"بعبع جديد" يطارد بوش
بقلم/ جهان مصطفى
نشر منذ: 17 سنة و يوم واحد
الخميس 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 05:30 م

يبدو أن المقاومة للهيمنة الأمريكية على العالم لن تقف عند حدود العراق وأفغانستان فقط وإنما ستمتد إلى مناطق أخرى لم تكن أبدا فى حسبان بوش ، وكلمة السر هذه المرة عند "الجيش الأحمر" .فقد نشرت صحيفة "ليدوفي نوفيني" التشيكية فى 12 - 11 - 2007 بيانا لتنظيم مسلح جديد أطلق على نفسه "الفرع التشيكي لتنظيم الجيش الأحمر " هدد خلاله بأعمال قتل وعنف واسعة النطاق إذا ما صمم بوش على نشر منظومته الجديدة للدفاع الصاروخى فى الأراضى التشيكية .

 ووفقا لما جاء في البيان ، فإن الهجمات ستبدأ فور دخول القوات الأمريكية أراضي جمهورية التشيك وستطال كل ماهو أمريكى سواء المدنيين أوالعسكريين وحتى الثقافة .

 وتنظيم الجيش الأحمر حسبما ذكرت صحيفة "ليدوفي نوفينى" كان قد ظهر للوجود قبل 30 عاما من خلال أعمال قتل وتفجيرات قام بها فى ألمانيا الغربية قبل الوحدة مع ألمانيا الشرقية وكان يتم خلالها استهداف رجال أعمال وسياسيين بارزين موالين للغرب.

 ويرى مراقبون أن بيان الجيش الأحمر ليس من قبيل الدعابة بأى حال من الأحوال بالنظر إلى المعارضة الشعبية الواسعة فى التشيك للخطط الأمريكية ، ففى 21 - 1 - 2007 ، تظاهر آلاف التشيكيين فى ساحة القديس فاتسلاف وسط العاصمة براغ ضد إقامة رادار أمريكى خاص بمنظومة الدفاع الصاروخى التي تعتزم واشنطن نشرها فى بولندا المجاورة ورفع المتظاهرون لافتات تحذر من أن نصب الرادار فى التشيك يجعلها عرضة للتهديد فى حال اندلاع أى مواجهة مسلحة بين واشنطن وأعدائها .

 وجاء تنظيم المظاهرة بعد يوم من إعلان رئيس الحكومة التشيكية ميريك توبولانيك أن واشنطن طلبت رسميا من التشيك بدء التفاوض بشأن إمكانية نصب الرادار فى أراضيها .

 وفى إطار ردود الأفعال الغاضبة أيضا ، أعلنت مونيكا هورجني الناطقة باسم الحزب الشيوعي التشيكي المعارض رفض حزبها للخطط الأمريكية ، مشددة على ضرورة تنظيم استفتاء في البلاد بخصوص نشر الرادار باعتباره يمس المصالح الحيوية للجمهورية التشيكية .

 وفى تفسير أسباب الرفض ، أشارت الناطقة إلى أن القواعد الأمريكية تخضع لقوانين الولايات المتحدة مما يعنى أن القوانين التشيكية لن تسرى عليها كما أن التجارب المختلفة من العالم تشير إلى أن فرص العمل للمواطنين المحليين تتراجع فى مكان وجود القاعدة .

ونفت مونيكا هورجني ادعاءات الحزب المدني أقوى أحزاب الائتلاف الحاكم حول أن نصب الرادار سيعود بمكاسب على التشيك ، مؤكدة أن خطر نصب الرادار يفوق بمراحل المساعدات التى تعتزم واشنطن تقديمها ، كما أن التشيك تقع عليها التزامات بموجب تحالفاتها مع حلف الناتو والاتحاد الأوربي ولذا من غير المنطق التوقيع على اتفاقية ثنائية مع الولايات المتحدة بهذا المجال .

 ولتأكيد مدى الرفض الشعبى لخطط واشنطن ، قام 30 رئيس بلدية من المناطق والبلدات المجاورة لمنطقة بردي العسكرية التي يريد الأمريكيون نصب الرادار بها بتشكيل رابطة فى 29 أغسطس 2007 لتوحيد جهود التصدى لنشر الرادار .

 وأعلن رئيس الرابطة يوزيف رجيهاك الذى يرأس المجلس المحلي في منطقة برشيبرام أن المطالب الأساسية للرابطة الجديدة تتركز على الدعوة لتنظيم استفتاء عام بشأن نصب الرادار وقيام خبراء مستقلين بإعداد دراسة عن الأضرار الصحية التي يمكن أن تنجم عنه .

 وفى سبتمبر 2007 ، أظهر استطلاع للرأى العام أيضا أن 95 في المائة من التشيكيين يعارضون استضافة قاعدة الرادار الأمريكية في منطقة تابعة للجيش في مرتفعات بردي جنوب غربي براغ.

بوادر حرب عالمية جديدة

 وبجانب الاحتجاجات الداخلية السابقة ، فإن التهديدات التى خرجت من روسيا فى أعقاب إعلان واشنطن العام الماضى عن نشر منظومة دفاع صاورخية جديدة في وسط أوروبا بحلول عامي 2011 و2012 بدعوى حماية حلفائها في "الناتو" من صواريخ "دول مارقة" مثل إيران وكوريا الشمالية ، هى الأخرى من شأنها أن تعمق الخلافات داخل التشيك بين الحكومة والمعارضة حول جدوى نشر الرادار الأمريكى .

