على أعتاب مؤتمر الحوار الوطني
بقلم/ يوسف الدعاس
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 20 يوماً
الثلاثاء 05 فبراير-شباط 2013 11:16 ص

تمر اليمن بمرحلة انتقالية حرجة ومهمة للانتقال من حالة الفوضى واللا استقرار وغياب الدولة و حضور الولاءات القبلية والحزبية والجهوية والمناطقية والشخصية الضيقة الى مرحلة الدولة بمفهومها الحقيقي المؤسسي القائم على النظام والدستور والقانون .

ولان المرحلة حساسة ودقيقة وتعد مفصلية في التاريخ السياسي اليمني الحديث الذي لم يشهد قيام دولة بالمفهوم الحديث رغم مرور أكثر من أربعون عاما على قيام الثورات اليمنية المجيدة سبتمبر وأكتوبر في العامين 1962م و 1963م وكنتيجة طبيعية للصراعات العسكرية والقبلية والحزبية والجهوية والتي استمت بالطابع السياسي أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على بنية النظام السياسي وإضعاف مؤسساته وبالتالي ادى على عدم استقراره ليضل البلد رهينه في أيدي تلك القوى المتصارعة التي تمارس حضورها في كل جوانب حياة المجتمع حتى على المستوى الشخصي وتقوم بالدور الذي كان من المفروض ان تقوم به مؤسسات الدولة القائمة حتى تصل البلد الى الدولة بالمفهوم الحديث 

ولان الدولة هي أرقى ما توصل اليه الفكر السياسي الإنساني الحديث لإدارة وتنظيم شئون المجتمع من كآفة النواحي للارتقاء والنهوض به إلا أنها في بلدان العالم الثالث تحديدا ومن بينها اليمن ظل مفهوم الدولة غائبا ولم تشهد وجود الدولة بالمعنى الحقيقي الا بالمظهر الشكلي من خلال مؤسسات شكلية أيضا اقرب الى عمل العصابات أغلب همها هو القيام بجباية الأموال ونهب المقدرات والهيمنة على السلطة والنفوذ كعصابات مافيا لتظل متحكمة بالمشهد السياسي مما أدى الى غياب تام للدولة عن القيام بواجبها المفروض في ادارة وتنظيم شئون المجتمع وتقديم خدماتها له ليصل الى مستوى المفهوم الحقيقي للدولة .

فلدينا في اليمن مثلا إرث قبلي وجهوي كبير يقوم بدور الدولة عبر نظام المشيخ التقليدي الذي يمارس مهام إدارة المجتمع وحل مشاكله بدلا عن مؤسسات الدولة ولدينا مثلا المجلس التشريعي ( مجلس النواب ) المخول في إصدار التشريعات والقوانين لتنظيم شئون الدولة فمثلا حين كان يترأسه الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر رحمة الله تغشاه كان يقوم بإصدار التشريعات والنظم للدولة في فترة الصباح وفي الوقت نفسه يمارس مهامه القبلية والاجتماعية وحل النزاعات بالعرف والتقاليد بعد الظهيرة في ديوانه ليقوم بمهام الدولة ومؤسساتها مما شكل إضعاف كبير وتغييب للدولة ودورها وهيبتها وهذه حالة واحدة من حالات عدم قيام المؤسسات الدستورية بالدور المطلوب .

اليوم بعد اندلاع الثورة الشبابية السلمية المباركة لاحت في الأفق فرصة ثمينة كثمره من ثمار التغيير متمثلة في الحوار الوطني والذي يعتبر مرحلة متقدمة من الوعي المدني والسياسي السلمي الراقي لحل كل المشاكل والأزمات التي ظلت تعصف باليمن خلال فترة الصراعات والتي بلغت أوجها في العام 2011م وأمام اليمنيين فرصة تاريخية ربما لن تتكرر للوصول الى حلول لكل المشاكل المستعصية والعالقة والاتفاق على شكل النظام السياسي وطريقة أدائه ووضع المعالجات والرؤى والتصورات لكل الأزمات وصياغة عقد اجتماعي جديد يلتزم الحاكم والمحكوم به شريطة تفكيك مراكز القوى والتكتلات القبلية والمناطقية المتحالفة التي تؤثر على الدولة وقيامها بأدوارها ، وبالجلوس على طاولة حوار مستديرة تضم كل الفرقاء للبدء بالانطلاق الى بناء الدولة المدنية الحديثة بالمفهوم العصري والالتفات إلى المشروع الوطني الجامع حتى لا يتم إعادة إنتاج القوى والتكتلات القائمة بقوالب جديدة .

على أعتاب مؤتمر الحوار الوطني اليوم تقع مسئولية جسيمة في انتشال البلد من مرحلة الفوضى والتشرذم الى مستوى الدولة والوطن كون المرحلة بالغة الأهمية وبوجود المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن تكون مخرجات الحوار قابلة للتطبيق وهذا الاهتمام والحضور الدولي لم تحظ به اي دولة أخرى مما يمثل فرصة ينبغي ان لا تمر مرور الكرام .