هل ضاق بنا الوطن أم ضقنا به ؟
بقلم/ طه الحاج علي الإدريسي
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 20 يوماً
الجمعة 06 أغسطس-آب 2010 06:04 م
 

في البداية يجب أن نتحدث عن البلد ،هل تريدون أن نخفف من ألمه ، أم نحاكي واقعه ، أم نحاول أن نزرع تكشيرةباهته على وجهه البائس .

الأفضل أن نحاكي الواقع .

بلد يوشك أن يحتضر بأصحابة في مرحلة يسعى فيها أطرف كثيرة على وضع خنجرهم في خصره بعد أن كتفوه ووثقوه وعلقوا على رقبته العبوات الناسفة والقنابل المتفجرة ،وغرزوا في خصره كل خناجرهم وجنابيهم . الكل يعبث بالوطن ، أي وطن ؟ لا أحد يحب وطناً مكتفاً مكبلاً متفجراً يسيل دماً ويحوم بكلماته ألماً من جراء ما أصابه من حكامه ومواطنية .

المعادلة الأصعب هل ضاق بنا الوطن أم ضقنا به . لا أحد يعرف . ما يعرفه الجميع أن وطناً كبيراً بحجم اليمن أصبح يترنح يمنة ويسرة طعنة من اليمين وطعنة من اليسار وضربات موغلة في الوسط ، الكل مصاب ويتألم ولم يبقى إلا الرأس ثابتاً وراسخاً ويتحرك وإن بدى مرتجاً وملتفتاً بأقصى سرعة في كل أتجاه . الجنوبيون ، الحوثيون ، القاعدة ، الإقتصاد .

الجنوبيون يرغبون في الإنفصال ويسارعون بخطواتهم في العمل على ذلك ولم تعجبههم تلك البداية لدواء جسد مصاب بمثل هذا الحجم ،أقصد بداية الإتفاق على حوار بين طرفي العمل السياسي في اليمن ، والوسط مصاب بالإلتهابات فحتى الإتفاقات والحوارات التي تجرى تفسر من أصحابها بأنها صفقات وعدم معرفة وأنها دخول من جديد في كنف المؤتمر والذي يمثل الرأس ، لا أظن أن من كتب مشككاً في التوقيع أصاب ولا أظنه أخطأ فالكل يعرف من أين تأتي كلماته وأين يضع أمله لكن ما لا يعرفه كل من شكك أنه لم يضع حلاً وبدا مقصراً بعدم طرح كل آراءه وما يريده سواء في ملتقى كالتشاور الوطني أو عبر الصحافة والإعلام ، كما أنه يجب أن يدرك أن حلاً ورغبة في الحوار بشأن إتفاق فبراير بداية حقيقية لإنجاز منتظر في ظل بلد يتهاوى يوماً بعد يوم .

إن اللقاء المشترك يدرك أن المشاركة خير من العزلة ، وأن الحوار مع المؤتمر خير من الهجوم بالقصائد والإتهام بالكذب والإنقلاب ، كما أن تأخر المشترك إلى هذه اللحظة سوف يأتي بالجديد باعتقادي حيث الموافقة والتوقيع جاءت في وقت حرج يتطلب وقفة حقيقية من كل أبناء الوطن في سبيل خروج هذا البلد من أزماته أو على الأقل محاولة سريعة للملمة جراحه والبدأ في العلاج ،ربما أنا لست في كل لحظة مع خطوات المشترك لكنني منذ أكثر من عامين أدرك أن المشترك يتحرك بالإتجاه الصحيح ويعمل وفق آليه وطنية ممكن أن ترقى بالبلد وتساعد في إخراجه من أزماته وذلك من خلال رغبته في المشاركة في حلله أزمات بلد ساعد حكامة في جعله مضرب الأمثال لكل.

ربما كان على من شكك في التوقيع أو توجس منه أن يضع أسباباً مقنعة وحقيقية لا كلام مرصوص مليء بالتشكيك والخوف .

