أزمة مجلس القيادة.. هل ينقذ الفريق القانوني وطنًا يتشظى؟
بقلم/ سيف الحاضري
نشر منذ: شهر و 24 يوماً
السبت 20 سبتمبر-أيلول 2025 03:55 م
  

لن يكون الخروج من أزمة مجلس القيادة الرئاسي أمرًا يسيرًا، حتى وإن أُحيلت ملفات الخلاف إلى الفريق القانوني. فمن يتعامل مع هذه الخلافات باعتبارها محصورة في مسألة إصدار قرارات دون توافق، أو مجرد مراجعة شكلية لتلك القرارات كسبيل لإنهاء الأزمة، فإنه يحمل فهمًا قاصرًا ومضللًا لطبيعة المشكلة.

إن جوهر الخلاف داخل المجلس يتجاوز مسألة القرارات ليصل إلى صراع مشاريع ومصالح متناقضة. فهناك طرفٌ يحمل مشروع تقسيم البلاد، ويسعى لتحويل مجلس القيادة ومفهوم الشراكة إلى جسر عبور نحو تأميم مؤسسات الدولة، وجعلها أذرعًا تخدم مشروعه الخاص. في المقابل، هناك طرفٌ آخر يتحدث عن أهداف معلنة، أبرزها وحدة الصف، وتوحيد الكيانات المسلحة، وإنهاء الاحتلال الإيراني سلماً أو حربًا، لكنه لا يمتلك مشروعًا متكاملًا أو رؤية واضحة لتحقيق ذلك. أما الطرف الثالث، فيرى في وجوده داخل المجلس فرصة لتصفية حساباته السياسية القديمة مع خصومه الذين واجههم خلال ثورة الشباب وسقوط نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ما حول المجلس إلى ساحة صراع إضافية.

تركيبة مجلس القيادة معقدة للغاية، ويصعب التعامل معها بسطحية أو من خلال معالجات شكلية. فالمجلس لا يضم فقط خلافات بين مكونات سياسية يمنية أو كيانات مسلحة، بل يحمل في جوفه تضارب مصالح إقليمية عميقة، وتباينات استراتيجية واضحة بين الرياض وأبوظبي. وبينما تبدو أهدافهما متقاربة في الظاهر، إلا أن أدوات التنفيذ وتوقيت التحرك يختلفان إلى حد الصدام أحيانًا.

وأمام هذه التباينات، تتسع دائرة الحسابات لتشمل مصالح قوى دولية، بعضها يصطف مع الرياض وأخرى مع أبوظبي، ما يجعل من مجلس القيادة ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، لا مجرد إطار سياسي يمني جامع. هذه التشابكات تلقي بظلال ثقيلة على عمل الفريق القانوني، وتنقل إليه صراعات لا علاقة لها بالقانون، بل ترتبط مباشرة بالتوازنات الإقليمية والدولية. وهنا يثور التساؤل: هل سيتمكن الفريق القانوني من البقاء موحدًا في وجه هذه الضغوط؟ أم أننا سنشهد خلافات وانقسامات جديدة داخل الفريق ذاته، تعطل عمله وتُفقده مبرر وجوده؟

من وجهة نظري، فإن الضمانة الوحيدة لبقاء الفريق القانوني متماسكًا تكمن في الشفافية المطلقة. على الفريق أن يحدد طبيعة مهامه بوضوح، وأن يعلن دائرة اختصاصه كاملة دون مواربة، مؤكدًا أن عمله سيشمل جميع القرارات الصادرة عن المجلس: الأمنية، والعسكرية، والسياسية، والدبلوماسية، والإدارية، بل وحتى قرارات تشكيل الحكومة. هذه الشفافية يجب أن تكون أمام المجتمع اليمني أولاً، ثم أمام دول الإقليم والمجتمع الدولي ثانيًا، حتى لا يتحول عمل الفريق إلى مجرد آلية شكلية لتبرير صفقات أو إعادة إنتاج الخلافات بوجه قانوني.

فالمهمة التي يتحملها الفريق القانوني ليست مجرد مراجعة بعض القرارات، بل هي في جوهرها مهمة تصحيح مسار بناء الدولة اليمنية، واستعادة مؤسساتها، وحمايتها من المشاريع الصغيرة ذات الطابع الجهوي والمناطقي، ومن الأطماع الإقليمية والدولية التي تسعى لتفكيك اليمن وتحويله إلى ساحة نفوذ متنازع عليها.

شخصيًا، أثق بقدرة رئيس الفريق على تجاوز كثير من العقبات بما يمتلكه من خبرة وحنكة سياسية وقانونية. لكن عليه أن يدرك أن المواجهة اليوم أكبر من حدود اختصاص قانوني أو خلاف إداري؛ إنها مواجهة مصيرية على مستقبل وطن ضائع يجب استعادته بكل ما أوتي من أدوات سياسية وقانونية وشعبية.

إن الأزمة داخل مجلس القيادة ليست خلافًا عابرًا على قرارات إدارية أو سياسية، بل هي انعكاس لصراع مشاريع محلية وإقليمية ودولية يتخذ من المجلس مسرحًا له. وفي مثل هذا المشهد، يصبح دور الفريق القانوني اختبارًا حقيقيًا لقدرته على الارتقاء فوق الضغوط، وتحويل القانون إلى أداة لحماية الدولة لا إلى غطاء للانقسام. إن نجاحه في هذه المهمة قد يفتح نافذة أمل لإعادة بناء الثقة بين الشرعية ومؤسساتها، أما فشله فسيعني ترسيخ الانقسام وتسريع انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة. واليمن، اليوم أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى رجال يواجهون الحقيقة بشجاعة، ويُعيدون صياغة مسار الدولة على أسس الوحدة والسيادة، لا على خرائط التجزئة والتبعية.