حميد الاحمر.. خطاب مبهم تجاه القضية الجنوبية
بقلم/ سعيد صالح ابو حربه
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 12 يوماً
الخميس 10 مارس - آذار 2011 05:46 م

ليس امرا عاديا -نقولها بكل صراحة- ان يطل علينا الأخ حميد الاحمر امين عام لجنة الحوار في مقابلة تلفزيونية طويله نسبيا ليلة امس على قناة سهيل ويتجاهل خلالها الإشارة الى نضالات ابناء الجنوب خلال اكثر من 16 عاما منها 5 اعوام ضمن حراك سلمي شهد له القاصي والداني ..لا يحق بكل المقاييس الأخلاقية والأدبية ان يتجاهله اليوم تحت أي حجج بما فيها -احد اسباب مثل هذا التجاهل المؤسف- من نوع رفع سقف مطالب بعض فصائل الحراك بما يسمى (فك الارتباط) والذي يحلو لاخواننا (الشماليين) تسميته ب(الانفصال) المصنف لغويا بصورة مجافية للحقيقة وكانه الكفر او الخروج عن الاسلام.

 نعم ان الأمر محيّر ان يتجاهل الاخ حميد طابور من شهداء مسيرات الحراك السلمي الذين سقطوا خلال سنواته السابقة البعض منها قبل ان يرفع شعار الاستقلال.

صحيح ان كاتب المقال لا يوافق على فض الوحدة وممن يحبذ ويرجو ان تتم معالجة القضية الجنوبية في اطار الدولة اليمنية الواحدة ,الا اننا لا نجد أي مسوغ لا سياسي ولا غيره أن يتم طمس نضالات ابناء الجنوب التي جاءت عبر سنوات طويلة بأشكال متعددة سبقت احزاب اللقاء المشترك و لجنة الحوار الوطني و كل القوى المعارضة في كشف اوجه الاعوجاج والانحرافات والمآلات الخطرة التي تواجه البلد جراء السياسات المعتمدة من الحكومات والنظام القائم بعيد 1994م, وكان ابناء الجنوب بحق اول من رفع الشعار وبالصوت الكبير الداعي الى اصلاح مسار الوحدة وكانت خلفية هذا الشعار حينها كما نقول للأخ حميد الاحمر اليوم نعم كانت خلفيته (حسن الظن) بالقوى الشمالية المختلفة حيث لم يتصور الجنوبيين حينها من ان اخوتنا السياسيون الشماليون الى هذا الحد من الغفلة مما يعانونه واتضح مؤخرا بأنهم ينظرون الا الى جانب من الصورة التي لا تخفى على الفطن اسبابها اليوم.

لا نريد اليوم ان نقلل من نضالات شعبنا في التغيير شمالا وجنوبا ولسنا ممن يثبط الهمم على الرغم من ان الكاتب مرة أخرى قالها ويقولها ضمن مقالات عديده ولايزال يتمنى بأن يتم التغيير الجذري على يد الرئيس تجنبا واحترازا من مساوئ وأثمان باهضة سيكلفها التغيير من دون قناعة ورضا منه خاصة اذا ما ركب راسه وأصبح العند هو الاساس المتحكم في تصرفاته تجاه ما يجري .

وعودة الى الموضوع الرئيس لمقالنا فاننا نلمس موقفا مبهما ان لم يكن خطيرا للجنة الحوار المسماة بـ(الوطنية ) تجاه القضية الجنوبية، حيث يفترض بالأخ حميد ومن معه من قيادات هذه اللجنة ان يبتعدوا عن الضبابية والموقف الملتبس والمجافي لحقيقة الواقع ان كانوا بالفعل يقدرون كافة الجنوبيين المشاركين معهم في تظاهراتهم واعتصاماتهم وذلك بأن يؤكدوا صراحة ومن دون مواربة ان للأخوة الجنوبيين قضية رئيسية واضحة لا بد من الوقوف امامها عند أي تغيير منشود يتحقق للقوى السياسية قاطبة.

من دون ادانة او إساءة حيث علمتنا ثقافتنا الاسلامية بأن نقول( جل من لا يخطئ) نعم من المهم ان نذّكر الاخ حميد ابن المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر ان والده قد بين في مذكراته التي بين ايدينا والمنشورة في حياته ولم تكذبها الدوائر الرسمية في الرئاسة قد رضي مع الاسف الشديد في ان يكون سيفا مسلطا على اتفاقيات الوحدة عندما اعترف بأن الرئيس قد كلفه بالاتجاه الى حزب آخر ليعترض على بعض اتفاقيات الوحدة.

