أصدقنا القول.. من أنت أيها الرئيس؟
بقلم/ محمد صالح البخيتي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 28 يوماً
الخميس 28 يوليو-تموز 2011 06:06 م

فاجأتنا وسائل الإعلام بما نقله لها صاحب الفضيلة الزنداني عن إدعاء صاحب الفخامة علي عبدالله صالح انتسابه إلى سيف بن ذي يزن وبالتالي إلى قبيلة حمير، وبدون شك أنه يقصد حمير بن قحطان لا حمير حزم العدين، فقد نقل لنا الزنداني أن علي عبدالله صالح دخل على لجنة الوساطة المنتظرة له في دار الرئاسة والتي منها زعيم قبيلة حاشد صادق الأحمر، وبادرهم الرئيس غاضبا: "إذا كنتم جئتم من أجل النقاط الخمس فهي مرفوضة.. ما تعرفوا من أنا؟ أنا علي عبدالله صالح الحميري، من نسل سيف بن ذي يزن. سيكون حمام دم. ستسيل الدماء إلى الركب".

وهذا يعني أنه ملك لا رئيس, فالملك لا يؤمن بالتبادل السلمي للسلطة ولا بالانتخابات، بل يتوارثه أحفاده من جيل لجبل، أما الفترة التي بينه وبين جده سيف بن ذي يزن, فإنه سيعتبرها فترة تحليل بعد أبناء فارس، لهذا فهو الملك حتى لو اضطر لتسليم اليمن إلى نسل كسرى الذي استعان به جده الحميري لطرد الأحباش من اليمن. فهو على استعداد للبقاء حتى كأمير تحت ملك أحفاد كسرى، أو حتى تحت أحفاد سعود الذي أصبح له في خطبة الجمعة نصيب من الدعاء ولصورته مكان في دار الرئاسة ومنصات الاحتفال.

هذا جانب والجانب الآخر, هو حق رئيس الجمهورية أو ملكها في حفظ نسبه فحفظ الإنسان لنسبه من الضروريات التي حث عليها مؤسس الدين الإسلامي، وأورد فيها الكثير من الأحاديث، من ذلك قول المصطفى:

{من ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار}

كما أن النبي محمد ارتجز كلمته المشهورة ـ في أحد المعارك التي خاضها ـ مفتخرا بنسبه قائلًا:

(أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب)

وكم فاخر بنسبه وبقومه، وبحرصه على حفظ أنساب العرب, ألم يقل:

{نحن بنو النضر بن كنانة}

ثم يذكر أن الله جعل العرب بيوتًا, إلى أن قال:

(فجعلني من خيارهم بيتا، فأنا خيار من خيار من خيار).

بل كان يخشى أن يلوث نسبه، فعندما استأذنه حسان بن ثابت في هجاء المشركين من قومه، قال له: {كيف بنسبي؟} فقال حسان: لأسلنك منهم كما يسل الشعر من العجين.

وقال أيضا:

(تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)

وقد نقلت لنا كتب الفقه والتاريخ أن الناس في صدر الإسلام كانوا يتعلمون الأنساب كما يتعلمون الفقه, فحينما كانوا يقصدون سعيد بن المسيب للتفقه في الدين كانوا قد عادوا من مجلس عبدالله بن ثعلبة ليأخذوا منه الأنساب.

ولقد كان الخلفاء الراشدون أعلم الناس بالأنساب, وتتبع أخبار الماضين، فهذا الإمام علي بن أبي طالب يقول لابنه الحسن: (يا بني تصفح أخبار الماضين وسنن الغابرين....).

أما في عهد بني أمية فقد ازداد الفخر بالنسب والعناية به, وفي العصر العباسي انتقلت العناية بالأنساب من الرواية إلى التدوين، فألفوا في ذلك كتبًا وأصبح لهم نقابة تعتني بحفظ أنسابهم وقيد مواليدهم من ذكر وأنثى.

وقد اهتم المؤرخون في كل العصور بدراسة الأنساب, فهذا الهمداني الذي نقل لنا أنساب قبائل اليمن قاطبة يقول في الجزء الأول من الإكليل: (وأمة العرب هي المجلية بحفظ أنسابها ومعرفة أصولها بحيث صارت فيها شنشنة لا تعرف إلا بها وغريزة راسخة في أعماقها).

وقد ذُكر المقدم لكتاب (طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب) أكثر من مائة كتاب متخصصة في الأنساب كتبها أكثر من سبعين متخصصًا في علم الأنساب, وكلها ملاحقة بعد فوات الأوان, وقال المقدم للكتاب ـ صلاح الدين المنجد ـ هذه نماذج مما أطلعنا عليه، فيا ترى كم من كتب الأنساب اطلع عليها إذا كانت المائة الكتاب ما هي إلا نماذج!

وهنا في اليمن نجد وضعا آخر مختلف عن باقي الدول العربية والإسلامية بل ودول العالم قاطبة، فالنسب يخلق المكانة الاجتماعية التي لا تحددها الثروة ولا الرئاسة المؤقتة ولا طفرة شجاعة أو مغامرة بقدر ما تحددها أصول الأسرة، وقد نتج عن ذلك ظهور الطبقات الاجتماعية التي ليس لها علاقة بالمال والثروة و....، فحضارة اليمن هي أولًا حضارة أسر وعشائر وقبائل، لهذا نجد في اليمن من يفضل زواج ابنته أو ابنه من أسرة عريقة لها ثقلها الاجتماعي في الماضي حتى لو لم يملك قوت يومه على أن يزوجهم من أفراد أسرة فاحشة الغنى حديثة العهد بالمركز المؤقت.

