اسقاط نظام فاسد لا إسقاط وطن
بقلم/ د:عبد القوي الشميري
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 10 أيام
الثلاثاء 13 سبتمبر-أيلول 2011 12:37 م

بعد 1994م تفاقمت مؤشرات الظلم الذى لحق بالسكان في اليمن عامة والمحافظات الجنوبية خاصة,وكان للموظفين مدنيين وعسكريين النيصب الاوفر شعورا بهذا الظلم نتيجة للاقصاء الذي مارسه علي صالح ضد الجنوبيين.وبدأت المطالب بسيطة تتحدث عن الحق في الوظيفة والمرتب ,وبالتأكيد ينطبق هذا على القيادات السياسية والاجتماعية التي وجدت نفسها خارج الشراكة في السلطة التي تم تقاسمها مع الوحدة.

ولم تمض سوى سنوات حتى تحولت المشكلة الى ماسمي لاحقا بالمشكلة الجنوبية,مشكلة سياسية وبغباء من سلطة صالح تحولت من سياسية الى مشكلة اجتماعية وهي اليوم وطنية.

لن نخوض في تفاصيل ماحدث لان الذي يهمنا في هذا المقام مناقشة مطالبة البعض بالمناصفة,وهي فكرة المناصفة التي قادت حرب 1994.

صحيح ان هناك من يرى ان امتلاك السلطة دليل النجاح او الانصاف .وقد وصلت قوى اجتماعية ,فردية واسرية وعشائرية وكذلك تيارات فكرية ومؤسسات ومجاميع عسكرية الى هدفها في الوصول للسلطة ,واستخدم معظمهم

وسائل غير مشروعة,وكان منطق القوة لا قوة المنطق السلاح الذي حسم المعركة لصالح طالبي السلطة تحت مبررات دينية ووطنية وقومية وتقدمية.

ونذكر هنا بالذات التيارات الفكرية التي وصلت الى هدفها في السلطة,اخرها التيار الاسلامي في السودان,حين تغلبت الرصاصة على الكلمة وتغلب الجنرال على المفكر,رأينا ماذا حل بالسودان.

ومن قبل وصل التيار القومي بشقيه الناصري والبعثي للسلطة ,فماذا كانت النتيجة ,رأينا أخر النماذج ,القذافي وبشار.ووصل التيار اليساري ايضا الى السلطة ,وكانت المحصلة مخيبة للامال لأن الجميع كان يعتقد ان الوصول الى السلطة سوف يصنع نجاحا.

امتلاك السلطة لايصنع نجاحا,وان تم فهو امر مؤقت لايصمد امام التحديات.ولقد رأينا غالبية الشعوب في القارات القديمة والحديثة تمتلك مكونات سلطة,غالبيتها فشلت فشلا ذريعا بعد الاستقلال بعد ان اعتقدت ان امتلاك السلطة بعد الاستعمار يعني النجاح التلقائي.

لقد فشلت شعوبنا وشعوب كثيرة في العالم خاصة التي تحولت من الاستعمار السفري الخارجي(البريطاني والفرنسي) الى الاستعمار المحلي العسكري(حكم العسكر) او الاسري او الاستعمار المركب العسكري الاسري الذي عايشناه في اليمن وليبيا ومصر وسوريا وغيرها.

السلطة العسكرية(حكم العسكريين) في جميع دول العالم اوصلت بلدانها الى الافلاس ,ويستحيل ان تجد بلدا حكمه العسكريون وصل الى بر الامان حتى في الدول الأوروبية(فرنكو اسبانيا حول بلاده الى بلاد الطماطم وتصدير عمال البناء وخلال عشرين عام من الحكم المدني 1975-1995 تحولت اسبانيا الى دولة ضمن المجموعة الاوروبية الاولى) ,كذا البرازيل والارجنتين وتشيلي جنرلاتها اوصلوها الى بلدان مفلسة عاجزة عن حمل مئا ت المليارات من الديون الخارجية,وبعد سقوط الانظمة العسكرية تحولت تلك الدول بعد سنوات الى نماذج نجاح,احتلت البرازيل قمة هذا النجاح.

تركيا مثل اخر على تدخل المؤسسة العسكرية في الحكم جعلها متسولا دوليا للقروض,وخلال عشرة اعوام من الحكم المدني لحزب العدالة والتنمية تركيا اليوم الافضل نموا في اوروبا.

 

ان المشاركة في السلطة او المناصفة التي يرغب البعض حجز مقعد متقدم لضمان مستقبل افضل لمنطقة اوجماعة او اسرة هي حالة هوس مرضي عانا منه السابقون ووقعوا في هذا الشرك الذي اوردهم المزالق والمهالك ايضا.

يعتقد البعض انه لو استأثرت منطقة اوفئة بمراكز السلطة يعني انصاف لها.

وترى مجاميع سياسية واجتماعية انه لو ال اليها سلطة ال صالح سيكون ذلك دليل على انه قد اعطى لها حقها العادل.

وهناك احساس ان بعض السياسيين لو كانت نتائج1994 عكسية وكان موقعه من السلطة والثروة هو موقع علي صالح واسرته لكان رأيه في القضية الشمالية راي اخر.

الاخوة الذين يريدون المناصفة في المجلس الوطني الذي اوكلت له مهمة انجاز اهداف الثورة,لست ادري منطق عادل استندوا اليه هل للانسان قيمة لديهم ,هل للمسؤلية الملقاة على عاتق الثوارقيمة يجب مراعاتها او احترامها.

لقد تكرر الحديث عن ان المجلس الوطني ليس سلطة بل قوة تتحمل مسؤلية انجاز الثورة.

