ماذا يعني احتمالية سقوط دمشق سوريا على يد الثوار؟ ولماذا الآن؟ المبعوث الأمريكي لليمن يتحدث عن إنهاء الحرب والزنداني يتهم الحوثيين بالتهرب المكتب التنفيذي لأمانة العاصمة يناقش تقارير الإنجاز السنوية هكذا استمثر الحوثيون معاناة قطاع غزة؟ قرصنة البحر الأحمر واستهداف الملاحة الدولية هل عادت بالفوائد على غزة ؟ صبر المجتمع الدولي نفد إزاء الاستفزازات الحوثية المستمرة .. وزارة الخارجية الأمريكية تكشف عن تحركات جديدة عاجل:مليشيا الحوثي الإرهابية تقوم بتصفية أسرى في مديرية المسيمير جنوب اليمن انتصارات ثوار سوريا تكسر ظهر عبدالملك الحوثي... خطاب يائس ومهزوز لزعيم المليشيا مركز التنبؤات الجوية والإنذار المبكر يكشف عن توقعات الأمطار والرياح في المحافظات الشمالية والجنوبية انكسار جديد للمليشيات الحوثية بمحافظة تعز .. تفاصيل روسيا تطالب رعايها بمغادرة الأراضي السورية فورا وقوات المعارضة تحقق انتصارات واسعة
تنويه
أولاً، وقبل أن أخوض في الموضوع، أحب أن أوضح للقارئ الكريم أنه سيرافق الموضوع مصطلحات ما كنت أحب أن أستخدمها لعدم إيماني بها، وهي مصدر بلاء اليمن قديماً وحديثاً نتمنى التخلص منها عبر سن دستور وتشريع وقوانين تجرِّمها وتعمل على إزالتها من ثقافة اليمنيين، وهي مصطلحات (الطائفية، الشوافع، الزيود، مطلع منزل) كونها وردت في سياق الأحداث من المصادر من ناحية، ومن ناحية أخرى للتوضيح فيها مرغمين على السياق؛ فأنا أكره الطائفية والعنصرية المناطقية تماماً.
....
مثل حصار السبعين يوماً للعاصمة صنعاء، الذي بدأ في أواخر نوفمبر 1967، بعد انسحاب القوات المصرية من اليمن، أكبر تهديد للثورة اليمنية والجمهورية والشعب اليمني بشكل عام، وكادت أن تسقط الجمهورية في ذلك الحصار، والعودة مجدداً إلى ظلمات العصور الإمامية وتخلفها، ولو كتب لذلك الحصار والانقلاب على الجمهورية النجاح فإنه كان سيكون تمكناً إمامياً من اليمن لألف عام أخرى قادمة وبقبضة إرهابية لا حدود لها، ولنصبت المشانق في كل قرية في اليمن انتقاماً من الثورة والثوار والجمهورية؛ لأن تلك النكسة كانت ستقتل أمل اليمنيين في التغيير والنهوض بالوطن.
في الحقيقة لم يكن العامل الخارجي المتمثل في انسحاب القوات المصرية من اليمن، أو دعم الثورة المضادة الإمامية، هو السبب الرئيس في محاولة عودة الإمامة بضرب حصار خانق على العاصمة صنعاء (حصار السبعين يوماً)؛ فلقد كان تأثير ذلك الانسحاب محدوداً وعاملاً من عوامل تكالب القوى الرجعية الإمامية، وأهم عامل في ذلك الحصار وتشجيع الإماميين على الحصار هو الصراعات الداخلية بين قوى الثورة التي أضعفت هيبتها وصورة الجمهورية أمام القوى الرجعية، وشجعتها على محاولة الانقلاب والحصار، ظناً منها أن الفرصة مواتية لها، وأن الجمهورية تمر في أضعف حالاتها بعد فقدها الناصر الخارجي.
