جامعة يعلم الله
بقلم/ هاني غيلان عبد القادر
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 21 يوماً
الجمعة 30 مارس - آذار 2012 07:15 م

لا أعتقد بأن (للحقيقة وجوه كثيرة) كما يقال، فالحقيقة برأيي جلية واضحة كالشمس الساطعة التي لا يمكن تغطيتها بغربال، ثابتة راسخة كالجبال الراسيات، قد نختلف في فهمنا ورؤيتنا لها، لكنها تبقى بوجه وضاء واحد لا غير، علمه من علمه، وجهله من جهله، ولهذا يقول (ميشيل ليفي) (تستطيع ثنيها أو لفها، مهاجمتها أو تشويهها، لكن لا أحد يستطيع تغيير الحقيقة)..

ومنها (الحق) -الذي أجزم أنه إسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب- فالحق حرفان فقط : الحاء من الحي، والقاف من القيوم، لكنهما مجتمعان يعنيان أشياء كثيرة لي، يعنيان العدل والقوة والخير والصدق والصلاح والصواب والطهر والنقاء ووو، ولهذا قال تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) وقال سبحانه (وإنظر إلى إلهك الذي ظِلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسِفنه في اليَم نسفاً) وقيل في الأثر أيضاً (ألا كل شيئ ما خلا الله باطل). فالله هو الحق إذاً، في البدء كان وفي المنتهى سيبقى، هو الأول ليس قبله شيء والآخر ليس بعده شيء، وما دونهما وهم وسراب سينتهي ويتلاشى ويزول ..

ولأن إختلاق الأكاذيب يرهق المخ أكثر من قول الحقيقة –حسب إحدى الدراسات العلمية- فسأتعمد هنا قولها كاملة وإراحة بالي، وإن كانت موجعة وصعبة وثقيلة، بحجم مرارة الواقع وقسوته وبقدر تراكم مشكلاته وكارثيتها وإستعصائها، علني أسهم في كسر حاجز الصمت وتحريك المياه الراكدة وحلحلتها ودق أجراس الخطر لإنقاذ ما أمكن إنقاذه.. سأرمي بكل نبالي وسهامي الحزينة دفعة واحدة، سأقذف بها بكل ما أوتيت من قوة، مصوبأ إياها لـ (كبد الحقيقة)، لا لأصيبها في مقتل -حاشاني- لكن لأحفزها لتنفجر غضباً، لتثور وتثور –فنحن في زمن الثورات- لا بد لها أن تظهر جلياً وتعلن عن نفسها بقوة !!

سأكتب اليوم بقلم يتأوه حَسرة، بمِداد يزفر حُرقة، وبحرف يَعتصره الألم، عن (زريبة) عشت فيها أربع سنوات عجاف طالباً تلتها سبع أخر عجاف موظفاً –زريبة أحببتها وأخلصت لها أكثر من أي واحد منكم فلا تغضبوا إن سميتها كذلك- حتى أخليت طرفي منها نهائياً وطلقتها بالثلاثة العام 2008م، لتعلق في ذاكرتي سنين طويلة تنقلت فيها بين كلياتها وصروحها لأرى المشهد المأساوي هو هو: فشل وإهمال ولامبالاة وهضم لحقوق العاملين ونهب للمال العام عيني عينك !!

سأكتب اليوم عن أكبر عملية (إغتيال للعقل البشري) مورست في التاريخ المعاصر بحق جيل كامل، عن (التجهيل والمغالطة) و(الإستحمار الممنهج) الذي عانى منه -وما زال يعاني- خيرة الشباب والمثقفين في عهد المخلوع، عن (التسيب والإنفلات الفضيعَين) اللذان أصبحا فناً يدرس ومدرسة تتبع وشعاراً يردد وممارسة يومية في أكبر مؤسسة تعليمية في البلاد، مؤسسة أنيط بها هم النهوض والتنمية وواجب الإصلاح والتربية فأضحت بؤرة للفساد والإفساد -الذي أريد له أن يستوطن ويعشعش ويفرخ وينخر فينا حتى العظم ليُعَمِم الفوضى ويُنتج الوباء ويُصَدره- سأكتب عن صاحبة الإسم العريق التي عجزت عن حجز مكان لها بين العشرة آلاف جامعة الأرقى بالعالم .

