آخر الاخبار

حيث الإنسان يرسم الابتسامة ويضع مداميك المستقبل لنازح بمحافظة المهرة.. الحلاق الذي تحققت أحلام حياته بمشروع مستدام يؤمن مستقبله ومستقبل أسرته عودة العليمي إلى عدن ومصدر في الرئاسة يكشف عن التحركات القادمة للرئيس مؤتمر مأرب الجامع يلتقي جرحى الحرب ويتعهد بمتابعة مطالبهم وحل قضاياهم مانشستر يونايتد يقدم هدية لليفربول ويقربه من لقب الدوري الإنكليزي الذهب يرتفع في الأسواق العالمية لهذة الأسباب؟ أجهزة الأمن بالمهرة تضبط أجهزة اتصالات لاسلكية ممنوعة الاستيراد إلا من قِبل الجهات العسكرية بمنفذ صرفيت انجاز تاريخي للحكومة السورية.. توقيع رئاسي مع قائد سوريا الديمقراطية يؤكد على وحدة البلاد واستعادة الثروات النفطية والغازية مستشار وزير الشباب والرياضة يدشن المسابقة الثقافية الرمضانية بالمهرة الزنداني يناقش مع الرئيس التنفيذي لمؤسسة قطر دعم المشاريع الإنسانية والتنموية في اليمن وبادي يصف العلاقات بالتاريخ المشرق يتحرك عبر دهاليز المخابرات الحوثية.. واجهة حوثية جديدة لإرث عائلي متخصصة في تجارة الموت والعمليات المشبوهة

أحمد الشرع… من رجل الجماعة إلى رجل الدولة
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: ساعتين و 45 دقيقة
الإثنين 10 مارس - آذار 2025 11:45 م
   

لو أن أحدا خرج بتصريح قبل عملية ردع العدوان – التي أطلقتها المعارضة السورية في السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني ـ قال فيه إن الجولاني قائد هيئة تحرير الشام سوف يصبح رئيسا لسوريا، فلا شك أنه كان سيُتهم بالحمق السياسي والشطط في قراءة الواقع.

وهذا الاتهام حينذاك سيكون منطقيا، فكيف سيتخطى الجولاني، عقبة الإسناد الروسي الإيراني لنظام بشار، وإن فعل فكيف سيتخطى بماضيه مع تنظيم «القاعدة» عقبة المكون السوري متعدد العرقيات والأطياف؟ وكيف سيتجاوز المخاوف الإقليمية والدولية تجاه وصول الإسلاميين للحكم؟ وإن نجح في تذليل كل هذه العقبات فكيف سيحكم دولة بحجم سوريا بعقلية الجهادي؟

ها هو أحمد الشرع قد طمس كثيرا من معالم الجولاني، وأصبح رئيسا لسوريا، يستقبل قادة وزعماء ووفود الدول في قصر الشعب، ويقوم بجولات لتلك الدول، تتضمن لقاءات عالية المستوى، نزع عنه لباس الحرب وارتدى الحلل الأنيقة، وأخرج خطابه من أيديولوجيا الجماعات إلى الخطاب التوافقي العام، فكيف حدث هذا التحول، وكيف استطاع الشرع تغيير المعادلة التقليدية للوصول إلى الحكم؟

الذي يتتبع مسار الشرع إلى اليوم، يدرك أن الرجل كان يعرف ما يريد، وقرأ الواقع جيدا، وسار بخطوات مدروسة توازن بين الواقع والمأمول، وكان نظره يتجه إلى شكل سوريا ما بعد الأسد، لا العمل على إسقاطه فحسب. أول خطوات النجاح، كانت خروجه من عباءة «القاعدة» ذات الأحلام عابرة الحدود، والتركيز على الجغرافية السورية، والتحرك في قالب القوة الوطنية الثورية التواقة إلى تحرير سوريا من طاغيتها، الذي قتل واعتقل وشرد الملايين. ثم كانت خطوة توحيد الفصائل المقاومة تحت راية واحدة، لئلا يتكرر سيناريو الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، والذي شهد الاقتتال الداخلي بين الفصائل بعد تحرير أفغانستان من الروس. وبهذا صار للحق قوة تحميه وتفرضه وتجابه به المعوقات الداخلية والخارجية.

استثمر الشرع الأحداث جيدا لشن الهجوم الكاسح في عملية ردع العدوان، فإيران التي كانت قد دخلت بقوتها الضاربة من الحرس الثوري الحرب للدفاع عن نظام بشار، بدت في ظل قيادتها الجديدة، أنها تخلت عن أذرعها وانكفأت على أزماتها الداخلية ومشكلاتها مع الغرب حول النووي، وشرعت في إجلاء قادتها ومستشاريها من الأراضي السورية بعد أن تأكد لديها أنه لا فائدة من دعم النظام المتهالك، في الوقت الذي تهاوت فيه قوة حزب الله خلال الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو القوة التي كان لها ثقلها في القتال ضد المعارضة السورية لصالح نظام بشار. أما روسيا فكانت منشغلة بالبوابة الشرقية لأوروبا وحرب أوكرانيا، وبدا أنها تخلت عن الأسد بسبب التفاهمات مع تركيا، حتى صرح المسؤولون الروس بأنهم ليس لديهم خطة لإنقاذ بشار، بينما يفر جنوده تاركين مواقعهم أمام زحف المعارضة.

