بعد الملاحقة وطرد وزيرة إسرائيل ..اشتعال المواجهات من جديد بين الجزائر وإسرائيل مرض خطير يجتاح العالم.. وعدد المصابين به أكثر من 800 مليون مصاب .. تفاصيل مخيفة الحرب تنتقل الى الفضاء بين أمريكا وروسيا...محطة الفضاء الدولية في خطر توكل كرمان: محور الشر الإيراني أساء إلى قداسة القضية الفلسطينية وعدالتها فصائل المعارضة السورية تفاجئ الجميع وتحقق انتصارات ميدانية ضد المليشيات الايرانية وقوات الأسد أول تعليق من أردوغان بخصوص مبادرة بايدن لوقف النار في غزة قيادي حوثي بمحافظة إب يقوم بالاعتداء على مجمع 26 سبتمبر بسبب اسمه ويفرض تغييرات قسرية داعمة للإمامة طارق وبن عزيز يناقشان وضع الجيش ورفع اليقظة والجاهزية الأمم المتحدة ترعى مؤتمراً دوليا «حاسماً» في السعودية ماذا قال مدرب ليفربول عن صلاح ومبابي بعد المباراة المثيرة؟
ان العودة بالذاكرة لما قبل 17 يوليو 1978م يوم مجيئ فخامة الرئيس علي عبدالله صالح إلى كرسي الرئاسة تجعلنا نسترجع ما كان عليه حال الجمهورية العربية اليمنية من أوضاع متردية مأزومة بات مصير اليمن في ظلها مجهولاً فقد جاء بعد مقتل ثلاثة رؤساء احدهم في الشطر الجنوبي من الوطن وكان وضع الجيش مخلخلاً نتيجة الصراعات المحتدمة بين قياداته والخلاف بين الشطرين على اشده حيث المعارك الدامية في المناطق الوسطى والوضع الامني منفلت والاجواء مشحونة بالصراعات والفتن وفي ظل هذا الاوضاع لم يكن للحديث عن التنمية والبناء أي مجال فالبنية الاساسية في مختلف المجالات منعدمة والخطط التنموية غائبة والمشاريع الاستراتيجية لا وجود لها.
أما علاقة الجمهورية العربية حينها بالعالم الخارجي من الدول الشقيقة والصديقة فلم تكن احسن حالاً من الاوضاع الداخلية حيث كانت هذه العلاقات بشكل عام غير طبيعية لاسيما مع دول الجوار وهو ما انعكس سلباً على الاوضاع في الداخل.
وفي خضم هذه الاوضاع المتردية والحرجة والامواج المتلاطمة التي يصعب السيطرة عليها كان الجميع يبحث عن منقذ لهذا الوطن من المصير المجهول في ظل ادراك عميق بأن من سيجلس على كرسي الحكم لن يصمد سوى ايام معدودات وان من يقبل بذلك انما هو مغامر قد يفقد روحه في اية لحظة لاسيما ان احتمالات الفشل كانت تبدو واضحة جلية بينما غابت أية فرصة للنجاح وهو ما جعل الكثيرين من القيادات يعزفون عن تولي الحكم واستلام مقاليد الامور مؤثرين السلامة على المخاطرة.
غير ان علي عبدالله صالح أقدم على هذه المغامرة وفضل التضحية على ان يقف موقف المتفرج وهو يرى سفينة الوطن توشك على الغرق فجاء يوم 17 يوليو 1978م ليعلن عن انتخابه رئيساً للجمهورية من قبل مجلس الشعب التاسيسي ممثل الأمة بإسلوب ديمقراطي حر في الوقت الذي راهنت فيه الكثير من القوى على عدم قدرة هذا الضابط الشاب على قيادة البلاد بحكم تجربته المحدودة وبالنظر الى ما آلت اليه البلاد من اوضاع مأساوية.
وفي أول يوم من تسلمه للسلطة وامام مجلس الشعب التأسيسي حدد علي عبدالله صالح ملامح المستقبل وحدد الاولويات التي كانت اشبه بالاحلام لكل من عاش اتون تلك الصراعات والاحداث وذلك من خلال كلمته التي القاها أمام المجلس وقد تمثلت أهم معلم تلك المرحلة التي وردت في خطابه بالحفاظ على مكتسبات الثورة اليمنية وتحقيق الأمن والاستقرار والدفاع عن سيادة البلاد واستقلالها والعمل على تحقيق الوحدة اليمنية وتطوير علاقة اليمن بالدول الشقيقة والصديقة والوقوف مع الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة.
وبخطى ثابتة واثقة قاد سفينة البلاد نحو النور ساعده على ذلك ما كان يتحلَّى به من صفات ومميزات عرفت عنه خلال مراحل حياته العسكرية وشهد بها كل من تعرف عليه أو تعامل معه وهي صفات لا تتوافر إلا في القائد الناجح فلقد عرف بحدة الذكاء والفطنة والشجاعة النادرة والعقل المنفتح والنظرة الثاقبة والرؤية الاستراتيجية البعيدة للامور وكان يحمل بين جنباته إيماناً راسخاً بالله عز وجل وبهذا الوطن المعطاء وبالوحدة اليمنية التي عمل من أجل تحقيقها.
غير ان من أهم الصفات التي ساعدته على ادارة دفة البلاد أمام الانواء والاعاصير وارتقاء سلَّم المجد والامساك بمقاليد الامور بثقة تامة وثبات لا يتزحزح انه لم يكن لديه موقف سابق من أحد على الاطلاق فضلاً عن اسلوب التسامح الذي انتهجه مع من خالفه الرأي ووقف ضده وهو ما يشهد به الجميع.
