للرجال فقط
بقلم/ دكتور/أحمد عبدالله
نشر منذ: 16 سنة و 5 أشهر و 10 أيام
الجمعة 13 يونيو-حزيران 2008 09:07 م

خمسة عشر عامًا بالتمام والكمال تمر على اختياري وعملي بهذا التخصص كطبيب نفساني، وأكثر من خمسة أعوام خبرة في التعامل مع المشكلات الأسرية من خلال الإنترنت، وفي العيادة الخاصة، وأزعم أن ما تراكم عندي من خبرات يمكن أن يملأ عدة مجلدات، ولكن لا بأس من مقالات سريعة تفي ببعض الغرض!

أبدأ بمحاولة للنقاش حول الأخطار التي تهدد العلاقة الزوجية والأسرية في عالم متقلب يتغير في تفاصيله كل دقيقة، ونعيش نحن فيه دون إدراك لطبيعة المستجدات وانعكاساتها علينا، وكيف نسلك وسط هذه الفوضى والمتناقضات والضغوط؟! كيف نعيد فهم ديننا، وترميم مفاهيمنا، وإصلاح مسالكنا على هدى وبينة؟! أين الصواب فنستهدفه، وأين الخطأ لنجتنبه ونحاربه؟!

لا للندية

وحديثي اليوم إلى الرجال وعنهم، وأتناول فيه بعض الأخطاء التي أراها كامنة وراء العديد من المشكلات الزوجية، أشرح قاعدة من قواعد النجاح والسعادة الزوجية، وهي: "لا تعامل زوجتك بالمثل".

خلفيات كثيرة في عصرنا هذا تدفع باتجاه وضع من الندية بين الرجل والمرأة، فالظروف أتاحت أمام كل امرأة فرصًا أكبر للاستقلال المادي والمعنوي، فهي تعمل وتخرج وتشارك، لها مالها الخاص، وعندها حاسوبها الخاص، وهاتفها النقال، وحسابها البنكي، وعالمها الذي يتوسع، وغالبًا ما يكون هذا التوسع على حساب الرجل وعلاقتها به، فهي أكثر برودة وزهدًا تجاه زوجها لأنها أقل احتياجًا له، وأقل رغبة في بذل الجهد لإرضائه، وغيره حولها كثير من الزملاء والأصدقاء، وحتى العلاقات الإلكترونية، فيفقد الرجل/ الزوج ميزاته النسبية في الإنفاق والخصوصية والندرة – إذا صح التعبير – وتتسلل إلى نفسه مشاعر الحنق بسبب هذا وغيره، وحين تستقر في ضميره أن زوجته ندٌ له يبدأ في معاملتها بالمثل.

أمثلة

لدى النساء/ الزوجات رغبة جامحة – تبدو فطرية – في التفتيش وراء الزوج يعني في متاعه وأوراقه وجيوب ملابسه... إلخ، والغرض معروف، فهناك دائمًا نساء محتملات، والرجل عينه زائغة، وطماع... إلخ!! وفي مقابل هذا فإن المرأة المعاصرة لا تقبل بحال من الأحوال أن يعاملها زوجها بالمثل، ولو حدث – فإنه في أحسن الأحوال – سيظفر بمحاضرة من النوع الثقيل حول الخصوصية واحترامها، وحول حقوقه وواجباته، وحول أن للإنسان مساحات ينفرد بها، ولا ينبغي اقتحامها!!!

ومن نفس المنطلق تقريبًا فإن المرأة حريصة على معرفة ما يدخل إلى جيب زوجها من أموال، وعلى الاطمئنان الدائم أنه لا يبقى هناك كثيرًا، وأنه ينفقه عليها وعلى أولادها، وبالمقابل فإن ميزانيتها الشخصية سرية، وذمتها المالية مستقلة، وأي فضول تجاه استكشاف هذه المساحة سيواجه بمنتهى الحزم والحسم أو المراوغة والكذب "الأبيض" طبعًا!!!

والمرأة كثيرة الشكوى بطبعها – فيما يبدو – وهي حين تشكو لا ترى في ذلك عيبًا ولا غضاضة، فهي تمارس هواية من هواياتها، وسيكون الزوج ظالمًا إذا اعترض لأنه يريد حرمانها حتى من الفضفضة والشكوى، أما إذا سولت له نفسه أن ينتقد تصرفًا صدر عنها، أو أن يعترض على تقصير أو خلل هنا أو هناك فستكون النتيجة هي تلك الأطروحة المزمنة التي تصدر عن كل امرأة تقريبًا، فلم يحدث مرة أو مع أية امرأة إلا وتشكو أن زوجها كثيرًا ما ينتقدها، وأنه لا يكف عن لومها، وتوجيه نظرها إلى التقصير مهما كان بسيطًا!! وقد تسير أكثر في الطريق نفسه لتقول بأنها لا تشعر بتقديره لأي شيء تقوم به من أجله أو من أجل الأولاد!!!

