الحوار في منطق الثوار
بقلم/ د.علي مهيوب العسلي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 27 يوماً
الخميس 30 يونيو-حزيران 2011 09:51 م

إن من أهم ما ميّز الثورة اليمنية وزادها بريقا وتألقا هو الحوار الذي انتهجه الثوار كمنطق لهم في ثورتهم المستمرة. فقد شهدنا حواراتهم مع بعضهم ومع الآخرين منذ بداية الثورة والذي تفننوا به ووسعوا مساحات حوارهم بأسلوب تنظيمي جديد، افتقده شيوخ الساسة الذين وجدوا أنفسهم غير مؤهلين له ولا مدربين عليه، فبدءوا يتعلمون من الشباب وسائلهم ليشاركوهم حواراتهم بساحاتهم الحوارية الموسعة، ساحات العلم و التكنولوجيا في الفيس بوك وتويتر وفي المواقع الالكترونية والمنتديات والتي كانت ساحات حوارية من طراز جديد. بالإضافة إلى ما أبدعوه من أساليب حوارية فنية من خلال المَعارض والمنتديات والأشعار والقصائد والأناشيد والكركتورات والتي أقنعت الطفل الصغير بالثورة قبل الشيخ الكبير.. شهدنا روعة شبابنا وهم يتحاورون مع الآخرين عبر الفضاء العربي الحر الموحد بعد أن أزالوا الحدود الجغرافية التي صنعها الاستعمار وأذنابه, وقد لحظنا استفادة الشباب اليمني الثائر من إخوانهم الثوار في تونس ومصر الذين سارعوا بتوصيل خبراتهم، وتجاربهم، ونصائحهم لشبابنا بأسلوب وحدوي جديد لم يكن مألوفاً أبداً في السابق مما يجعلنا نستبشر بأن الوحدة العربية بفضل شباب الأمة وثوارها قاب قوسين أو أدنى من التحقق .يحق لنا أن نفخر بشبابنا الذين فجروا الطاقات وأبرزوا المواهب وأبدعوا في الحوارات وخلقوا نموذجاً جديداً في التعاون وتبادل الخبرات وحتى الشعارات نفسها..

لقد أثبت شبابنا اليمني أنه يؤمن بالآخر وبالحوار معه، كما أكد على حقه بأن يعيش حرا، وبالرغم من القلة القليلة من أبناء جلدتنا اللذين حاولوا جاهدين إقناع الدول المتقدمة من أنهم منفتحون وحضاريون، وان شعوبهم بكل أسف متخلفة وإرهابية و لا تعي منهجها ،لكن الحقيقة أصبحت جلية للعالم والذي أصبح متيقنا أن جميع الأنظمة القائمة في وطننا العربي متخلفة وديكتاتورية ،سواء أكانت على مستوى السلطات أو على مستوى الأحزاب. فعلى مستوى السلطات نجد أن الحاكم لا يترك كرسي الحكم إلا بعد أن يشيخ به الزمان أو يموت.. فأي ديمقراطية في مثل هذه الأنظمة ؟ أما على مستوى الأحزاب فقد كانت انعكاساً لأنظمتها، تعمل عملها وتسلك سلوكها مع بعض الفوارق البسيطة ، فنجد بعض قادة الأحزاب يتولى رئاسة الحزب مدى الحياة!.

إذن فالشباب المؤمن بحتمية الحوار يمارسونه قولاً، وفعلاً، والطريف بالأمر أنهم عندما كانوا يواجهون عسكر الحكم الذين كانوا ومازالوا يوجهون أسلحتهم باتجاههم كانوا يواجهونها بصدور عارية ،ووجهوا رسائل عديدة إلى الحاكم وأعوانه مفادها نحن برحيلك جاهزون ومستعدون لأي فاتورة من دمائنا مقابل ذلك ،فبالله عليكم أي حوار أبلغ من هذا؟!

إن ساحات الحرية والتغيير كانت خير دليل على ما أشرنا إليه ، فالعديد من القوى التي التحقت بالشباب تسهم اليوم في رسم ملامح المستقبل باختلافاتها الفكرية والفئوية المتفقة بهدفها بزوال العقلية الاستبدادية وزوال الظلم والطغيان والتوريث وتحقيق العدالة وإتاحة الفرص للجميع وتحقيق المواطنة المتساوية.

 إن الشباب الثائر يؤمن بالآخر ويقدره كما يؤمن بسيادة القانون وزوال المحسوبية والشللية و يتطلع لبناء الدولة المدنية الحديثة.

عندما ردد الشباب شعارهم المشهور"لا حزبية ولا أحزاب ،ثورتنا ثورة شباب" اعتقد البعض أن الشباب يريدون إقصاء الآخرين وكان السبب هو عدم فهمهم ما معنى الشعار, فالشعار يعني عدم الهيمنة والتفرد والوصاية من قبل الأحزاب على أهداف الثورة التي أعلنوها؛ لأن الشباب يؤمن بالانفتاح والشفافية وليس بالكواليس والسرية، والتي لم تنتج لنا إلا مزيداً من التدهور وعدم الثقة والريبة والشك وبالتالي عدم تحقيق التنمية المنشودة.. وعندما رفض الشباب الحوار مع النظام كان بسبب قناعتهم بعدم جدوى الحوار مع الدكتاتوريين و الفاسدين والمفسدين والعابثين بمقدرات الوطن, بينما اختارت الأحزاب الحوار مع ذلك النظام الفاسد لتضع نفسها في المكان الذي اختارته بمحض إرادتها، والذي ينم عن عقلية بعض أقطاب المعارضة الطامحة بالسلطة فقط، مما جعلها تخسر الكثير من أنصارها, فيا أحزاب اللقاء المشترك أنصحكم اللحاق فعلاً لا قولاً بثورة الشباب من أجل المحافظة على ما تبقى لكم من رصيد، وأن تتعلموا من الثوار المنطق السليم للحوار وأعيدوا النظر في برامجكم وتفكيركم وغيروا قبل أن تُغَيْروا.