عن رائد الصحوة الإسلامية في جنوب اليمن
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 22 يوماً
الجمعة 31 ديسمبر-كانون الأول 2010 09:42 م
 
 

الشيخ الإمام محمد بن سالم البيحاني البحر الزاخر باللآلئ والمليء بالجواهر والدرر هو من رواد الصحوة الإسلامية في الجنوب اليمني ومن أعلام الإسلام في القرن العشرين وصاحب تأريخ علمي ودعوي حافل ، ألف المؤلفات العديدة وخطب وحاضر وأنشأ المعاهد العلمية ومدارس تحفيظ القرآن في عدن وزار بعض الدول العربية داعياً إلى الله ورافق الأحرار اليمنيين في القاهرة والتقى بعلماء الأزهر في مصر وناظرهم وكان أول يمني يعتلي منبر الأزهر الشريف بمصر .. ولعل الكاتب في هذه السطور بقدم تعريفا شافيا بهذا العلم الكبير و لمحات من حياته وجهوده العلمية والدعوية محاولة منها لتعريف القارئ بهذا الإمام العلم.

· مولده ونشأته:

ولد الإمام البيحاني ـ رحمه الله ـ في : يوم ( 22 ) رجب عام ( 1326هـ ) الموافق : ( 20 ) أغسطس عام ( 1908م ) في عاصمة بيحان مدينة القصاب حارة حصن هادي من أبوين كريمين ، قال رحمه الله في ديوانه العطر اليماني في قصيدة بعنوان وطنيات :

مولدي في القصاب وبيتي من أجل البيوت في حصن هادي

وأبي كان عابداً وفقيهاً ولي الفخر أن أصلي كدادي

ونشأ البيحاني في حجر أبويه حتى إذا كان في السادسة من عمره في شهر ربيع الأول من سنة ( 1332هـ ) أصيب بألم شديد في رأسه وذهب بصره وحزنت لذلك أمه حزناً شديداً وأفرطت في البكاء حتى كان أبوها يطمئنها ويخفف من وجدها ويبشرها بمستقبل طيب لولدها الكفيف وكان والد المترجم له إذ ذاك غائباً في عدن.

· البيحاني في الكُتاب :

قال الإمام البيحاني ـ رحمه الله ـ في كتابه زوبعة في قارورة تحت عنوان نشأتي وطرفٌ من حياتي ) ص 4 ما نصه : " أول ما تعلمت من القرآن العظيم كان على يد والدي ثم على أيدي جماعة من فقهاء الكتاتيب ومعلمي الصبيان ، عبد الله علي العبادي ، أحمد حشوان ، عوض عبد الله الحداد ، السيد عبد الله المروعي ، وحضرت دروس والدي في البيت والمسجد لمبادئ الفقه والتجويد ، وكنت أقوم بتدريس زملائي الأطفال في غياب والدي .

الرحلة إلى تريم لطلب العلم:

أسباب الرحلة :

1- رواية عبد الخالق العليمي : قال الأستاذ / عبد الخالق العليمي البيحاني في أسباب رحلة العالم محمد سالم : إن من عادات أهالي بيحان أن يكون لهم رجل متخصص في إحضار الماء من الآبار إلى المنازل ويسمى " ساقي " فقال بعض أفراد أسرته من آل الكدادي أما نحن ـ آل الكدادي ـ فعندنا محمد بن سالم إذا دخل على النساء لا يراهن فهو كفيف النظر والأنسب أن نخصصه للسقاية عند كبره فسمع البيحاني ذلك فقال لوالده : إني أرغب في السفر من هنا إلى بلد لطلب العلم وكان عمره نحو ست سنوات فسافر إلى تريم .

2- رواية علي العليمي : وقال الأستاذ / علي العليمي : زار أحد علماء حضرموت بيحان يقال له : السيد الحبيب عمر بن علي فوجد محمد بن سالم فلمس فيه النباهة فقال الحبيب : نأخذ محمد سالم معنا إلى تريم بحضرموت يتعلم فاعتذر والده بأنه لا يجد شيئاً من المال لأنه فقير ـ وكان يعمل مدرساً ـ فقال الحبيب سالم بن حسين : إذاً فليذهب على نفقتي وليس عليك شيء فسافر به وكان عمره ( 18 ) عاماً إلى تريم حيث يقطن الشيخ / الشاطري الذي أسس رباطاً على حساب المحسنين من اليمنيين المغتربين في اندونيسيا .