سأكتب عن رئيسها -الذي كتب الكثيرون من قبل عن تجاوزاته دون جدوى- الشخصية الزئبقية -المدعومة من طالع- التي أصرت على الإدارة بقبضة أمنية صارمة وبأسلوب إستخباراتي مكشوف على طريقة (علمدار) في (وادي الذئاب)، ذلك المسئول الذي يهدد اليوم بإغلاق الجامعة وإيقاف الدراسة فيها لأن هناك من طالب بإقالته، ذلك الأكاديمي الذي وقف منفعلاً ذات يوم في لقاءه بمسؤول إتحاد الطلاب ليصرخ في الجميع قائلا: (ما عاد تشتوا مني، باقي تخلسوني السراويل)، سأكتب عنه وعن سائقه وحامل سره الأمين ومرافقه الشخصي –الشخصية الثانية أهمية في الزريبة- والذي سمعته بأذنيَ يراود إحدى الموظفات عن نفسها ذات مرة: (خلاص الموضوع عليَ، بس أنتم داريين أيش المقابل)!!

سأكتب في رثاء الطالب اليمني المدفون حياً في بلده، شاكياً باكياً شبابه الذي يتسلل خلسة بين يديه، وعن مكابدته اليومية ذهاباً وجيئة سدى، متحملاً زحام المواصلات وتكاليف الدراسة حاملاً ملازمه وملخصاته وأسفاره التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ذلك الطالب المُجد المكافح المبدع بالفطرة القادر على المنافسة والتفوق والتميز في كل أصقاع الدنيا -عندما تتوفر له الإمكانات والبيئة الخصبة- وسأكتب عن واقع (التعليم العالي) السيئ العاجز وعن غياب الرؤية وعن المستقبل الضبابي المعتم الذي ينتظر الأجيال القادمة .

سأكتب عن المؤامرة القديمة المتجددة بحق أبناء شعبنا العظيم الذي يراد له أن يظل مخدر العقل مشوش الفكر مشلول الإرادة عالة على الآخرين -فقط مقبرة كبرى ومخزن بشري ضخم قابل للإنفجار- وسأكتب عن الهاوية التي ندفع إليها دفعاً والمجهول الذي نسير نحوه بخطى حثيثة، عن ثرواتنا المُعَطِلة وعُقولنا المُهاجرة، عن صراعنا المرير مع المعاناة والتعب، عن همومنا المضحكة المبكية، عن صراخنا المقيد المبحوح وإستغاثاتنا وإستنجاداتنا المعلقة، عن أحلامنا الضائعة وطاقاتنا المهدرة، وعن وعن وعن ...

ألم يحن الوقت لتكريم رائدة التغيير ومنطلق الثورة وقبلة الحرية (جامعة صنعاء) بتعيين قيادة وطنية مؤهلة بحجمها ومكانتها، بعيداً عن (المعايير الحزبية الضيقة والإستخباراتية العفنة) في التعيين والإقصاء والإبعاد والتهميش، نريد اليوم شخصية تستحق قيادة الجامعة، وتستحقها الجامعة وأساتذتها وطلابها الذين عانوا وضحوا كثيرا كثيراً فأبوا إلا أن يكونوا في النسق الأول (الطليعة الأولى) التي أطلقت شرارة البداية وقدمت قوافل الشهداء والجرحى، حتى أصبحت ساحة التغيير فيها ومنصتها مصدر الإلهام وبؤرة التحول وحجر الزاوية في إسقاط النظام العائلي المتهاوي وقيادة مشهد اليمن الجديد ..

ألم يقل (أينشتاين) يوماً (إن عدم التفكير إحتراماً للسلطة هو أكبر أعداء الحقيقة) ؟ !!