مسؤولية المرأة <1>
بقلم/ رجاء يحي الحوثي
نشر منذ: شهر و 24 يوماً
السبت 20 سبتمبر-أيلول 2025 04:35 م

القرآن يقدم لنا المرأة، في صور ملكة سبأ، إنسانة تملك عقلها، ولا تخضع لعاطفتها، لأن مسؤوليتها استطاعت إنضاج تجربتها وتقوية عقلها حتى أصبحت في مستوى يمكنها من أن تحكم الرجال الذين رأوا فيها الشخصية القوية العاقلة القادرة على إدارة شؤونهم العامة.

أنها يا ساده يا كرام ملكة سبأ نموذج من القصص القرآني العظيمة وعندما ندرس التاريخ في القصص القرآنية، فإننا نجد شخصية ملكة سبأ في القرآن الكريم، وفي حوارها مع قومها عند وصول رسالة سليمان إليها، فقد جمعت قومها لتستشيرهم في الموقف الذي يجب أن تتخذه من تهديد سليمان لها ولقومها ونوعية الرد الذي ترد به على الرسالة. ولعل هذا اللجوء إلى الاستشارة يوحي بوجود عقل راجح تتميز به شخصيتها، وهو ما يجعلها لا تعطي الرأي الذي تملك إقراره من موقعها كملكة، إلا بعد استشارة أهل الرأي من قومها فيه. وهذا ما حدثنا الله عنه، في سورة النمل{قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ*إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ*قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل 29 إلى 32]، وهكذا أرادت من رجال قومها أن يقدموا الفتوى والشورى السياسية التي تعينها على استيضاح الموقف الذي ينبغي لها أن تتخذه في المسألة الخطيرة، ولكنهم أرجعوا إليها الأمر، لترى رأيها، وذلك ثقة منهم برجاحة عقلها وصواب رائيها وموقفها. ولهذا جعلوها صاحبة القرار الأول والأخير فيما ترى بعد استشارتهم.. أما دورهم فانحصر في تنفيذ أوامرها في ما يملكونه من القوة والبأس الشديد في مواجهة كل التحديات التي يطلقها الملوك الآخرون ضد سلطانها ومواقع الحرية في حياتهم.

قال تعالى {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ*قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ*وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَا يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل 33 إلى 35]، وهنا كان رأيها عاقلاً متزناً يرتكز إلى حسابات دقيقة توصل إلى الحل الأفضل للمشكلة التي لا تكون القوة السبيل الأمثل لمعالجتها. فلا بد، كما رأت الملكة، من دراسة شخصية سليمان والإجابة عن الأسئلة التي رأت لابد من الإجابة عليها لتضع حل وحد لهذه المشكلة: هل هو ملك يهدف إلى السيطرة الغاشمة التي تلغي وجود الآخرين وحريتهم في اتخاذ قرارهم وتفسد عليهم حياتهم، وتفرض عليهم الذل في واقعهم المعاش كبقية الملوك الذين يتميزون بهذه الخصائص الشريرة؟ 

وفي هذه الحالة لا بد من دراسة المسألة من حيث إمكانات الحل السلمي والعائد منه وتقدير حجم قوته، وهل تستطيع مواجهته أم لا؟ وهل هو حقاً رسول هدى يمكن الدخول في حوار معه في القضايا التي يدعو إليها ام ماذا؟ واستقر رأيها على أن ترسل إليه هدية لترى الجواب في مضمونه السلمي أو الحربي، القوي أو الضعيف، وهنا يبين رجاحة العقل ،فلو كان ملكاً لأمكن للهدية أن تجتذبه إذا كان حجمها كبيراً، أو تثيره إذا كانت أهدافه كبيرة في غير هذا المستوى، وإذا كان رسول حق فلا يتنازل تحت تأثير أي شيء مادي مهما كان كبيرا، وهكذا فعلت في قرارها الحاسم الذي اتخذته، وهو قرار يدل على شخصية عاقلة متزنة تحسب للأمور حساباتها الدقيقة، قبل أن تتخذ أي قرار، وتعمل على أساس استنطاق عقلها بدلاً من استشارة عاطفتها وانفعالاتها، لاسيما إذا كانت تملك الوسائل التي تمنح هذا الانفعال القاسي فاعليته في القضية التي تهدد عرشها وملكها، من خلال قوة قومها وبأسهم الشديد، ويدل استنطاق هذه الصورة على إمكانية انتصار المرأة على عوامل الضعف الأنثوي الذي قد يؤثر تأثيراً سلبياً على طريقتها في التفكير، وعلى اتخاذها المواقف وإدارتها للأمور؛ الأمر الذي يوحي بأن الضعف ليس قدرها الذي لا تستطيع التخلص منه.

وهكذا كانت نهاية المطاف أن دخلت في الإسلام مع سليمان، بعد أن اقتنعت بذلك من خلال المعجزة التي نقلت عرشها إلى موقعه، ومن خلال الحوار الذي دار بينها وبينه؛ الأمر الذي يضيف دليلاً جديداً إلى أن المرأة القائلة بأنها قادرة على أن تقرر وتنتمي من خلال الفكر الخاضع للحسابات الدقيقة التي قد لا يملكها الكثيرون من الرجال ، وبهذا يؤكد الإسلام نظرته الإنسانية إلى دور المرأة في بناء المجتمع على أساس القاعدة الإسلامية والسلمية والشورية التي أكدها الله ورسوله في الكتاب والسنة، ويوجه الأمة إلى الاستفادة من دورها في كل المجالات التي تستطيع فيها أن تقدم خدمة اجتماعية أو سياسية أو تربوية أو حتى عسكرية، وعدم الاقتصار على دورها الأنثوي، كأم وكزوجة أو كأخت أوكربة بيت، فإننا في الوقت الذي لا نقلل فيه من هذا الدور المهم في حياتنا وحياة الأمة على جميع المستويات العامة والخاصة.

أن شخصية المرأة في حركة الحياة ودورها الفاعل لا يزال موضع حديث المفكرين الإسلاميين الذين يعملون على تحديد شخصية المرأة ودورها، مع العلم بأن المرأة رغم وصولها لدرجة عالية من التعليم والفكر الا أنها لا تشارك بمسؤولية في وضع الصورة المشرقة في إنسانية المرأة من حيث القيم الروحية والإنسانية ، ولازال الرجل هو الذي يجتهد في تحديد كل ما يتعلق بالمرأة مع العلم أن المرأة هي الأولى لفهم نفسيتها وتفكيرها للكتابة والبحث عن شخصية المرأة وطبيعتها وإيمانها ودورها الفاعل في النشاط الديني أو السياسي، أو الحركة القيادية في ساحة الصراع، والانفتاح العلمي وحركة الثقافة، ونحو ذلك.. وما يزعج في الامر أن الأمر من قبل ومن بعد متروك بحرية مطلقة للرجل في تفصيل شخصية المرأة في حركة الحياة ودورها الفاعل ويتم هذا الحديث من خلال بعض الكلمات المأثورة من بعض المثقفين، ومن خلال النظرة الفقهية السائدة لدى الفقهاء وكانت ولازالت المرأة هي شغل الرجل الشاغل فترك الرجل الصناعة والزراعة والفضاء والقضاء وتفرغ تفرغ تام لمواجهة المرأة وكل ما يتعلق في اكتشاف شخصية المرأة وعقلها وإيمانها من خلال حركة وجودها في الواقع الحي، وفي مستوى انفتاحها على الآفاق العلمية، من حيث عمق الفكر وسعته، وفي طبيعة رؤيتها للأشياء من حولها ، ومن حيث سلامة الرأي وصدق النظرة إلى الأمور وفي نوعية التزامها الداخلي بالعقيدة ، والتزامها الخارجي في خط العمل الفكري والسلوكي وفي ذلك كله.. وفي قدرتها على مواجهة التحديات في الصراع الفكري، أو في مواجهة المشاكل الواقعية في حيضها وزواجها وجنها وأنسها ونسى وتناسى مصانع الرجال ونسى وتناسى العدة والعتاد لمستقبل الأمة حتى وصلنا الى ما نحن عليه.