علي ناصر محمد في ضيافة النداء
بقلم/ النداء
نشر منذ: 17 سنة
الخميس 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 03:03 ص

- دمشق - حوار: فهمي السقاف


يندر أن يدلي الرئيس السابق علي ناصرمحمد بأحاديث صحفية، وإذا أدلى دقَّق، وإذا دقَّق فليس بوسع الصحفي إلاّ أن يضغط على أعصابه في انتظار الفرج.

يصعب أن توصف هذه المقابلة بالفرج، إلاّ إذا حدثت المعجزة! فالرئيس الذي نجا من محاولة إغتيال مؤخراً، عبَّر، صراحة وتلميحاً، عن قلقه من مآلات الأمور في بلده، هو الذي يرقب الأحداث من دوحة الشام بعين خبيرمجرَّب وعقل باحث غزير المصادر، وقلب حسَّاس، يستشعر من بعيد الأخطار الخاصة والعامة.

إزاء الأخطار على حياته، اختار الرئيس الاقتضاب في إجاباته على الأسئلة التي تخصه، وبخاصة محاولة إغتياله التي أكدها ثم سكت عن المتورطين فيها، مكتفياً بالتلميح إلى تورط أجهزة لم يسمها في التخطيط لاغتياله، مبدياً أسفه لأن هذه الأجهزة لا تحاسب عما تفعل.

وإزاء الأخطار العامة، اختار الرئيس أن يكون صريحاً ومباشراً وهو يتحدث عن المسألة الجنوبية، وآثار الحرب، وحماقات الإدارة، وشطحات بعض المسؤولين الذين يحسبون الانتربول الدولي «دائرة تابعة لوزارة الداخلية».

بروحية رجل دولة لا يتنكر للفتى القومي العربي الذي كانه مطلع الستينات، والشاب الثائر عشية استقلال الجنوب، والسياسي المناور ضحى السبعينات، ينبه أبو جمال إلى الأخطار الكبيرة التي تهدد الوحدة والاستقرار في اليمن، مشدداً على أولوية المسارعة إلى معالجات شاملة للأزمات المتراكمة، وفي المقدمة آثار حرب 94.

 > السيد الرئيس، كيف ترى الوضع في الجنوب؟

- هناك شكوى عامة في المحافظات الجنوبية، نتيجة استهتار بعض المسؤولين بالواقع المتأزم حالياً، وهو ما نلمسه اليوم في الشارع من اعتصامات ومظاهرات واحتجاجات سلمية للمتقاعدين العسكريين والمدنيين الذين يطالبون بعودتهم إلى أعمالهم، ودفع مستحقاتهم، وإعادة الأراضي المستولى عليها من قبل بعض المتنفذين إلى أصحابها الشرعيين؛ وتردي الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي أدى إلى زيادة نسبة الفقر بين السكان وازدياد عدد العاطلين عن العمل وخاصة من هم في سن الشباب. كل تلك الأسباب والمسببات نتيجة تراكمات لأخطاء المسؤولين في الأجهزة. والشكوى ليست في المحافظات الجنوبية فحسب، بل تتعداها إلى كافة المحافظات. ومع الأسف أنهم يتهمون كل من يعارضهم أو ينتقد أخطاءهم وممارساتهم السيئة بأنه انفصالي ومعادٍ للوحدة. والمطلوب وضع حد لهذه الممارسات ومحاسبة ومعاقبة كل المسؤولين الذين يستخدمون صلاحياتهم ويستغلون مناصبهم كأداة لتنفيذ أغراضهم الشخصية، ومحاكمة الذين أطلقوا النار على الجماهير في الحبيلين، الذين كانوا يحتفلون بالذكرى الرابعة والأربعين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، وكذلك محاسبة الذين أطلقوا النار في الضالع وعدن وحضرموت ولحج. والأمل في أن تتوقف هذه الممارسات بشكل نهائي.