إذاً فمن حق رئيس الجمهورية أن يبحث في نسبه حتى يصل إلى الحقيقة وحتى لا يقع من ضمن من قال رسول الله فيهم:

{من ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار}.

لكن كان لا بد لنا من إظهار موقفنا من إدعائه هذا، فنحن هنا نشكك في انتسابه لحمير لعدة أسباب، منها أنه قد سبق له الانتساب عدة مرات في محافل عامة مسجلة بالصوت والصورة، وفي كل مرة كان يختار له نسبا جديدا، فتارة إلى ذي جرة، وتارة إلى جد سنحان الذي فاخر ذات مرة بحمله للسحب الملتهب، وتارة إلى اسم قريته ولونها الأحمر، وتارة إلى قبيلة حاشد، والآن إلى حمير، وبالذات إلى سيف بن ذي يزن، وواضح التناقض الشديد ما بين كل فترة زمنية وأخرى. في حين أن كتب الأنساب تلحق قبيلة سنحان بقبيلة مذحج الكهلانية.

وأمام هذا الاضطراب النفسي الذي يعيشه رئيسنا وقائدنا إلى التخبط كان لا بد لنا من بحث أسباب حرصه على التجديد المتكرر لنسبه كحرصه على تجديد صفاته وألقابه من دورة انتخابية إلى دورة أخرى، فالتجديد هو مربط الفرس الذي لم يتخلص الرئيس من التفكير فيه من عام 78، أما في الفترة الأخيرة فالسبب الرئيسي الذي لا يخفى على أحد هو تزامن انتشار لقبه القديم المتعارف عليه في قريته وهو (عفّاش) مع هتاف الثوار بسقوطه، فالسقوط يعني له إعادة لقبه المخفي، فمنذ قيام ثورة التغيير في الشهر الأول من عامنا هذا والثوار لا يذكرونه في ساحات التغيير إلا بهذا اللقب الذي ظل مخفيا عنهم لمدة حكمه، والمشكلة أن المخاطبة مصحوبة بسخرية وكأن عفاشًا خطيئة اجتماعية جديدة تضاف إلى خطاياه السياسية والعسكرية التي ارتكبها في فترة حكمه.

فظهور هذا اللقب وانتشاره بسرعة رهيبة أثار أسئلة كثيرة في أوساط المجتمع وفي أسرة الرئيس نفسه منها: لماذا ظهر الرئيس في سنة 1987 بدون لقب وكأنه مقطوع من شجرة، ومنها لماذا تزامن تعميم هذا اللقب مع قيام ثورة عامنا هذا؟, ومنها المسببات الحقيقية لتسمية أحد مواليد الأسرة بهذا الاسم الذي طالما دُفن.

تأملوا حالة الرئيس, حفظه الله, وهو يستقبل لجنة الوساطة التي تريد أن تسحب منه مجده المؤقت وهي اللجنة التي كان أبرز من فيها هو الشيخ صادق الأحمر، فالرئيس كان يقارن مجده الذي سينمحي بمجد صادق الأحمر الذي سيظل على ما هو عليه، في حين يطلب هو من الرئيس العودة إلى وضعه السابق بلقبه القديم، وهو الوضع الذي سيعيده إلى الاستئذان للدخول على صادق الأحمر إن أراد منه شيئا.

فهو هنا يعتبر أزمته الحقيقية مع الحمران لا مع الشعب اليمني, فالحمران هم المسببون للسماح بتناول قناة سهيل للقبه (عفاش) والمحرضون على إسقاطه، فقد كانت قناة سهيل تبث رسائل المشاركين الهاتفية المشتملة على هذا اللقب كما وردت دون حذفه، حتى أن الشريط الإعلامي لم يخلو من كلمة عفاش طوال الأيام الماضية. فمخاطبة الرئيس للجنة الوساطة بذلك الخطاب الغضبان لم يكن موجهًا أصلًا إلا لصادق الأحمر، فكأنه يريد القول إنه من أسرة أكثر قِدمًا وشهرةً من شهرة آل الأحمر حتى وإن سقط من الرئاسة.

وهذا يعني أنه في حالة شعور بالنقص، فرغم أنه قد وصل إلى أن يكون الرجل الأول في اليمن مجسدًا قول القائل:

(ليس الفتى من قال كان أبي * إن الفتى من قال هأنا ذا)

إلا أن الواقع لم يزرع الثقة في نفسية الرئيس, فهذا الواقع الذي يعيشه الرئيس يكذب فحوى المقولة السابقة ويؤكد قول الفلاسفة عن عقدة أوديب التي ما زالت تلازم تفكير الرئيس، فالرئاسة إذًا لم تسد الفجوة الاجتماعية بينه وبين شيخ قبيلته أو حتى بينه وبين شيخ قريته.

بقي القول إننا قد سمعنا بأنه قد بث منشورات تشكك في نسب بعض الأسر اليمنية, ولم يبق أمامنا سوى أن يصدقنا القول ويحدد من يكون هو بأدلة علمية قاطعة، خاصة وقد أهديت له في فترة رئاسته مختلف المخطوطات القيمة التي تبحث في الأنساب والأصول، بل إنه أصبح قادرًا على استحداث مخطوطات في زمن المطابع.