طعم العيد...
بقلم/ د.محمد بن ناجي مشرح
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 5 أيام
الأحد 19 أغسطس-آب 2012 08:10 م

طعم العيد هذا العام يختلف عن طعم الأعياد قبله ؛طعمه في هذا العام له مذاق خاص ؛ له مذاق يميزه عن أعياد مضت قبله ... صحيح أن العيد الذي قبل هذا قد اقترب مذاقه من هذا العيد ؛ حيث اشتركا في كونهما قد حددا ملامح التغيير الذي طالما انتظره المسلمون لعشرات السنين. غير أن هذا العيد قد طمأن المسلمين أكثر ، وأيقنوا أن التغيير إلى ما تصبوا إليه الأمة قد انطلق انطلاقة لا يمكن أن يوقفه أحد ... لأنه تغيير أذن الله به ويرعاه -إن شاء الله تعالى - والسياقات التي يمكن الاستدلال بها هنا لا تخفى على الناظر الحاذق الذي يحترم الواقع ويحترم عقله ، ويعي طبيعة السنن ومنها سنة التغيير ... ومما ينبغي الوقوف عنده من المظاهر والسياقات لاستلهام هذا الطعم :

1) الظلم الذي تعاون فيه جمع كبير من الظلمة ضد شعوب الأمة في الداخل والخارج وسعوا إلى حرمانها حق العيش الكريم في شئون حياتها تحت ظلال منهج الله العادل الرحيم ؛ حتى بلغ السيل الزبا ؛ والله تعالى لا يحب الظلم ولا الظلمة ؛ وهو غيور على المظلوم والضعيف أيا كان نوع الضعف فيه ؛ ومما يدل على كره الله للظلم أنه يستجيب لدعوة المظلوم ولو كان كافرا ...وأقسم بأن ينصرها ولو بعد حين .

2) بداية التغيير كان واضحا بأن الله تعالى قد أذن به ؛ فقد كانت بداية الشرارة الفعلية أن ظلم رجل في سلسلة مظالم الأمة فأحرق نفسه (وصحيح أن شرارة التغيير بدأت إبان سقوط الخلافة الإسلامية على يد حزب الاتحاد والترقي بمعاونة من الحلفاء )فكان ذلك الإحراق إيذانا بإحراق الظلمة في العالم كله ، وقد تحركت جذوة التغيير في اتجاهات كثيرة وأثبتت أن المظلوم نبذ الخوف واتجه إلى الله تعالى يستعين به واستمات في إنهاء الظلم وسحق الظالم ، وجفا الخوف من حياته المواجهاتية ؛ فلم يعد يرضاه صاحبا له ... ورغم وحشية الظالم وتخليه عن إنسانية الإنسان بل وحيوانية الحيوان ؛ فإن المظلوم صامد صمود الجبال الرواسي يجابه الموت ويدك حصون الظلمة بصدر عار وشجاعة فائقة ؛ وهذا يدل على تثبيت الله له ...

3) رغم مضي وقت طويل وقياسي إلا أن مسار التغيير في كل الشعوب يسجل نجاحاته وتقدمه ولم يستطع الظالم المباشر والداعم له أن يوقفا سيل التغيير المتدفق مع قوة الظالم المتعددة ووحشيته المنتاهية الهمجية وأساليبه الغوغائية العارية من الوعي والتحضر في زمن يدعي أهله بأنه زمن التحضر ! .

4) سنة التغيير في كتاب الله تعالى تقرر أن بداية التغيير ونهايته من الداخل ؛ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)) الرعد وهذا يدل على أن تغيير الخارج لا قيمة له ما دام أن الداخل قد سجل في حياته تغييرا ؛ وهذا واضح فإن نسبة الوعي في الأمة قد وصل إلى مرحلة آذن بتغيير الوضع إلى الأحسن ودحر الوضع السيء إلى الأبد إن شاء الله تعالى .

5) الأصل في أمة الإسلام أن تحيا تحت ظلال منهج الله تعالى موحدة قوية عزيزة تحمي الفضيلة في داخلها ، وتسوقها (الفضيلة) إلى غيرها ...وما لم تكن كذلك فإن هذه الوظيفة التي حددها الله في كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خلال سيرته لن تحقق فهي (الوظيفة) مطلب رباني ولن يتخلف إلا إن قصرت الأمة في المطالبة بها وتحقيقها . وقد استيقظت الأمة في نسبة كبيرة فيها لتعي وظيفتها ...

6) لقد تعامل قادة التغيير في الأمة تعاملا واعيا بطبيعة التغيير وسنته ؛ من خلال مرحلية واضحة المعالم ، وفقه مواجهي راق ، اتسم بالحب للجميع والتعاون ، مع الجميع ورغم أن كثيرا من القوى كانت ترفض هذا الحب والتعاون لكنه أثمر وأعطى نتائج كبيرة منها إذن الله في التغيير الحاصل .

إذا فهذا العيد جاء بطعمه الخاص ؛ يبشر الأمة بانتهاء مرحلة صعبة ؛ بل بالغة الصعوبة عانت منها سنين عجافا أورثتها الذل والفقر والتبعية المسفة والفرقة والجهل ونسيان وظيفتها الأساسية (تحمل مسئولية العيش تحت ظلال الإسلام وتعميمه إلى الآخرين ) (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)) يوسف

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)) سبأ.

(وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)) يس

(وأرسلت إلى الناس كافة ) صحيح

فهذه الأدلة وسواها تحدد وظيفة الأمة في الحياة والهدف من حياتها .

وما لم تصلح بنفسها لا يمكن أن تصلح غيرها ... إنه مطلب الله من عباده في الحياة تبعا لوظيفة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وقد وضحت الأدلة تعميم الخطاب التكليفي لها في لفظ العموم (من) في قوله تعالى ( أنا ومن اتبعني ) فمن هنا من ألفاظ العموم ؛ حيث يدخل تحتها المسلمون جميعا في كل عصر ومصر حسب استطاعتهم .

وما لم يحدث تحقق الوظيفة البنائية في تغيير الداخل لا يمكن أن يتم تحقيق الهدف التعميمي المطلوب خارج الأمة . ..

إن ذلك عين الحكمة من خلق الجن والإنس ؛ قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ( الذاريات ).

والذين يسعون لمجابهة هذه الحقيقة الربانية يهزمون قطعا وينتهون إلى خسارة فادحة وعاقبة أليمة ... إنه من حارب الله في دينه وسننه فإنه مهزوم ، ومن يطق الحرب مع الله ؟

ولكنها العنجهيات والعمى الناتجتان عن مغالبة السنن ، واللج في عتو ونفور، والإكباب على وجوه كالحة تقودها المعصية ، وتنبذها الطاعة ... وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

عودة إلى كتابات
الأكثر قراءة منذ أسبوع
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
إحسان الفقيه
نور الدين زنكي.. الهمة المضيئة
إحسان الفقيه
الأكثر قراءة منذ 24 ساعة
سيف الحاضري
خارطة الطريق: الجريمة السياسية.. من يجرؤ على ارتكابها ؟
سيف الحاضري
كتابات
العيد بطعم الثورة
د. محمد حسين النظاريعيد برئيس جديد...
د. محمد حسين النظاري
عبدالله بن عامراليمني في واي فاي ..
عبدالله بن عامر
محافظ عدن/م. وحيد رشيدعدن فرحة العيد
محافظ عدن/م. وحيد رشيد
مشاهدة المزيد