> لماذا يتردد اسمك كراعٍ للحركة الاحتجاجية؟

- هذا تعبير عفوي من الناس، ولم أكن وراء الهتافات ولا الاحتجاجات. وهذه المظاهرات والهتافات لها علاقة بالمعاناة التي لحقت بهم منذ عام 1994.

> كيف تفسر وجود العديد من المحسوبين عليكم في قيادة الاحتجاجات والمسيرات؟

- لم يعد اليوم لكلمة "محسوبين علينا" من وجود، فالكل أخوة لنا، وقد تجاوزنا ذلك بعد لقاء التصالح والتسامح والتضامن والتلاحم، لم أوحِ (لأحد) ولم أطلب من أحد المشاركة في قيادة المسيرات والاحتجاجات، وإنما يتظاهر هؤلاء الناس للمطالبة بحقوقهم وما لحق بهم بعد حرب عام 1994 كما أشرنا آنفا.

> كيف تتصور حـل المسألة الجنوبية؟

- الأزمة في الجنوب هي امتداد لتراكمات بدأت بعد الوحدة بشكل عام، وبعد حرب 1994 بشكل خاص. حل المسألة الجنوبية يكمن في معالجة آثار ونتائج تلك الحرب قولاً وعملاً، والتي أشرت إليها في ردنا على سؤالكم السابق، حيث أنه لو تمت معالجة آثار الحرب بعدها مباشرة (بعد أن باتت أمراً واقعاً) لتجنبت البلاد والعباد هذه الهزات التي نمر بها والتي نحن في غنى عنها. وقد نبهتُ إلى ذلك عقب انتهاء الحرب مباشرة، مع القيادة ثم في الصحف. وطالبتُ حينها بعودة المفصولين إلى أعمالهم، وبالحوار مع الطرف الذي خسر الحرب. فالأمور حسمت عسكرياً آنذاك ولم تحسم سياسياً. وهذا الطرح لم يعجب البعض، فتعرضتُ حينها للهجوم من قبل صحيفة "14 أكتوبر" (بعد الحرب) التي صنفتني حينها بأنني انفصالي ومجرم حرب، وطالبت الصحيفة (أي من يقف وراءها) بملاحقتي عبر الانتربول الدولي (وكأنه دائرة في وزارة الداخلية). وشعرتُ حينها بأن الطرف المنتصر قد أصيب بنشوة النصر بعد أن "عشّق في معاشيق"، وأنه لا جدوى من أية نصيحة. واليوم تجري بعض المعالجات لقضايا كان المفترض أنها عولجت قبل 13 سنة.

> ما تعليقكم على خطاب الرئيس في أبين؟ وأين تضع خطاب الرئيس صالح في أبين الممجد لها؟

- شاركت أبين كغيرها من المحافظات في الثورة التي توجت بتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني عام 1967. وقد مرت تجربة الدولة في الجنوب بعدد من الأخطاء والسلبيات والايجابيات التي دفعنا ثمنها جميعاً منذ عام 1967 وحتى الآن. كما أن معظم الصراعات والحروب في الجنوب، وبين الشمال والجنوب، كانت لها علاقة بالوحدة اليمنية. وقد ناشدت الجميع بضرورة التصالح والتسامح. ولقي النداء استجابة واسعة من كافة الجماهير، وتجسد في حركة الجماهير وتلاحم الناس ضد التآمر والفتنة. وتمثل ذلك في الاجتماع الذي عقد في جمعية أبناء ردفان الإبطال. وكما كانت انطلاقة الثورة من ردفان عام 1963، كانت انطلاقة مسيرة التسامح والتصالح بين أبناء الشعب من جمعية ردفان في يناير 2006. ونحن هنا ندعو من يمتلك مقاليد الأمور أن يرعوا هذه الجهود الرامية إلى التصالح والتسامح بين أبناء الشعب اليمني، لما فيه مصلحة الوطن والمواطن واستقرار البلاد.