وبهذه المناسبة نذكر كل متابع ومحقق وباحث ووطني وصادق الى قضية من اهم قضايا اتفاق الوحدة وخاصة لنا الجنوبيين الا وهي قضية اتفاق الطرفيين على الاخذ بالأفضل والايجابي من تجربة الشطرين حيث لا يسعني اليوم الا ان اجزم -مع الاسف- ان الشيخ عبدالله -غفر الله له- ولكن من دون خلفية تآمر على الوطن اونما بحكم تكوينه الاجتماعي والثقافي القبلي كان هو المعارض الاول لتطبيق ما سوف اشير اليه لاحقا .

ولأن الجنوبيين ومن ذوي النوايا الطيبة ولن اقول المتبلدة فانهم لم يطلبوا لهذا الامر الهام تشكيل فريق فني وقانوني وسياسي لتدارس هذه الجوانب الإيجابية من هنا وهنا حيث كان يمكن لنقاش من هذا النوع قبل الوحدة ان يسفر حتما عن شكل من أشكال الفيدرالية ,إذ أن النقاشات داخل أروقة الحوار الافتراضي لهذا الفريق أو الهيئة سيظهر صعوبة تنفيذ بعض هذه الايجابيات من هنا الى هنا والعكس كنتيجة طبيعية ومنطقية للكثير من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وهو الامر الذي سيقود بالتالي الى الاتفاق على تأجيلها في شطر واعتمادها في شطر آخر مثلا وهو ما يعني بالأساس اعتماد شكل من أشكال الفيدرالية .

وهنا أورد للقارئ مثالا احسبه ساطعا عن ثلاثة مسائل هامة للغاية لا يختلف اثنان من ان النظام السابق في الشطر الجنوبي قد تعامل معها بصورة ايجابية جدا وادعو القارئ بل والباحثين المحايدين تصور الوضع اليمني العام اليوم لو ان النظام وحكومات ما بعد الوحدة قد التزمت بتطبيق ايجابيات ذلك النظام خلال اللاحقة.

الثأر ..السلاح ..القات

الثــــــــــــــــأر

بقرار جمهوري نافذ من الرئيس المرحوم قحطان محمد الشعبي وهو اول رئيس جنوبي بعد الاستقلال, اعلن بموجبه الصلح العام لمدة خمسة اعوام بين كل قبائل الجنوب يرافقه تشكيل لجان لحل مشاكل الثأر السابقة لهذا التاريخ وهكذا تعاملت الدولة في هذا الجانب بروح المسؤولية , وتم القضاء على كل اشكال الثأر القبلي ثم تم التعامل مع أي حادثة قتل كحادث جنائي يتم التعامل مع الجاني وفقا للقانون الذي يقضي بإعدام كل قاتل نفس بريئة عمدا .

السلاح

اتخذت حكومات ما بعد الاستقلال في الشطر الجنوبي نهجا يقضي بمنع المتاجرة بالسلاح بصورة مطلقة وبالتالي فان الجنوب قد كان بمنأى عن كل سلبيات المتاجرة بالسلاح .وهو ما أدى إلى انخفاض الكثير من الجرائم المتسبب فيها حمل السلاح والمتاجرة به .

القات

تعاملت الدولة الجنوبية بمسؤولية عالية تجاه شجرة القات وأدرك قادة النظام بل وقادة حركة التحرر الوطني منذ ما قبل الاستقلال لعيوب ومشاكل القات وانطلاقا من ذلك كان تعاملهم وفق مراحل جديرة بالتأمل والاحترام :-

-عند الاستقلال مباشرة قرر استمرار منع تعاطي القات بمحافظتي حضرموت والمهرة وفقا لما كان متبع من قبل سلاطين وامراء هذه المناطق وربما قرار الانجليز حينها.

- وفي عام 1976م قررت الدولة الجنوبية توسيع نطاق المنع الى بقية المحافظات الأخرى التي لا يزرع فيها بحيث يمنع التعاطي خلال ايام الاسبوع عدا يومي الخميس والجمعة، ورافق هذا القرار الذي نفذ بقوة القانون واحترامه من كل المواطنين والأجهزة قرار بمنع التوسع في زراعة القات ومنع أي دعم يتجه نحو زراعته ، وبالتأكيد فان الخطة قد كانت تهدف الى اقتلاع القات بشكل تدريجي.

