جائزة الرئيس .. ماذا بعد؟
بقلم/ ياسر حسن ثامر
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 09 يناير-كانون الثاني 2008 01:50 ص

مأرب برس - خاص

قبل ايام ذكرني اتصال احد الأعزاء في وزارة الشباب والرياضة بانني حصلت عام 2000م على جائزة رئيس الجمهورية للشباب ، موجها الدعوة لي لحضور الملتقى الوطني الاول للمبدعين الشباب الفائزين بالجائزة منذ تأسيسها عام 1999م .

انها فكرة رائعة – فكرة الملتقى -  تحسب للاستاذ/حمود عباد والعاملين تحت قيادتة في وزارة الشباب ، قد يتساءل البعض عما اذا كانت الفكرة مبنية على اساس معالجة بعض الاخطاء التي رافقت الجائزة خلال الاعوام الماضية ؟ ام على اساس احداث شكل من اشكال التجديد الذي قد يتميز به الوزير عن سابقيه ؟ غير ان اهمية تلك التساؤلات تظل نسبية ، لا سيما وقد عرف الاستاذ عباد بقدرته على التقييم وحرصه على التقويم فتميز بذلك عن غيره في مختلف المواقع والظروف ، وهو ما دفعني للكتابة عن حضور الجائزة وغياب الإستراتيجية .

لا شك أن جائزة رئيس الجمهورية للشباب المبدع في مختلف المجالات بادرة طيبة ولفته كريمه ، غير ان الالية التي تدار بها الجائزة جعلت وزارة الشباب المستفيد الاكبر من حسنات هذه الجائزة على الصعيد الاعلامي والترويجي لما تقوم به من اجل الشباب ، لكن هذه الحسنات أو الايجابيات لا تنعكس كما يجب لا على الشباب ولا على الابداع ولا حتى على صاحب الجائزة ، ناهيك عن انها اصبحت تتراجع من عام لاخر في أكثر من جانب ، كل ذلك نتيجة لما اعتقد بانه عدم وجود استراتيجية واضحة تستهدف مخرجات هذه الجائزة من قبل الحكومة ، فبالنسبة لوزارة الشباب  ينتهي كل شي بمجرد إقامة حفل التكريم ، حيث يعود كل شاب مبدع من حيث أتى تغمره السعاده وهو يفكر في أي زاوية من زوايا مسكنه سيعلق شهادته الممهوره بتوقيع رئيس الجمهورية .. لكنه لا يدري ماذا بعد؟  وما هو الامتياز الذي ستمنحه هذه الجائزة الى جانب الفخر والاعتزاز؟  يصل الى البيت عائدا من صنعاء  بشهادته وما يعادل (5000) دولارامريكي او نصفها، معتقدا ان دعوة من وزارة الثقافة أو الاعلام قد سبقته الى البيت تطلب منه التكرم بالحضور لابراز وعرض نتاجه الادبي أو الفني .. وبعد يومين يضن ان الهيئة العامة للكتاب تبحث جاهدة عن وسيلة للاتصال به حتى تتمكن من طباعة رائعته قبل ان تسبقها أي جهة اخرى .. وقد يحتار في الكيفية التي سيوزع بها نفسه ووقته عندما تنهال علية طلبات المشاركة في انشطة وفعاليات اتحاد الادباء وغيره من المنظمات الابداعية .. وقد يعتقد متيقنا بانه سيكون احد الموطنين المدعوين لمصافحة رئيس الجمهورية عندما يزور المحافظه في احدى الامسيات الرمضانية ، خصوصا اذا لم يتسلم الجائزة من قبل الرئيس شخصيا .. تمر السنوات على هذا المبدع ليكتشف الكثير من الاوهام التي صنعتها مخيلته تجاه جائزة الرئيس ، كل ذلك لأن مختلف المؤسسات المعنية حكومية كانت او مدنية تعتقد بأن هؤلاء المبدعين مسئولية وزارة الشباب من المهد الى اللحد، وكأن هذه الوزارة انما اكتشفته ليتمكن الاخرين من فرض الحصار عليه، هذا بالطبع لا ينطبق على كل الفائزين فهناك من تمكنه جهوده وامكاناته الذاتية أوعلاقاته الاجتماعية أوحضوره المتميز قبل الحصول على الجائزة من تجاوز ذلك وعدم الشعور بالمشكلة ، لكن الحديث بالطبع ينطبق على كل الشباب الذين لم نكن لنسمع  بهم لولا حصولهم على الجائزة ، فكيف بنا لو عرفنا بان جوائز مماثلة لا سيما التي تحمل اسماء الزعماء في بعض الدول تحيل حياة اصحابها - في ظل حرص المؤسسات المعنية على تلبية احتياجاتهم - الى عالم جميل ليس على المبدع فيه سوى الاستمرار في العزف ليستمتع به كل المحيطين به .

