آخر الاخبار
الدغشي: التحدي الحوثي سيؤدي إلى تقارب بين الإصلاح والسلفيين
بقلم/ مأرب برس - متابعات
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و يومين
الأربعاء 21 مارس - آذار 2012 08:43 م
 
 

باحث وكاتب ومهتم بشئون الجماعات الإسلامية وواحد من مخرجات مدرسة من مدارسها يتمنى من حزب الإصلاح وبالتحديد قياداته الالتزام بسياسة المؤسسية برؤية إستراتيجية بعيداً عن التأثر بالفعل ورد الفعل.. كما يدعوهم إلى أن يستوعبوا الجميع ويرحبوا بكل نصيحة أو نقد بناء بعيداً عن منطق (وافق أو نافق أو فارق) الدكتور أحمد الدغشي في حوار له مع جريدة الجمهورية أجراه الزميل ثابت الأحمدي.

- قراءتك للوضع الحالي بشكل عام؟

أولاً من خلالك دعني أستهل حديثي بالشكر لصحيفة الجمهورية وهيئة تحريرها، ولاسيما العزيز سمير اليوسفي، حيث أثبتت الصحيفة مؤخرا أنها اسم على مسمى، وعن سؤالك أنظر بقدر من التفاؤل إلى المستقبل القريب والمتوسط - بإذن الله- بعد أن تمكنت الثورة من إسقاط رأس الحربة علي صالح من خلال تلك الانتخابات الرئاسية التي أدهشت الجميع بشكل غير متوقع وبدون عنف، وأرى أن ما تبقى من المرحلة ليس بأعسر مما قد مضى، وكنت متفائلا منذ البداية حتى إن بعض الناس كان يتهمني بالمبالغة في التفاؤل حد الحلم، وأرى أن الأمور تمشي إلى خير، لكن بعيدا عن منطق (الحكمة اليمانية) الذي طالما نكرره، بدون تروٍ حتى من بعض من ينتظر أنهم واعون ومدركون لسنن الله التي لاتحابي أحداً.

ــ حبذا لو تكلمنا بإيجاز عن قراءتك لأصل هذا الحديث (الحكمة يمانية)؟

قراءتي المتواضعة – وربما تكون خاطئة - للحديث الشريف مخالفة للسائد حول مدلوله السائد اليوم، ولعلي أتمكن من إيضاحها بشكل وافٍ قريباً - بإذن الله- لكن بإيجاز هنا مادمت قد سألت.. الحديث لايعني أن اليمنيين قد حصلوا بهذا الحديث على (صك غفران) من الرسول – صلى الله عليه وآله وسلّم - لأنهم فقط يمانيون، حتى لو جاء سلوكهم غير مؤهل لهم لنيل ذلك الشرف أو الوصول إلى تلك المرتبة، والنبي قد مدح الشام واليمن، كما مدح غيرهما، وجاء ذمّه أيضاً لأقوام أو أقطار أخرى كذلك، لكننا نجد أن ذلك رهن بما رآه وشهد عليه في زمنه، دون أن يعني شهادة مطلقة مع أو ضد أحد، لأن هذا سلوك يتنزه عنه الكملاء من البشر وأكملهم محمد – عليه الصلاة والسلام- علاوة على أنه يتنافى والعدالة الإلهية، القائمة على الكسب السلوكي كما قال – تعالى - ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وفي الحديث النبوي الآخر” لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من بطّأ به عمله، لم يعجّل به نسبه” لكنك تعلم أن التاريخ اليمني عبر قرون طويلة هو تاريخ دماء واحتراب، والسؤال أين ذهبت الحكمة هنا؟ ليست الحكمة حقاً مكفولاً لكل يمني حتى ولو لم يكن سلوكه قويما، الثناء النبوي أو المديح النبوي جاء في الأصل في حق الأشاعرة في ذلك الحين، وكانوا فعلاً من أهل الإيمان والحكمة والفقه. الحديث وصف أناسا بأعيانهم من أهل تهامة كانوا مؤهلين لذلك، ومن ثم فمن سار على ركبهم واقتفى سلوكهم ممن جاء بعدهم فإن له بقدر مسلكه من المديح، ومن تخلف فلا حظ له ألبتة -ولا كرامة- وإلا سنقع في إشكالية الامتياز والاصطفاء سواء لسلالة أو لعرق أو لقطر أو لأمة من الأمم..

ــ برأيك ما أولويات المرحلة القادمة لليمن؟

أتصور أننا جميعاً معنيون بتنفيذ ما يعرف بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، العمل فيها لما يكتمل بعد، وقد بدأنا العمل أو حققنا بعض أجزائها الرئيسة، هي من حيث الأصل، فيها مخرج جيد على الرغم من تحفظنا على كثير مما ورد فيها إلا أنها المخرج الآمن، وأهون الشرين. على المستوى العام على كل اليمنيين اليوم أن يلتفوا حول القيادة السياسية الجديدة ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وكذا حكومة الوفاق الوطني، حتى نتجاوز هذا الوضع البائس في كثير من تفاصيل حياتنا اليومية، خاصة في مجال الخدمات الأساسية كأسعار البترول والمطالبة بتسديد فواتير الكهرباء والمياه عن عام كامل لم نر فيه كهرباء، ولم نحصل فيه على ماء حيث سبقت الفواتير الخدمة نفسها، وهذه مخيبة للآمال، وتهدد الولاء المفترض للعهد الجديد، وبدلاً من ذلك ينبغي أن تتجه جهود الوزارتين إلى الحيتان الكبيرة الذين لم يسدد بعضهم منذ قامت ثورة سبتمبر، وذلك كاف وحده لنهضة الوزارتين لو تحقق وندعو معالي وزيري الكهرباء والمياه الفاضلين أن يعيدا النظر في ذلك.