> هل تجري اتصالات بينكم وبين الرئيس صالح؟

- الاتصالات لم تنقطع بيننا رغم محاولات البعض إثارة الشكوك والخلافات من حين إلى آخر. واتصالاتنا هي لمصلحة الوطن والمواطن. وآخرها رسالة وجهتها للرئيس بمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين لعيد ثورة الرابع عشر من أكتوبر وعيد الفطر المبارك، طالبته فيها بإطلاق سراح المعتقلين على إثر الاعتصامات السلمية. ومن خلال صحيفتكم أتوجه إلى الأخ الرئيس، بمناسبة الذكرى الأربعين لاستقلال جنوب البلاد وعيد الأضحى المبارك، بإطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم العميد ناصر النوبة رئيس جمعية المتقاعدين، والمناضل حسن باعوم، ووقف الملاحقات الأمنية، ومحاسبة الذين أطلقوا النار على المعتصمين، واعتبار الذين قتلوا شهداء للثورة اليمنية.

> يقال إن هناك خلافات بينك وبين البيض، فما هي أسبابها إن صح ذلك؟

- علاقتي مع البيض بدأت في القاهرة عام 1965، عندما التحقنا معاً في مدرسة الصاعقة بأنشاص، وحينها ترك دراسته في المعهد العالي للهندسة بشبرا والتحق بالثورة. وبعد مدرسة الصاعقة كلف بالذهاب إلى ردفان، بينما كلفتُ بقيادة المنطقة الشرقية في بيحان والعوالق. وبعد الاستقلال تحمل مسؤولية وزير الدفاع، والخارجية، وغير ذلك من المناصب. وخلافاتنا لم تكن شخصية أو على اقتسام الثروة، وإنما كانت على خلفية سياسات ورؤى وبرامج واجتهادات، وكذلك كانت بسبب حداثة عمرنا وعدم خبرتنا السياسية وغياب الديمقراطية. ولكن الاتصالات لم تنقطع بيننا حتى الآن في المناسبات الوطنية والدينية والشخصية.

> هل لديكم تعليق على أسلوب الحكومة في التعاطي مع هذه الاحتجاجات؟

- بعد أي حرب في أي بلد فإن الحاجة القصوى تكون إلى تجسيد الوحدة الوطنية وتكريسها بين أبناء ذلك البلد. إن ما يرسخ الوحدة هو طمأنة جميع المواطنين وإشعارهم بأن كرامتهم وحقوقهم مصانة، وأن الحرب بين أبناء البلد الواحد لا يوجد فيها غالب ولا مغلوب، ولا منتصر ولا مهزوم، والمنتصر في هذه الحروب مهزوم ولو بعد حين، وتجارب الشعوب تؤكد مثل ذلك. أما إذا بقيت الجراح في النفوس واستمر التمييز بين المواطنين وغابت العدالة... وفي عام 1994 أكدت في حديث لصحيفة "الحياة" اللندنية: "أنه إذا لم تجرِ معالجة المشاكل القائمة حينها فإن التوتر سيبقى وسيعبر عن نفسه يوماً بطريقة قد تكون دموية، وهذا ما يجب على القيادة اليمنية تجنبه"، وقد ناشدنا الأخ "الرئيس علي عبد الله صالح أن يقود –بحكم موقعه– حواراً وطنياً يؤدي إلى وفاق وطني عام يستوعب كل القوى والأحزاب والفعاليات، وأن يرعى مصالحة وطنية تجسد الوحدة الوطنية وتشعر الجميع بالأمن والاستقرار". لذلك نرى أن الحكومة ينبغي أن تتجنب العنف في التعاطي مع أية احتجاجات سلمية، سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل، لأن ذلك يستقيم مع التوجه الديمقراطي (المُعلن).

