خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت اللواء العرادة يطالب المجتمع الدول بإتخاذ تدابير عاجلة تجفف منابع الدعم الخارجي للمليشيات مليشيات الحوثي تحول مدارس صنعاء إلى معسكرات تدريب للطلاب حزب الإصلاح يلتقي بعيدروس الزبيدي مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية
هذه الحلقة من المذكرات هي الحلقة الأخيرة وهي الأكثر سخونةً وحساسيةً، سيتناول الكاتب فيها موضوع دور المساجد وأثرها في صناعة الحياة الخليجية، ورسالتها في النهضة وحماية وصيانة الأجيال، ودور المسجد في التعايش الفقهي والمذهبي والألفة الوطنية، في الخليج، على وجه أخص، ويشير الكاتب إلى بعض النتائج والتوصيات العامة، وفق المنهجية التي حدّدها الكاتب في مقدمة مذكراته، وأبرزها البعد عن تناول الخلافيات والسلبيات والسياسات، فبعض الباطل أو كثيرٌ منه يزول بعدم ذكره والتغافل عنه.
أزعم – ابتداءًا- أنه وعبر التاريخ الإسلامي ارتبطت نهضة الأمة، تقدمًا وتخلفًا، بمدى عناية الأمة وارتباطها بالمسجد وعمارته، لما يكتنزه المسجد من علوم ومعارف وآداب، ويعدّ المسجد في الخليج مؤسسةً متكاملةً يقوم عليه طاقم متكامل من الإمام والمؤذن والخدم والمراقبين والفنيّين ويرتبط مباشرةً بإدارة وزارة الاوقاف، ويحظى المسجد بعناية فائقة في الخليج، وتشترط بعض وزارات الأوقاف – قطر على وجه أخص-على المتقدمين للإمامة والأذان حفظ المصحف الشريف والإلمام بفقه العبادات، والصوت الحسن ما أمكن، وتتولى النظافة والصيانة للمساجد شركاتٌ مقاوِلة، بحيث تتم رعاية المسجد وصيانته على مدار الساعة، وتتم النظافة لكل المسجد ولكل مرافقه قبل وبعد كل صلاة، فلا شغل للعمّال إلا المسجد.
ويعدّ المسجد في الخليج كبيتِ كل مواطنٍ ومقيمٍ يهتم ويعتني به كبيْته أو أكثر، فهو ملتقى كل أبناء الحي، أو العشيرة، وهو الرّوح والريحان والسعادة والحديقة والمتنزه، والمنتدى، وفيه يلتقي المسؤول مهما علا شأنه والمواطن مهما قلّ شأنه، وفيه يلتقي الطالب والأستاذ، والعربي والعجمي، والشيخ والتلميذ، في أجواءٍ ساحرة وآسرة من الحب والإخاء، ولذا للمسجد في الخليج وضعٌ خاص ومميّز، ويعتني به كل أفراد المجتمع، عُمرانًا وصيانةً، ويزدحم فيه المصلون لعبادة الله ربهم، سيما في شهر رمضان، ويحظى الإمام والمؤذن والخطيب فيه بمكانة خاصة مرموقة في قلوب الناس شعبيًا ورسميًا، بتوفير معظم متطلباته الحياتية والمعيشية، إلى حدٍ جيّد مقارنة ببعض البلدان، مقابل التفرغ التام لشؤون المسجد.
ولعلّ من أهم عوامل النهضة ورغد العيش والنّعم الكثيرة المتوافرة، في الخليج، العناية برياضة الروح وتزكية النفس، والعبادة والصلاة، من خلال العناية بالمسجد ودور العلم وتطوير المناهج الدراسية والتعليمية والإعلامية باستمرار. ومن أروع ما يُشاد به في هذا المقام إحياءُ كتب الفقه والتراث العلمي في كثيرٍ من مساجد قطر، من خلال توفير مكتبةٍ تصغر حينًا وتكبر أحيانًا، فلا يكاد يخلو مسجدٌ في الدولة من مكتبةٍ تراثية، وزادَ من روعة المساجد أنّ الدولة مشكورة تتولى الإشراف والقيام على شؤون المسجد ورعايته. وبعد جائحة كورونا العالمية أُلزم الخطباء بألا تتجاوز الخطبة عشر دقائق، ومع الصلاة خمس عشرة دقيقة إلى عشرين دقيقة، واستمر العمل على هذا إلى يومنا، وهذا هو الأوفق للسنة وهو مئنة الفقه والأقرب للهدي النبوي، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة.