ــ تكلمت في خمس حلقات سابقة عن حركة الإخوان المسلمين وعلاقتهم بالسلطة من وقت مبكر وإلى اليوم.. حبذا لو سلطنا الضوء بصورة أكثر على ما ذكرت؟

أولاً دعني أكرر حقيقة لا يجوز أن تغيب عن البال في أي حديث بهذا الشأن، وهي أن العبد الفقير- تحديداً- إذ يناقش قضايا كهذه لا ولن يدعي أستذة أو تعالما على الحركة الإسلامية ورجالاتها وأساتذتها بل هو يقر أنه واحد من تلامذتها ومخرجاتها على نحو أو آخر، ولولاها – بعد الله- ما كان شيئا مذكورا من جوانب عدّة. أما عن الوضع بشكل عام فقد سار بعلاقة طيبة بين الطرفين، وكان هناك ما يعرف بالتحالف الاستراتيجي الذي لم نكن نعرفه جميعاً إلا من خلال تصريح أمين عام الإصلاح حينها الأستاذ محمد اليدومي على شاشة قناة الجزيرة في العام 2001م. وقد حققت الحركة الإسلامية على الصعيد الوطني العديد من المنجزات الوطنية العامة والخاصة، طيلة تلك المرحلة، من بينها السلم الاجتماعي، حيث لم يحدث أي صدام مع السلطة، وهذا منجز كبير على خلاف ما جرى في أقطار كثيرة في الوطن العربي، وبدون تفريط، حققت منجزات تربوية وتعليمية من خلال المعاهد العلمية التي كاد كادرها أن يكون كله من الحركة الإسلامية، وكان ذلك داعي تحفظ عند كثيرين أنا منهم عند صدور قرار إلغاء مؤسسة المعاهد العلمية، أي أن تهد مؤسسة تعليمية بتلك المكانة لمجرد وجود خلل في هيكليتها الإدارية مثلاً وكنت ممن يدعو إلى إعادة النظر في أمر هيكلتها وبنائها بحيث لا يكون هناك حزب سياسي يسيطر عليها، مع المحافظة عليها وتطويرها، وإن كان قد حصل فيها قدر من الخلل الممتد في جوانب من تركيبتها في المرحلة الأخيرة.

ــ لمن يعود الفضل ـ إن صح التعبير ـ في حدوث هذه الصورة الإيجابية التي أشرت إليها؟

أعتقد أن الطرفين في ذلك الحين قد استطاعا أن يديرا علاقة جيدة بتكافؤ نسبي معقول يحسب للطرفين معا.

ــ هذا إلى العام 90م ماذا عن المرحلة التي بعدها؟

هنا يبدأ الإشكال تلك المرحلة السابقة لم تقوّم التقويم الكافي بما لها وما عليها، بعد عام 90م ظل التحالف الاستراتيجي بين الجماعة “الحزب” من جهة وبين السلطة قائما ولكن على نحو مختلف نسبيا، وبأقل مما كان عليه سابقا بحكم المتغيرات الجديدة، فمع الوحدة دخلت أطراف جديدة على العملية السياسية، وظل الأمر كذلك ربما حتى العام 2001م، وهناك انتخابات 99م الرئاسية حيث بادر الإصلاح إلى ترشيح علي عبدالله صالح قبل المؤتمر، وقال القائل:” علي عبدالله صالح مرشح الإصلاح فليبحث له المؤتمر عن مرشّح”؟ ومن هنا تأتي ضرورة التقويم لتلك المرحلة، والتساؤل المهم هنا: هل كان مسلك الرئيس السابق وإدارته للسلطة خلال أكثر من عشرين عاماً لا إشكال فيها، حتى كان هناك ذلك التسابق لدعمه في انتخابات 99م، ثم حدثت فجأة كوارث في حكمه فقط في خمس سنوات من 99م إلى مطلع 2006م فقامت القيامة عليه؟! هذا يؤكد أن ثمة خللا ما أي أن خمس أو ست سنوات فيها المشكلة وأم المشكلات، بينما عشرون عاماً لا مشكلة فيها!! كل ذلك اكتشفناه في ست سنوات.. هنا يكون السؤال الجوهري: أين التقويم؟ الفجوة بدت صارخة ومفاجئة، حقيقة أنا تفاجأت من ذلك التجاوز الأخلاقي في انتخابات 99م الرئاسية من قبلهم من خلال الدعاية التي كانت كأي دعاية لأي فريق سياسي ليس عنده ضوابط قيمية، حصل إفراط في الدعاية وتسابق في الدعاية مع الطرف الآخر في المؤتمر الشعبي العام، وأنت تعرف أن ما يميز الحركة الإسلامية هو قيمها الأصيلة، سمعت من أحد الأصدقاء والزملاء حينها من الإصلاح يقول: إن مسئول الدعاية والإعلام حينها يقول إن الدعاية ليست كافية، وينبغي أن تكون أقوى، لم تحصل أية عملية تقويم من العام 78م إلى العام 90م ثم من العام 90م إلى العام99م ثم من العام 99م إلى العام 2006م حتى نستطيع أن نعرف لماذا هذا التغير الذي ليس له ـ في تقديري ـ منطق أو مسوغ قيمي من زاوية الاضطراب والتباين ليس أكثر.