> طالبت بإنصاف المتقاعدين، مع أن معظمهم من المحسوبين على الطغمة؟

- لقد تجاوزنا الماضي بكل حيثياته: الطغمة، والزمرة، أو كما سماها المرحوم عمر الجاوي واختصرها بـ"طز"، وجميعنا أخوة وأبناء وطن واحد، وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا. ومع الأسف أننا ما زلنا ندفع ثمن أخطائنا منذ عام 1967 وإلى الآن، وقد تجاوزنا خلافاتنا من خلال لقاءات التصالح والتسامح كما أشرت آنفا، ومن واجبنا أن نستفيد من هذه التجربة ودروسها.

> هل شارك الرئيس فعلاً في لقاءات تضم معارضة الخارج؟

- اتصالاتي مع القوى السياسية في الداخل والخارج لم تنقطع، وهي امتداد لعلاقاتي مع مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية. ومع الأسف أن أي زيارة لي أو دعوة إلى غداء تفسر تفسيراً خاطئاً، وأن هذه اللقاءات والزيارات الشخصية والإنسانية موجهة ضده. وعلى سبيل المثال عندما زارني الدكتور محمد حيدرة مسدوس، الذي تربطني به علاقة قرابة، وهو في طريقه إلى اليمن بعد إجراء عملية القلب المفتوح، فُسرت بأنها موجهة ضد السلطة، وبعدها شنت حملة ضدي وضده بعد ذلك اللقاء، وطالب أحد المسؤولين بملاحقتي عبر الانتربول (ولم أصدق وأنا أسمع مثل هذا التهديد والوعيد أن يصدر من مسؤول كبير).

> هل ترى حساسية السلطة من المعارضة في الخارج مبررة؟

- على السلطة أن تجري حواراً في الداخل والخارج، وأن مثل هذه المعارضة موجودة في أكثر من بلد، وجسور الحوار والاتصال لم تنقطع بهم. وعلى سبيل المثال إن رئيسة وزراء باكستان السابقة السيدة بي نظير بوتو كانت تقيم في الإمارات، ونواز شريف رئيس وزراء باكستان الأسبق المقيم في السعودية يتحركان ويتصلان بالداخل والخارج، ولم نسمع في يوم من الأيام أن أحداً استحضر "الانتربول" في سبيل ملاحقتهما. علينا مغادرة ذهنية الريبة والشك التي بيننا، والإيمان بحقيقة أن الوطن ملك لجميع أبنائه.

> ارتبط اسمك بهيئات التسامح والتصالح، لكن السلطات أبدت ضيقها من هذه الهيئات، لأنها تكرس حالة جنوبية، ما رأيكم؟

- دعيت للتصالح والتسامح بعد أحداث 1986 وبعد حرب صيف 1994 وفي بداية العام 2006، ويشرفني أن أكون من دعاة التصالح والتسامح، لأننا خبرنا الكثير من الصراعات التي أفضت إلى مزيد من الظلم وغياب العدل وعدم الاستقرار، وعلينا أن نستفيد من دروس الماضي وعبره، ونكرس ثقافة التصالح والتسامح، لأن اليوم ثمة من يعزف على وتر أحداث 1969 و1978 و1986، لأغراض سياسية وآنية ليست خافية على شعبنا اليمني، وكأنها الصراعات الوحيدة التي عرفتها اليمن طوال تاريخنا السياسي الحديث. بينما الحقيقة والواقع أن اليمن شهد صراعات دموية ومأساوية قبل الوحدة وبعدها في الشمال وفي الجنوب، راح ضحيتها في الشمال الآلاف من الأبرياء وعدد من الرؤساء والزعماء السياسيين.

> لماذا تستهدف هذه الهيئات من قبل الأجهزة الأمنية؟

- تستهدف من قبل بعض الرموز لأنها تأتي ضد مصالحهم الشخصية والآنية الضيقة. وهي ليست ضد مصالح الوطن، لأن مصلحة الوطن تكمن في الاستقرار والأمان واحترام القانون. والسياسات المستهدفة لهيئات التصالح والتسامح، ومحاولة إيقاف عجلتها تساهم في الإضرار بالنسيج الاجتماعي للشعب اليمني وتُمعن في تمزيقه وشرذمته، بينما نحن أحوج للتصالح والتسامح، لأنه يخدم مصالح الوطن العليا بما يُفضي إلى الأمن والاستقرار.

> صحيفة "النداء" فتحت ملف ضحايا الاختفاء القسري في اليمن بشكل عام، شمالاً وجنوباً، وبطريقة مهنية، ولأغراض إنسانية تتصل بأسر المختفين، لكن البعض اعتبر فتح هذا الملف مؤامرة لتقويض جهود التصالح والتسامح؟

- مع الأسف أن اليمن شمالاً وجنوباً قبل الوحدة وفي حقب زمنية مختلفة سادت فيه ظاهرة الاختفاء القسري جراء الصراعات السياسية بين فرقاء العمل السياسي الوطني. وكانت مناداتنا المبكرة بإعلاء قيم التصالح والتسامح تدعو لمعالجة إنسانية لهذا الملف في اليمن الموحد. وكان يفترض على السلطة أو الدولة بعد الوحدة أن تلتفت لهذا الملف، وتضع المعالجات اللازمة والمقنعة مع أهالي وذوي المختفين، ليغلق هذا الملف ويعتبر الضحايا شهداء للثورة اليمنية.

> يتجنب الرئيس علي ناصر الدخول في سجالات إعلامية، كيف تقرأ الحملات الإعلامية التي استهدفتكم مؤخراً؟ وإلامَ تعزونها؟

- عانيتُ كثيراً من المحاولات التي جرت وتجري لتشويه تاريخي حتى اليوم، لكنني كنت واثقاً من نفسي ومن قراراتي ومن شعبي ومن عملي الذي سخرته لصالح الوطن والمواطن، ولم ألجأ إلى الرد أو التجريح والتشهير بكل الذين أساءوا إليَّ. وكنت أردد دائماً: "سامحهم الله"، ليس من موقف الضعف وإنما ترفعاً عن هذه المهاترات التي ترتد على أصحابها.

> هل ترى تأثير للتطورات التي تحدث على الساحة اليمنية بعلاقات اليمن بدول الجوار؟

- استقرار اليمن هو استقرار للمنطقة بكاملها، وأي توتر في داخل اليمن سيعكس نفسه على دول المنطقة.

> ما وجاهة المزاعم عن وجود تمويل خارجي للاحتجاجات؟

- لم أسمع بمثل هذه المزاعم حول هذا التمويل الذي يتحدث عنه البعض. هذه المزاعم تهدف للإساءة إلى الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة، وشعبنا يعرف من الذي يستلم من الخارج، وليسوا هؤلاء الفقراء الذين يناضلون من أجل أن يحيوا حياة حرة وكريمة.

> في الوسطين الإعلامي والسياسي ترددت مؤخراً معلومات عن تعرضك لمحاولتَيْ اغتيال...؟ وهل هو امتداد لما جرى مع أحمد سالم عبيد في القاهرة والسفير أحمد الحسني في دمشق؟

- هذه المحاولة هي امتداد لمحاولات سابقة تعرضنا لها في اليمن وخارج اليمن. وبعض الأجهزة تلجأ إلى مثل هذه الأساليب الماضوية. ومع الأسف أنه لم تتم محاسبتها، فقد جرى اختطاف احمد سالم عبيد من القاهرة والذي اختفى لأكثر من ثلاثة أشهر وظهر بعدها في صنعاء. كما جرت محاولة اغتيال السفير أحمد عبد الله الحسني الذي غادر دمشق، لجأ إلى لندن، واضطر إلى فضح هذه المؤامرة في القنوات الفضائية، فكان ردهم أنه مجنون، وهو ما دأبوا على ممارسته: أن يطلقوا التهم والأحكام الجاهزة على كل من يختلف معهم، إما مجنون وإما خائن وإما انفصالي.

> هناك محاولات تجري لطمس تاريخ القيادات الجنوبية ودورها في تحقيق الوحدة اليمنية. فعلى سبيل المثال يظهر الرئيس علي عبد الله صالح وحده وهو يرفع العلم، مع أن الصورة التاريخية التي ما زالت مطبوعة في ذاكرتنا أن علي سالم البيض كان معه يرفعان علم الوحدة في عدن...؟

- الجميع شاهد هذه الصورة بعد الوحدة وهما يرفعان العلم في مدينة عدن في 22 مايو 1990، وبعد ذلك اختفت صورة نائب الرئيس علي سالم البيض والذين كانوا معه إلى جانب الرئيس، وظهر الرئيس وحده وهو يرفع العلم. وكنت أتمنى أن تبقى الصورة كما هي، لأن شطبها يسيء للرئيس علي عبد الله صالح، وهناك من سيفسر ذلك بأنه محاولة لطمس تاريخ الجنوب ورموزه وإسهاماتهم الوحدوية والنضالية، فهذا تاريخ موثق بالصور والتلفزيون والوثائق والكتب إضافة إلى ذاكرة الشعب اليمني الذي كان يحلم بهذا اليوم.

> سيادة الرئيس، ما هو رأيكم في منع دخول السلاح إلى العاصمة صنعاء؟ ولماذا لا يطبق قانون حيازة السلاح في كل أرجاء الوطن بدلاً من اتخاذ القرارات الآنية والجزئية؟

- البعض يقول: "السلاح زينة الرجال"، وآخرون يرون أنه رسول الموت والفناء، إلا إذا ارتبط حمل السلاح بالدفاع عن سياج الوطن وترابه وسيادته. والسلاح هو أحد أسباب انتشار ظاهرة الثأر والاحتراب الأهلي، مع الأسف أنه يوجد في اليمن أكثر من 65 مليون قطعة سلاح منتشرة في كل أنحاء الجمهورية. واليمن هي الدولة الوحيدة في المنطقة العربية التي ينتشر فيها السلاح بهذا الشكل. وقد جرت عدة محاولات لتنظيم حمل السلاح في المدن الرئيسية. والمهم أن يطبق هذا القرار على الجميع دون استثناء. ومن المفروض أن يكون السلاح بيد الدولة ومؤسساتها. وبرأيي أن تحقيق العدل والمساواة هو أهم سلاح لضمانة استقرار الوطن وأمنه ونمائه.

> ما رأيكم في بعض التجمعات والكيانات القبلية التي نشأت في الفترة الأخيرة؟

- قد يتحفظ البعض على هذه الكيانات، منطلقاً من أنها تمثل في طابعها العام شريحة معينة. وأعتقد أن أبناء القبائل شريحة كبيرة وهامة وفاعلة في المجتمع اليمني، وكلما انخرطوا في العمل العام ضاقت مساحة العصبيات والثأر والاحتراب واتسعت مساحة الانسجام والاندماج في العمل الوطني العام الذي ينعكس إيجابياً على استقرار وتنمية المجتمع.

> بعيداً عن السياسة، هل يمكن أن يحدثنا الرئيس علي ناصر عن الوجه الآخر لحياته اليومية؟

- نشاطي اليومي يبدأ بمتابعة أخبار الوطن والمواطن، من خلال قراءة الصحف والاطلاع على صحيفة "الأيام" والصحف الأخرى والمواقع الالكترونية في اليمن وخارجها، والاهتمام بالقضايا العربية الأخرى، إضافة إلى المطالعة وممارسة الرياضة، والاهتمام بأسرتي وباليمنيين الذين يزورون دمشق سواء للزيارة أو للعلاج أو للدراسة، ومتابعة نشاط المركز العربي للدراسات الاستراتيجية وفروعه. وقد نظمنا سلسلة من حلقات النقاش وعدداً من الندوات، وآخرها ندوة عن اليمن نظمت في بيروت، وندوة عن فلسطين وغيرها من حلقات النقاش.