الشمال أيضاً يبدو أكثر تأزماً و تفككاً وتمزقاً ، القبائل تدخل في الحرب و الدولة تتخلى عن مهامها ، وبدا أننا على وشك الدخول في حرب سابعة بدأت بحملة إعتقالات وإستيلاء على مواقع . إنظروا إلى الخبر الصاعقة :\"الحوثي يستولي على موقع عسكري ويأسر مائتي جندي منهم عناصر من الحرس الجمهوري \" إعتراف لمدة ثلاثة أيام ثم نفي من وزارة الدفاع بعدها جاء الخبر \" ا لحوثيون يفرجون عن مائتي جندي أسرو في معارك سفيان \". لا تستغربوا نحن مغيبون تماماً عن الحق والحقيقة ، أحد الصحفيين نكل به لأنه حاول أن يبحث في الموضوع ويفتش في الحقيقة ، لا أدري كان بإمكان الدولة أن تستفيد من الصحفي النشيط ليدلها على الطريق ويمهد لها وسائل الحل لتعرف أين تقف من صراع لم تستطع حسمه .

البلد ضاق بحكامه وأصحابه ، إنهم يدمرونه بعنف وينهشونه بوحشيه .

إلتفت بسرعة إلى شمال البلد لترى الخوف الذي لا ينتهي والنازحين إلى العراء من جديد ، وحدق بعينيك لترى العمليات من جديد والنيران أيضاً تحرق كل شيء ، ضاقت الحياة بالناس فلم يعودوا يطيقوا لا الحجر ولا الشجر ...

ربما لا تؤرق السلطة مشكلة كمشكلة الشمال ، إنها تمس كرامتها وعزتها وقوتها وعلاقاتها أيضاً مع دول الجوار العربي والجوار الإقليمي ،كما أنها أيضاً أضافت عبئاً كبيراً ومشاكل أعقد إلى جانب المشكلة الإقتصادية التي يعاني منها البلد ، وهذا ليس تقليل من شأن المشكلة الجنوبية فهي في نظري أكثر تعقيداً وأكثر خطورة على المستوى البعيد وأكثر مدعاة للحل والإهتمام ، فالشماليون لا يطالبون بالإنفصال وإن كانت لهم مطالب فإنها سوف تحل في إطار الدولة الواحدة وإن أعلنوا عدم الرضى والتمرد ، لكن ما يثيره الحراك الجنوبي يتوجب الإلتفات إليه والحوارمن أجل حل القضية وأول خطوة هي الإعتراف أن ثمة قضية جنوبية تستحق الإلتفات وأنها أكبر من شرذمة خارجه عن القانون والدستور كما يدعي النظام عندما يتحدث عن القضية وكأن الدستور معلق على رقابهم يضربون عليه كالطبل برقصة الهوى والمزاج .

ثم التفت إلتفاته كبيرة لترى الفساد المالي والإداري والمحسوبية والوساطة في عمق النظام اليمني لترى أن ألم الإقتصاد سببه الفساد ، وأن مشكلة الجوعى يتسبب بها القليل من أركان البطش والسلب والفساد في المجتمع ، وأن آفة الآفات وصولنا إلى مرحلة الحيرة والعجز من الإصلاح ، وأن الكارثة الحقيقية بأننا في بلد لا يستطيع أن يحاكم الفاسدين ولا يدينهم لأنه بلد أختزل في جملة من الأشخاص لا يمكن أن يدينوا أنفسهم .

التفت مرة أخرى باتجاة الجنوب والشمال لترى \" القاعدة \" وعنترياتها لتدرك كيف أننا أمة وفر لها كل سبل العيش ولم يبقى إلا أن تتعاطى مع أفكار القاعدة وتتدارس وضعها .القاعدة من أ كثر المشكلات الحقيقية التي تواجة وطناً دون حكام وموطنين دون مستوى الآدمية تجعلهم يفجرون أنفسهم ويأخذون الكثير معهم إلى القبور ولأن حياتنا ضيقة جداً فهناك من أبنائنا من يريد تضييقها أكثر ، ولأننا نموت ألماً باليوم ألف مرة هناك من يريد أن يعجل لنا الدخول إلى القبور ليقطع علينا الأمل وليعزف هو على أوتار الفتاوى ويتغذى على دماء الأبرياء .

إن وطننا يستحق أن نقف على طاولة واحدة كما فعل المشترك والمؤتمر كخطوة متقدمة في سبيل الخروج من مشاكل ـ ليست أزمات ـ يبدو أنها عصية على الحل إلا بوقوفنا جنباً إلى جنب وحشر أنفسنا في الحوار وإيجاد الحل ..

وإن كنت أدرك أنه من الصعب أن نصدق لكنني أعتقد أن الجنون هو أن نكذب ...