ــ ما ذا عن مرحلة 2006م؟

منذ تلك الفترة بدا النزاع واضحاً وقوياً، قدم الإصلاح ومعه مكونات اللقاء المشترك منافسا جديا للرئيس السابق واتجهت العلاقة بين الطرفين نحو الصدام..

ــ أعتقد أن الأمر طبيعي.. شريكهم السياسي خانهم في الشراكة السياسية.. بدأ مشروع التوريث واضحا فاتخذوا منه موقفا واضحاً وصريحاً..؟

هذا هو المفترض والصحيح، ولكن قبل ذلك ألم تكن للرئيس صالح أية سقطات كبيرة؟ أين هي منجزات علي صالح من عام 87م إلى عام 99م؟

ــ قد يقول قائل: بنا السد واستخرج البترول وحقق الوحدة..؟

ــ العبرة دائما بخواتيمها، أين هي مخرجات السد والبترول هذا الذي تتكلم عنه؟! كانت إلى النهب والفيد والسرقة أقرب منه إلى أي مكتسب وطني حقيقي، الوحدة أفرغت من مضمونها، ما يتعلق بالوحدة ما بني على باطل فهو باطل، وهذه كانت رؤيتي من يوم إعلانها على ذلك النحو، حيث لم تحترم المؤسسات الدستورية حينها أبدا (مجلس الشورى) في ذلك الحين، قال لهم: ما أريكم إلا ما أرى، أنا ذاهب إلى عدن للتوقيع على الوحدة الذي أعجبه وإلا..لم يلتفت إلى رأي أحد، ولذا لم يمض عليها إلا سنوات قليلة ثم جاء التأفف والانزعاج فالأزمة فالحرب، استخدم النظام السابق أساليب أشبه بالاحتلال وسلوك الغزاة مع أبناء الجنوب بعد الوحدة، العبرة دائما بالخواتيم.. بالمناسبة كنت ناقشت رسالة ماجستير قبل فترة عن التعليم في العهد الصليحي.. قلت في تعليقي على فترة الوحدة في ذلك العهد ما فحواه: لقد استطاع علي الصليحي أن يحقق وحدة يمانية على الجغرافيا الطبيعية لمدة عشرين عاما، فهل يستطيع علي (الصالحي) أن يكمل عشرين عاماً اليوم؟ لا أظن! لأن ما بناه باليمين قد هدّه باليسار أو العكس..

ــ لنكمل هذا المحور من حديثنا بكلام موجز لما سبق؟

أعزو ما سبق إلى غياب أو ضعف الرؤى الإستراتيجية لمسار النخبة ( والإسلامية منها بوجه أخص) تلك التي تعد جزءا من هذا المجتمع بكل تعقيداته وبكل قصوره وسلبياته وإشكالاته، تعمل وفق سياسة كل لحظة بلحظتها أو بمفهوم المثل الشعبي: “ما بدا بدينا عليه”. أما الرؤية الإستراتيجية فغائبة أو ضعيفة جدّا، وأهم متضمنات الرؤية الإستراتيجية ضرورة إجراء التقويم المرحلي والتقويم الختامي.. لكنهما غائبان جداّ.

ــ ولكن ألا ترى أنهم قد أحسوا ـ على ما يبدوـ بذلك الخلل وبدؤوا يتداركون ما أمكن تداركه؟

ربما، وأرجو أن يتداركوه.

ــ ومن جهة ثانية ألا ترى أنهم بمواقفهم الثورية هذه اليوم يكفرون عن سيئاتهم؟

ربما أيضاً، ولكن في تقديري لن نستطيع أن نقول نعم حتى نجد عملا فيزيقيا آليا ماديا، نرى مخرجاته ولا نرى شعاراته فقط.. نرى أن الخلل قد استدرك، والعجيب لماذا لا يسمعون إلا لمن كانوا من داخلهم فقط ولا يمكن أن يسمعوا لمن هم من خارج الجماعة؟ وحتى البعض من داخل الجماعة يتحدث بمرارة حين يقول: أنا أتكلم ولكن لا يُسمع لي. وللأسف فإن البعض منهم يقول لمن هم من خارج الجماعة وينتقد مسارهم: لو كان فيه خير لما وسعه إلا أن يكون معنا!! هذا لسان حال كثيرين منهم للأسف، وكأنهم هم الإسلام بهذا المعنى، وكأن مقولة: “نحن جماعة المسلمين” منسوخة بلسان الحال! ويقولون: لو كان حريصا لكان معنا ولغيّر من الداخل، متناسين أن ثمة فرقا كبيرا بين من ينظر من الداخل ومن ينظر من الخارج، لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة.. وهم مع تعاطفهم لا يدركون الأخطاء أو يهونون منها، شخصيا أنا أرى أن أرقى ما هو موجود هو حركة الإخوان المسلمين على ما هم عليهم من الأخطاء، وعلى ما نشكوه منه، لكن هل يستلزم هذا ضرورة الانتماء الخاص؟ ما الفرق بين طرح كهذا وطرح بعض جماعات الغلو التي نشكو منها جميعا؟؟!