فلقد كانت الصراعات الداخلية؛ من تصفية الثوار الأوائل بتهم مختلفة سواء في عهد السلال أو الإرياني، أو جراء الحروب مع الإمامة في الجبهات، وعدم تمكين الكفاءات، والصراعات المناطقية، بل وياللأسف (المذهبية) أشد وقعاً وتأثيراً على الجمهورية من انسحاب القوات المصرية؛ ودليل ذلك أن الجمهورية وقت شدة الحصار لجأت مجدداً إلى الشعب وإلى المقاومة الشعبية التي كانت أهم سند من قوى الجيش الوطني نفسه وأنقذها الشعب مجدداً من السقوط.
كان الشعب اليمني قد مل من مظاهر الصراع على السلطة، واكتساب المغانم، ومعاداة الحكماء المنادين بالإصلاح، ومطاردة وملاحقة قوى الشعب الوطنية وشخصياته الثورية والسياسية والاجتماعية، والزج بهم في المعتقلات أبرزهم عبدالغني مطهر ومحمد علي الأسودي ومفرح، وغيرهم كثير، بعد تصفية أهم قيادات الثورة اغتيالاً كالزبيري وعبدالقوي حاميم وهادي عيسى والعقيد الرعيني، وغيرهم، أو الإبعاد خارج الوطن كالنعمان وجزيلان وغيرهم، وذلك إرضاءً لغرورهم وإشباعاً لشهواتهم وحفاظاً على مكاسبهم الداخلية وصِلاتهم الخارجية، الأمر الذي وضع النظام الجمهوري في تلك اللحظة في أشد اللحظات التاريخية مأزقاً وتحدياً وحرجاً.
إستطاع الأمير الإمامي محمد بن الحسين تجميع قوات إمامية ضخمة مكونة من خمسة آلاف جندي مدرب على مختلف الأسلحة، إلى جانب حوالي خمسين ألفاً من العناصر القبلية المسلحة، وبعض الإحصائيات تقول ثمانين ألفاً ما بين جندي مدرب ومرتزق ممول وقبيلي مناصر، يقود تلك المجاميع حوالي ثلاثمائة من الضباط المرتزقة الأجانب ما بين بريطانيين وأمريكيين وإسرائيليين وأوروبيين وأردنيين وإيرانيين، وغيرهم ممن دفعتهم بريطانيا لمساعدة الإماميين للإجهاز على الثورة والجمهورية، والتخطيط للإماميين لقيادة المعارك وتحديد الأهداف، حتى وصل الأمر بتصنيع أسلحة خاصة تتناسب والطبيعة الجبلية لليمن، يساندهم الطيران الإسرائيلي الذي ينقل لهم شحنات التموين إلى الجبال ومراكز التحصن، وأحاطوا بالعاصمة صنعاء إحاطة السوار بالمعصم.
من تلك الجبال المحيطة بالعاصمة صنعاء، وبعد قطعهم لكل الطرق والمنافذ المؤدية للعاصمة، كانوا يوجهون قذائف المورتر (الهاون) ومدافع أخرى على العاصمة صنعاء وبيوتها ومقرات الحكومة، واستطاعوا أن يشلوا حركة المطار الذي بناه الاتحاد السوفييتي في شمال العاصمة، ولم تستطع طائرة الإقلاع منه لمساندة الجيش الجمهوري، وتجييش القبائل المحيطة وشراءها. اضطرت الطائرات المتواجدة خارج المطار أن تستخدم مهبطاً صغيراً جنوب غرب العاصمة المعروف اليوم بميدان السبعين.
لم يكن يتواجد في العاصمة صنعاء وقتئذ من الجيش الجمهوري سوى ثلاثة آلاف جندي وضابط، بعد أن أخليت العاصمة من أي تواجد أجنبي للبعثات الدبلوماسية وغيرها.
كنت كلما قرأت عن الثورة، وعن الرائد عبدالرقيب عبدالوهاب أتساءل دوماً، وبعجب كبير، بحكم معلوماتي العسكرية، كيف يتم تولي شاب في العشرينيات من العمر وضابط صغير برتبة صغيرة، وهي رتبة نقيب، رئاسة هيئة الأركان وفي الجيش من هو في رتبة الفريق واللواء والعميد والعقيد والمقدم والرائد، وأقدم عسكرية وأكثر دراية وخبرة وأكبر عمراً؟!
