آخر الاخبار
جامع الملكة أروى...
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 16 سنة و 3 أسابيع و يوم واحد
الخميس 30 أكتوبر-تشرين الأول 2008 11:58 ص

مأرب برس - عارف أبو حاتم

ما إن تذكر الدولة الصليحية إلا وُذكرت الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، وما إن تذكر هذه الملكة إلا وتذكر معها مدينة جبلة التاريخية.

وأي زائر لمدينة جبلة لا يفوته المرور بجامعها الشهير (جامع الملكة أروى)، وهناك يبدأ البحث عن ضريح الملكة وسبحتها ذات الألف حبة.

على متن سيارة قديمة، أشبه بدكان متحرك تحركت نحو الجنوب الغربي من مدينة إب، وبعد 8 كيلومترات كانت مدينة جبلة التي يوجد فيها جامع الملكة أروى تطل علينا من فوق تل.

خطوة الألف.. الطريق إلى الجامع:

عشرات السنين ظل يحيى بن عبد الرزاق باعلوي قيِّما على ال جامع.

هذا الشيخ المسن لا زال يتذكر جيدا تاريخ الجامع، وحتى أسماء العلماء الذين تخرجوا منه .

السلَّم الحجري الذي عرف بـ"درجة الألف" بداية الطريق إلى جامع هو ذاته التاريخ.

يتكون السلَّم الحجري من خمسين درجة، وكل درجة تتشكل من عشرين حجرة (مرتصّة) جنبا إلى جنب بتصميم محكم، ولذا سمي "سلَّم الألف درجة" نسبة إلى عدد الأحجار .

ينسب الجامع إلى الملكة (السيدة أروى بنت أحمد بن جعفر الصليحي) التي تولت تدبير وحكم أمور الدولة الصليحية في اليمن للفترة من 479-532 هـ / 1085-1138م.

عندما انتقلت الملكة أروى إلى وسط مدينة جبلة عام 480 هـ/ 1078م، أمرت بتحويل بناء دارها الأول إلى الجامع.

 هذا الجامع لا يزال قائماً ويحتفظ بعناصره المعمارية الزخرفية التي يتبين من خلالها مدى تأثره بأنماط العمارة الفاطمية، التي كانت على علاقة وطيدة.

أدخلوها بسلام آمنين:

يصل الناس إلى الجامع عبر طريقين، إما عبر منحدرات جبلية شرق المدينة، أو عن طريق المدخل الخاص ذي السلَّم الحجري.

والمدخل الأخير يؤدي إلى رواق يمتد من الجنوب إلى الشمال فتطل الواجهة الشرقية للجامع، وفي هذه الواجهة يوجد ثلاثة مداخل دوّن بأعلاها نقوش كتابية تقرأ منها "بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين... {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يخش إلا الله، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}". أما أبواب الجامع فقد صُنعت من الأخشاب وعليها زخارف نباتية عريقة القدم وعليها كتابات: "أنعمت فزد، أنعمت فلك الحمد"، و"بسم الله الرحمن الرحيم.. {أدخلوها بسلام آمنين}.

محراب ومئذنتان:

الجامع مستطيل الشكل يتوسطه فناء (صحن) مكشوف تبلغ مساحته حوالي 350 متراً مربعاً، وتحيط به أربعة أروقة.

فرواق القبلة هو الرواق الشمالي الذي يمتد عرضاً من الشرق إلى الغرب، والدخول إليه عبر خمسة أبواب، وهذا الرواق -الجامع الداخلي حالياً- يتكون من أربعة بلاطات بواسطة أربعة صفوف من الأعمدة المرتفعة بعضها بأشكال مثمنة، وبعضها الآخر مستطيلة الأشكال.

تيجان هذه الأعمدة مستطيلة وأخرى مربعة، وهي تيجان حديثة يرتكز عليها مباشرة سقف الرواق المكون من الداخل بـ"مصندقات خشبية" يعود تاريخها إلى القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وقد جدد جزء منها في عام 1358 هـ.

أما الرواق الجنوبي فيتكون من بلاطة واحدة، وفي جداره الجنوبي مدخلان يتم الوصول من خلالهما إلى الحمامات أو ما يسمونها "المطاهير"، والرواق الشرقي يتكون من بلاطتين بكل منهما ثمانية أعمدة ترتكز عليها أعمدة مدببة.

والرواق الغربي يتكون من بلاطتين، وفي الجهة الجنوبية من الجدار الغربي توجد ردهة تستخدم كمدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، أو ما يسمونها "معلامة".

يقع المحراب في منتصف الجدار الشمالي، وهو عبارة عن تجويف بسيط يبلغ عمقه حوالي متر واحد، يعلوه عقد مدبب محمول على عمودين عليهما زخارف نباتية وهندسية، ويحيط بالمحراب كتابات بخط كوفي تقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم.. أقبل على ربك وكن من الساجدين.. ولا تكن من الغافلين.. واعبد ربك وكن من الساجدين.. ولا تكن من الغافلين.. وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين".