ــ أشرت في أحد مقالاتك السابقة إلى نوع من الصراع كان قد بدأ سابقا بين الجماعة وبين بعض الشخصيات العلمانية قبل فترة.. أي علمانيين تقصد؟ هل توجد لدينا شخصيات علمانية؟

كنت أتحدث عن مرحلة سابقة بعينها وهي مرحلة ما بعد الوحدة مباشرة؛ إذ كان عند الإخوة في الحزب الاشتراكي هاجس أن الإخوة في الإصلاح حزب إسلامي متشدد مثله مثل غيره من الجماعات الإسلامية سيلغي كل مخالف له، وسيقضي على كل من يختلف مع أيديولوجيته، ولكنهم أدركوا بعد ذلك أن ذلك وهم لا أقل ولا أكثر، بعد أن تعايشوا مع الإصلاح ووصلوا معا إلى صيغة اللقاء المشترك- التي تستحق الإشادة والتقويم كذلك كي تدوم أطول ونتطور أكثر- أما إذا وسعت الدائرة قليلا فهناك أصوات علمانية محدودة يحلو لها وصف ذاتها بالليبرالية لكنها لا تمثل حزباً ولا تمثل كيانا، أو ثقلاً يذكر، وكل الأحزاب اليمنية بالمناسبة لا مشكلة لها- كمؤسسة- من الناحية النظرية – على الأقل- مع الدين، وتقول بالإسلام عقيدة وشريعة ومنظومة متكاملة للحياة، وفي النهاية العبرة بالمؤسسة والأدبيات النظرية الملزمة لا بالسلوك الفردي العابر.

ــ هل هناك علمانيون في اليمن؟

نعم. على المستوى الفردي بالتأكيد. إذا كانت بعض الدول المجاورة والمحسوبة على الدول المحافظة يوجد فيها العلمانيون من مختلف الاتجاهات لماذا لا يكون عندنا هذا؟ ناهيك عن أننا امتداد للعالم كله بطبيعة الحال. ثم إن البعض يفاخر بهذا وإن كان لا يجرؤ أن يعلنه في كل نادٍ. ربما يسخر من سؤالك بالمناسبة!

ــ طيب.. ما الموقف من العلمانيين بالنسبة للجماعات الإسلامية من وجهة نظرك؟

سؤال مهم. الحوار هو الحل معهم دون غيره بعد أن نتفق على الثوابت -بطبيعة الحال-. ولعلك تتذكر- على سبيل المثال فقط- أنني كنت قد كتبت العام الماضي سلسلة مطوّلة على صفحات أسبوعية الناس، عنوانها (حوار في الإسلام والعلمانية.. هل العلمانية هي الحل؟)..، وتناولتها بعد ذلك الكثير ممن المواقع داخل اليمن وخارجها.

ــ هل تستطيع أن تذكر هؤلاء الأشخاص بأسمائهم؟

هي أسماء قليلة ومحصورة، وربما أن بعضهم من الشباب المتطلع أكثر من الكبار، أما الشيوخ الكبار فقد راجعوا وأدركوا مواقفهم، وليس هناك في الواقع ما يستحق أن نشير إلى اسم بعينه. الأغلب شباب من المثقفين أو الصحفيين أو الأدباء الذين ليسوا بتلك الشهرة الكبيرة، ودائما نربي أنفسنا وطلبتنا على منافشة الفكرة أكثر من صاحبها.

ــ قلت إن ثمة ضعفاً في الأداء وخللاً في الحوار الداخلي بالنسبة للجماعة.. مزيدا من التوضيح في هذه الجزئية؟

أشرتُ في أحد المقالات إلى أن ثمة أزمة في التنشئة والتركيز على البعد التنظيمي والسياسي أكثر من غيرهما. وتعرف أن حركة الإخوان المسلمين حركة تربوية بالدرجة الأساس. ولا نعني بذلك اقتصارها على الجانب التهذيبي التزكوي فقط، وإنما نعني السعي لأن تكون متوازنة متكاملة بعيدة عن الإفراط والتفريط. أرى أن ثمة إفراطا في البعدين السياسي والتنظيمي في حركة الإخوان في العقدين الأخيرين تحديدا على حساب الأبعاد الأخرى، سواء البعد الروحي، أو الاجتماعي أو غيرهما في شخصية الفرد الإصلاحي وأن ثمة انصرافاً كبيراً إلى ذينك البُعدين، وهنا يحدث الخلل.

ــ ألا ترى أن ما أشرت إليه من أن الجماعة تربوية بالدرجة الأولى محكومة إلى حد ما بالمرحلة نفسها؟

قد يكون. ولكن ينبغي عليك ألا تكون عنصر استجابة دائماً لا عنصر تأثير، أي لا تكن متأثراً قبل أن تكون مؤثراً. لماذا نكون رجع صدى أو مجرد متأثرين بمؤثرات تأتي من هنا أو هناك. ثم إن حديثنا عن التربية ليس حديثاً عن الدروشة الساذجة وشنشنة المحدودين ولكن عن التربية بمعناها الشامل المتكامل المتوازن العميق.