فبحسب التراتبية العسكرية فإن الأولوية للأقدم رتبة والأقدم التحاقاً بالخدمة العسكرية، ولم نكن نعلم أن الكثير من أصحاب الرتب العالية تهربوا عن تحمل المسؤولية، وهربوا من الميدان، وجبنوا عن المواجهة، وقالوا بمنطق بني إسرائيل: (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده)!
وظل هذا الأمر يجلجل في رأسي ردحاً من الزمن، وخاصة بعد العسكرية، حتى وجدت الإجابة الشافية من أحد قيادات الثورة المؤثرة والكبيرة وهو عبدالغني مطهر، ومحمد الشعيبي، وهما يفصلان في أمر هذه التعيينات، وأنه تم الاستعانة به في وقت الشدة، والتنكر له وقت الرخاء، بذات المنطق العبسي لفارس عبس وشاعرها عنترة بن شداد:
يُنادونَني في السِلمِ يا اِبنَ زَبيبَةٍ وَعِندَ صِدامِ الخَيلِ يا اِبنَ الأَطايِبِ
حتى زال العجب!
يقول عبدالغني مطهر: حاول أصحاب انقلاب خمسة نوفمبر، قبيل الحصار، إعادة تنظيم الجيش ومناقشة متطلباته، وتعيين رئيس لهيئة أركان حرب القوات المسلحة، فوقع الاختيار على العقيد علي سيف الخولاني، الذي رفض تولي هذا المنصب خوفاً من تحمل المسؤولية التاريخية فيما لو سقطت صنعاء بين يدي القوات الإمامية والرجعية.. وكان قد صدر القرار بتعيينه رئيساً للأركان وهو مقيم بالقاهرة، وتوجه بالطائرة إلى اليمن ومعه حسين الدفعي [وزير الحربية حينها]، ولكنهما عادا من أسوان إلى القاهرة فراراً من مواجهة الموقف باليمن، وفراراً من تحمل المسؤولية!
وقد حذا حذو العقيد علي سيف الخولاني عدد من ذوي الرتب الكبيرة كأمثال الضابطين حمود بيدر وحسين المسوري، واللذين رفضا أيضاً تولي المناصب القيادية في الجيش، وكان حمود بيدر من أعضاء قيادة النوفمبريين بصنعاء ففر هارباً من صنعاء إلى القاهرة ومعه محافظ الحديدة العقيد عبدالله الضبي الذي أصبح لاجئاً فيها، وأعادا إلى السفارة بالقاهرة ما أخذاه من البنك والمالية!
ولم يكن أمام زعماء انقلاب خمسة نوفمبر سوى إسناد المناصب القيادية في الجيش إلى عدد من الضباط الميدانيين ذوي الرتب الصغيرة.
فأسندت إلى الشاب الرائد عبدالرقيب عبدالوهاب منصب رئاسة أركان القوات المسلحة، بالإضافة إلى منصب قائد قوات الصاعقة..أ هـ.
هو عبدالرقيب عبدالوهاب أحمد قاسم منصر علي شمسان ناصر محمود عبدالكريم البناء، ينحدر من نفس قرية الأستاذ النعمان (ذو لقيان) دونما قرابة بينهما إلا في الحدود البعيدة؛ إذ يرجعان إلى أسرة البناء البعيدة، ولذلك يخلط الكثير في تسميته ونسبته لأسرة النعمان. والمنطقة عموماً نسبة إلى وادي ومنطقة نعمان التي وردت في النقوش القديمة في القرن السابع قبل الميلاد وليس لقباً حديثاً.