تتربع وزارة الأوقاف وسط مباني الوزارات الحكومية ومبناها يقع في (40) طابقاً أو تزيد، وتتعدد في هذا البرج الإدارات والإشرافيات، من إدارةٍ للبحوث وإدارات للدعوة والافتاء والخطابة، والشؤون الإدارية والموظفين والموارد البشرية، والمكتبة، والزكاة، والرقابة على المطبوعات، وموقع للشبكة العنكبوتية للفتيا وللدعوة الإسلامية، وقسم مستقل للإدارات النسائية. وفي شهر رمضان تتلألأ المساجد وتزدان وترتفع المآذن وتتسع ساحات المساجد وباحاتها، ويُستنفر الناس، يرجون رحمة الله ومغفرته وثوابه، كما هو الشأن في سائر بقاع العالم الإسلامي، وتتحول البلاد الإسلامية عمومًا والخليج خصوصًا إلى مائدة واحدة ساعة الإفطار، يلتقي حولها المسلمون من شتى الألوان والأجناس والمذاهب والأعراق، ثم يقومون جميعًا لصلواتهم وعبادتهم في خشوع وإخاء وصفاء، يعجز القلمُ عن وصفه وخطّه، ثم في صلاة التراويح والقيام والتهجد تختلط دموع الخاشعين بفناجين القهوة الخليجية الرائعة والتمر والمياه العذبة ونسائم المكيفات، ومزامير آل داوود، الذين قَدموا أو استُقْدموا للخليج من أصقاع المعمورة. وللقهوة الخليجية حديثٌ مطول خاص، ليس هذا مكانه.
ومن عجبٍ أنك في بعض المساجد الخليجية يعسر عليك الحديث مع العمالة، ولكنك تُفاجأ بحفظ بعضهم للقرآن العظيم كاملاً عن ظهر قلب، مع عجز بعضهم عن التحدث بالعربية أو بعض كلماتها. وبالمناسبة في هذا السياق أُهديَ إليّ بعض الآنية وفيها كثيرٌ من الفواكه والحلويات، فأعطيتُ ثلاثة عمال في المسجد هذه الآنيةَ بكل ما فيها، وقلت لهم بالعربية الفصحى، "خذوا حاجتكم منها، وردوا عليّ الباقي، بارك الله فيهم" فحرّك ثلاثتهم رؤوسهم، كعادة مواطني دول شرق آسيا والهند، وحسبتُ أنّ كلامي فُهم لهم، ولو بدلالة القران والسياق أو الإشارة، وانتظرت طويلًا عسى أن تعود الآنية ببعض ما فيها ولم تعد، وعلمتُ مؤخرًا أنّ كلامي بالعربية الفصحى لم يكن مفهومًا ولا معلومًا أبدًا للعمال، وأنّ القوم لا يتكلمون بكلمة عربية واحدة.!!!!. وهذه الطرفة مع كونها سيقت للابتسامة، إلا أنّ فيها درسًا إسلاميًا بليغًا جدًا، وهو ما يتمتع به الخليجيون من تعدد اللغات واللهجات والأجناس والأعراف، وذوبان القومية والمناطقية في باحات المساجد وجنباتها، بل أحيانًا تجد بعض المساجد وقد امتلأ بالمصلين ليس فيهم إلا عربي واحد، أو بعض عربي، وهو الخطيب، ولا تفرّق بين الناس إلا بحركة الرأس تلك التي أشرتُ إليها قبل قليل.