 فروسيا تعتبر أن مشروع الدرع الصاروخى الأمريكى يهدد أمنها القومي، ويسهم في بدء مرحلة جديدة من سباق التسلح في العالم ، حيث ذكر رئيس أكاديمية العلوم العسكرية الروسية الجنرال محمود جارييف في هذا الصدد أن المنظومة الأمريكية للدفاع المضاد للصواريخ المرتقب إقامتها في أوروبا تهدف إلى اعتراض وتدمير الصواريخ التابعة لروسيا، التي يمكن أن تطلق ردا على عدوان ضدها ، قائلا :" إن صواريخ الاعتراض الأمريكية إن تم نصبها في شرق أوروبا ستتمكن من اقتناص صواريخنا وتدميرها عند انطلاقها. ففي ذلك بالذات يكمن خطرها الرئيسي".

 كما أعلن النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي ألكسي سيجوتكين أن روسيا تتابع توسع التواجد العسكري للولايات المتحدة على الأراضي المجاورة لحدودها ، قائلا :" إن الولايات المتحدة تنتهج سياسة ترمي إلى تعزيز تواجدها العسكري في الخارج، وتقوم ببناء نظامها المضاد للصواريخ، وعلينا أن نرد بشكل مناسب ".

 وفي السياق ذاته ، صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن الولايات المتحدة تحرص على نشر الرادار فى التشيك لتسهيل مهمة مراقبة الأراضي الروسية ، مشددا على أن روسيا ترى في مخطط الولايات المتحدة خطورة كبيرة عليها وهي تقوم بإعداد الرد المناسب بما في ذلك من خلال حث العلماء الروس على ابتكار وتصنيع أسلحة حديثة أكثر تطورًا مما هو موجود في ترسانتها.

 أما أقوى التهديدات فقد صدرت عن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عندما أعلن فى 6 يونيو 2007 عشية مشاركته فى قمة الثمانى الصناعية الكبرى بألمانيا أن الجيش الروسى سيرد على خطة نشر منظومة الصواريخ الدفاعية الأمريكية بالقرب من حدود بلاده بتوجيه صواريخه على القواعد الأمريكية في أوروبا ، مشيرا إلى أن مخطط نشر المنظومة الصاروخية الأمريكية في جمهورية التشيك وبولندا اللتان كانتا تدورا في فلك الاتحاد السوفيتي إبان حقبة الحرب الباردة يغير تركيبة الأمن الدولي برمته.

 وفي تصريحاته النارية ، فند بوتين أيضا مزاعم واشنطن حول أن الهدف من نصب نظام رادار في جمهورية التشيك وصواريخ اعتراضية في بولندا هو التصدي لتهديدات صاروخية محتملة من إيران وكوريا الشمالية ، قائلا بسخرية :"أُخبرنا أن الأنظمة المضادة للصواريخ الدفاعية تستهدف شيئاً هو في الأصل غير قائم..ألا يبدو الأمر مضحكاً".

 ولم يقتصر الأمر على الحرب الكلامية ، فقد جاء قرار بوتين في 14 يوليو 2007 بتجميد التزام روسيا بمعاهدة انتشار القوات التقليدية في أوروبا والتي كانت تضع قيودا على انتشار الأسلحة الثقيلة في دول الناتو وروسيا ، ليكون بمثابة جرس إنذار بأن الخلاف بين موسكو وواشنطن مفتوح على أسوأ السيناريوهات.

 ويجمع المراقبون فى هذا الصدد على أن اصرار واشنطن على نشر منظومة صواريخ في شرق أوروبا ينذر بعودة سباق التسلح الذى شهدته "الحرب الباردة" التي دارت على مدى ما يقرب من 50 عاما بين المعسكرين الشرقى والغربى وانتهت في عام 1991 بسقوط الاتحاد السوفيتي .

 وهناك متغير داخلى روسى يدعم المخاوف السابقة ألا وهو أنه منذ وصول بوتين إلى الكرملين حدثت أشياء كثيرة على صعيد العلاقات الروسية الأمريكية حيث أحدث قطيعة كاملة مع عهد سلفه بوريس يلتسين الذى عرف عنه الضعف أمام رغبات واشنطن ونجح إلى حد كبير في استعادة مكانة روسيا على الساحة الدولية والأهم من ذلك الإمساك بزمام الأمور داخل روسيا ، ولذا فإن فرص تراجع روسيا عن رفض خطط نشر منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية في أوروبا تبدو ضئيلة جدا . 

 كما أن هناك متغيرات دولية أخرى تدعم موقف روسيا ، فالمأزق الأمريكي في العراق بات عميقاً وحد الديمقراطيون من هوامش تحرك إدارة بوش في الكونجرس وسجل بوتين نجاحاً غير متوقع في توقيع اتفاقية خطوط نقل نفط وغاز جمهوريات وسط آسيا عبر الأراضي الروسية وليس عبر جورجيا وتركيا كما كانت تخطط وتضغط الولايات المتحدة للحد من نفوذ روسيا في تلك الجمهوريات وفي حال كهذا فإن روسيا لن تفوت الفرصة للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية من الغرب وإذا لم تنجح فى ذلك فإن حربا باردة جديدة بحسب المراقبين ستكون البديل .

محيط