ــ قد يقال إن الجماعة تمضي وفق تدرج مرحلي محكوم بالمتغيرات السياسية والاجتماعية كما أشرت سابقاً، وأنها قد انتقلت من صحوة التدين سابقا إلى صحوة الوعي حاليا؟

ليس هناك تناقض بينهما. أنا أرى أن قمة التدين أن تكون سياسيا ملما بما يدور حولك بعيدا عن الانجرار إلى هذا المربع وذاك و تتجاهل ما عداه، فلا أظن أن هناك قطيعة بين التدين العميق الواعي وبين التفاعل السياسي بأقصى معانيه. وعودة إلى الجزء الثاني من سؤالك الأسبق حول أزمة الحوار الداخلي، أقول: هناك أزمة داخلية في الحوار تظهر من حين لآخر بين رموز ومؤسسين وأقطاب أحدها يصنف على أنه من المدرسة المحافظة وآخر من المدرسة المنفتحة، أو التنفيذية، وقلت باختصار شديد إن المدرسة الأولى لديها تحفظات على بعض مسائل مما يدور على الساحة العامة سواء من قبل الثورة أو من بعدها مثلا كمشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية بتوسّع وكذا الفنون وأنواعها، هذه المدرسة تتحفظ على ذلك، وحتى في مسائل صغيرة وعادية، لكن لها تأثير كبير على الصف كما حصل مثلاً في جدال الزواج المبكر سابقا، هذه قضية كبرى عندها، وأخيراً على الدولة المدنية، مع الإشارة إلى أنه لا الأولى (المحافظة) تقصد الدولة الثيوقراطية الكنسية ولا الثانية تقصد الدولة العلمانية التي لا تحكمها الشريعة.

ــ أين الخلاف إذن؟

الخلاف في الشعار، المدرسة الأولى تقول: قد يحدث لنا هذا صداماً مستقبلياً في الدستور؛ لأننا قبلنا بالدولة المدنية وللدولة المدنية ذات سياق تاريخي معين، لا علاقة لها بالدين، على حين أن الدستور الحالي يقول إن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات، فيما يقول الطرف الثاني إن المسألة مسألة ألفاظ فقط، ولكن قد يبرز بعض من يصفون أنفسهم بالليبراليين ليقولوا نحن اتفقنا على أن نبني دولة مدنية حديثة، وأي قاموس سياسي يتحدث عن الدولة المدنية الحديثة ليس له من مفهوم إلا أن يكون الدين جانبا ولا شأن للسياسة بالدين، ومن هنا يبرز الخلاف ويتعمق.

ــ في رأيك الخلاف بين المدرستين كما سميتهما أنت خلاف مصطلحات ومفاهيم فقط أم خلاف في الثقافة نفسها؟

هو نتاج أزمة حوار للأسف الشديد، لما غاب الحوار حدثت الأوهام حتى بين الصف الواحد، ولو تم ذلك الحوار المأمول لحدث قدر من التفهم كل للآخر، وربما اقتنع هذا بجزء من مبررات ذاك والعكس صحيح.

- يبقى السؤال واردا: لماذا غاب الحوار الداخلي والجماعة تتحاور مع الكثير من خارجها؟

.. قد تبدو هنا المفارقة اللافتة، هناك ضعف في فن إدارة الحوار، وعدم شفافية، ولو وجد ذلك لاحتفظ كل من الطرفين برؤيته دون الإساءة أو التوجس من أحد.

ــ يقول البعض ربما من داخل الجماعة نفسها أن من سميتهم بالمحافظين داخل الجماعة يمثلون ثقالة وكابحا للجماعة من الانطلاق باتجاه أي مشروع تحديثي؟

هناك ظاهرة اجتماعية معروفة أنه في كل حركة أو جماعة أو مذهب أو مدرسة جماعة متحفظة أو متشددة – ربما- وأخرى متوسعة أو منفتحة- ربما- هذا أمر طبيعي، وذلك قائم حتى في عهد الصحابة وجيلهم فرمز مدرسة الأحوطية (المحافظة) – على حد تعبير الزميل المفكّر فؤاد البنا- عبدالله بن عمر ، ورمز مدرسة الأيسرية (المنفتحة) عبد الله بن عباس، مع احتفاظ كل منهما بمقام الآخر، لكن الأهم من ذلك كيف يتم تجاوز الخلاف بين الطرفين؟ كيف نحتكم للمؤسسة وفق الصوت الغالب فيها؟ لو تم الاحتكام للمؤسسة بدون (كولسة) سواء في المؤتمرات الكبرى أم في الحلقات الصغرى، أعتقد أن الأمر يمكن حله. وقد قلت في مقال سابق إنه إذا لم يتم تدارك هذا الوضع والجلوس على الطاولة بروح شفافة وتصافح فإن المؤسسة برمتها ربما مهددة بالانتكاسة، ولذلك لست مع من يقول إن هذه المدرسة(المحافظة) تمثل عائقاً أو كابحاً لغيرهم، ما وزنهم في المؤسسة؟ إذا كانوا أقلية فينبغي أن يظل رأيهم محترما مقدرا دون تعويق المسار، لكن أن يشعروا أنهم مهمشون أو معزولون أو لا يسمع لهم، أو يتم التنسيق لبعض القرارات بعيداً عنهم، فهنا الخلل، سيستقوي هو بمن يرى وسنعود في بعض تعاملنا إلى عقلية القبيلة ومنطق غُزية (العتيق) وصنع الجيوب، ومراكز القوى الداخلية، أحيانا ربما من خارج المؤسسة. لو ظلت الأمور على هذا النحو الأمر خطير، لأننا لسنا استثناء من السنن الكونية والعالم البشري، وإذا حدث ذلك في مؤسسة كبيرة كالإصلاح والتي يراهن عليها البعض من اليمين واليسار فإن هذا يعني تداعيات مؤسفة لا على الجماعة فحسب ولكن على الوطن كله وعلى أطياف الجماعة الإسلامية وكل المكونات الفاعلة في المجتمع.