وفي بعض دول الخليج بل جلّها، تتجلى في المساجد الأخوة الإسلامية الصافية والصادقة في أزهى حللها وأجمل صورها، فتجد المسجد فيه كل الأعراق والمذاهب الاسلامية، بلا خلاف ولا شقاق، فالمساجد والعصبيات المذهبية لا تلتقيان أبدًا، وكم يتمنى المرء لو تنقل هذه الصورة المشرقة والمشرّفة إلى ميدان الحياة العامة، وأذكر أنه في رمضان المنصرم، كنتُ أتناوب وأحد الأئمة في صلاة التراويح، وأثناء درس إمام المسجد الراتب عصرًا قال: "لا يجوز أن تُخرج زكاة الفطر إلا طعامًا"، ودون تفصيل أو إطالة، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، لأن الطعام منصوص عليه، في حيث بن عمر، رضي الله عنهما، والقيمة علّة مفهومة، والمنصوص مقدّمٌ على المفهوم عند الفقهاء الأصوليين، ولا يخفى ما في هذا القول - أعني إخراج زكاة الفطر طعامًا - من تعسيرٍ ربما بعض الشيء، في زماننا، وإن كان هو قول للجمهور، بيد أنّ المسألة فيها سعة، والأقرب لمصلحة الفقير هو القيمة، كما هو معلوم من مذهب الأحناف وقبلهم عمر بن عبد العزيز، وكثيرٌ من علماء عصرنا، لحاجة الفقير، ولأنّ العلة هي تحقيق غنى الفقير في هذا اليوم، كما ورد في الحديث، "أغنوهم في هذا اليوم" وفيه ضعف، لكنّ أحدًا من المصلين لم يعترض أو حتى يناقش إمام المسجد أو يراجعه، فقوله داخل في الاختيار الفقهي المكفول للجميع، بلا ضيرٍ أو حرج، وبعد أن انتهى من درْسه قال له الحاضرون، جزاك الله خيرًا، ومضى كلٌ إلى عمله، ولم تنشأ فتنة أو هرج أو ارتفاع للأصوات كما في بعض البلدان، التي تعلو فيها الأصوات والفوضى، - وربما القتل - في كل جنبات المسجد بين الحين والآخر، بسبب أو بلا سبب، وبعد كل صلاة!!!..
هذا التعايش الفقهي والمذهبي بل والديني، الجميل ، لا تجده إلا في حضرموت ومأرب اليمن، والسودان، والخليج، كالأحساء، وبعض بلاد الإسلام، وكم يُسر المرء حين يرى هذه الصورة الجميلة والوضّاءة من التعايش والإخاء والحب، بدأ يأخذ مكانه العالي والفسيح في الخليج وأنحاء من الجزيرة العربية، ويمن الإيمان والحكمة، وللأسف أن تسعى بعض التيارات المستوردة أو الأمنية المشبوهة لإفساده وتعكيره، بمسميات عدة. وبتاريخ الاثنين: 11/10/1444هـ الموافق: 1/5/2023م،عزمني أحد الفضلاء الباحثين من طلاب العلم المستفيدين، إلى دراه، وكان معنا أحد الأصدقاء، وقبل انصرافنا عرّفني صديقي بالأخ العازم بأنه من أقارب وطلبة العلامة/ عبد المجيد الريمي الهتاري، يرحمه الله، ومن طلبة مركز الدعوة العلمي بصنعاء، ثم بعد المائدة حضرنا معه درسًا فقهيًا عبر الزووم لأحد كبار علماء الهند، وكان هذا اللقاء المبارك فرصةً ثمينةً للصداقة والصحبة والإخاء.
وأحسب جازمًا أنّ الخلاف والشقاق بين دعاة الاسلام يعود في جلّه أو كلّه إلى الصفات الشخصية للبعض من الجهل والجهالة والحمق والحنق وضيق الأفق، وحب الاستعلاء والاستكبار، وغياب الفقه بمفهوم الشامل والواسع، وتغذية الشقاق من أطراف خارجية، وهذه تكاد تنتفي لدى كل من يقيم في الخليج، بعد أن تَيسرت كل أسباب العلم والمعرفة والاتصال، وباتت المعلومة لا يحتكرها شخصٌ ولاجهةٌ، بل ربما تجد لدى بعض الأطفال من المعلومات والتفاصيل ما ليس لدى بعض الدكاترة، بفضل الثورة الإلكترونية، ولما تتميز به البيئة الاجتماعية الخليجية من اللطف واللين والرّقة والروح العالمية، فقد اختار الله هذه البقعة من العالم لرسالته لما تتميز به من الصفات النبيلة النادرة، فهي شرطٌ للريادة والقيادة العالمية، وربك يخلق ما يشاء ويختار. هذه الأجواء الإيمانية والأخوية – يا كرام - ليست خاصةً بالمسجد، بل هي عامة في كل مكان، فيما أزعم، حتى وأنت تقود سيارتك تجد إذاعات القرآن الكريم المتعددة تأسرك ببرامجها المميّزة والهادفة، والتي يستضاف لها كبار العلماء والدعاة، في أمس وأحلك القضايا الدينية والاجتماعية، مما يضفي للعيش في الخليج مذاقًا خاصًا مميزًا، لا تجده في أي بلدٍ في العالم.
ختامًا: أحسب أنني طوّفت "سياحيًا" بالقارئ الكريم في بعض أنحاء الخليج، وأرى لزامًا ختم هذه السلسلة ببعض النتائج والتوصيات والإشارات، كأمر ضروري لأيّ دراسة علمية، أوجزها فيما يأتي:
1. ندعو الجهات الرسمية والشعبية إلى العناية باللغة العربية والثقافة الإسلامية ونشرها وتعميمها وتحويلها إلى متطلب علمي جامعي، لدى كل المدارس والكليات والبرامج التعليمية، لصناعة حصانة فكرية للأجيال المسلمة من الاختراق الفكري والديني، وتوجيه وسائل التعليم والإعلام لنبذ كل أسباب الفرقة والشتات وعدم التحريش بين طوائف الأمة.
2. تشيد هذه الدراسة المتواضعة بالجهود الجبّارة الرسمية والشعبية لقمع حركات العنف المسلّح، والقضاء عليها قضاءًا مبرمًا، والتي ظهرت في عالمنا العربي والإسلامي في أواخر القرن الماضي، كحركات تحمل اسم الاسلام ظاهرًا، ولكنها في حقيقتها حركاتٌ ذات أجندة استعمارية وتخريبية، لإعاقة نهضة الأمة وتطورها، وتشويه دينها وثقافتها السمحة.
3. العمل على رسم سياسات سكانية جديدة، لهذا القرن، تضمن الأمن والاستقرار، وألا تسيطر بعض القوميات على بلدٍ من البلدان.
4. العمل على تخفيف قيود التنقل والعمل والإقامة في الخليج، وهو ما نراه حاليًا بدأ يأخذ مسارًا جيّدًا، ونأمل استمراره، على غرار دول أوروبا وأمريكا التي يتنقل في أرجائها المواطن والمقيم، ببطاقته الشخصية وبدونها، والعمل على وحدة فيدرالية أو كونفدرالية خليجية، أو حتى دمج الوزارات السيادية، أو على أقل تقدير دمج وزارات الدفاع في وزارة واحدة، كمقدمة لوحدةٍ عربية شاملة.
5. نشر رسالة المسجد والسعي لمزيدٍ من العناية بها وفتح المجال رحبًا واسعاً للدورات الشبابية والنسوية العلمية والتثقيفية بإشراف وزارات الأوقاف ووضع البرامج المناسبة لها، بما يحقق فائدتها، ودون أن تستغل من أي جهة حزبية، بغرض تحصين الشباب والفتيان والفتيات من تيارات الغلو والتطرف، أو التغريب واللبرلة.
6. العمل على مداواة الجرح اليمني النازف منذ ما يقرب من 15 عامًا من الحروب التي لا تهدأ، ولعلّ من أهم أسباب نزيف هذا الجرح الدامي هو التدخلات الخارجية، ذات النوايا غير الحميدة، مما جعل الحروب في هذا البلد العزيز تتسع وتتفجر في كل مكان، وإذا تعذّر خليجيًا ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي فليُترك هذا البلد لشأنه الخاص يديره أبناؤه وفق إرادتهم الوطنية، دون وصاية أو تدخل من أحد، ولا تزال الحكمة اليمانية باقية لو تركت لشأنها، ولا تزال اليمن مليئة برجالات النخوة العروبية والقبلية والشعبية.
7. يوصي كاتب هذه الدراسة أن يحظى الأستاذ الجامعي في الخليج ببطاقة خاصة للتنقل في دول الجزيرة والخليج لغرض الدراسة والبحث العلمي، على غرار ما تفعله بعض دول الخليج، مشكورة.
8. يوصي صاحبَ هذه الدراسة الأمةَ حكامًا ومحكومين بالعودة الصادقة إلى الله تعالى وكتابه الكريم، وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، وتحقيق مزيد من الأخوة والالتحام والألفة مع كل تيارات الأمة وفئاتها ودعواتها وطوائفها، السلمية، ومكافحة ودرء الخلافات والشقاقات والانشقاقات، بدءًا بالمسجد وانتهاءًا بالجامعة والمدرسة والصحيفة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.