 وتزين تجويف المحراب من الداخل وطاقيته مجموعة من الزخارف النباتية التي تتمثل في أوراق العنب، وعلى جانب المحراب كتابة بالخط الكوفي تقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله}".

أما خزانة المحراب فتسمى بـ"المحارة" والمحراب مطلي بدهان حديث.

لجامع الملكة أروى بنت أحمد مئذنتان إحداهما تقع في الناحية الشرقية الجنوبية والأخرى في الناحية الغربية الجنوبية، وكلا المئذنتين تتكون من قاعدة حجرية مربعة مرتفعة يقوم عليها بناء من ستة عشر ضلعاً من الآجر.

الضريح:

يعتبر ضريح الملكة أروى من أضرحة القرن السادس الهجري، وأهمها على الإطلاق، وهو من الآثار الباقية من أضرحة الدولة الصليحية.

 وقد بني الضريح بناء على أمر من الملكة أروى، ويقع في الركن الشمالي الغربي من الجامع.

يذكر أن الملكة أمرت ببناء دار العز الأول جامعاً في عام 480 هـ، واستثنت موضع ضريحها من بناء الجامع، حيث كتبت حينها أن تقبر في ذلك الموضع، وكانت هي التي تولت عمارته وهيأت موضع الدفن فيه.

 ويبلغ طول الجدار الشرقي للضريح ثلاثة أمتار، ويزيد جداره الجنوبي عن الشرقي بـ25سم فقط، ويصل ارتفاع الضريح 3.30 متر، وفي جداره الجنوبي مدخلٌ عرضه 55 سم، وارتفاعه 1.50 متر، عليه عتبة وباب من الخشب ذو مصراعين، زخرفت واجهته بأشكال هندسية، منفذة بالحفر البارز، حيث تظهر نقوش الخطوط المتقاطعة، وأطر الباب بأشرطة كتابية تتضمن البسملة في الجانب العلوي.

الجانب الأيمن عليه شريط كتابي نصه: {إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى}، والجانب الأيسر يتكون من شريط واحد كُتب عليه {نصر من الله وفتحٌ قريب}، ولهذا الشريط تاريخ جديد كتب عام 1248 هـ/ 1862م.

الدخول إلى الضريح يكون عن طريق مدخله الذي يفضي إلى قاعة مربعة الشكل تقريباً يصل طولها إلى 2.85 متر، وعرضها إلى 2.60 متر.

تزين واجهة الضريح عناصر معمارية عبارة عن "دخلات" على هيئة محاريب مجوفة، عددها في الجدار الشرقي أربع، والجنوبي دخلتان، ويبلغ عرض الواحدة منها 60 سم، وارتفاعها 1.60 متر، وبعمق 10 سم، وقد فتح مدخل في الجدار الجنوبي للضريح، مما أعاق عمل أربع دخلات.

 يكتنف كل دخلة عمودين مندمجين، ليس لهما تيجان، يقوم على العمودين عقد مدبب شبيه بعقود الدولة الفاطمية في مصر.

وللضريح زخارف كتابية تزين جدرانه من الخارج بالخطين الكوفي والنسخ، وقد نُفَّذ الخط الكوفي بالحفر البارز، وهذه الكتابات تمثل إطاراً يدور حول واجهتي الضريح والتي تبدأ من الجهة الشرقية بالنص التالي: "بسم الله الرحمن الرحيم.. {كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة}".

أما من الجهة الجنوبية كتب تكملة الآية {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.

ويلا حظ على نهاية حروف "الراء والنون والواو"، أنها كتبت بالخط الكوفي المورق، وليست بالخط الكوفي المزهر، إذ تخرج من نهايات هذه الحروف أوراق نباتية متصلة بها على هيئة غصن نباتي.

كما يزين الضريح من الأعلى شريط كتاب بخط النسخ على أرضية حمراء، وهو من أعمال التجديدات التي طرأت على الضريح، إذ تتشابه كتابة هذا الشريط مع الشريط الكتابي المؤطَّر للباب.

ويوجد في أعلى الضريح نصوص أخرى، وهي: {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي، وأمرت أن أسلم لرب العالمين}.

ويتصدر واجهة الشريط الكتابي في الجهة الجنوبية حجر منتصبة ومستطيلة الشكل زُينت بأشرطة كتابية نصوصها مرتبة رأسياً وهي: "بسم الله الرحمن الرحيم.. لا إله إلا الله محمد رسول الله".

لقطة:

الترميم العبثي يعمل دائما على تشويه وجه كل أثر جميل.. وترميمات بعض أجزاء جامع الملكة أروى استخدم فيها طلاء كيميائي حديث، وهو ما يثير المخاوف من أن تاريخ هذا المسجد في طريقه للمحو.

* السياسية