النص الكامل لكلمة توكل كرمان بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لثورة 26 سبتمبر
بقلم/ توكل كرمان
نشر منذ: شهر و 13 يوماً
الجمعة 26 سبتمبر-أيلول 2025 05:29 م
  

على سبتمبر وآل سبتمبر،

 

سلام على الذين ناضلوا، وضحوا بكل غال ونفيس،

 

سلام على الذين عاشوا على قيم سبتمبر، وماتوا عليها، لم يبدلوا ولم يغيروا،

 

السلام عليكم إخواني وأخواتي في هذا اليوم الوطني المبارك، ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة، أحييكم جميعا رجالا ونساء، صغارا وكبارا، داخل وطننا اليمني الحبيب وخارجه.

 

شعبنا اليمني الأبي،

 

يحتفل اليوم شعبنا اليمني العظيم بعيد الأعياد الثورية في ذكراه الثالثة والستين، في احتفالات يحيي بها شهر سبتمبر المجيد وأيامه كلها تكريما ليوم السادس والعشرين منه، يوم الجمهورية التي جاءت بها ثورة سبتمبر، حين حرر الثوار وطننا من كابوس الإمامة، وأسقطوا حكم الخرافة، وأعلنوا ميلاد الجمهورية: دولة الشعب لا دولة السادة والعبيد.

 

 

 

نعم، إن يثور شعبنا على نظام الإمامة فذلك حدث لا مثيل له في التاريخ؛ ذلك النظام الذي تبنى الاستبداد ورفع من شأن الجهل، وأغلق الأبواب في وجه الأمل والعلم والفنون والحياة، حتى صارت البلاد أشبه بمقبرة تحرسها الخرافات.

 

الأوطان لا تبنى بدعاوى سلالية أو مناطقية، فهذا محال؛ فأقصى ما تناله سلطة كهذه أن تنهار سريعا مهما امتلكت من وسائل السيطرة والقمع.

 

لقد جرب اليمن الإمامة قرونا طويلة، وما استعلت يوما في بلدنا إلا وتركته خرابا. لم تحكم الإمامة اليمن إلا وزرعت الانقسام، واستعبدت اليمنيين، وأذاقتهم سوء العذاب.

 

حكمت بالطائفية والخرافات، وعزلت اليمن عن العالم، وحرمت أبناءه من التعليم.

 

هذا ما فعلته الإمامة في اليمن؛ وكلما عادت جلبت معها الخراب والموت والجهل والفقر والجوع والمرض.

 

في عيد سبتمبر المجيد نرفع رؤوسنا عاليا، ونقف إجلالا للمناضلين الأحرار رواد الثورة الأوائل وقادتها، من صنعوا النهار وبددوا ليل الإمامة.

 

نفخر بهم ونتعلم من سيرتهم مسالك الحرية والكرامة والتضحية في سبيل الخلاص من جبروت الظلم والقهر الإمامي.

 

ونتذكرهم اليوم لنستمد منهم العزيمة والنور الذي يضيء طريقنا ويلهمنا حقيقة يريد الأعداء أن ننساها: إننا شعب لا يموت.

 

نحن شعب أبي، مارد، شرس، يأبى المذلة ويرفض الاستعباد، ويعرف طريقه مهما طال ليله.

 

هذا ليس احتفاء بذكرى ثورة عظيمة خالدة فحسب، بل هو أيضا تذكير والتزام بضرورة تحقيق والدفاع عن قيم وأهداف سبتمبر باعتبارها خارطة الخلاص الحاضرة والمشروع المستقبلي الذي يضيء لليمنيين دربهم نحو الدولة الوطنية العادلة والمواطنة المتساوية.

 

أيها الشعب اليمني العزيز، في المدن والقرى، وفي كل شبر من يمننا الحبيب، في مناطق سيطرة الانقلاب الحوثي كما في مناطق سيطرة الشرعية:

 

منذ انقلاب ميليشيا الحوثي الإمامية في عام 2014، تواجه بلادنا مصائب جمة: ميليشيات فاشية، كلما ظهرت اختفت الدولة؛ ونخب سياسية تخلت عن مسؤولياتها، قدمت مصالحها الشخصية على مصلحة الوطن، وأصبح همها الوحيد سرقة المال ونهب الأراضي وبيع السيادة للأجنبي.

 

دمار شامل، اقتصاد منهار، مؤسسات مخطوفة، دماء تسيل في كل قرية ومدينة، وملايين من الجياع والنازحين والمهجرين، وبلاد مستباحة من القريب والبعيد.