هل الذين يريدون النصف لديهم نفس المنطق لتحمل نصف اعباء الثورة

,ليس مطلوبا منهم خاصة الذين في الخارج سوى احضار علي صالح كونه قريبا منهم مكبلا للمحاكمة وبذلك يستحقون نصف المقاعد مقابل مساهمتهم الملموسة في الثورة ,وليس مطلوبا منهم تقديم ارواحهم قرابين للثورة كما يفعل الثوارفي الداخل,معذرة لهذه المداعبة الثقيلة,دعونا نعود لموضوعنا

ليس الحصول على السلطة سيكون الحل العادل للمشكة الجنوبية,ألم يكن في الجنوب سلطة قبل الوحدة وكان هناك سلطات امارات قبل الاستقلال؟ فهل صنع من ذلك سويسرا ام مملكة السويد:؟

وقضية صعدة لاتختلف عن منطق المشكلة الجنوبية وان كانت تطرح بصيغة اكثر عمومية.

لقد حكم ال حميدالدين الاقرب من منطق صعدة قراب نصف قرن,فما الذي قدموه لصعدة؟

وحكم ال صالح وال حميد الدين وهم من شمال الشمال قرابة مئة عام ,قرن كامل, ماذا قدما لشمال الشمال عامة او حاشد خاصة:؟

واحمد الله ان ابناء جنوب الشمال في تعز واب والحديدة لم يصابوا بعقدة مشكلة جنوب الشمال,صبروا قرنا كاملا يحلمون ويبحثون ويعملون من اجل قيام الدولة اليمنية المدنية الحديثة التي تتسع لجميع اليمنيين,لجميع المناطق والاحزاب والجماعات والتيارات,بل تتسع لغيير اليمنيين في المواطنة ,تتسع للمهاجر من الصومال تمنحه الكرامة كما تمنح بريطانيا المهاجراليمني كرامته هناك.

ياسادة من العيب على ساسيين ومثقفيين ومفكريين ان يتحولوا الى صغار يرون في امتلاك السلطة نها ية للتاريخ. وليس من التاريخ في شي من يرى اليمن من خلال نظام علي صالح واسرته.

دعونا نرفع شعار الدولة اوالموت بدلا عن الشعارات الجزئية ,الجمهورية او الموت والوحدة اوالموت لانه من دون قيام دولة حقيقة نحن نحرث في بحر,في الدولة يأتي القادة ويذهبون, تأتي الاحزاب وتذهب وتأتي الجماعات وتذهب,تتغير,تتبدل,تتحول وتبقى قيم الدولة جامعة حامية لحقوق الجميع.

صحيح ان الوصول الى السلطة اسهل ولها جيوش تعشقها لكن النهاية اسرع وافزع,والوصول الى الدولة طريق صعب وشاق ولاينظم في سلكه

سوى القليل من الرجال لكنه الاضمن والادوم والاكثر امنا للجميع,للجنوب وللشمال,لصعدة ولسقطرة ايضا.

عرفت اليمن كل السلطات,الاسرية والعشائرية والعسكرية والمناطقية والدينية والقومية والاممية ,لكنها لم تعرف الدولة حتى الان.فهل نحن على استعداد ان نضحي في سبيل بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة ليكون لليمني ولليمن مكانة كريمة تحت الشمس.

نعم يجب ان نقطع هذا الخلط بين بناء السلطة و بناء الدولة,هذ الثورة لم تخرج لبناء سلطة مهما كان شكلها وحسن نيتها.الثورة قامت من اجل دولة لليمنيين في كل مكان .

ومن العيب ايضا ان يفكر البعض في حرمان اليمنيين من حقهم في الانتماء لليمن الطبيعي او انه حق قابل للمساوة ,وهوحق لم يحرمه الاستعمار

البريطاني ابناء المحافظات الشمالية ,ولهذا غادر جدي لابي واخوه وكذلك ابي مهاجرين الى بريطانيا وامريكا كيمنيين من يافع.

الثورة قامت لبناء دولة تفطم الطامعين والطامحين في السلطة والثروة عبر طرق غير مشروعة,مشكلتنا وغيرنا في العالم ان هناك لصوصا يتقنون النويا الخبيثة لممارسات غير مشروعة في السلطة والثروة,تتركهم الشعوب يعبثون ويمارسون لصوصيتهم ولاتصحوا هذه الشعوب الا بعد فوات الاوان.وليس هناك من عاصم من هذا سوى قيام الدولة بمعناها الذي يتعدى الافراد والجماعات والاحزاب,وهو امر في غاية الصعوبة لان بناء الدول ليس بالامر السهل ولاتحققها الاماني.فهناك دول اقليمية كايران وتركيا مثلا وحتى الصين وغيرها كثير لازالت بين نصف دولة او ثلاثة ارباع الدولة,فلوذهبت سلطة الحزب الشيوعي الحاكم في الصين لتغير وضع الصين راسا على عقب,وهذا ليس من صفات الدولة بمعنى الدولة الحقيقية الكاملة(تتغير السلطات في المانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها دون حدوث اهتزازات)

وباختصار قامت الثورة لاسقاط نظام عائلي فاسد فاشل وليس لاسقاط وطن لم يغب يوما ما عن خارطة الزمان والمكان عبر الاف السنين ,وليس من المنطق والعدل كلما ظهر نظام سياسي فاسد اخذ المظلومون الغاضبون المقص للانتقام من الوطن ظنا منهم ان لكل حق تفصيل ثوب على مقاسه,فأي وطن على كوكبنا سيبقى وطن لو ساد هذا التفكيرعالمنا.