ذلك لكي ينشر الرعب في نفوس الناس، ومن ثم يسهل عليه السيطرة عليهم بدعاياته الكهنوتية المضللة.

وكان مرجعهم جميعاً في البطش والتنكيل الهادي يحيى بن الحسين الذي كتب مؤرخو سيرته أنه حارب اليمنيين بكل ما لديه من جنود، وعندما هلك معظمهم في حروبه ضد القبائل جند الهادي اللصوص وقطاع الطرق لقتال اليمنيين.

وعلى هذا التراث اعتمد الحوثيون اليوم الذين صرفت هيئتهم للزكاة جزءاً منها لنزلاء السجون من المجرمين الذين أطلق الحوثيون سراحهم وزجوا بهم في الجبهات، بعد مرورهم ب”دورات ثقافية قرآنية” غسلت ذنوبهم وأسقطت جرائمهم وملأت بطونهم بأموال الزكاة التي حدد الشرع مصارفها الثمانية، والتي ليس من بينها بكل تأكيد “نزلاء السجون من المجرمين.

ومن أساليب التضليل التي درج الأئمة على استعمالها أنه وأثناء الحرب بين الجمهوريين والإماميين في ستينيات القرن الماضي في اليمن كان الطيران الإسرائيلي-وبتنسيق بريطاني-يقوم بعمليات إنزال جوي لأسلحة، دعماً لمعسكرات الإمام البدر حميد الدين ضد الجمهوريين في مناطق المرتفعات الشمالية لليمن التي يصعب إيصال السلاح إليها بالطرق البرية، كما جاء في وثائق استخبارية بريطانية رفعت عنها السرية بعد انقضاء المدة القانونية لسرية الوثائق.

وعندما خشي البدر من انكشاف دعم إسرائيل له ضد القوات اليمنية المدعومة بالقوات المصرية ابتكر مستشاروه فكرة تغطي على حقيقة استعانته بإسرائيل، وتضفي على معسكره ضرباً من القداسة.

استغل البدر عمليات الإنزال الجوي التي شاهدها بعض سكان تلك المناطق، ليبث شائعات أن الله أيد الإماميين أبناء رسول الله بسلاح هبطت به ملائكة من السماء ضد الجمهوريين “الكفار”

سرت الشائعات كالنار في الهشيم، مع تفشي الجهل، واستغل البدر ومن معه شائعة دعم الملائكة/الطيارة للإماميين لتجنيد الآلاف من المغرر بهم للحرب على الجمهورية الوليدة.

ولم يكن أمام القيادة الجمهورية اليمنية والقيادة العسكرية المصرية حينها إلا أن تحشد الناس في صنعاء ليروا بأم أعينهم كيف يتم الإنزال الجوي بالباراشوت، دحضاً لحكاية “الملائكة/الطيارة التي جند بفعلها الإماميون آلاف المغرر بهم للحرب على الجمهورية في سنواتها الأولى.

وكما كان الجهل والفقر سلاح الإمامة القديمة ضد الجمهورية، فإن الإمامة في نسختها الحوثية الجديدة أجادت استعمال هذا السلاح لتأليب آلاف المغرر بهم ضد اليمنيين اليوم.

وإذا كان الإماميون الحوثيون الجدد يستعينون بتراث الإماميين القدامى فإن على الجمهوريين اليوم أن يستلهموا تراث الآباء الجمهوريين في مقاومتهم للهجمة الإمامية الجديدة.

وكما ذهبت الإمامة القديمة مع الريح ستذهب نسختها الحديثة الأكثر قتامة إلى حيث ذهبت الأولى، “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.

#نقلا عن صحيفة 26 سبتمبر