 

نعلم حجم المعاناة التي تكابدونها يوميا: انقطاع المرتبات، الجبايات والقمع، سوء المعيشة وغياب الخدمات، أزمة الماء في تعز، انطفاء الكهرباء في عدن، وارتفاع الأسعار في كل بيت.

 

نعلم أنكم أنتم وحدكم من يدفع ثمن حرب طالت أكثر مما يجب، وثمن انقسامات وصراعات غذاها اقتصاد أمراء الحرب وتلاعب الخارج بالملف اليمني.

 

نحمل مجلس القيادة الرئاسي وأعضاءه الثمانية كامل المسؤولية، فقد فشلوا وتخلوا عن واجباتهم، وقبلوا أن يكونوا أدوات عاجزة في يد التحالف، بدل أن يكونوا ممثلين لإرادة الشعب.

 

وأجدني أكرر اليوم ما حذرت منه في سنوات سابقة عن دور التحالف السعودي الإماراتي الذي أسهم في تثبيت الانقلاب الحوثي وتقويض الشرعية، ويتحمل المسؤولية في إدامة التمزق، وترك ملايين اليمنيين يتجرعون مرارة الانقلاب وفشل الشرعية.

 

سنوات الحرب والانقسام جعلت لقمة العيش هما يوميا، وحولت حياة الناس إلى مشقة دائمة، بينما يتمادى أمراء الحرب في إثراء أنفسهم على حساب جوع الشعب ووجعه.

 

يزدادون ثراء تحت مسمى مواجهة الانقلاب الحوثي، ولكنهم بفسادهم وخيانتهم يعززون بقاءه جاثما فوق ملايين اليمنيين.

 

أمراء الحرب في المجلس الانتقالي، وجماعة الساحل الغربي، ومأرب وتعز، ومجلس الثمانية، وقيادات الأحزاب، كلهم مسؤولون وشركاء للانقلاب الحوثي الكهنوتي في إطالة معاناة شعبنا.

 

مسؤوليتهم وجرمهم أنهم قبلوا أن يكونوا مجرد أدوات، بدل أن يحملوا أمانة الشعب الذي ضحى بدمائه من أجل الثورة والجمهورية والدولة التي تحمي وطنه وتحفظ أمنه وتلبي متطلباته واحتياجاته.

 

وأكررها مرة أخرى وبوضوح: النخب السياسية والحزبية وقيادات الميليشيات تتحمل الوزر الأكبر فيما آلت إليه الأوضاع، فقد تاجروا بدماء اليمنيين وأحلامهم، وغلبوا مصالحهم الضيقة على مصلحة الوطن، وأصبحوا شركاء في الفوضى والانهيار.

 

أي خزي يصنعه هؤلاء الذين يجتمع بهم سفيرا السعودية والإمارات في الرياض ليوجهوهم ويحلوا خلافاتهم التي يقدمون عليها في خدمة دولتي السفيرين!

 

ومن هذا الجانب أستدرك وأقول: إن صوت الحق يفرض علينا أن نثني على كل خطوة صادقة في الاتجاه الصحيح.

 

نحيي رئيس الحكومة الجديد، أحمد بن بريك، الذي حاول –رغم العراقيل والصراعات– أن يبدأ بداية صحيحة تخفف المعاناة عن الناس، ونشيد بإجراءات البنك المركزي في عدن التي انعكست إيجابا على الاستقرار المؤقت للعملة وانخفاض الأسعار.

 

وأقول لأبناء شعبنا: إن من يستحق الدعم والمساندة في حكومة الشرعية هو كل مسؤول يتخذ خطوة صادقة لتخفيف معاناتكم.

 

نحن بحاجة إلى تراكم الخطوات الإيجابية مهما صغرت، لأن الأفق السياسي لا يزال مسدودا، ولأن طريق الخلاص يبدأ من إرادة الناس في العيش بكرامة، وفي إصرارهم على انتزاع حقهم في الأمن والاستقرار والخدمات والحياة الكريمة.

 

لقد حان الأوان لوقف هذه المقامرة بمصير اليمن واليمنيين. الناس يريدون طي هذه الصفحة السوداء من حياتهم، ويريدون أن يحصل ذلك الآن.

 

ربما كانت مساعي إحلال السلام في اليمن تواجه العديد من العقبات المحلية والإقليمية والدولية التي لا تشجع على نجاح تلك المساعي، ولكن ذلك ليس مبررا لإبقاء الوضع على ما هو عليه.

 

ترك اللصوص والقتلة يمارسون جرائمهم على المواطنين لن يجلب السلام. يجب وقفهم ومحاسبتهم أيضا.

 

أدعو الذين يملكون القوة والعسكر والسلاح إلى احترام الشعب، واحترام رغبته في العيش بحرية وكرامة.

 

ما ينبغي أن يفهمه أولئك الذين يمتلكون السلطة والسلاح أنه لا تكفي الشعارات لصنع واقع جديد في اليمن.

 

الواقع الجديد يتطلب التخلي عن الطموحات والمشروعات الأنانية، والقبول بدولة قائمة على أسس المواطنة والعدالة وتكافؤ الفرص، وعلى أسس التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات، وعبر الانتخابات فقط.

 

الذين يقدمون أنفسهم مدافعين عن الشعب اليمني، والذين يقولون إنهم مهتمون به، ويريدون مصلحته، لا وقت للكلام.

 

اعملوا أشياء محددة؛ لا يمكنكم الحديث عن مصلحة الشعب وأنتم مصممون على مشروعاتكم الطائفية أو المناطقية.

 

ينبغي أن يكون هذا واضحا لكم، أما الشعب فهو يعرف حقيقة كل واحد منكم، وإذا فعل أحدكم عملا جوهريا لإنهاء معاناته فسيكون ممتنا لذلك، ولن ينسى له هذا الصنيع أبدا رغم أن هذا واجبه.

 

ولا يفوتني، ونحن نحتفل اليوم بذكرى ثورة سبتمبر المجيدة، أن أتوجه بتحية اعتزاز وفخر إلى نساء عدن وتعز، اللاتي حملن راية النضال السلمي، وخرجن إلى الساحات والميادين مطالبات بتوفير أبسط مقومات الحياة: الكهرباء والماء والخدمات الأساسية التي ترتبط مباشرة بمعيشة الناس وكرامتهم اليومية.

 

لقد جسدن بصمودهن ووعيهن أن الدفاع عن الحق لا يحتاج إلى سلاح بقدر ما يحتاج إلى إرادة لا تلين.

 

كما أتوجه بالتحية وبمشاعر تقدير عالية إلى إخواني وأخواتي في حضرموت، الذين يضربون أروع الأمثلة في النضال السلمي المدني، ويؤكدون يوما بعد آخر أن الحقوق تنتزع بالوعي والصوت الحر.

 

لقد شهدت حضرموت انتفاضة شعبية واسعة، خرج فيها الآلاف إلى الشوارع، معبرين عن غضبهم المشروع إزاء تردي الخدمات وغياب الكهرباء لساعات طويلة في حر الصيف، وارتفاع الأسعار، وتفاقم الأوضاع المعيشية.

 

لم تقتصر مطالبهم على الكهرباء والماء فقط، بل امتدت لتشمل المطالبة بإدارة محلية نزيهة تعبر عن أبناء حضرموت، وتدير مواردها لصالحهم، بدل أن تهدر أو تستغل بعيدا عن مصالحهم.

 

إنها هبة حضرمية صادقة تؤكد أن الوعي الشعبي في عمق اليمن لا ينفصل عن روح سبتمبر، وأن المطالب بالحياة الكريمة والعدل والخدمات هي امتداد طبيعي لمسيرة الثورة في تحرير الإنسان وصون كرامته.

 

وأحيي شعبنا الصابر تحت نير الميليشيات الحوثية الذي يواجه أبشع صنوف القهر اليومي، من مصادرة الحريات وإذلال الكرامة، إلى انقطاع المرتبات وتردي الأوضاع المعيشية.

 

إننا ندرك تماما حجم الخذلان الذي تعرضوا له، خذلان الشرعية المرتهنة، وغدر التحالف الذي تنكر لوعوده، وتواطؤ الأدوات الميليشياوية المدعومة من الإمارات، فضلا عن خيانات النخب السياسية والحزبية التي تخلت عن مسؤوليتها التاريخية.

 

ومع ذلك كله ظل شعبنا شامخا، ورافضا لتسلط الميليشيات، وضاربا المثال بعد الآخر عن مقاومته لها، وبقي متمسكا بالجمهورية وثورة سبتمبر وحقه في الحياة الحرة الكريمة، ومؤمنا أن هذا الليل مهما طال لا بد أن يعقبه فجر جديد.

 

أيها الإخوة والأخوات،

 

في خضم المأساة المستمرة في غزة، حيث يواجه شعبنا الفلسطيني أعنف آلة عدوانية استعمارية تمارس الإبادة والحصار والتجويع منذ ثلاثة وعشرين شهرا، وها هم يجتاحون غزة في الأيام الماضية.

 

يتكشف المشهد العربي والعالمي في صورته المأزومة: عجز دولي عن وقف العدوان، وفشل تام للدول العربية التي تتفرج على إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم.

 

في اليمن، حاولت ميليشيات الحوثي استغلال قضية غزة، فحولوها إلى ورقة للمزايدة والابتزاز، وزجوا بالبلاد لتكون هدفا لعدوان إسرائيلي غاشم يستكمل القضاء على مقدراتها وموانئها، ويقصف المدن ويقتل المدنيين والأبرياء.

 

وأكرر هنا موقفي في إدانة العدوان الإسرائيلي على بلادنا ومدننا، وأدين المجازر المروعة التي ارتكبها بحق المدنيين الأبرياء في العاصمة صنعاء، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى من النساء والأطفال والشيوخ.

 

إن هذه الجرائم البشعة تضاف إلى السجل الأسود للاحتلال الإسرائيلي المليء بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، متجاهلا كل القوانين والمواثيق الدولية، وضاربا عرض الحائط بكل القيم الإنسانية.

 

وأؤكد أن هذه الجرائم النكراء، كما غيرها من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان وعدوانه على دولة قطر، وسائر أماكن العدوان، لن تنال من عزائم شعوبنا، ولن تكسر إرادتهم الحرة، بل ستزيدهم صلابة وصمودا في مواجهة الطغيان والعدوان.

 

وإن مصير هذا الاحتلال إلى زوال مهما طال الزمن، والعدالة والحرية ستنتصر في النهاية.

 

إن إدانة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على بلادنا اليمن واجب وطني وأخلاقي، كما أن فضح من يوظف دماء غزة ومعاناة اليمنيين في سبيل السلطة والنفوذ هو فعل أخلاقي ووطني.

 

الأخوة المواطنون والأخوات المواطنات في ربوع يمننا الحبيب؛

 

تمر منطقتنا العربية بمنعطف خطير، حيث تشن إسرائيل حرب إبادة على غزة، بهدف تصفية القضية الفلسطينية، وسط عجز دولي مريب وغير مفهوم، والذي سوف ينعكس سلبا على فكرة القانون الدولي والسلام والأمن الدوليين.

 

هذا العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والضفة الغربية، وعلى سوريا ولبنان واليمن، ومؤخرا قطر، وقبل ذلك إيران، يشير إلى أن إسرائيل قررت السيطرة على المنطقة من خلال ممارسة إرهاب الدولة.

 

إن الخريطة الإقليمية يعاد رسمها اليوم بقوة العنف والأسلحة الأمريكية المتدفقة لإسرائيل؛ والدول العربية على حدود فلسطين، معها الدول الخليجية على أبواب مواجهات قادمة قد تتعدى حدودها وتطاول شعوبها جميعا.

 

ومن هذا المنطلق، علينا أن ندعو إلى وحدة الصف الوطني، وندعو لمصالحة وطنية شاملة تعيد الدولة وتنهي حربا استنزفت بلادنا وعمقت جراح شعبنا.

 

إن إنهاء الحرب وطي صفحة الانقسام ضرورة وطنية لتجنب مآس جديدة. على قادة الرأي والمجتمع المدني والشباب المثقف أن يتحملوا مسؤوليتهم في الدفع نحو استعادة الدولة، وإيجاد تسوية عادلة تحفظ الكرامة وتمنع تحويل القضية الوطنية إلى وقود لمغامرات تعمق المعاناة.

 

المصالحة الشاملة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وتطهير الساحة السياسية من منطق الميليشيات والامتيازات، هي أدوات تحصن اليمن داخليا وتقلص فرص أن يصبح ساحة دائمة للحروب الإقليمية.

 

ختاما،

 

أحيي شعبنا اليمني العظيم في سهول اليمن وجبالها، سواحلها ووِديانها. أؤكد العهد والوفاء لمبادئ وقيم الثورة والجمهورية.

 

سبتمبر هو عهدنا الذي لا ينكسر، والجمهورية هي عقدنا الوطني الذي يضع الأمة فوق الطائفة، والمواطنة فوق القبيلة، والوطن فوق كل الهويات الضيقة.

 

فلنقف جميعا، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، نعمل معا من أجل وطننا وأمتنا، ولنهتف معا:

 

لن تعود الإمامة!

 

لن تنتصر المناطقية!

 

لن ينكسر اليمن!

 

المجد والخلود لثورة السادس والعشرين من سبتمبر،

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.