استفاد الشرع من هذه المعطيات للقيام بعملية التحرير التي أظهرت أن قوات المعارضة ليست كما السابق، لا من ناحية التسليح، ولا من ناحية التكتيكات ولا من ناحية التنظيم. التحالف بين المعارضة وتركيا كان منطقيا جدا، فتركيا دولة كبيرة قوية لها ثقلها في المنطقة، وارتباطها بأهداف المعارضة من الإطاحة بنظام بشار وبناء سوريا موحدة، هو صميم ما يقتضيه الحفاظ على الأمن القومي التركي، من منع إقامة دولة كردية على حدودها ترتبط بحزب العمال الكردستاني المعادي لتركيا. الشرع استثمر جيدا حاجة تركيا إلى سوريا، دون تقسيم، لذلك يرتكز عليها في بناء الدولة السورية. مِن أظهر الإجراءات التي تبين عمل الشرع أثناء الحرب على تأمين تسيير الأعمال بعد إسقاط النظام، هو تشكيل حكومة الإنقاذ في إدلب والأراضي التي سيطرت عليها المعارضة، وذلك في عام 2017، هذه الحكومة هي التي أتى بها الشرع بعد إسقاط نظام الأسد لتكون حكومة مؤقتة للبلاد، وهو ما أدى إلى تقليل حجم الفراغ السياسي والأمني بشكل كبير.

ظهرت الحنكة السياسية للشرع بعد إسقاط نظام الأسد، فبصفته رئيسا لإدارة العمليات، بث رسائل طمأنة للجميع للداخل والخارج، بأن القيادة الجديدة لن تعمل على تصدير الثورة، وهدفها تصفير الخلافات، وإعادة سوريا للحاضنة العربية، وبناء سوريا جديدة تسع كل الأطياف دون إقصاء أي من مكونات الشعب السوري، وأن الهم سوف ينصرف للبناء دون الدخول في نزاعات، حتى مع الكيان الإسرائيلي. لم يقم الشرع في هذه المرحلة بالتمويه حول إمكانية توليه رئاسة سوريا، ولم ير أنه بحاجة للتعمية على ذلك، استنادا إلى الشرعية الثورية، فهو قائد القوات التي حررت سوريا من نظام الأسد.

بالعادة، يسعى من هو في مكان الشرع لإبراز الحرص على التعددية والاستيعاب بإنشاء حكومة تشمل كل الأطياف قائمة على التعددية السياسية، تفاديا لاتهامه بإعادة إنتاج حكم الأسد الديكتاتوري في هيئة أخرى، لكن الرجل لم يلتقم الطُعم، رغم الضغوط، فهو يدرك أن الأولوية للاستقرار، ولن يكون هناك استقرار في ظل وجود نزعات انفصالية، فلا بد من بناء مؤسسات الدولة أولا، لذلك قدّم العناصر الثقات الموالين له لضمان تسيير الأعمال، وصرح بوضوح أنه لا يمكن إجراء انتخابات إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات، لأن سوريا في حالة من الفوضى. قام بحل هيئة تحرير الشام، والتأكيد أنه لن يكون هناك وجود عسكري على الأراضي السورية سوى الجيش الوطني السوري. ارتكز خطاب الشرع على التأكيد على بناء سوريا موحدة لا وجود فيها للفدراليات، والتأكيد أن سوريا لجميع السوريين.

خرج الشرع من خطاب رجل الجماعة إلى رجل الدولة، فهو وإن لم يتخل عن جذوره الإسلامية، قد نأى عن التعصب والجمود الفقهي والدعوي والإصلاحي، ويبدو أن الرجل متضلع في فقه السياسة الشرعية وفقه الأولويات والفقه المقاصدي، ويعلم جيدا أن أحكام الشريعة التي يسعى لتطبيقها في الواقع السوري لا تتأتى عن طريق الجبر، وأن المجتمع يأخذ وقته في التفاعل، ثم يؤوب في النهاية إلى هويته الثقافية الأم.

ولا يلفظ المصطلحات المعاصرة في شؤون الحكم جملة، فعندما سئل عن الديمقراطية – ومن المعلوم أن كثيرا من الإسلاميين يلفظون هذا المصطلح جملة وتفصيلا ـ قال: «لو كانت الديمقراطية تعني أن يقرر الناس من سيحكمهم ومن يمثلهم في البرلمان، فعندها، نعم، سوريا تسير بهذا الاتجاه».

قام الشرع بجولات في المدن السورية للقاء ممثلي الطوائف المسيحية والعلوية والدرزية، تأكيدا على أن سوريا للسوريين جميعا، وأن مهمة النظام هي حماية ورعاية الجميع. ظهرت حنكته السياسية في عدم التصدي للتظاهرات والفاعليات المناهضة للنظام الجديد، ولا لدعوات الانفصال التي ترعاها فلول النظام البائد وقوى إقليمية أخرى، واتهمه البعض بالخور والضعف، لكن ما إن تعلق الأمر بالأمن العام، وتحولت هذه الدعوات إلى استخدام للعنف، كشر الرجل عن أنيابه، وأراهم قوة سوريا الجديدة، وأعني هنا العمليات الإرهابية التي قامت بها قوات تابعة لفلول النظام، والتي تصدت لها القوات السورية بكل حزم. إذن الرجل أثبت أنه يراعي الحريات ما لم تتحول إلى إضرار بالأمن السوري، وأظهر الحلم لدى المعارضين ما لم يضروا بالبلاد، لذلك لم أندهش لهذا الالتفاف الشعبي الجماهيري الكبير حول القيادة في هذا الظرف، لكنه مع ذلك وانطلاقا من التعامل كرجل دولة، عمل بجد على ضبط الجماهير وترك مهمة التصدي للفلول إلى الجهات الرسمية المختصة، حرصا على رعاية وحماية كل الأطياف.

كل يوم يمر، يثبت هذا الرجل أنه بالفعل قد تحول من رجل الجماعة إلى رجل الدولة، بما يزيد من التفاؤل حول عبور سوريا إلى مستقبل أفضل، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون