آخر الاخبار
فوبيا الحسد والعين..
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 21 يوماً
الخميس 02 مايو 2013 06:08 م

ترسخت فكرة الخوف المفرط من العين والحسد في الأجيال السابقة وتوارثتها الأجيال الحالية حتى أصبحت سببا رئيسا ينسب لها أي إخفاق أو فشل وفي المقابل يبقى طي الكتمان، وفيما أرجع نفسيون واجتماعيون رسوخ الفكرة إلى التربية والتنشئة، والحرص الزائد من الأسرة على أبنائها، محذرين من أن يتحول هذا الخوف إلى حالة مرضية تؤدي إلى الانطواء والاكتئاب والبعد عن الناس وعدم الاختلاط، اتهم شرعيون بعض الرقاة بـ «تهويل وانتشار الخوف المرضي من العين والحسد»، وقال المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية الشيخ صالح اللحيدان «بعض الرقاة لهم يد في انتشار هذه الظاهرة خاصة الذين لا يملكون العلم الشرعي ويخلطون بين المرض النفسي الفيسيولوجي وهو الاكتئاب، وبين الحسد والعين والمس وإن غالب الرقاة لا يفرقون بين المرض النفسي وعلاماته والمرض العقلي وعلاماته فيظنون أن من يأتيهم قد أصيب بالعين والحسد». ورأى أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب في جامعة الملك سعود الدكتور سليمان العقيل أن التراث الاجتماعي والقصص والخزعبلات والأساطير وراء تفشي الخوف المفرط من المجهول وقال «هناك من يأتي وهو مستسلم لما يقال له بأنه مسحور أو مصاب بحسد أو عين فهذا يعتبر أكثر تقبلا من غيره حتى لو كان ما يقال له خزعبلات تخالف العقل والمنطق والدين، وهناك من ينفي هذه المسائل نفيا قاطعا وهناك من يؤكدها تأكيدا قاطعا؛ بحيث إنه يرى أنها موجودة في كل تفاصيل حياته الاجتماعية، وتجده لا يلبس ويتأنق ولا يظهر للناس بمظهر ميسور الحال خوفاً من العين والحسد؛ لأن المسألة ركزت فيه بشكل قوي جداً وجعلته يشك بنفسه وبمن حوله».

حسد الحمل

وتذكر (م .ش) من منطقة حائل متزوجة منذ 37 عاما «تزوجت من رجل عقيم علمت بذلك واستسلمت لقضاء الله وقدره، ورفضت أن أنفصل عنه لسعادتي بالعيش معه رغم أن الإنجاب والتربية كان حلمي، وما كان يغطي هذا النقص أحيانا هو تربيتي لبنات أخت زوجي فكنت كالأم لهن، ومع مرور الوقت وبعد أن تزوجت إحداهن، وفي سنتها الثانية من الزواج اضطرت للسكن لدينا مرة أخرى بسبب ظروف عمل زوجها في منطقة أخرى، في البدء أحسست بحملها وبالتغيرات الطارئة عليها جراء الحمل لكني انتظرت أن تخبرني هي بنفسها ومع مرور الوقت لاحظت كتمانها لهذا الأمر وحرصها على عدم معرفتي، فكانت تقوم بتغطية بطنها حتى لا ألحظ الفرق وبأمور أخرى مشابهة كل ذلك في سبيل أن لا أعرف بهذا الحمل، في نهاية المطاف أخبرتني في أشهرها الأخيرة، وكان الدافع وراء تكتمها على الموضوع هو خوفها والحسد كوني لم أنجب!».

تعثر أكاديمي

وتروي (أ . ع) من منطقة حائل قصة مؤلمة حدثت لها من إحدى قريباتها قائلة «دخلت الجامعة ومعي إحدى بنات عمومتي في نفس التخصص وبعد انتهاء السنة الأولى تفاجأت بأن ابنة عمي تعثرت أكاديميا ولم تحصل على المعدل المطلوب لتنتقل للسنة الثانية، وكان أمرا مفاجئاً نوعا ما.. لكن ما أدهشني وأدهش أسرتي هو اتهام أمها لنا ولي أنا خصيصا بالعين والحسد، حيث بنت اتهامها على حلم لخال الفتاة وقامت بإرغامي بقراءة شيء من القرآن على بعض من الماء لتشرب منه الفتاة وما أزعجني في الموضوع أنها لم تكن تثق بي، ومع كل ذلك حاولت الفتاة الالتحاق بالجامعة مرة أخرى لكن توقفت وبنفس الأسباب، وها أنا الآن قد تخرجت من الجامعة وهي لم تكمل بعد».

أفكار خاطئة

وقال الاختصاصي الاجتماعي والنفسي وليد الزهراني «تتوارث بعض الأفكار الخاطئة من الأجيال السابقة وهي فكرة خاطئة فأصبح البعض يربط أي فشل وأي إخفاق بالعين والحسد، وفي الأجيال القديمة لم تكن لديهم ثقافة نفسية أو اجتماعية وأصبحت فكرة الخوف من العين فكرة متداولة لديهم وتوارثتها الأجيال حتى أصبحت من الأفكار الراسخة، حتى أن البعض عند قيامه لبعض الأعمال أو أي نجاح له يصبح في طي الكتمان، ففكرة الخوف المفرط من العين والحسد فكرة مكتسبة من التربية والتنشئة ومن بعض الأشخاص الذين تعرضوا فعليا للعين وهذا من شأنه أن يكوِّن عُقداً نفسية لدى الفرد، ومجتمع لديه هذا الخوف المفرط يعتبر مجتمعا حساسا ولديه القابلية لتضخيم الأمور».

حالة مرضية

وما إذا من الممكن أن يتحول هذا الخوف إلى حالة مرضية يقول الزهراني «تصديق الشخص لهذه الفكرة مع حساسية وتضخيمه للفكرة بالإضافة إلى شخصيته المستعدة للتأثر قد يتحول هذا الخوف المفرط إلى حالة مرضية أحيانا التي تؤدي إلى الانطواء والاكتئاب والبعد عن الناس وعدم الاختلاط وضعف الوازع الديني وقد يصل تأثيره إلى إهمال المظهر الخارجي، ونجد كثيرا ممن لديهم هذا الخوف أن الطفولة تكون منشأ لهذه الفكرة، فالأسرة – الأم والأب – تقوم بغرس هذه الأفكار في عقول أطفالها وتُربيهم عليها، والأمهات غالبا هن أكثر غرس للفكرة نتيجة الحرص الزائد وعندما نكبر تصبح هذه الفكرة خوفا مكتسبا ويجب أن يكون للمناهج دور خاصة في المرحلة الابتدائية ومن الأفضل أن تضاف لديهم مناهج نفسية لإيضاح بعض الأمور؛ لأنها تعتبر من الأمور الحساسة ويجب إيضاحها في هذا العمر فالأفكار لدى الأطفال مازالت تبنى».

جلسات نفسية

وأضاف الزهراني «من الممكن أن يستغل أي شخص لديه هذا الخوف المفرط وهذا التوتر بسهولة، فالتركيبة النفسية لهذا الإنسان تكون لديه أربع صفات أساسية، فالأولى هي الحساسية وسرعة التأثر، والثانية تضخيمه للأمور، والثالثة سوء الظن وتوقع الأشياء السلبية، أما الصفة الرابعة شخص مهموم دائما، والعلاج يتم بجلسات نفسية عبارة عن خطط علاجية تعطى للشخص فيها تدريبات نفسية تحتوي على استراخاءات وتدريبات لتغيير الفكر السلبي وتدريبات لتحفيز النفس وتدريبات لتغيير التفكير غير العقلاني وتدريبات التخيل وتنمية المهارات النفسية والتنويم الإيمائي ومدة الجلسات من 4 – 6 أشهر».

أسباب الشرور

وحينما سئل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن المبالغة في الخوف من الإصابة بالعين، ومنع الأطفال من مخالطة الناس خوفا عليهم من العين، فأجاب «لا تعتبر.. وإنما هي من تجنب أسباب الشرور والأضرار، وقد ورد ما يدل على الجواز في صبي جميل أمروا أن يغيروا صورته خوف العين، كما سبق الأثر عن عثمان في قوله (دسموا نونته) أي سودوها وهي النقرة في أسفل الوجه و ذلك سبب مما شرعه الله فقد قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) – النساء الآية 71 – وهو يعم الحذر من كل ما فيه ضرر على النفس أو المال».

تحرز من العين

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – «والتحرز من العين مقدما لا بأس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل لأن التوكل هو الاعتماد على الله سبحانه مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوذ الحسن والحسين ويقول (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحق وإسماعيل عليهما السلام)».

مسح أبواب

ومن فتاوى ابن باز- رحمه الله – في العين أن بعض الناس إذا شكوا أو علموا أن ابنهم مصاب بحسد العين قاموا بغسل ومسح أبواب المنازل أو درج مقدمة المنزل ممن يشكون بهم، فهل هذا العمل مشروع؟ فأجاب «هذا باطل ولا يجوز ولا أصل له، إنما المشروع هو إذا عرف أن العائن فلان أو ظن أنه هو العائن يقال له يغتسل لفلان فإذا غسل وجهه ويده جعلها في إناء وصب على المعين ينفعه الله بذلك أما غسل الدرج والأرض أو التراب من الأرض كل هذا لا أصل له «.

اللحيدان: الرقاة يهوِّلون مسألة العين والحسد لسلب الجيوب

أكد المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية الشيخ صالح بن سعد اللحيدان أنه لا أحد يستطيع إنكار أن هناك حسدا وعينا وسحرا ومسا وما شابهه، ولكن أن يكون الأمر ظاهرة منتشرة بهذا القدر الذي تعاني منه المجتمعات العربية والإسلامية التي من المفترض أن تكون محصنة بالكتاب والسنة والتوكل على الله، وقال «الذي يظهر لي أن غالب الرقاة له يد في انتشار هذه الظاهرة خاصة الذين لا يملكون العلم الشرعي ويخلطون بين المرض النفسي وأقصد به المرض النفسي الفيسيولوجي وهو الاكتئاب، وبين الحسد والعين والمس وإن غالب الرقاة لا يفرقون بين المرض النفسي وعلاماته والمرض العقلي وعلاماته فيظنون أن من يأتيهم قد أصيب بالعين والحسد والسحر، فالرقاة يتحملون جزءا كبيرا في تهويل وانتشار هذه المسألة، كما أن هناك كثيرا من النساء والشباب الذين هم أقل من سن الثلاثين عاما لمجرد أن يشعر بتكرار الحال عنده كالرسوب في الدراسة أو الفشل في الزواج أو حوادث السيارات أو الأمراض المتنقلة مباشرة يذهب إلى الراقي أو المعالج بالرقية الشرعية، والراقي لا يجد عذرا سوى أن يقول له أنت محسود أو معيون أو مصاب بالمس، وهذه تبريرات حتى يتمكن من الشخص ويسلب ما في جيبه من مال، بينما يكون الشخص من الأساس لديه سوء تصرف أو أنه مريض نفسي أو موهوم أو مكتئب، بمعنى أنه لا يفقه الحياة كما ينبغي».

وحمل اللحيدان وسائل الإعلام مسؤولية الخوف المفرط من العين والحسد كونها لم توضح مثل هذه الحيثيات وتتصل بالمختصين لكي يوضحوا للناس الحقيقة العلمية الصحيحة ويقوموا على توعية الناس حتى لا يقعوا في شباك الدجالين ومدعي الرقية الذين غالبهم ليس لديهم علم ويهدفون فقط إلى الكسب المادي وسلب أموال الناس من خلال الإيهام والاحتيال -على حد قوله-.

وأضاف اللحيدان «يعرض علي في المجلس العلمي الخاص كثير من هذه المسائل، ويتبين لي أن السائل ليس مصابا بالحسد أو العين بل هو مريض نفسي أو يعاني من اكتئاب أو اضطرابات نفسية أو أن حساسيته زائدة أو أنه يقدم القلب على العقل ويتصرف بعجلة واندفاع وحساسية زائدة أمام الأحداث والوقائع، والأمر المهم هو البعد عن أصول التوحيد وأصول الأدلة واليقين، فكلما ابتعد الإنسان عن التوحيد وصلته بالله سبحانه وتعالى وقع بالوساوس والأوهام، وهناك غالب دول أمريكا وأوروبا انتشرت فيها المصحات النفسية، وذلك لأنهم يرون أن الحياة هي الغاية ومن أجل ذلك انتشرت هذه المصحات، ولما كانت لديهم قدرات جيدة فيما يتعلق في التفريق بين الأمراض والأسباب والنتائج اعتدل .

العقيل: التراث الاجتماعي والخزعبلات وراء تفشي الخوف من المجهول

يقول أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب في جامعة الملك سعود الدكتور سليمان العقيل «إن الخوف من المجهول قضية أساسية في حياة الانسان؛ لأنه لا يعلم ما يؤول إليه مصيره وبالتالي يبحث عن أي مصدر يعتقد أنه يستطيع أن يفسر له مستقبله، وقد وجدنا على مدار التاريخ بما يسمى بالرهبان والقساوسة وغيرهم من الذين يزعمون تفسير وقراءة المستقبل، وتفسير الظواهر الكونية، ومن ثم انتقلت المسألة إلى الذين يقرأون النجوم ويتنبأون بالمستقبل، وكل هذه القضايا لاستباق وقوع الحوادث وما شابهها، وتطمينا أو تجاوزا لخوف يعتقد أنه آت، والمسلم العربي يتأثر ويخاف بما يدور حوله بالكون أو القضايا الاجتماعية أو الظواهر الكونية. وهذه قضايا أساسية، وتأتي بعدها قضايا تربوية وقضايا تنشئة اجتماعية لنفي أو لتأكيد هذه المسائل وينسحب من هذا الخوف من الناس فيأتي الحسد، والحسد قضية موجودة، فالحسد والصراع والتعاون والحب كلها عمليات اجتماعية ولا يخلو مجتمع منها، ولكن تركيز الحسد والخوف والصراع ينتقل من كونه صراعا ظاهريا بين الأشخاص لقضايا معينة إلى صراع داخلي وتربص بالآخرين من بعيد أو من قريب، ويأتي دور رجال الدين بالوعود المستقبلية بالخير والجنة وبهذه الطريقة تدعه يتجاوز مرحلة الخوف إلى الأمل والتفاؤل والإقدام على العمل الخالص، أو أنهم يأتون -أقصد رجال الدين- لتركيز مرحلة الخوف في نفوس الناس من خلال التهديد والوعيد والحوادث ما بعد الموت، وهذه القضايا التي يتعامل بها بعض المتدينون.

وأضاف «العين والحسد والجن، هذه أمور حقيقية وموجودة في التراث الديني والاجتماعي العربي، فهناك نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تؤكد على وجودها، وتأكيدها لا يعني الفزع منها ولكن تأكيدها جاء للتعامل معها بنوع من المنطقية والعقلانية والرشد الذي يجاوز الإنسان المحن التي يمكن أن يمر بها. وهناك مجموعة من العوامل التي تجعل الإنسان أكثر تصديقاً بهذه الأشياء، مثل ضعف الوازع الديني لدى البعض وكذلك الخوف من المستقبل، وزيادة هذا الخوف عن الحد الأدنى يجعله يواجه الحياة بنوع من عدم العقلانية وحسن التصرف.

وهنا أيضا التراث الاجتماعي والقصص والخزعبلات والأساطير التي تركز هذه المسائل في نفوس الناس. وهناك من يأتي وهو مستسلم لما يقال له بأنه مسحور أو مصاب بحسد أو عين، فهذا يعتبر أكثر تقبلا من غيره حتى لو كان ما يقال له خزعبلات تخالف العقل والمنطق والدين، وهناك من ينفي هذه المسائل نفيا قاطعا، وهناك من يؤكدها تأكيدا قاطعا بحيث إنه يرى أنها موجودة في كل تفاصيل حياته الاجتماعية وتجده لا يلبس ويتأنق ولا يظهر للناس بمظهر الميسور الحال خوفاً من العين والحسد؛ لأن المسألة ركزت فيه بشكل قوي جداً وجعلته يشك بنفسه وبمن حوله.