خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت اللواء العرادة يطالب المجتمع الدول بإتخاذ تدابير عاجلة تجفف منابع الدعم الخارجي للمليشيات مليشيات الحوثي تحول مدارس صنعاء إلى معسكرات تدريب للطلاب حزب الإصلاح يلتقي بعيدروس الزبيدي مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية
«كنت ذات يوم في إدارة إحدى الجرائد النيويوركية، حين دخل رجل غريب اللهجة، لا اللسان، يبغي كتاباً يُعلّمه الحديث باللغة الإنجليزية، فسألته: من أين أنت؟ فقال: من اليمن، وكنتُ يومئذ على أهبة السفر إلى بلاد العرب، فاستأنست بالرجل وبلهجته، وقلت: وأنا أرغب في الاستفادة، حدثني عن بلادكم. فقال: بلادنا طيبة الهواء والماء، ولكن أهلها دائماً في احتراب، فقلت: ومن تحاربون؟ قال: حاربنا الأتراك، وحاربنا القبائل، ونحارب بعضنا بعضاً!»... أعود إلى الحكّاء والمُدون الجميل أمين الريحاني في كتابه «ملوك العرب» وسياحته في الجزيرة، أوائل القرن الماضي. فالنص السابق بقلمه؛ للمقارنة بعد قرن كامل، بين ما كان قبل التغيير شبه التحديثي في اليمن الشمالي عام 1962، وما يكون اليوم!
كان ذلك الجزء من أرض العرب يعيش في الغالب في العصور الوسطى، كما وصفه الريحاني، وفي جنوبه كانت هناك «جزر تحديثية» صغيرة، كما في مدينة وميناء عدن، أما في شرق الداخل (السلطنات)، فلم يكن الحال أفضل مما هو في الشمال.
بعد التغيير عام 1962 جرت في نهر اليمن السياسي مياه كثيرة؛ انقلابات واغتيالات، وتدخل أجنبي، وآيديولوجيات متعثرة، كما حدث في الجنوب، واحتراب شبه دائم، إلا أن كل ذلك الصراع كان عبارة عن مسيرة توختها النخب اليمنية لوضع المجتمع اليمني على سكة التحديث الصعب في الخمسين سنة، بين عامي 1962 و2011.
فالمسيرة لم تكن سهلة، إذ انتبهت لأهمية التحديث بعض المجموعات اليمنية في الحواضر، وتركت الداخل (تقريباً كما تركه آل حميد الدين)، إلا أن النخب اليمنية ضربها ما ضرب كثيراً من النخب العربية، وهو التعلّق بشعارات التحديث المظهري السياسي، وعلى رأسه التحزب اليساري أو القومي، والكثير من الكلام، والقليل القليل من الفعل.
لم يكن هناك مشروع لدولة حديثة في اليمن؛ فالفكر القومي أصاب بعض النخب، فلم يكن المقياس النظري عندهم يواكب الواقع، وأيضاً أصاب بعض النخب اليمنية الفكر الصحوي المنتزع من سياقه، البعيد من جديد عن الواقعية.
من أجل فقط الإشارة لا التفصيل، أروي هذه القصة: كنا في صنعاء وسط التسعينات من القرن الماضي، من أجل فكرة تجسير الفجوة بين الكويت وصنعاء، التي دخلت العلاقة بينهما في مطب عميق، بسبب ما عُرف في ذلك الوقت بـ«دول الضد»، وكنا خمسة، وأولم لنا الراحل الشيخ عبد الله الأحمر وليمة غداء، وعند الانتهاء ذهبت، كما هي العادة، إلى مكان غسل الأيدي، فإذا بشاب يمني يعاتبني عما كتبت في موضوع عام، لم يكن الشاب يبلغ في تقديري عقدين ونصف العقد، قلت له مازحاً: «أنا كتبت ذلك في الكويت! فمن أخبرك؟!». ابتسم الشاب ورد عليّ بيقينية غير مترددة: «ألا تعرف أننا سوف نقيم الخلافة الإسلامية؟!».
تلك أفكار «الصحوة»، وذلك الفكر القومي «الأزرق»، وآخر «أممي أحمر»، اختلط كله بمكون اجتماعي قبلي جبلي تقليدي، فعطل اليمن من الدخول السلس إلى الحداثة.
عندي أن الحرب الدائرة يجب أن تنتهي بدخول اليمن إلى أول سكة الحداثة، أو هكذا يجب أن يكون، التي تتصف بوجود مشروع حديث للدولة والمجتمع، كما تتصف بواقعية بعيدة عن الشعارات. مع معرفتي أن الحرب، أي حرب، تترك آثاراً مدمرة، ويذهب جراءها ضحايا، ربما لا ناقة لهم ولا جمل، لكنها الحرب! فالحروب في العصر الحديث، بجانب أنها مكلفة على مستوى الأشخاص والجماعات، تترك ندوباً غائرة، ومشاعر سلبية، بجانب جثث الأطفال الرضع والشيوخ المقعدين! لكنها أيضاً تصهر المجتمع، فمِن رحم النار تُبنى الأوطان. ويبدو أن البشرية مجبرة أن تمر بها من أجل أن تصل إلى مكان أفضل.
الانقسام اليمني اليوم مغلق، فبعض النخب اليمنية (أقصد الحاصلة على تعليم معقول، والمتمكنة من فهم ما يجري) تنتقد الشرعية، لكنها في الوقت نفسه تفتقد، بسبب كل ذلك التراكم الآيديولوجي، ما يمكن أن يُعرف بـ«فقه الأولويات».
ومن الواضح أن كثيراً منها لديها ملاحظات على ممارسة - وربما سياسة - الحكومة الشرعية، وذلك طبيعي، إلا أن البعد عن دعم الشرعية في هذه المرحلة يصب في صالح الحوثي، الذي يحمل مشروعاً تابعاً ونكوصياً، وفي الوقت نفسه يحمل كل ما يكرهه اليمني العقلاني من عناصر، وقد يقذف باليمن كله، إن تمكن، إلى مكان ما قبل «عصر حميد الدين».
من هنا، تأتي دعوة هذه الشريحة النخبوية لأن يتمسكوا بالشرعية؛ لأنها عتبة نحو يمن حديث في المستقبل، لكن نقد نخبة المترددين في اليمن ليس كافياً لإكمال الصورة، فهناك أيضاً جهد حقيقي يجب أن تبذله الشرعية من الآن لرسم صورة اليمن المرجو في المستقبل.
مشروع الدولة الجديدة التي هي تعددية، ويتساوى فيها المواطنون، وتُوزع فيها القوة السياسية والاقتصادية بين المناطق والمجموعات، وتضع اليمن على باب الحداثة، أي دولة وطنية مدنية وحديثة، يحتاج إلى جهد فكري وسياسي، توقيته اليوم، لا الأمس، ويجب ألا يؤجل إلى الغد.
هذا المشروع يوضع أمام اليمنيين كنقيض واقعي لمشروع الحوثي، الذي هو بطبيعته نكوصي، ينزع إلى الخلف، أكثر مما ينظر إلى الأمام، وفي الوقت نفسه، هو إلحاق بمشروع يتهاوى كورق الخريف في مكانه الأصلي، أقصد مشروع ولاية الفقيه، الذي لم يعد مقنعاً على الإطلاق للنخب الإيرانية التي أيدته في البداية.
أي محبٍّ لليمن في الداخل والخارج، يجب أن يعمل لتكون هذه الحرب المشتعلة هي آخر الحروب، وألا تترك ذيولاً لها، في إطار حلول وسطى، تؤسس لصراع أو صراعات جديدة. ويجب أن يتخلى البعض عن طموحاته الشخصية والمحدودة، في سبيل وطن يمني حر، وربما سعيد! فكل الطامحين على مر الخمسين عاماً الماضية، قد مضوا، وبعضهم مضى بشرّ قِتلة، لكن اليمن بقي.
فهل تتفهم النخب اليمنية دورها التاريخي اليوم، أم تلحق بالفشل الذي أصاب مشاريع يمن عبد الفتاح إسماعيل وعلي صالح وحميد الدين؟!
آخر الكلام:
من طرائف الريحاني في «ملوك العرب»، أن ممثل الإمام حميد الدين في عدن، القاضي عبد الله العرشي وقتها (1920) زوّده بخطاب توصية إلى صنعاء قال فيه إن السيد أمين الريحاني... إلى آخره... فسأله، كما قال السيد الأمجد علي ابن الوزير أمير جيش الإمام في لواء تعز، عندما قرأ تعريف «السيد» في الخطاب: «هل أنت حَسني أو حُسيني؟»، فارتبك قليلاً، ثم رد أحد النبهاء: «إنه من سادة لبنان!!».
يبدو أن التاريخ يكرر نفسه، بعد مائة عام، للأذكياء فقط!