3- رواية الأستاذ / أنور محمد حسن : جاء في الترجمة الموجزة كل الإيجاز التي كتبها الأستاذ / أنور مع بعض زملائه بحضور وإشراف أو إملاء الإمام البيحاني ما يلي : وفي سنة ( 1338هـ ) كان الرجل الصالح الشيخ / عبد الله بن أحمد عبيد يقترح على الشيخ / سالم عنايته بتعليم ولده محمد وخاصة في العربية ومبادئ النحو .

الرحيل إلى تريم :

وتقرر في سنة ( 1339هـ ) أن يذهب شيخنا مع أخويه عبد الله وعبد الإله إلى حضرموت للالتحاق برباط تريم لطلب العلم وبعد رمضان من السنة نفسها ذهب الجميع إلى قرية في طرف بيحان يقال لها : مقنع ينتظرون القافلة المكونة من قبيلة بلحارث التي تسافر إلى حضرموت في تجارتها البسيطة تحمل الملح والحبوب إلى مدينة شبام ثم تعود بأثمان بضاعتها نقداً أو تتعوض بذلك أشياء أخرى مما تحتاج إليه تلك القبيلة في بيحان وقدر الله أن فاتت القافلة وبقيت هذه البعثة تنتظر قافلة أخرى من يوم ( 7 ) شوال إلى يوم ( 7 ) ذي القعدة وأراد الشيخ / سالم أن يرد أبناءه إلى البيت ولكن أم البنين أبت إلا بقاء أبنائها في مقنع حتى يسافروا إلى حضرموت خشية أن يصعب عليها فراقهم مرة أخرى إذا رجعوا إليها وكان المقام في جماعة من المشايخ آل ربيع وهم قوم رحل يتتبعون بماشيتهم مواقع القطر ومنابت الشجر ، وقال شيخنا : إنه ما يزال يذكر الحالة التي كان عليها هو وإخوانه عند آل ربيع يأكلون الخبز اليابس ويشربون ألبان الإبل ويقول : إنه لا يلِذُّ في سمعه من آلات الطرب شيء كصوت المدق الذي يقال له : النجر يدق فيه البن وله صوت يملأ الفضاء وتطرب له الإبل ، والماء هناك قليل وغالباً ما تكون الصلاة بالتيمم والنوم على كثبان الرمل التي يبرد أعلاها ويحر أسفلها فتصلح للشتاء والصيف .

وفي يوم ( 7 ) ذي القعدة حضرت القافلة الكبيرة وسارت بمن فيها من القبائل الشجعان والطريق مخوف والركب عظيم جداً وكان مع شيخنا زميل له وهو كفيف أيضاً ، وفي تلك الأراضي الواسعة والصحارى المترامية الأطراف سارت القافلة من مقنع بيحان إلى شبام حضرموت ومنها تقدم طلبة العلم إلى سيئون وهي عاصمة حضرموت اليوم وكان فيها إذ ذاك السيد عبد الله بن عمر الشاطري مدير معهد تريم العلمي الذي يقصده البيحاني ومن معه من الزملاء في رحلة قام بها داعياً إلى الله وقد انكسرت إحدى يديه بسبب سقوطه من حماره الذي يركبه وتقدم الطلبة إلى تريم ودخلوا رباطها العظيم يوم ( 25 ) ذي القعدة من السنة نفسها ( 1339هـ ) ورجع السيد الشاطري وكان يعالج من إصابته وشيخنا الصغير سنه يتردد عليه في بيته ويحضر معالجته ومن العادة أن أبناء الرباط يقضون أيام الأعياد في بيت أستاذهم الشاطري ويأكلون الغداء والعشاء عنده وهو يومئذ في بيت السيد أحمد بن عمر بن يحيى في المعصورة وقبل أن يبنى بيت آل الشاطري الجديد القريب من الرباط وفي ليلة العيد وشيخنا يسير في جماعة من التلاميذ وأخوه عبد الإله آخذ بيده لدغه ثعبان وكاد يموت لحينه إلا أن عناية شيخه عبد الله الشاطري ووالده عمر بن أحمد قد أحاطت هذا الطالب الغريب الكفيف الصغير السن بعد عناية الله تعالى فرقي وباتوا يسقونه السمن والثوم حتى بري ولله الحمد في ثلاثة أيام من الحادث وأول ما بدأت الدراسة التحق بالكتاب في حارة السبحيل لقراءات القرآن على يدي المعلم سعيد عمر باغريب وتدرج وارتقى حتى تخرج من معهد تريم العلمي .