فمن تلك الدول من تعادل تلك الجوائز بمستوى معين من الشهادات الاكاديمية ، ومنها من تزيد راتب الموظف الحائز عليها ، ومنها من تؤهله للابتعاث والدراسات العليا في مجال الجائزة ، واقل هذه الدول تقوم بطباعة اعماله الابداعية وتسويقها لصالحه ، غير ان واقع الحال في بلادنا اوصد الباب امام العديد من الفائزين بجائزة الرئيس ، ولذلك اصبح افراد المجتمع يشعرون بالاستياء والتذمر عندما يعلمون بانك حاصل على جائزة الرئيس وانت تعمل في احد مناشير الحجارة ، أو تحمل شهادة الفوز لتتجول بها من وزارة لاخرى باحثا عن عمل ، أو ينتهي بك المطاف لتقف امام احدى السفارات علك تجد فرصة للاغتراب ، حيث وجد عدد كبير من المبدعين اعمالا مناسبة في بعض البلدان المجاورة ، تلك كانت بعض جوانب القصور التي تتحمل مسئوليتها العديد من قطاعات الدولة تجاه الفائزين بجائزة الرئيس وليس وزارة الشباب وحدها ، وهو ما يبرر الغياب الكبير الذي لاحظته في اعداد الفائزين بالجائزة اثنا افتتاح الملتقى من قبل وزراء كل من وزارات : الشباب والرياضة ، الاعلام ، الثقافة .  

وبالمقابل هناك ما تتحمله وزارة الشباب بمفردها دون غيرها من الجهات ، وذلك على النحو التالي:

  • عدم القدرة على استقطاب المبدعين في مجال العلوم التطبيقية خصوصا في السنوات الاولى نتيجة لعدم وضوح الرسالة الاعلامية التي تفسر هذا الجانب بالنسبة للمبدعين الشباب .
  • عدم استفادة المتنافسين من المشاركة على صعيد تطوير القدرات والملكات حيث ان كثير من الفائزين لا يعرفون مواطن القوة التي اهلتهم للفوز على غيرهم ، وكذلك الذين لم يحالفهم الحظ لا يعرفون ماهي الهفوات ونقاط الضعف التي حالت دون فوزهم بالجائزة ، وبالتالي العمل على تلافيها والاستفادة منها مستقبلا ، وهذا كان من اهم الاهداف التي لم تحرص الوزارة على تحقيقها ، وكان له اثره السيء على عدد من الموهوبين الذين اعتقدوا بعدم علاقتهم بالابداع لان احدا لم يأخذ بايديهم نحو الطريق الامثل للاستمرار ، فتركوا احلامهم وراحوا يبحثون عن اعمال يعتقدون انها اكثر جدوى ، ولعل ما لفت انتباهي في هذا الجانب هو عندما اعلن وزير الشباب الاسبق في احد المؤتمرات الصحفية اسماء الفائزين بالجائزة ، مشيرا في نهاية المؤتمر الى امكانية تقديم التظلمات من قبل الذين لم يحالفهم الحظ ، لكنني لم افهم كيف يمكن لمتسابق ان يتظلم دون ان يتعرف على الاسباب التي اهلت غيره للفوز عليه.
  • عدم طباعة الاعمال التي فاز بها الشباب أو عدم السعي من اجل طباعتها لدى الجهات المعنية.
  • عدم التنسيق مع الجهات المعنية بالاهتمام بهؤلاء المبدعين والاستفادة من قدراتهم.
  • عدم وضوح المعايير التي يتم بموجبها اختيار الفائزين بجائزة الرئيس والذين يتم اصطحابهم للمشاركة في المهرجانات والفعاليات الشبابية خارج اليمن.     
  •   بدأ مجلس امنا الجائزة ولجان التحكيم بداية قوية في تحديد مستوى ونوعية الاعمال التي يمكنها التنافس على الجائزة ، وتطبيق المعايير الصارمة المتعلقة بالشباب المشاركين ، ولذلك كانت تحجب الجائزة في حال عدم توفر الاعمال المناسبة ، أوالشروط المحدده في المتنافسين ، غير ان مجلس الامنا ربما لا حظ بعد عدة سنوات انخفاض في مستوى الاعمال المقدمة وتراجع الشروط المطلوبه في اصحابها ، بما يعني ان الواقع اصبح يشير الى شيئ من الافلاس الثقافي والابداعي بين الشباب الذين تقل اعمارهم عن (30) عام على مستوى الجمهورية ، وهو ما جعل الجائزة عرضة لعدد من الاخطاء اللاحقة  والتعديلات التي تم اللجوء اليها لتجاوز هذه المشكلة ومنها:

-    
شهدت الجائزة  فيما بعد انخفاضا في مستوى الاعمال التي يمكن قبولها وادخالها ضمن التنافس  واعلان فوزها ، بدليل ان بعض الاعمال التي لم تنجح في السنوات الاولى  حالفها الحظ وتمكنت من الفوز في سنوات لاحقة ، مع اجراء بعض التغييرات في عناوينها من قبل اصحابها.

-    
تم منح الجائزة لبعض المشاركين الذين لا تنطبق عليهم بعض شروط المشاركة ، ومنهم من كان له حضوره الابداعي في المشهد الثقافي ، لكنه من حيث العمر تجاوز الثلاثين عاما حينها.

-    
حدوث بعض المجاملات من قبل لجان التحكيم بسبب ارتباطهم ببعض المتسابقين مما ادى الى تشتيت الجائزة وتوزيعها بالمناصفة دون الالتزام بالشروط والمعايير ، وهذا ما اكده وزير الشباب والرياضة الاسبق في المؤتمر الصحفي الذي عقد لإعلان اسماء الفائزين بجوائز رئيس الجمهورية للشباب في دورتها السابعة لعام 2005م حيث قال  "يؤسفنا ان تحدث مجاملات في الجائزة من بعض لجانها الذين يعدون من الكفاءات الجيدة والمتخصصة".

-    
الاضطرار في نهاية المطاف الى الغاء مركزية الجائزة على مستوى الجمهورية واجراء التنافسات على مستوى المحافظات التي يتم فيها تقييم الاعمال وفقا لمعايير مختلفة وبدون وجود لجان تحكيم متخصصة ، ومن ثم احداث التصفيات بصنعاء على غرار دوري كرة القدم  وبما يضمن  الاقبال المكثف على الجائزة ، بعد ما انخفض مركزيا ، لاسيما وان لجان التحكيم كانت سابقا تستبعد الكثير من الاعمال غير المؤهلة.     