أخيراً..

 قد اتفق معك إن قلت بان الصورة في الواقع الشمالي وخاصة لدى العامة هي تحصيل حاصل رغم إيماني بأنه مجتمع لا يقل حماسا ورغبة في الرقي والتقدم والتغيير الا ان الصورة تختلف كليا وجذريا في الواقع الجنوبي والذي اصبحت الامور به اكثر مأساوية ومعاناة جراء التخلي عن هذه المكاسب التي هي في الحقيقة تمثل مكسبا كبيرا كانت بفضل أنظمة ما بعد وما قبل الاستقلال كنتيجة لعملية تراكم وسلوك حكومي مدني اكتسبه البلد جراء تطبيقات عديدة للكثير من القوانين الانجليزية بالسلطنات والمحميات الجنوبية سابقا .

 ان إفساح المجال لإذكاء الثأر وهو السلوك المستمد روحه من العصر أنتج واقعا كارثيا خالصا حيث مزقت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية النبيلة التي تراكمت وتجسدت بروحها المدنية في عموم الجنوب كما أدى هذا الانتشار إلى حرمان اعداد من الطلبة من مواصلة تعليمهم وانقطاع اعداد أخرى من أعمالهم في المدن والقرى وخربت قرى بكاملها في مشهد يندى له الجبين في ظل إعلام يدعي بأن الخير والسلام والطمأنينة من سمات المرحلة التي نعيشها.

ويمكن القول ان إعادة ظاهرة الثار والتغاضي عنها ان لم نقل السماح بها او استدعائها من قبل بعض القوى انما اذكتها تجارة السلاح رسميا في عموم المحافظات بعد ان كان ممنوعا ومحرما في ظل الدولة السابقة .

اما القات فالصورة التي خلقها بالجنوب اكثر سوداوية وحزنا وكارثية.

وإذ أوجه هذه المقالة إلى كل ذي روح وطنية وأخلاقية، بعيداً عن التصنيفات ورمي التهم جزافا، فاني اخص بها أيضا وبكل صراحة :

_ الاخ حميد الاحمر لأقول له بان الدكتور ياسين سعيد نعمان قد وصفك بآخر مقابلة صحفية بأنك سياسي نشط تنشد دولة النظام والقانون، وطالما وانت كذلك فان الواجب ان تعلن ويعلن طابور معك ممن تعرفهم بانكم قد فهمتم اخوتكم الجنوبيين خطأ عندما كانت ازماتهم مع النظام منذ 1992م انهم ينشدون دولة النظام والقانون .

نعم اقول للأخ حميد بأنك ما دمت قد قلت بانكم اخطأتم بحسن الظن المبكر بالرئيس لا بد من ان تكمل القول الثابت وتعترف بانكم قد اخطأتم بإساءة الظن المبكر لإخوانكم الجنوبيين واتمنى ان لا تصيبنكم عقد الاخ الرئيس -مع الاسف- الذي نراه على استعداد للذهاب الى ابعد الحدود في مبادراته الا الاعتراف بوجود قضية جنوبية .

- ثم الى كل زملائه ورفقائه في المشترك ولجنة الحوار ليقولوا بأعلى صوت بان للجنوبيين قضية أخطأ الجميع في فهمها.

- ثم الى المخلصين السلبيين من اهلنا الجنوبيين في الحكم ويكفي ما سمعناه من الاخ حميد بحقهم مع الاسف.

- الى كل منكر بان هناك قضية جنوبية او مدعيين بجهل ماذا تعني الفيدرالية؟!.

واختتم برجاء ان لا ينبري في وجوهنا من يمتلك الاجوبة السريعة بتوجيه الاتهامات الى النظام الجنوبي السابق بما يحكى هذه الأيام عن الصراعات السياسية حيث نعرف جميعا بان كل مجتمعاتنا العربية قد عاشت هذه الصراعات بما فيها شطرنا الشمالي الحبيب الذي عاش سنوات طوال جدا من الصراع بين الملكيين والجمهوريين ثم الصراع مع الجبهة الوطنية , بل وماذا يمكن ان نسمي حرب 94م والحروب الستة الأخيرة بشمال اليمن، حيث نوكد هنا باننا فقط نتكلم عن الحروب القبلية والثارات التي يفترض بانها قد غادرت حياتنا في هذ العصر بعد مضي اكثر من اربعة عشر قرنا من نزول رسالة الاسلام الذي حرّمته بالكامل ولعنت من يمارسه.