ــ ذكرت الكولسة الداخلية.. هل ثمة ما تسميه كولسة داخلية موجودة؟

ربما يوجد بعض الأعزاء الذين عانوا من ذلك كثيرا لكن سيكولوجية التحزب غالبا ما تضطرهم إلى إخفاء أي خلافات داخلية، ولذلك قد يؤثرون الصمت و الحديث المعلن، ويظهر ذلك من تأوهاتهم أحيانا، وبعضهم يمتلك الشجاعة ليصارحك ولكن بروح مسئولة، مع الإشارة إلى أن بعض الذين خرجوا من الجماعة جحدوا بل فجر بعضهم، وقبل بأن يوظف توظيفا سلبيا رخيصاً لهذه الجهة المخاصمة أو تلك، بحيث بدوا من الحقارة والسخف بما يستدعي سؤال الله العصمة والعافية. ولا ضرورة للقول: إن قناة أساءت إلى اسم عظيم كـ (الإيمان) قد تولت كبر هذه الظاهرة طيلة مرحلة الثورة حتى توقيع الاتفاقية الخليجية بشكل مؤسف ومخجل، والآن تحاول أن تتوسل إلى بعض الأحرار بأن يأتوا ليستدركوا فظائعها ويعملوا على تجاوز إفكها طيلة أغلب مرحلة الثورة .

ــ ما هي الأولويات الملحة للجماعة خلال المرحلة القادمة؟

الحقيقة أنا أتحدث كمهتم وباحث في هذا الجانب ليس إلا وهم أقدر على رسم خططهم وبرامجهم للمستقبل. لست وصيا عليهم، ولا ندل لهم، بل في النهاية واحد من مخرجاتهم، أنا أتمنى عليهم أن يلتزموا بسياسة المؤسسية برؤية إستراتيجية، بعيدا عن الانصياع لبعض الإشكالات التي تفرض عليهم أجندة لم يكونوا قد احتسبوا لها، آمل منهم أن ينطلقوا انطلاقة مؤسسية برؤية إستراتيجية بعيدا عن التأثر بالفعل ورد الفعل من هذا الطرف أو ذاك، وأن يستوعبوا الجميع، ويرحبوا بكل نصيحة أو نقد بنّاء، بعيدا عن منطق( وافق أو فارق أو نافق)!.

- برزت مؤخرا ـ وهي قضية قديمة ـ ظاهرة الفتوى والفتوى المضادة وخاصة منذ انطلاقة الثورة الشعبية قبل أكثر من سنة مضت.. كيف تنظر إلى ذلك؟

في الحقيقة الظاهرة قديمة كما ذكرت، ليس في التاريخ الإسلامي بل في التاريخ الإنساني قاطبة، هناك من يوظف رأي الدين لصالح رأيه الخاص، هذا يحصل لكن ليس بالضرورة أن كل فتوى تصدر هي كذلك، إنما أحيانا لضعف الوعي مجرد أن يتبدى له شيء يعتقد أنه الدين وهذا نتاج عملية التنشئة الخاطئة منذ وقت مبكر أن رأي الفقيه أو المفتي هو حكم الله وهذا ليس صحيحا، وقد حذر علماؤنا الأقدمون المحققون من ذلك، ولكن هذا وارد عما يأتي عند بعضهم.. رأي المفتي ليس ملزما في النهاية يبقى فقط رأيه الشخصي، بل رأي القاضي هو الملزم. ينبغي أن تكون هناك مؤسسة جماعية للإفتاء في قضايا الشأن العام؛ لأن رأي الفرد أحيانا قد يكون كارثة في بعض القضايا الكبرى، ولا سيما ما يتصل بالوطن وقضاياه، والجيل ومستقبله، والأمة وبعض تحدياتها.

ــ أيضاً ظاهرة البيانات الدينية التي يقحمها بعض الفقهاء أحيانا في غير موضعها وتسبب جدلا وإشكالية كبيرة في الأوساط العامة؟

بشكل عام ظاهرة البيانات وظاهرة التوقيعات لا داعي لها إلا في أضيق نطاق وبشروط موضوعية وصارمة، وقد كتبت عن ذلك قبل سنوات، عن إشكالية المرجعية في الفكر الإسلامي أثناء قضية كتاب الأستاذ محمد سيف العديني حول المرأة، هذه ظاهرة مؤسفة، يا أخي لماذا يضطر البعض إلى هذا الأسلوب الذي يذكرك بأسلوب مناقض لأدب الخلاف وحرية التفكير في الأفق المتاح غير الخارج عن الصواب والثوابت بيقين لابرأي وتحمس أو منزع متشدّد لهذا الفاضل من المشايخ أو طلبة العلم أو ذاك، التوقيعات فيها تحيز في كثير من الأحيان، لاسيما حين ترى إدراج أسماء ليست مؤهلة علميا بالشكل الكافي واستبعاد أخرى أكثر تأهيلاً وضبطاً منها. وعلينا في البداية البحث أولاً في معيارية العالم نفسها. هل هو الفقيه؟ هل هو المفسر؟ هل هو المحدث؟ هل هو الأصولي؟ هل هو المفكر؟ ظاهرة التوقيعات هذه ليست موضوعية في أغلبها. في ذلك إقصاء لعلماء معروفين بالعلم ولكن لهم رأي آخر مخالف... والحقيقة أنه يجب على العلماء أن يكون لهم رأيهم في القضايا الكبيرة، لكن ليس بالضرورة عبر البيانات أو حتى الخطب والتوقيعات في كل حين، على أن تقدر ضرورة ذلك بقدرها، لا أن تتحول إلى أشبه بـ(موضة) شرعية!

ــ مؤخرا تأسس حزب اتحاد الرشاد اليمني للإخوة السلفيين.. رؤيتك للعملية من أساسها؟

أولا أنا أبارك للإخوة المنضوين في هذا الإطار كيانهم الجديد، وطبعاً ليس كل الإخوة السلفيين تبنوا ذلك بالنسبة للسلفيين (الجُدد) ناهيك عن السلفيين التقليديين. وقد حضرت بالمناسبة كل جلسات المؤتمر تقريبا، وأنا جد سعيد بهذا، وكنت أتمنى لهم هذا من قبل، وتوقعت من سابق مجيء هذا اليوم وقد تحقق، وأجزم أن حدث الربيع العربي كان العامل الحاسم في ذلك. ومن المحزن والمبهج في آن أن يكون اليمنيون وفي مقدمتهم الإسلاميون -طبعا - رجع صدى لما يعتمل هنا أو هناك. هم في موقع الأطراف وليسوا في المركز. أعلن الإخوة السلفيون في مصر حزب النور المصري فأعلن الإخوة في اليمن حزبهم كذلك، وشأنهم شأن غيرهم في هذا الجانب، ثمة تأثر بما يجري لا تأثير، أما المبهج فإنهم قد تفاعلوا مع الأحداث رغم أنني شخصياً كنت حريصاً وما زلت على ألا يكون ذلك عامل انقسام داخل الصف؛ لأني لمست هذا من الأطراف القريبة المنتمية إلى جمعيتي الإحسان أو الحكمة. ليس على أساس مشروعية الفكرة بقدر ما هو على أساس توقيتها...يبدو لي أن بعضهم تحفظ على أن الفكرة قطفت سريعا وتم الإعلان عنها مباشرة بدون دراسة كافية، وهذا – في اعتقادي- منطق له وجاهته كذلك.

ــ ألا ترى أنها مرتبطة بحبل خارجي إلى حد ما هو المؤثر بدرجة ما؟

أنا قلت لك: نحن كلنا رجع صدى أو متأثرون في الغالب بما يحدث هنا أو هناك، وقد كتبت عن السلفيين والعمل السياسي والعلاقة بين المركز والأطراف قبل نحو ثلاث سنوات - ربما- وهي تجيب عن السؤال، ولكن ليس بالضرورة في مثل هذه الحالة.لا تنس أنه كان للشباب السلفي دور في الضغط على قيادتهم في تأسيس الحزب خاصة ممن انضم إلى الثورة.

ــ كيف ترى مستقبلهم؟

أرى أنهم القوة الثانية بعد الإصلاح إذا أحسنوا استدراك الخطأ الذي وقعوا فيه، لأن ثمة استعجالا في ضعف المشاورة، لمست من أناس معروفين أنهم كانوا متحمسين للفكرة من سابق.. وجدت في المؤتمر ارتجالاً في الإعداد والتحضير وعشوائية لافتة، مثلاً لا يوجد أوراق عمل قدمت للحضور، شخصياً رغم كل الوساطات لم أتمكن من الحضور على أيّ منها!

ــ قلت سيكونون القوى الثانية بعد الإصلاح.. ألا ترى أنهم قد يدخلون في صراع مع الإصلاح مستقبلاً؟

هذا وارد؛ ولكن إذا تكررت أزمة الحوار البيني بين الإصلاح والسلفية السياسية الجديدة أو الحزب الجديد، فهذا سيحدث إشكالات بينهما، مع أن الإصلاح مرحب الآن ومتفاعل فيما يظهر في إعلامه ، ولكن لاتنس أن ثمة تحدياً جديداً يهدد الاثنين وهو التحدي الحوثي الذي سيؤدي إلى تقارب الصفين..