وعليه اعتقد انه ليس من الضروري ان نعرض القيمة المعنوية والادبية التي ظهرت بها الجائزة  لاي نوع من التحجيم أو التنازلات ، حتى لو اضطررنا الى ايقاف الجائزة كليا لعام او عامين او اكثر طالما لا تتوفر الشروط الشكلية والفنية في الاعمال المقدمه أو اصحابها ، وطالما نحافظ بذلك على قيمة الجائزة ومستواها الادبي والفكري ، وقد لاحظت خلال الايام الماضية بعض التصريحات الصحفية لبعض الوزارت التي تريد ان تعلن في مجالات انشطتها عن تنظيم واعلان جائزة باسم رئيس الجمهورية ، وهو امر لا اعتراض عليه لكن اتمنى من كل تلك الجهات ان تدرس هذا الامر جيدا وان تستفيد من خبرات المتخصصين في هذا الجانب وفق استراتيجيات واضحة كي لا تقع في اخطاء يمكن الاحتراز منها وعدم الوقوع فيها مسبقا ، كما أعيب على مختلف الجهات والمنظمات الاعلامية والثقافية والادبية والفكرية والعلمية  تجاهلهم الغير مبرر لمخرجات جائزة رئيس الجمهورية ، وعدم  استكمال عملية البحث والتنقيب بالرعاية والتطوير التي بدأتها وزارة الشباب والرياضة ، الوزارة التي قامت من تلقاء نفسها ببعض المهام التي يفترض ان تقوم بها الجهات المعنية تجاه الابداع والمبدعين لكنها اكتفت بعضويتها في مجلس امناء الجائزة  وذلك جهد المقل وعطاء البخيل وموقف العاجز.

ملاحظات حول الملتقى

اول تلك الملاحظات تتعلق بالاسم الذي اثقلنا عليه بوصفه (الوطني) مما يجعل الملتقى اقرب الى المصالحة السياسية بين اطراف متباينة في الرؤى والافكار، كما انه يوحي بجود فراغ وطني على الساحة الابداعية والثقافية ، واننا تميزنا بتنظيم ملتقى وطني  مغاير لما هو سائد في الواقع  الا وطني  وبالتالي حملنا الامر فوق ما لا يحتمل ، وكم كان بسيطا وجميلا  وغير متكلفا ان نسميه (ملتقى المبدعين الشباب ) دون ان نحشر الوطنيه في كل صغيرة وكبيرة اعتاد الكثير على الصاقها في كل شيئ  في المؤتمرات الوطنية والندوات الوطنية واللجان الوطنية والهيئات والمراكز الوطنية ... الخ العديد من الجهات والفعاليات التي أجد بعضها تحاول التبرك باسم الوطن لاخفاء ما لا علاقة له بالوطن على الاطلاق .

 كما لاحظت في اليوم الاول للملتقى ان هناك نوع من عدم التنظيم والترتيب الذي بدا واضحا وملفتا للجميع ، اضافة الى عدم حضور أو تغيب معظم الفائزين بالجائزة على مستوى الجمهورية  ، وكذلك البرامج والوثائق والادبيات التي وزعت على المشاركين كان يمكن ان تبدوا بشكل افضل وتحقق العديد من الاهداف بقليل من الجهد والتفكير بما في ذلك التمييز بين الفائزين الذكور في الاعلى والاناث في الاسفل ، كما ان المعرض الذي رافق الملتقى اقتصر على اللوحات التشكيلية ولم يعرض الاعمال الادبية وهو ما جعل وزير الاعلام يركز في تصريحة التلفزيوني بقوله "ادهشتني قدرة الشاب على التعامل مع الالوان والضوء والظلال واستخدام خامات البيئة " دون التطرق للابداعات الاخرى التي غابت عن المعرض ، وعموما قد يكون ذلك نتيجة لتأثير انتقال مشروع الملتقى من محافظة عدن الى امانة العاصمة مما اثر على حماسة بعض الذين كانوا يطمحون من خلال اقامته في عدن الى تحقيق اهداف اضافية ذات ابعاد ودلالات سياسية .  

وفي الختام اتمنى من مجلس امناء جائزة الرئيس الوقوف الجاد امام ما قد يروق لهم من الاشارات السابقة ، والعمل على ايجاد صيغ جديدة واليات افضل في ادارة وتنظيم الجائزة ، وبما يحافظ على مكانتها ووضعها في المقام الذي يتناسب مع مقام صاحبها وما يحظى به من تقدير واعتزاز كبيرين في اوساط كافة شرائح المجتمع .

والله من وراء القصد.