قطاع الإرشاد يدشن برنامج دبلوم البناء الفكري للخطباء والدعاة في حضرموت مكتب المبعوث الأممي يلتقي بمؤتمر مأرب الجامع ويؤكد حرص الأمم المتحدة الاستماع إلى الأطراف الفاعلة مجلس القيادة يجتمع ويناقش عدة ملفات في مقدمتها سعر العملة والتصعيد الحوثي بالجبهات بترومسيلة بحضرموت تعلن نجاح تشغيل وحدة تكرير المازوت بمناسبة اليوم العالمي للجودة...جامعة إقليم سبأ تدشن فعاليات أسبوع الجودة اعتذار رسمي في ايطاليا بسبب القدس من هو ''أبو علي حيدر'' العقل الأمني لحزب الله الذي فشلت اسرائيل في اغتياله؟ رصد طائرات مسيرة ''مجهولة'' تحلق فوق 3 قواعد تستخدمها أميركا في بريطانيا صحيفة أميركية تتوقع أن يوجه ترمب ضربات تستهدف قادة الحوثيين وتُعيد الجماعة إلى قائمة الإرهاب مستجدات حادثة العثور على حاخام يهودي ''مقتولاً'' في الإمارات
هكذا يشكو المستأجر مما وصل إليه الحال. فهناك مثل إنجليزي يقول(( beggars have no choice ويعني المتسول لا يملك حق الاختيار، وبالعربي الفصيح يمكن أن ينطبق هذا القول على وضع المستأجر في بلادنا ليصبح " المستأجر لا يملك حق الاختيار". الكل سيتفق معي في هذا القول لاسيما من اختبروا حياة الإيجار وما تزخر به من فنون التضييق عليهم من قبل المؤجر.
فقد تضطرك الحياة للانتقال من مدينتك أو قريتك إلى مدينة أخرى حيث عملك، ولذلك أنت بحاجة للبحث عن شقة أو بيت تناسب ظروفك ودخلك، ولن تفاجأ إذا لم يبقي لك الإيجار الشهري الذي ستدفعه من راتبك ما يعينك أنت وعائلتك على البقاء على قيد الحياة حتى الشهر القادم. تحت كل الظروف أنت مجبر أن تدخل عالم الإيجار من كل أبوابه، لأنك لا ترضى أن تعيش الغربة في وطنك. من الأولويات التي ستتبعها للبحث عن شقت عائلتك هو حجمها وشكلها وكم إيجاراها، ووفقاً لتلك المعايير ستشرع في رحلة البحث عن بيت أحلامك.
وقعت عيناك على شقة ما قد تناسب ظروفك، فيستقبلك صاحبها بابتسامات تكسو ملامحه وكلمات ممزوجة بأجود أنواع العسل تنطلق من على لسانه فتنزل عليك كالماء البارد وعندها يرفرف الفرح في أعماقك فتقول في نفسك أن دعاء والديك قد وفقك بهذا المؤجر الطيب. تتفق مع الرجل على إلا يجار الشهري الذي ينبغي أن يدفع مقدماً مع بزوغ شمس اليوم الأول من كل شهر، وقد يكتب لك عقداً لمدة عام وقد لا يفعل ، بل سيقنعك أن عمره ما كتب عقداً لأحد من قبلك. بعدها سيمعن النظر في بطاقتك العائلية ليعرف "أصلك وفصلك" وعدد أفراد عائلتك.. قد تفاجأ بذلك لأول مره ولكن مع الأيام ستعرف أن ذلك أصبح عرفاً لدى معظم المؤجرين. سيقول لك بنبرة حزم "أنا لا اؤجر بيتي لمن له أكثر من طفلين ". ستحمد الله الذي لم يرزقك بأكثر من طفلين وستقبل بكل الشروط بينما تتساءل في صمت: "هل أصبح سكن الإيجار أحد وسائل تحديد النسل؟!"
ستنطلق في رحلة جديدة للعيش في بيت أحلامك. ومع الأيام لا بد أن يزورك والداك أو أخوانك. ولكن عندها ستفاجأ بصاحب البيت يطرق على الباب، ويصرخ في استياء أنك قد خرقت الاتفاق ونكثت بالعهود لان في شقتك شخص أو شخصين من أهلك هم خارج العدد الذي أعطيته لعدد سكان شقتك. سيغلي الدم في عروقك، لكن لا بد أن تمسك أعصابك لأنك مجرد متسول، عفواً مستأجر ، ولذلك ستلجأ لاستخدام دبلوماسيتك لتخفف من حدة الموقف ولتقنع الرجل أن من استجدوا في شقتك هم مجرد زوار أو أمراض وما هي إلا أيام وسيشدون الرحال. سيذهب الرجل وستعود أنت لتقلب أفكارك: " كيف عرف الرجل أن في بيتي ذلك العدد الزائد رغم انه يسكن في حي أخر وبعيد؟!". قد يخطر في بالك أن هناك من وشى له من الجيران. يا صاحبي.. إن بعض الضن إثم.. لا تظلم جيرانك.. ستعلم لاحقاً أن الرجل يتجسس ويأتي من حين لأخر ليعد الأحذية، الصغيرة منها والكبيرة، والتي تصطف خارج باب شقتك. وكلما كان عدد الأحذية أكثر من عدد أفراد العائلة المعلوم لديه فهذا يعني له أنك قد احتلت عليه واتيت ببعض أفراد أسرتك ليسكنوا معك. وفي الأخير سيرحل والداك أو إخوانك وعلى أرجلهم أحذيتهم التي سببت الإزعاج للرجل.
ولكن لن تنتهي القصة هنا لان الرجل سيأتي بعد أشهر مطالباً برفع الإيجار، وخاصة إذا سمع بإشاعة حول زيادة في الراتب، وليس أمامك خيار إلا ان "تدفع أو تخرج من بيتي". أنت مضطر أن تدفع وتتجنب متاعب البحث عن بيت أخر وما يرافقها من متاعب النقل لأنك في الأخير متسول، عفواً مستأجر.
قد يحل يوماً أخيك وعائلته ضيوفاً عليك ليوم أو يومين، ولفرحة اللقاء فأطفالك وأطفاله سيلعبون. ستفاجأ مرة أخرى بالرجل يطرق على الباب ولكن هذه المرة كالزلزال.. سيصرخ في وجهك أن تترك بيته وتبحث لك عن بيت لان ما قمت به لا يطاق، فهو لم يؤجر شقته إلا عليك وعائلتك فقط، لكنك لا تعرف للعهود أصولا. ستشعر بان كرامتك قد جرحت، فسيغلي الدم في عروقك كالبركان، لكنك ستتذكر انك مستأجر والمستأجر لا يملك حق الاختيار. ستقلب أوراق الحلول في رأسك، وقد تفكر بالذهاب إلى قسم الشرطة، لكنك ستدرك أن الأمر لن يكون في صالحك لان القرار في كل الأحوال هو ان تترك بيت الرجل وتبحث عن بيت أخر، فما يحكم العلاقة بين المستأجر والمؤجر هو مبدأ "ملكي وأنا حر"...
البحث جاري مرة أخرى على قدم وساق عن بيت أخر، والآمل يحدوك أن لا تقع في نفس الورطة الأولى. هذه المرة ستطلب ممن يبحث لك عن بيت ان يعطيك السيرة الذاتية للمؤجر، حتى لا يكون مثل سابقه.
وفقت بالحصول على شقة جديدة وسمعت عن صاحبها كلاماً طيباً. الشقة جميلة لأنها في الطابق الثاني وصاحبها رجل طيب ويسكن في الطابق الأول. مرت الأسابيع الأولى بسلام، وبعد أن أستقر بك المقام تغيرت الحالة وانهالت عليك وعلى عائلتك التعليمات والمطالب الجديدة من صاحب البيت تارة ومن وزارة الداخلية( زوجته ) تارة أخرى، وقد جاءت تلك التعليمات بشكل قانون جديد. مادة 1. إذا أغلقت الباب فأغلقه بكل هدوء وإياك ان تحدث أي صوت لان سماع صاحب البيت لأي باب يطرق سيقلب عليك الدنيا. مادة 2. إياك أن تشتري ألعاب لأولادك لان ذلك سيتسبب بخراب البيت وإزعاج سكينة المؤجر وأهله. مادة 3. أذا خطوت من غرفة إلى أخرى فأمشي على رأس أصابعك. مادة 4. يمنع طرق الباب الخارجي للعمارة بعد الساعة 12 ليلاً لان ذلك سيمثل إزعاج لصاحب البيت الذي سيضطر لفتح الباب. مادة 5. لا بد من إخراج التنور من المطبخ إلى خارج الشقة لان وزارة الداخلية تخشى أن يؤدي الدخان او الحرارة المنبعثة إلى تشويه طلا المطبخ. مادة 6. يمكن لأولادك ان يلعبون مع أولاد الرجل ولكن بشرط ألا يبكون أو يشكون في حال تعرضهم لأي اعتداء لان أي شيء من هذا القبيل قد تعرضك للترحيل ألقسري. مادة 7. تمنع التجمعات الكبيرة (المقيل) في الشقة لان ذلك لا يعجب صاحب البيت. مادة 8. يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره وفي حال عدم تنفيذ أي من المواد السابقة فذلك يعني تمرداً على شرعية المالك مما يعرضك للترحيل مع دفع غرامة - يحددها المؤجر- عن أضرار وهمية من صنع واختراع الرجل ووزارة داخليته.
كارهاً لمتاعب النقل (لا حول ولا قوة إلا بالله)، ستبقى على أمل أن يمن الله عليك بالصبر في تجاوز محنة سجنك الذي اخترته بمحض إرادتك. ولكن سيضيق بك الحال وسترحم حال أولادك المحرومين من تذوق حرية الطفولة ، وسينفجر صبرك مع كثرة ما يتفنن به السجان (صاحب البيت) من أساليب في التضييق عليك.
صبراً يا صديقي، قد يفرج الله عليك بالحصول على سكن أفضل. هذه المرة لا بد أن تبحث عن عمارة لا يسكن فيها المؤجر أو شقة في الطابق الأول تنعم فيها مع أولادك بشيء من الحرية في التحرك وتتجنب تعسف المؤجر.
ها أنت تجد شقة جديدة وتنقل إليها ولكن بعد دفع تكاليف الأضرار المخترعة لصاحب البيت السابق.الشقة الجديدة جيدة وفي الطابق الأول، وصاحبها مغترب لا يزور الوطن إلا في المناسبات ووكيله الخاص يسكن في نفس العمارة ولكن بعيداً وفي الطابق الأخير، وهو رجل طيب ولا يصلي إلا في المسجد وفي الصف الأول. وما يميز السكن هذه المرة هو اشتمال الإيجار الشهري لقيمة الماء لان للعمارة خزان واحد يقع في مسؤولية الوكيل وبالتالي فقد تخلصت هذه المرة من متاعب الاتصال او البحث لشراء (وايت مياه) كل أسبوع أو كل شهر، فلعل ذلك تعويض لك لما حل بك من متاعب سابقة.
مر الأسبوع الأول وأنقطع الماء. قد يكون ذلك شيئاً عادياً لأنها بضعة ساعات وسيعود.. هبط الليل ولم تسمع قطرات الماء تتدحرج من حنفية المطبخ. تضطر لاستفسار الوكيل فيخبرك أنه يجري الاتصالات لشراء وايت ماء ولكن قد يأتي في اليوم التالي. بزغ الفجر وحل النهار، ولكن وصل الماء مع بلوغ الشمس وسط السماء. عاد الماء يجري في أنابيب بيت الأحلام، ولكن تكرر انقطاعه مرة أو مرتان في الأسبوع وليوم كامل. ما الذي يجري؟" تتساءل في نفسك. تلتقي بجارك الذي يسكن في نفس العمارة وتسأله عن الظاهرة، فيقول ضاحكاً أنهم قد اعتادوه هذا الأمر في هذه العمارة لان الوكيل يتعمد إغلاق مصبات الماء بغرض الاقتصاد وعدم الإسراف في استخدامه لان "المبذرين إخوان الشياطين"، والله أعلم بقصد الرجل. تسأل الرجل عن صبر سكان العمارة وكيف يمكن لهم البقاء بدون ماء ليوم أو يومين، فينصحك أن تفعل كما يفعلون وتقوم بادخار بعض الماء في أواني المطبخ لينفعك في أيام الجفاف. ستنفجر غضبا،ً معبراً عن استيائك وعدم تحملك للوضع. غير أن الرجل سيهمس في إذنك ليلقي فيها سراً لم يفشيه لأحد غيرك: "هذا السكن - وبحسب خبرتي الطويلة– أفضل من غيره".
آه.. لا تغضب يا صديقي، ولا تفكر بالانتقال مرة أخرى بحثاً عن المؤجر الأقل تعسفاً لأنك لن تجده، بل ستجهد نفسك وستتعب أولادك في الانتقال من سكن إلى أخر ومعه من مدرسة إلى أخرى . أعلم أنك تفكر بالعودة بأسرتك إلى الديار.. ابق حيث أنت وأشكو أمرك إلى الله فقد عانيت الأسوأ. أعلم بمرارة وضعك وما يدور في خاطرك من تساؤلات.
يا أصحاب العقول! هل سمعتم قصة المستأجر المغلوب على أمرة؟ هذه ليست شكواه بل شكوى الجميع. لماذا كل هذا العبث؟! لماذا كل هذا التفنن بالتضييق عليه ؟! أهو عرف سائد؟! أهي موضة العصر؟! أم هي أزمة أخلاق؟! أم بعد عن الدين؟! للمستأجر حقوق وعليه واجبات. فلماذا تضاعف عليه الواجبات وتُسلب منه أبسط الحقوق؟! ما الذي ينظم العلاقة بين الطرفين؟! أهو العرف؟! أم عنجهية أو كيفية المؤجر؟! أم القانون؟!
سمعنا ذات مرة عن قانون يٌعنى بالعقود والإيجارات ولا ندري إن كان ذلك القانون قد صدر أم لا. فإذا كان قد صدر فلماذا لا نرى له أثر؟! وإذا لم يصدر فلماذا تأخر؟! وإلى متى سيظل المستأجر فريسة لجشع وعنجهية المؤجر؟!
أخيراً، قد يتطلب الأمر العمل الجدي لإنشاء "جمعية لحماية المستأجر" تكون بمثابة المرجعية التي تدافع عن المستضعفين ممن وقع عليهم ظلم المؤجرين (وهذا موضوع قد يناقش لاحقاً). اللهم فرج كرب المستأجرين وأهدي الجشعين من المؤجرين.