بعد كسر الحصار وهزيمة المحاصرين، سنجد أن علي سيف الخولاني يحقد على عبدالرقيب بسبب أنه اغتصب حقه في رئاسة الأركان، كما يتوهم الخولاني، وهو الهارب من المنصب هروباً من تحمل المسؤولية في حال الفشل وسقوط صنعاء؛ فقد كان الجميع في قيادة الدولة، وغيرهم من خارجها داخلياً وخارجياً، يقولون: إن سقوط صنعاء بعد هذا الحصار الشديد ما هو إلا مسألة وقت في غضون أيام قليلة، وهو ما يعترف به الرئيس عبدالرحمن الإرياني شخصياً!
وصلت تلك القناعة إلى الدول الخارجية منها الكبرى وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي الحليف للجمهورية حينها ليصاب بخيبة أمل من الصراعات الداخلية اليمنية في الصف الجمهوري وإتاحة الفرصة للمجاميع الإمامية بمحاصرة صنعاء، وكذلك الدول غير الكبرى أن مسألة سقوط الجمهورية كان مسألة وقت وأيام فقط، فأصيب الجميع بخيبة أملهم من القادة الجمهوريين، الذين أغرقوا البلاد في براثن الصراعات الحزبية والفئوية وحب السلطة والتسلط، كما هو الحال اليوم تماماً، ولم يكن للجمهورية من منقذ حينها إلا الشعب مجدداً واللجوء إليه وقت المحن والملمات، وإلى بعض شخصياته المخلصة والمغامرة في نفس الوقت، فقد كان الشعب ملجأ الحكومات والقيادات عند الشدائد، وليتهم في كل لحظة يلجأون إليه في الرخاء كما يلجأون وقت الشدة، ولذلك كان الجميع يثني على المقاومة الشعبية والجيش الشعبي الداعم للجمهورية!
يواصل مطهر القول: كما أسندت قيادة المظلات إلى الرائدين الوحش وحمود ناجي، وأسندت قيادة المدفعية إلى الرائد علي مثنى جبران، وأسندت قيادة الصواريخ إلى الملازم غازي علي عبده، وأسندت قيادة قوات المشاة إلى الرائد محمد صالح فرحان.
أما المقاومة الشعبية، فقد قادها بعض الشرفاء الوطنيين من مشايخ القبائل أمثال مطيع دماج، وأمين أبو راس، وأحمد عبدربه العواضي، وعبدالخالق الطلوع، وعبدالله بن حسين الأحمر، وغيرهم في سبيل الحفاظ على عاصمة البلاد وصد الاعتداء الوحشي المبيت للقضاء على ثورة 26 سبتمبر سنة 1962..أ هـ.
نحيط القارئ الكريم بظروف تلك اللحظات الحرجة، والأوقات العصيبة، والمحن المتكالبة التي أحاطت بالبلاد من كل صوب، ليعلموا شدتها أولاً؛ حيث بلغت القلوب الحناجر، وكانت القيادة على وشك الاستسلام، وثانياً لنعلم تلك المواقف الصلبة والشجاعة النادرة وأخذ زمام الأمور وبقوة من قبل البطل الشاب عبدالرقيب عبدالوهاب ورفاقه الأبطال، وكيف غيبت شخصية من أندر الشخصيات اليمنية على الإطلاق في تاريخ اليمن الحديث، رغم حداثة سنهم، وما قاموا به من أدوار بطولية يعجز عن وصفها الخيال، وكيف هم أعداء الوطن المتربصون به في كل لحظة لا يروق لهم بروز شخصية وطنية تمسك بزمام أمور البلاد في أشد اللحظات احتياجاً لأمثالهم.
هذا السرد التدرجي للأحداث، نهدف من خلاله إطلاع القارئ ليستنتج كيف تدرجت أحداث الفتنة التي لم تودِ بقادة وأبطال حصار السبعين فقط، بل أودت بالجمهورية نهجاً وأملاً في التغيير إلى الفوضى والإقطاعية الجديدة تحت مسمى الجمهورية لا دولة المؤسسات المأمولة التي ضحى الناس بأعز ما يملكون في سبيل نجاحها، وللوقوف على حقيقة تلك الأحداث التي غيرت مجري اليمن الجمهوري لاحقاً ووأدت حلم اليمنيين المنشود.
..... يتبع