ــ على ذكر الحوثي.. هل هو بهذا الحجم من الخطورة التي تستدعي تحالف تيارين كبيرين كالإصلاح بكله مع السلفيين؟

ليست المسألة مسألة خطورة بقدر ما هي سوء توفيق أو فشل إدارة من قبل الحوثي، الحوثي ليس حكيما في إدارته لمعركته مع فرقاء السياسة أو الفكر، فجر له خصومات مع أطرف كثيرة، وخسر أطرافا على مستويات جماعية وفردية، وأنا واحد من الناس الذين خفت حماستي للتعاطف معهم بعد سياستهم الجديدة، وكنت متعاطفا معهم سابقاً في بعض مطالبهم بالتأكيد، وكنت متعاطفا بشأن اعتقال بعض عناصرهم من قبل أجهزة الأمن على ذمة ترديد الشعار فقط.... الإصلاح صار خصماً لهم بعد أن كانوا على وفاق معهم وبعد أن صاروا جزءاً من مؤتمر الحوار الوطني واللقاء المشترك عقب نهاية الحرب السادسة، وتعرف أن الإصلاح قد استطاع أن يدير معركته مع النظام السابق بصعوبة فيما يتصل بموقفهم من الحوثي. لقد أراد علي صالح أن يجعلهم رأس حربة في حربه مع الحوثيين، فرفضوا، فتجنب الإصلاح أن يكون رأس حربة أو موظفاً عند النظام السابق، وهذا محسوب له، ويفترض أن يقدر الحوثي هذا...الحوثي الآن اعتقل عناصر من الإصلاح في صعدة، إبان الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، وقتل بعضا من شباب الإصلاح وغيرهم في حجة، وهذا كله موثق ومعروف. الحوثي استعدى الجميع، الإصلاح صار متقاربا مع السلفية على غير ما كان الأمر عليه قبل سنوات، الإصلاح شعر أن الحوثي تنكر للجميل، في الوقت الذي أدرك أن السلفية رشدت أكثر من أي وقت مضى.

ــ هل يمثل الحوثي تحديا مستقبليا للوطن؟

الحوثي يمثل عقبة أمام الوطن كله، ليس لأنه قوي بالمعنى الفعلي أو القيمي، بل لأنهم حتى الآن ليسوا حزبا سياسياً مدنيا حتى يتم التعامل معهم بأسلوب مدني سياسي، بقدر ما هم جماعة مسلحة كالقاعدة، وأنا لا أرى ثمة فرقاً بين من يحمل السلاح قاعدة كان أم حوثيا، العبرة بالمنهج لا بالشعار، كلاهما حزبان عسكريان، كلاهما يفجر ويدمر، لا مبرر اليوم لحمل السلاح من قبلهم، لا مبرر لوثيقة تصدر عنهم تشرع للاصطفاء السلالي والعرقي، هذا شيء مؤسف، الحزب المدني حزب لا يحمل السلاح، ولا يدعي التميز على الخلق. القبائل قامت ضدهم، لأنها وجدتهم يسعون للسيطرة على على مناطقهم وصولاً إلى إحكام السيطرة الكاملة على ميناء ميدي، بت اليوم مقتنعاً أن للحوثيين صلتهم بدولة إيران ومشروعها في الهيمنة على المنطقة، مع أني كنت في السابق أتحفظ على هذا إلى حد ما، مع إدراكي أن ثمة تعاطفاً إيرانياً سياسياً وإعلامياً وغيرهما سابقاً، أما الآن فأجزم أن هناك دعماً مادياً وإعلامياً وسياسياً وغير ذلك.

-هذا عن الحوثيين ماذا عن القاعدة التي انتشرت مؤخراً بصورة لافتة، وأرى بين يديك كتابك الجديد عن فكرها التربوي؟

الكتاب وصلني من الرياض قبل يومين فقط، حيث طبع هناك وعرض في معرض الرياض الدولي للكتاب لأول مرة، أمّا القاعدة فكالزئبق تظهر حينا وتختفي أحيانا، وهي إلى اللغز أقرب أحيانا، ربما هناك ظروف تساعد على انتشارها ونشاطها، جاءت فترة من الفترات قبل سنوات كنت أقول إن القاعدة لم تعد موجودة في اليمن، وإذا وجدت بعض المجموعات المسلحة القليلة فهي بحكم كراهيتها للسياسة الخارجية الأمريكية أو للسياسة الداخلية أو لمظالم معينة، دون أن يعني ارتباطها بالضرورة بشبكة القاعدة، أما اليوم فالقاعدة قد ظهرت بشكل غير مسبوق.. في تقديري أن ما توعد به النظام السابق والرئيس السابق في أكثر من محطة وآخرها يوم 21 مايو 2011م أن القاعدة ستسيطر على خمس محافظات، فها هو ذا اليوم ينفذ بعض ما توعد به بالأمس القريب. أنا ممن يعتقدون أن هناك تواطؤاً إن لم يكن هناك مؤامرة حقيقية كاملة لتسليم القاعدة بعض المناطق في أبين أو البيضاء أو غيرهما، هناك رسالة للنظام السابق ورئيسه مفادها انظروا أيها الأمريكان أيها الأوربيون لقد كنا صمام أمان في السابق أما إذا ذهبنا فسيتفجر كل شيء.

ــ هل ترى أن حكومة الوفاق الوطني ستسيطر على المشهد وتنجح في تجاوز هذه المعضلة؟

بإذن الله تعالى عندي غلبة ظن بأن المسألة مسألة وقت حتى تتم هيكلة الجيش وبعد الهيكلة الحقيقية ربما نتجاوز المعضلة، خاصة إذا ما تم حل القضية الجنوبية بأي صيغة يتم التوافق عليها من قبل حكماء اليمن وقياداته المجتمعية ذات السمعة الحسنة والسجل التاريخي النظيف.

ــ الكلمة الأخيرة..؟

أكرر شكري لك وللجمهورية، ونأمل أن تستمر على منهجها في التحرر المنضبط والإدارة الحكيمة الراشدة.