ولا يمكن اغفال دور جماهير الشعب في ترسيخ ايمانها بهذا القائد مع مرور الزمن بعدما اثبتت قدرة وصلابة في مواجهة كافة التحديات فكانت مصدر الهام وقوة ساندت هذا القائد وآزرته في كافة المراحل.
ولقد رأى بنظرته الثاقبة ان تحقيق الأمن والاستقرار يأتي على قمة الاولويات التي ينبغي انجازها باعتباره الاساس والمنطلق لمهام التنمية والبناء فتوجه لبناء القوات المسلحة والأمن بناءً وطنياً محضاً بعيداً عن الولاءات والانتماءات الضيقة.
ولما كانت الصدامات المسلحة بين الشطرين قد بلغت ذروتها في المناطق الوسطى فقد عمل جاهداً على وقف نزيف الدم بين أبناء الوطن الواحد من خلال التواصل مع قيادة الشطر الجنوبي والحوار المستمر ولهذا الغرض قام بأول زيارة الى عدن في عام 1981م واستمر التواصل والحوار حتى توقفت الحرب وتم احتواء عناصر الجبهة الوطنية وعاد الكثيرون منهم الى صنعاء وسمح لهم باصدار صحيفة (الأمل) حينها.
وفي الوقت نفسه عمل على ترميم العلاقات مع الدول الشقيقة لاسيما دول الجوار وحرص على اقامة علاقات واسعة ومتميزة مع الكثير من دول العالم بتوازن لا يختل في ظل متغيرات دولية تأثرت بها الكثير من الدول.
وبفضل هذه الجهود عاد الأمن والاستقرار تدريجياً في مختلف ارجاء الوطن واستمرت خطوات بناء القوات المسلحة والأمن كما تسارعت خطوات البناء والتنمية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واصبح لليمن مكانتها الاقليمية والدولية من خلال مواقفها المبدئية الثابتة مع قضايا الأمة وانتهاج سياسة الاعتدال والحوار في التعامل مع الآخرين.
ولسنا هنا بصدد حصر المنجزات التي تحققت على يد هذا القائد فهي اكبر من ان تعد واعظم من ان تحصى ويكفينا هنا الاشارة الى اهم منجز تاريخي تحقق على يده ألا وهو الوحدة اليمنية العظيمة التي لم تكن مكسباً لليمنيين فحسب بل للأمة العربية جمعاء التي رأت في وحدة اليمن انتصاراً لارادة الأمة ونواة لتحقيق الوحدة العربية الشاملة.
فلم يكن هذا المنجز ليتحقق لولا ارادة الله سبحانه وتعالى ووجود زعيم وحدوي آمن بالوحدة وظل يعمل من اجل تحقيقها دون كلل أو ملل رغم الصعوبات والعراقيل في وقت كان الكثيرون يعتبرون تحقيقها من المعجزات فاستطاع بحنكته المعهودة وخبرته السياسية ورؤيته العقلانية المتزنة ان ينقل الحوارات والانشطة والمشروعات الوحدوية من اطارها النظري الى الواقع المعاش على الرغم من وجود تيار معارض للوحدة آنذاك بحجة اختلاف الايديولوجية والانظمة بين الشطرين فأثمرت هذه الجهود عن اعلان قيام الجمهورية اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م وارتبط قيامها بعدد من المنجزات السياسية اهمها اعتماد النهج الديمقراطي والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.
وظل يحصن الوطن ويعمل على تجنيبه الكثير من المؤامرات والدسائس التي تحاك ضده وتحاول النيل من الثورة والوحدة وبرزت حنكته السياسية في التعامل مع قضايا الارهاب التي كانت ولا تزال الشغل الشاغل والهم الرئيسي للمجتمع الدولي وكانت سبباً في احداث متغيرات اقليمية ودولية كبيرة شكلت منعطفاً صعباً لكثير من الدول ومنها بلادنا حيث حاول البعض استغلال هذه القضايا والمتغيرات لاستهداف بلادنا والمساس بسيادتها واستقلالها فاستطاع بحكمته المعهودة تغيير الصورة المشوهة التي رسمها هؤلاء عن اليمن لدى المجتمع الدولي. والانتقال بها من قائمة الدول المستهدفة الى قائمة الدول الشريكة في مكافحة الارهاب ووجه بالتعامل مع هذه القضايا وعناصرها بأساليب وآليات ساهمت في السيطرة على وقف واحتواء الاثار بعيداً عن التصعيد والمواجهة التي شهدتها بعض الدول.
وفي مجال العلاقات الخارجية يكفينا الاشارة الى انتهاجه الحكمة والسياسة العقلانية في حل مشكلة الحدود المزمنة والمستعصية مع دول الجوار عبر التفاهم والحوار لتتحول المناطق الحدودية من ساحات للمعارك وبؤر للعداء والتناحر الى جسور للا خاء والتعاون والمحبة.
أخيراً يمكن القول ان من عاش جحيم الصراعات والمؤامرات والمتناقضات والاوضاع المتردية في مختلف المجالات قبل 17 يوليو 1978م يجد صعوبة في مقارنة تلك الاوضاع بما نعيشه اليوم من أمن واستقرار وتوحد وتنمية شملت مختلف مجالات الحياة.