لعب إيران على التجاذبات الدولية لن يجدي
بقلم/ سوسن الشاعر
نشر منذ: 4 سنوات و 9 أشهر و 30 يوماً
الإثنين 20 مايو 2019 01:10 ص
 

من أجل تحسين شروط التفاوض تصعد إيران خطاباتها العنترية الاستعراضية وتحرك وكلاءها في المنطقة لإحداث أضرار بسيطة، بالقدر الذي يمكنها من إرسال الرسالة المطلوبة فقط، على ألا يقود الضرر الذي أحدثته لردة فعل عنيفة، كما فعلت في الأعمال التخريبية في ميناء الفجيرة وفي خطوط الإمداد النفطي في السعودية، ضرر يمكن إصلاحه وبلا ضحايا بشرية، فلم يكن ذلك العمل تهوراً غير مدروس، إنما مقصود بغرض إيصال الرسالة فقط، وفي الوقت ذاته تفتح باب التفاوضات في الحدائق الخلفية الممكنة السرية، وهناك من يتبرع لهذه المهمة من الأوروبيين والخليجيين!!

وكذلك تفعل الولايات المتحدة؛ تضخم من ترسانتها العسكرية بشكل يغنيها عن استخدامها، ويجعل إيران تفكر ألف مرة قبل أن تقوم بعمل متهور يعطي الشرعية والحق لاستخدام تلك الترسانة، وتصعد من خطاباتها التهديدية وتزيد من حدة العقوبات يوماً بعد يوم، ولكنها تفتح في الوقت ذاته باب التفاوض إنما على الطريقة الترمبية أي من دون دبلوماسية بتاتاً، أرقامنا موجودة واتصلوا بنا إن قبلتم شروطنا!

قد تقود تلك الاستعراضات وسياسة الوقوف على حافة الجرف التي يتبعها الطرفان إلى وقوع شرارة تستدعي الاشتباك، هذا وارد، فإن حصل فإن ذلك سيكون في نطاق محدود يعيد الأمور للدفع تجاه طاولة التفاوض من جديد بين الطرفين، فهذا هو الهدف الأساسي؛ أن تتفاوض إيران بشروط أميركية.

ما خيارات إيران؟ إيران لن تجرؤ على فتح عدة جبهات في ظل أوضاعها الاقتصادية الراهنة، وهناك مجتمع دولي تركها في مواجهة مصيرها، خصوصاً بعد تصريح بوتين بأنه ليس رجل إطفاء، فأغلق باب التدخل في هذا الصراع، عدا أن روسيا من مصلحتها خروج إيران من مناطق نفوذها في سوريا، فقد أصبحت في الآونة الأخيرة مصدر إزعاج وتهديد حتى للنفوذ الروسي هناك، بمعنى أن إيران وحدها دون مساندة دولية، وأن اللعب على التجاذبات الدولية والصراعات لن يجدي، فالصين لن يزيد دورها على فيتو في مجلس الأمن إن استدعت الحاجة، السيناريوهات كلها إذن تقود إلى طاولة المفاوضات، والسؤال فقط: متى؟ وإلى أي حد يمكن أن تصمد إيران أمام العقوبات الاقتصادية المتصاعدة؟

أما السؤال الأهم فهو يخص دولاً تضررت من الإرهاب الإيراني، إن ذهبوا لطاولة المفاوضات، فأين مقعدنا؟ وما أوراق ضغطنا؟ وما الضمانات؟

لإيران نفس طويل في عملية التفاوض وقد تمرست عليه وقد تعلمت أن تقبل التفاوض وتطيله، وأثناء ذلك تحكم وضع اليد على الأرض وعلى ما تريده، مستغلة أوقات الهدنة وفض الاشتباكات، وهي تضع يدها الآن على مناطق نفوذ عدة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، نفوذ عسكري وسياسي، فهل سيكون ذلك النفوذ ضمن نطاق التفاوضات؟ أم ستقتصر طاولة المفاوضات على النقاط الـ12 في الاتفاق النووي؟ وهل ستشمل برنامجها الصاروخي الباليستي؟ وهل ستطرح المناطق التي تسيطر عليها ميدانياً؟ وما المناطق التي ستستميت إيران في الاحتفاظ بها؟ ومَن من خدمها ستستغني عن خدامته وتبيعه من أجل مصالحها؟ خصوصاً أن أهم أوراقها تسليح الميليشيات الإرهابية في دولنا العربية، فهل ستسترد أسلحتها وتعود للداخل بعد التكلفة العالية التي قدمتها من أجل تلك المكاسب؟

وما الذي نملكه من أوراق تجبر إيران على الانسحاب والعودة للداخل الإيراني، ورفع يدها عن دعم الميليشيات الإرهابية؟ وهذا بالنسبة لنا هو بيت القصيد وأهم ما نسعى ونطالب به؟ مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الميليشيات بقيت مدعومة دولياً طوال فترة تسليحها، ولعبت الصراعات الدولية في تضخم تسليحها حتى امتلكت صواريخ باليستية وطائرات مسيرة عن بعد، مهددة بذلك الأمن الدولي. وماذا لو قبلت الولايات المتحدة بعضاً من شروط إيران وبعضاً من تنازلاتها وهما يتفاوضان؟ فما أوراقنا بدفعها للقبول بشروطنا... بل لدفع الولايات المتحدة الأميركية إلى عدم التنازل عن شروطنا، مصالحنا المشتركة أحد أهم أوراقنا؟

استمرار الضغط عليها بالعقوبات الاقتصادية، مع استمرار بقاء تلك القوات في موقعها لمنع قيام أي من ميليشياتها بأعمال إرهابية خطيرة، يتطلب ضبطاً للنفس لمدة قد تطول إلى عام كامل حتى تؤتي أكلها، فإيران لا تريد الحرب، ولن تسعى لها وهي فرصة مواتية للتعامل مع جميع ميليشياتها المسلحة في منطقتنا، وعدم خضوعنا لأي ضغط (دولي) في مواجهتها، خصوصاً بعد الموقف الروسي والأوروبي المساند.

المهم الآن أن نملك نحن أيضاً أوراقنا، فنحن أمام فرصة لم توجد منذ أربعين عاماً وربما لن تتكرر مرة أخرى.