· إشادة البيحاني بفضل تريم

البيحاني وفي لم ينس فضل أهل تريم عليه لاسيما مشايخه وخاصة الشيخ الشاطري الذي يكن له كل حب وولاء وتقدير وإخلاص فقد كان يذكره بالخير في كل مجلس وعلى كل منبر ويدل على ذلك أمور أربعة :

1- زيارته تريم التي نهل من معارفها حينا من الزمن .

2- إهداء كتابه إصلاح المجتمع إلى شيخه الشاطري الذي يقطن تريم.

3- نظمه لقصيدة في الشوق إلى تريم وتذكراً لشيخه الشاطري وإكراماً لولده .

4- الإشادة بشيخه الشاطري في المنظومة التاريخية " أشعة الأنوار "

وسأشرح تلك الأمور الأربعة فيما يلي :

· زيارة البيحاني لتريم:

بعد أن تخرج البيحاني من تريم وبعد مرور سنتين من مغادرتها زارها في حياة شيخه الشاطري وطلب الشاطري من تلميذه البيحاني أو أذن له أن يجلس في مجلسه معلماً الناس ويكون الشاطري مستمعاً متتلمذاً على يد البيحاني إلا أن أدب البيحاني وتواضعه وتقديره وإجلاله وتوقيره لشيخه كل أولئك كان سبباً في أن يعتذر ويطلب من شيخه التنازل عن هذا الطلب الذي يعتبره البيجاني أمراً مطاعاً طلب منه أن لا يحرجه بذلك حتى لا يظن أن ذلك افتئات على مقام أجل وأعظم مشايخه إلا أن الشيخ الشاطر أصر على ذلك وقال البيحاني : إن مثلي ومثلك كمثل الإمامين مالك والشافعي فقدم مالك الشافعي يجلس على كرسيه ومالك يتتلمذ على يده فأقنعته بذلك وجلس البيحاني على كرسي شيخه محدثاً ، داعية ، مفسراً .

إهداؤه لكتابه إصلاح المجتمع إلى شيخ تريم وعالمها الأوحد السيد عبد الله الشاطري قال البيحاني بعد البسملة : "

علىَّ دين لازم ، وحق ثابت لكثير من الناس ، وأعظمهم حقاً عليّ : والدي الذي كان سبباً في وجودي ، وله بعد الله الفضل الأكبر عليّ ، نشأني نشأة دينية ، وعلمني كيف أعبد ربي ، وكيف أعامل الناس كافة ، ثم أستاذي العظيم صاحب الفضيلة السيد عبد الله بن عمر بن أحمد بن عمر الشاطري العلوي الحضرمي ، كانت له بي عناية كبيرة ، وله علي يد بيضاء لا أستطيع مكافأته عليها إلا بالدعاء له ، والترحم عليه ، وهو أول من فتق لساني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظني بنفسه الأربعين النووية ، وشرحها لي ، وكان يحرص جد الحرص على تعليمي : الفقه ، والنحو ، والتجويد ، وعلم المواريث ، ويحث زملائي وأساتذتي الآخرين على العناية بي ، ومذاكرة دروسي ، فجزاه الله عني أفضل ما جوزي به معلم عن متعلم .

 

واعترافاً بفضله ، وتقديراً لإحسانه ، أقدم هذا الكتاب هدية إلى روحه الطاهرة ، وأسأل الله تعالى أن يبلغه عني التحية والسلام .

ولو كان سيدي الوالد الشيخ / سالم بن حسين الكدادي ـ رحمه الله ـ حياً ، لما سره أن يكون هذا الكتاب هدية إلا إلى السيد الشاطري ، تغمد الله الجميع بفضله ، وجمعنا بهما في جنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً " .

· من تريم إلى بيحان :

وبعد أن أمضى البيحاني أربع سنوات وسبعة أشهر في تريم رجع إلى بلاد بيحان مشبعاً بالروح الدينية عالماً ، محدثاً ، مفسراً ، فقيهاً ، كان يلقي المحاضرات في جامع بيحان الكبير بل وكل مسجد فيها ومنزله مفتوح لكل سائل لا يحتجب عن الناس وقد أجلسه والده على كرسيه وتتلمذ له كما حصل له مع أستاذه الشاطر في تريم وفي تلك الفترة ـ من حياة البيحاني حصل خلاف بين أهل بيحان حول البسملة ، فريق مذهبه الجهر بها ، وفريق ذهب إلى وجوب الإسرار فقام البيحاني وصلى بالناس فجهر بالبسملة في الأولى وسرها في الثانية فرضي الجميع وأصلح بينهم بالحكمة .

وقد مكث في بيحان نحو سنتين بعد عودته من تريم .

· رحلته إلى الشيخ عثمان

انتقل الإمام البيحاني من بيحان التي مكث بها سنتين بعد عودته من تريم إلى مدينة الشيخ عثمان التابعة لعدن وتأهل فيها وهناك التقى بعالمها الجليل أحمد بن محمد بن عوض العبادي اليمني وتتلمذ له واستفاد من علومه الغزيرة كثيراً وكان العبادي يتوسم في تلميذه البيحاني النبوغ وأنه سيصبح عالم الجزيرة العربية الأوحد ـ وقد كان ـ وقويت بينهما أواصر المحبة وتعاضدا وتعاونا على نشر السنة وقمع البدعة ومن ذلك أن البيحاني ألف كتابه ( إصلاح المجتمع ) وقرضه العبادي بالشعر والنثر ونظم العبادي كتابه ( هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد ) وعلق عليه تلميذه البيحاني وكتب له مقدمة وترجم فيها للناظم وإليك أيها القارئ مقدمة العبادي لإصلاح المجتمع الذي ألفه البيحاني ثم مقدمة البيحاني لكتاب أستاذه العبادي .

· العبادي يتحدث عن البيحاني

قال العبادي ـ رحمه الله ـ : " لقد طالعت الكتاب الجليل المسمى بإصلاح المجتمع ، لمؤلفه شهاب الدين العالم الرباني ، فضيلة الشيخ / محمد بن سالم البيحاني ، فوجدته اسماً طابق مسماه ، ومنية العاطش الذي طالما تمناه ، لما فيه من المعاني الجذَّابة للسامع ، والمعاني الخلابة بكثرة المنافع ، والمواضيع المستطابة للمطالع والمراجع ، فقد حوى متنه من الأصول أصحها متناً وإسناداً ، وأجلها استشهاداً ، وأسلمها عند الفحص انتقاداً ، ومن الفروع المستنبطة من الأصول ما طابق فيها الدليل المدلول ، والعلة فيها المعلول ، فهي الأمنية المفقودة لراغبها ، والضالة المنشودة لطالبها .

نعم ، إنه الكتاب الذي لا يستغني عنه المعلم في تعليمه ، ولا الواعظ في وعظه ، ولا الكاتب في كتابته ، ولا الخطيب في خطابته ، ولا الشاعر في صنعته ، ولا الوالي في ولايته ، ولا الراعي في رعيته ، ولا الفرد مع مثله لإيضاحه ما لكل فرد وما عليه من الحقوق المشتركة ، والتضامن في المصالح العامة ، بحيث لو روعيت تلك الحقوق والمصالح العمومية ، وانتفت الأنانية ، وأحب كل منا لأخيه ما يحب لنفسه ، لقويت روابط الاتحاد ، ولانقطعت مصالح المعاش والمعاد ، بل هو الكتاب الذي يحق أن يقال فيه أو بمثله :

هيهات أن يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل

· من الشيخ عثمان إلى القاهرة

سافر الإمام محمد بن سالم البيحاني من الشيخ عثمان إلى مدينة القاهرة بمصر كعضو لبعثة " نادي الإصلاح العربي الإسلامي " إلى جامعة الأزهر وهناك حظي بنيل الشهادتين الأهلية والعالمية خلال ثلاث سنوات قال عنه زميله محمد محمود الزبيري : " عهدته في مصر رائداً من رواد العلم البارزين " وقال أيضاً : " لا أقول إنه كان في صف المثقفين من شباب العرب بل اعتقد أنه من أرفعهم رأساً وأبعدهم صوتاً " ، وكان البيحاني أول يمني يعتلي منبر الأزهر الشريف للخطابة وإلقاء المحاضرات ومن زملائه في الأزهر :

1- الأستاذ / أحمد محمد نعمان رئيس وزراء اليمن الأسبق .