وكما نعرف جميعًا فإن التقلب المزاجي هو من طبع البشر، وتمر المرأة بيولوجيًا بأحوال مزاجية مختلفة، وبخاصة أثناء الدورة الشهرية، ولأسباب أخرى متنوعة جدًا ومتعددة جدًا فإن المرأة أحيانًا تميل للعزلة بل وترفع نفسها من الخدمة، وأوجاعها الجسمانية وظروفها النفسية تكاد لا تنتهي، وطابعها أقرب إلى الخمول والاكتئاب بمعناه الواسع لا المرضي بأعراضه المسجلة، وبالمقابل فإن نقدًا متكررا تتوجه به المرأة ضد زوجها من أنه لا يبتسم في وجهها، ولا يتحدث معها، لا يقضي معها وقتًا كافيًا، ولا يكون حاضرًا وشاهدًا ومشاركًا في كل ظروفها وأوجاعها، وطبيعي أن الرجل لا يحيض، ولكن لأسباب يميل للعزلة أو إيثار الصمت والعزوف عن الكلام أو وجود أوجاع جسمانية أو ظروف نفسية هي كثيرة، ولا تدع إنسانًا إلا ومرت عليه رجلا كان أو امرأة.

وتكاد القائمة لا تنتهي إذا أردت أن أسرد الأوضاع والمواقف التي تكيل فيها المرأة بمكيال لها، ومكيال آخر حسب الظروف والأحوال، فإذا كان الحديث عن شخصيتها ووضعها في المجتمع والأسرة تدير أسطوانة المساواة، وتكافؤ الفرص، وتدفع بمنطق التمكين وحقوق المرأة، وإذا كانت الحقيبة ثقيلة أو يوجد فأر في المطبخ، أو يحتاج البيت لمبالغ إضافية فالأسطوانة المفضلة ستكون أنها امرأة، وتحتاج إلى دعم ومساندة، ومن أين ستحصل عليه إن لم يكن من زوجها؟! وكثير من طباع النساء – ولا أعمم – مذكورة في القرآن والسنة الصحيحة على سبيل التوصيف والسرد، وفهم نفسية المرأة هام لمن يريد استقرارًا لحياته الزوجية، وهي معارف ليست مجموعة في كتاب، ولا متوافرة في دورة أو ورشة عمل، وجهل الرجل/ الزوج بها يؤدي إلى تعاسة الطرفين، ولا مفر من الاعتراف بأن أغلب رجالنا يجهل تلك المعارف والفنون، ويجهل تلك الصفات النسائية فيضر من حيث يريد أن يصلح!!

ما العمل؟!

في مسألة المعايير المزدوجة أو حتى بشكل عام يبدو خطأ الرجل هنا هو أنه يريد أن يمارس بالفعل معاملة زوجته بالمثل: تعبس في وجهه، وتنعزل في غرفتها، فيسخط، ويأتي عليه الدور لاحقًا فيفعل. تخترق خصوصياته فيقتحم غرفتها، ويفتش وراءها، تشكو وتنتقد فلا يترك لها خطأ إلا وأشبعها لومًا وتقريعًا عليه، تخطئ أو تتجاوز فيكون الجزاء من جنس العمل، غضبًا أو صراخًا، أو مقاطعة وهجرًا، أو على الأقل جفاءً ممتدًا، أو انسحابًا وعزلة.

وجوهر الخطأ هنا أن "الندية" هي حالة يصل إليها الطرفان بممارسات من كليهما، ومن أهم هذه الممارسات أن يعامل الرجل/ الزوج زوجته بالمثل فتتكرس وضعية الندية، ثم هو يعود فيشكو من ذلك، وهي تعود لتصرخ من انكماشه وعزوفه وبروده وهجره، ومن جانب الرجل فإن هذا ينبغي أن يتوقف ليحل محله وضع آخر محوره الفضل والتسامح والمرونة والصبر والرضا بما يضايق ابتغاء لما لا غنى عنه من المعاشرة بالحلال، وعمارة الأرض، والتفاعل الإنساني الذي هو صعب بطبيعته، وخاصة تعقيدات العلاقة بين الرجال والنساء.

وربما تكون هذه المقترحات هي بلورة ما لوضع القوامة الذي أراده الله أن يكون في علاقة الرجال بالنساء، ولكن القوامة أيضًا هي حالة يصل إليها الزوجان بفهم وممارسات مشتركة، وعدم معاملة الزوجة بالمثل هو بعض مكونات حالة القوامة من جهة الرجل، وربما تكون من بعض تجليات مفهوم الدرجة التي جعلها الله بينهما "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة"، قد يكون هذا فهمًا صحيحًا للوضع الشرعي المنشود، وقد تكون مجرد تعزية لأنفسنا – نحن الأزواج – لكنها في كل الأحوال وصفة ناجحة، وسأنتظر منكم – معشر الرجال – ومنكن – معشر النساء – النفي أو التأكيد.