الوالي.. قصة قصيرة
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: سنتين و 10 أشهر و 3 أيام
الإثنين 24 مايو 2021 06:21 م
 

 بعد منتصف الليل استيقظ الناس في قريتنا على صوت رعد تبعه مطر فارتفعت الأكف لله بالدعوات بأن ينزل الغيث ويسقى الأرض العطشى ، وهطل المطر وسمع الناس صوت السيول فأسرع البعض من الفلاحين على ضوء الفوانيس والكشافات إلى حقولهم يطمئنون هل ارتوت بالماء ؟ ، ومع انبلاج النهار سارع الفلاحون إلى حقولهم ليجدوها قد ملئت بالماء وتحولت إلى برك متجاورة فاستبشروا خيرا.

وبعد أيام كان الجميع يرمون الحبوب في حقولهم ويرددون الأهازيج كأنهم في كرنفال جماعي بهيج . كنت مع اخواني وأولاد عمي قد صعدنا إلى مؤخرة الجرار الذي يشق الأرض فنرمي الحب فيها حتى اذا فرغت اوعيتنا قمنا بملئها من جديد ولم تمض أيام حتى أحضرت الأرض واكتست الحقول ثوبها الأرض الأخضر البديع لكن المطر توقف وبدأ الزرع يضمر وتجمعنا في باحة المدرسة للإستسقاء ، واستغربت حين لبس الناس ثيابهم بالمقلوب وامرونا نحن الأطفال بأن نقلب ثيابنا فسارعت إلى قلب الكوت فسقطت فدرة الحلوى التي كنت اخفيها في الجيب الداخلي للكوت وتناثرت نقودي وهرع الأطفال يلقطونها ويفرون وأنا اطاردهم ومضت أيام ولم ينزل المطر وشح الماء في الآبار فأصيب الناس بيأس مخيف . كنت انبش في خزانة جدي فعثرت على كتاب أصفر قد تمزقت الكثير من صفحاته وهالني ما قرأته : ( واذا توقف المطر واستحكم الجفاف وازداد القحط وأردت نزول المطر فأكتب بالقلم اليراع على ورقة بيضاء من أول سورة الواقعة إلى قوله تعالى : ( وماء مسكوب ) ثم علقها على شجرة بحيث تصبح في مهب الريح وتهتز وحينها سوف يهطل المطر واذا استمر نزوله فمزق الورقة وحينها سيتوقف

. وفرحت بما قرأت كأنني قد عثرت على كنز ثمين ، إنها فرصتي التاريخية لإنقاذ الوضع في القرية ، اسرعت فوضعت الكتاب في النافذة وذهبت إلى الناس ابشرهم بنزول المطر غدا ، البعض كانوا يقولون: - " إن شاء الله ربنا كريم ".

والغريب أن أكثرهم سخروا مني وضحكوا علي فأكدت لهم " ان موعدنا غدا واصبروا ولا تستعجلوا " فهزوا رؤوسهم ضاحكين ، لقد تحول الأمر إلى ما يشبه الرهان والتحدي بيني وبين الناس وبت في تلك الليلة وأنا أفكر في الأمر وأتساءل بيني وبين نفسي : -

ماذا لو لم ينزل المطر ؟! - في النهاية سأخبرهم الحقيقة واريهم الكتاب وليكن ما يكون . بعد ظهر اليوم التالي بحثت عن الكتاب فلم أجده فتشت كل مكان فلم أجده وحين وجدتني أمي أبحث سألتني: - هل تبحث عن الورق الصفر التي في الطاقة " النافذة " ؟

- أيوه أين هي ؟ - أكلتها البقرة.

هرعت إلى المطبخ والشرر يقدح من عيوني واخذت السكين وقد عزمت على ذبح هذه البقرة المسعورة التي تقرط أي شي ، لحقتني أمي تحذرني : " لا تجنن يا محمد هي قارشة لا تعقل " . رميت السكين والهبت ظهر البقرة بعصا غليظة ففرت هاربة فاتبعتها برشقة أحجار ، ثم هدأت قليلا وقلت لنفسي : - طالما قد حفظت السر فما هو الداعي للكتاب ؟

كتبت على الورقة بداية سورة الواقعة كما حفظت من الكتاب ثم علقتها وانتظرت هطول المطر ولكن المطر لم ينزل والجو لا يزال صحوا والسماء صافية لا سحابة فيها صعدت الأكمة التي بجوار منزلنا أبحث في كل الجهات فلم أجد حتى نتفة من سحاب أو بصيص أمل ! يا فضيحتاه .! 

ايقنت بأني قد كذبت على الناس وانتهى الأمر سأصبح أضحوكة بين الناس لأشهر . تناولت طعامي ثم قررت أن اختبأ من الناس فدخلت إحدى الغرف واغلقت النوافذ وحاولت النوم فلم يغمض لي جفن فقمت فتوضأت وصليت ودعوت الله أن ينزل المطر وأن لا يفضحني بين الخلق ، دعوت الله بحرقة وإخلاص وبكيت ثم واصلت الدعاء والبكاء وحين سمعت صوت يشبه الرعد قلت في نفسي : هذا صوت الكرة في الميدان المجاور لمنزلنا . وواصلت الدعاء والنحيب 

ولم أعلم كم مضي من الوقت ما أتذكره أن الريح من شدتها اطارت النافذة من مكانها فرأيت مطرا لم أره في حياتي ومن شدة فرحي سجدت شكرا لله وتواصل المطر واشتد فداخلني خوف شديد وأيقنت بأننا سنغرق فعلا فعدت أدعو الله أن يوقف المطر وخف المطر رويدا رويدا وخرجت فهرع الناس يقبلون يدي ويتبركون بي ولكنني خشيت من الفتنة وأن يداخلني الغرور وأصدق فعلا أنني ولي من أولياء الله الصالحين وأنني صاحب كرامات ومستجاب الدعاء ففرت إلى قرية أخوالي لكنني ما ان وصلت عندهم حتى كان الخبر قد سبقني إليهم.

وبعد وصولي لمنزل خالي تجمعت بضعة نسوة تتقدمهن خالتي التي طلبت مني أن أكتب لهن تمائم كي يحملن ويرزقهن الله بذرية صالحة وحينها فررت من قرية أخوالي وعدت إلى قريتي من جديد .!!

محمود درويشصمت من أجل غزة
محمود درويش
حنان الورافيمن جراحي قلت مهلا
حنان الورافي
مشاهدة المزيد