2- الأستاذ الداعية / محمد محمود الزبيري وزير التربية والتعليم باليمن الأسبق .

3- الأستاذ الداعية / محمد محمود الصواف من العراق .

4- شيخنا بالمعهد الديني بقطر الأستاذ / عبد العال السكران .

 

5- زميلهم الأصغر هواري أبو مدين الرئيس الجزائري الأسبق .

·  استقبال الصواف في عدن

وقد زار الداعية الصواف زميله البيحاني في عدن وفي شمال اليمن بتعز عام ( 1971م ) وقد مكن البيحاني الصواف من إلقاء المحاضرات في إذاعة تعز ومساجدها ومعسكراتها والدروس والأحاديث من إذاعة تعز المحلية وكان لتلك المحاضرات تأثير قوي أثار أعداء الإسلام داخل اليمن وخارجها مما أدى إلى إخراج طلاب المدارس في مظاهرة تشجب وجود الصواف في اليمن وقد نظمت المظاهرة أياد لها علاقة بالسفارات الأجنبية وساهم في ذلك بعض المدرسين الوافدين من البلاد العربية بتكليف من سفاراتهم .

· العودة إلى مصر :

وفي مصر ناظر البيحاني كثيراً من أهل البدع والتقى برئيس وأعضاء جمعية أنصار السنة المحمدية وفي مصر درس تاريخ مصر القديم والحديث وتعمق في ذلك يلاحظ ذلك في قصائده الكثيرة لاسيما تاريخ الفاطميين الأسود وعهود الفراعنة وأتقن تاريخ مصر الإسلامي الأبيض الناصع ، وللبيحاني في مصر كثير من الطرائف والفوائد التي تجدونها في الأبواب القادمة مثل باب البيحاني الحكيم وبعض الفصول في باب الشعر والنحو والأدب في القسم الثاني من هذا الكتاب وفي أحد فصول باب طرق الدعوة عند البيحاني وغير ذلك من الحكم والطرائف البيحانية المتناثرة في جنبات هذا الكتاب .

· مع علماء الأزهر

شارك البيحاني بعض علماء الأزهر في تأليف كتاب " توحيد الأهلة " وكان علماء الأزهر معجبين بمؤلفات البيحاني وقد أيدوه فيما كتبه من تعليق على منظومة ( هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد ) الذي ألفه شيخه العبادي نزيل مدينة الشيخ عثمان باليمن ومن الذين أقروه على ذلك من علماء الأزهر:

1- الشيخ / محمد العدوي رئيس جماعة الوعظ والإرشاد " يومئذ " .

2- الشيخ / محمد حامد الفقي رئيس جمعية أنصار السنة .

3- الشيخ / محمد محمد مخيمير .

4- الشيخ / محمد عبد الحليم الرمالي .

5- الشيخ / علي عبد الفتاح " شيخ البيحاني في التفسير " .

6- الشيخ / محمد أحمد عبد السلام .

7- الشيخ / عبد الظاهر أبي السمح وغيرهم من علماء الأزهر الشريف .

· من مصر إلى الشيخ عثمان

لما رجع البيحاني من مصر إلى الشيخ عثمان ضاق به المقام وقد بين الأستاذ الشهيد / محمد محمود الزبيري سبب ذلك في مقدمته لكتاب الفتوحات الربانية تأليف البيحاني ، وقد روى البيحاني إلى زميله الأستاذ / أحمد محمد نعمان ولأخيه الأديب والشاعر عبد المجيد الأصنج مما أصابه في هذه المدينة وبيّن له في بعض الرسائل حقيقة العيشة الصعبة التي عاشها هنالك.

· المستشار العقيل يتحدث عن البيحاني

يقول المستشار عبد الله العقيل الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي سابقاً في كتابه ( أعلام الدعوة والحركة الإسلامية ) : لقد كانت معرفتي به قديمة ولكنها سماعية وعن طريق المراسلة فقط حتى شاء الله أن يسعدنا به وبالزيارة إلى الكويت سنة ( 1384هـ ـ 1964م ) وهي زيارته الثانية للكويت حيث كانت الأولى سنة ( 1376هـ ـ 1956م ) وشرفت به في بيتي حيث حضر الندوة الأسبوعية العلمية التي نعقدها مع إخوان العقيدة مساء يوم الجمعة من كل أسبوع ، فتحدث الرجل المهيب والشيخ الجليل حديث العالم المتمكن من مادته القوية في أسلوبه الذي رزقه الله بصيرة نفاذة وذكاء متوقداً وغيرة على الدين لا يخاف معها في الحق لومة لائم ، فأخذ بمجامع القلوب وأفاض على الجميع من غزير علمه وأدهشهم بحسن أسلوبه وقوة حجته ونصاعة بيانه يجمع بين القديم النافع والجديد الصالح مشرباً بروح الإيمان ورقة العاطفة .

· البصيرة عوضاً عن البصر

ورغم كبر سنه وفقد نعمة البصر فقد عوضه الله نفاذ البصيرة ومنحه حيوية الشباب ، وكم تمنينا أن يكون الكثير من مشايخ اليوم على شاكلة الشيخ البيحاني في مقارعة الظلم والتصدي للطغاة والثقة بما عند الله لا بما عند الناس وبذل العلم ونشر المعرفة لراغبيها ابتغاء وجه الله تعالى وطلباً لمرضاته وطمعاً في مثوبته .

· الزبيري يتحدث عن البيحاني :

ويقول عنه شاعر اليمن وأديبها الكبير المجاهد الشهيد القاضي محمد محمود الزبيري : " عرفت صاحب الفضيلة الأستاذ / محمد سالم البيحاني في مصر وسمعت به في اليمن ، وصحبته في عدن ، عهدته في مصر رائداً من رواد العلم البارزين ، وسمعته هنالك في الأندية والمحافل متكلماً لبقاً ، وخطيباً لسِناً ، ومحاضراً بارعاً ، لا أقول أنه كان في صف المثقفين من شباب العرب ، بل أعتقد أنه كان من أرفعهم رأساً وأبعدهم صوتاً ؛ ثم دارت الأيام ودورتها وإذا أنا باليمن وهو في عدن ، وإذا به يكتب إلى زميله الأستاذ الخطيب الشيخ أحمد محمد نعمان ويشكو إليه حياته في عدن ويتبرم بالدنيا وما فيها ، فعجبت لهذه الظاهرة أشد العجب ، فهو العالم المستنير الذي عب من معين الثقافة ، وعرف القديم والحديث ، واستفاد من ألوان التيارات الفكرية المختلفة ، ثم لا يستطيع أن يكون سعيداً في البيئة العدنية ، ثم عصفت بي الأقدار وساقتني إلى عدن حيث استطعت أن أفهم السبب لشكواه ، فقد تبيّن لي أن الثقافة الإسلامية الصحيحة في عدن تكاد تكون مفقودة لقلة العلماء ، فما من مثقف يحاول الإصلاح في هذه البيئة إلا تعترض سبيله صعوبة معضلة من الأوهام التي لا زالت هي معتقد الأغلبية الساحقة في عدن ، وأعتقد أن هذا هو السبب لشكوى الأستاذ البيحاني إلى صديقه النعمان ، لأن البيحاني قدم من مصر وعنده أمل واسع عريض يطمح به إلى أن يوجد في البيئة العدنية ثقافة إسلامية جديدة .

إن الشيخ البيحاني مفخرة من مفاخر اليمن ترك لنا تراثاً ضخماً من المؤلفات العلمية والأدبية والاجتماعية والشعر العربي الرصين المزين بالحكم والنصائح والمواعظ ،

ومن أشهر هذه مؤلفاته :

· إصلاح المجتمع .

· أستاذ المرأة .

· كيف نعبد الله ؟

· أشعة الأنوار على مرويات الأخبار ( وهو ديوان يتألف من أربعة آلاف ومائتين وستة وستين بيتاً من الشعر السهل الممتنع في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وخلافة بني أمية ودولة بني العباس إلى يومنا هذا ) وقد كتب مقدمة هذا الديوان علامة الشام الشيخ / محمد بهجت البيطار .

· الفتوحات الربانية بالخطب والمواعظ القرآنية .

· زوبعة في فنجان .

· العطر اليماني في شعر البيحاني .

 

وفاته:

وقد توفي الشيخ البيحاني في مدينة تعز يوم : 26 / 12 / 1391هـ . رحم الله شيخنا محمد سالم البيحاني العالم الرباني وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .