انتصارات واسعة للمعارضة السورية.. السيطرة على ريف حلب الغربي بالكامل شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين بعد الملاحقة وطرد وزيرة إسرائيل ..اشتعال المواجهات من جديد بين الجزائر وإسرائيل مرض خطير يجتاح العالم.. وعدد المصابين به أكثر من 800 مليون مصاب .. تفاصيل مخيفة الحرب تنتقل الى الفضاء بين أمريكا وروسيا...محطة الفضاء الدولية في خطر توكل كرمان: محور الشر الإيراني أساء إلى قداسة القضية الفلسطينية وعدالتها فصائل المعارضة السورية تفاجئ الجميع وتحقق انتصارات ميدانية ضد المليشيات الايرانية وقوات الأسد أول تعليق من أردوغان بخصوص مبادرة بايدن لوقف النار في غزة قيادي حوثي بمحافظة إب يقوم بالاعتداء على مجمع 26 سبتمبر بسبب اسمه ويفرض تغييرات قسرية داعمة للإمامة طارق وبن عزيز يناقشان وضع الجيش ورفع اليقظة والجاهزية
يذهب تقرير قدمه رئيس جهاز الأمن القومي إلى مجلس الشورى ونشر الشهر الماضي إلى أن الخسائر البشرية في صفوف قوات الجيش والأمن من جراء أحداث صعدة قد توزعت كما يلي:
أ- الحرب الأولى والتي بدأت بتاريخ 20/6/2004م واستمرت حتى 10/9/2004م وسقط فيها 473 شهيداً و2588
جريحاً بينما بلغت الخسائر في الممتلكات العامة والخاصة 600 مليون دولار؛
ب- الحرب الثانية والتي ابتدأت في 19/3/2005 واستمرت حتى 12/4/2005 وسقط فيها 254 شهيداً و 2708 جرحى بالإضافة إلى 80 مليون دولار كنفقات؛
ج- نفذ الحوثيون خلال عام 2006 هجمات أدت إلى سقوط 42 شهيدا و81 جريحاً؛
د- نفذ الحوثيون خلال شهر فبراير والنصف الأول من مارس هجمات على مواقع الجيش والنقاط العسكرية أدت إلى سقوط 20 قتيلاً و38 جريحاً.
وفي الوقت الذي لم يشر فيه تقرير الأمن القومي إلى خسائر «الحوثيين» والمدنيين في الأرواح أو في الممتلكات يذهب عادل الذهب المحامي اليمني المقيم في كندا في بحث تقدم به إلى إحدى الجامعات الأمريكية إلى ان عدد قتلى الحرب يتراوح بين 4000 (تقديرات الصحفي عبدالفتاح الحكيمي) و20000 (تقديرات النائب يحي الحوثي) بالإضافة إلى تشريد 65000 نسمة وتهديم 533 منزلاً و22 مدرسة. أما عدد المحتجزين في السجون فوصل إلى حوالي 1500 سجين. وكان تقرير صادر عن وزارة الداخلية قد أكد عدد المنازل والمدارس التي تهدمت من جراء الأحداث.
ومع ان اليمنيين يبدون في الظاهر وكأنهم يتقاتلون من اجل «دجاجة» ويبيعون «الحول» من اجل المشارعة على «بقعة صغيرة» إلا أنه من الصعب القول بأن الحروب المتعاقبة بين «الدولة» و«الحوثيين» والتي بدأت في يونيو 2004 ولم تنته حتى اليوم هي بسبب شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل».
رؤية الحوثيين
يقول عبدالملك الحوثي الزعيم الجديد للشباب المؤمن في مقابلة أجراها معه الصحفي محمد الظاهري ونشرت في صحيفة الناس بتاريخ 12 فبراير 2007 ان سبب الصراع هو النشاط الثقافي للشباب المؤمن ومعارضتهم للهيمنة الأمريكية في المنطقة. فوفقا لعبد الملك فان الدولة تعاطت مع أنشطتهم التي تندرج في إطار الدستور والقانون «بطريقة عدائية، وغير منطقية» حيث قامت بتنفيذ اعتقالات في جامع الإمام الهادي في صعدة والجامع الكبير في صنعاء. وكانت تلك الاعتقالات التي قام بها الأمن السياسي مصحوبة بالضرب المبرح والمعاملة القاسية للمحتجزين في سجون الأمن السياسي. كما ان الدولة قامت -وما يزال الحديث لعبدالملك- بإيقاف مرتبات كثير من الموظفين وطرد البعض وفصل البعض الثالث. ويفسر عبدالملك سلوك الدولة ضدهم بأنه نتيجة لـ:
أ- رغبة الدولة في التحكم في كل شيء داخل اليمن (يمكن ترجمة القول ليعني تغييب السلطة للتمثيل السياسي للهاشميين وغيرهم من الجماعات)؛
ب- التحريض الأمريكي ضدهم ورغبة المسئولين في التقرب من الأمريكيين (ارتهان السلطة للخارج)؛
ج- وجود جناح في السلطة يستهدفهم كفئة اجتماعية معينة وخصوصا بعد ظهور نشاطهم الثقافي (استبداد الدولة وممارستها للتمييز ضد الهاشميين).
ويعزو عبد الملك تمسك الجماعة بالشعار ورفضهم التخلي عنه إلى:
أ- المسئولية أمام الله؛
ب- المسئولية أمام الأمة الإسلامية؛
ج- المسئولية أمام الشعب اليمني؛
د- كشف الزيف الأمريكي المتعلق بالحرية والديمقراطية.
ويضيف عبدالملك بأن الحملة العسكرية التي شنتها الدولة عليهم في عام 2004 لم تقتصر على إغلاق وتدمير بعض مساجد ومراكز الشباب المؤمن كلياً أو جزئياً ولكنها امتدت إلى إغلاق المدارس الزيدية بشكل عام وسواء أكانت محسوبة عليهم أو على غيرهم، ولتشمل أيضا تغيير أئمة وخطباء الكثير من المساجد بخطباء وصفهم بأنهم «حاقدين على الزيدية ولديهم خطاب تكفيري وعدائي». وفي الوقت الذي اقر فيه عبدالملك بتلقيهم لمعونة شهرية من الدولة تقدر بحوالي 2000 دولار بسعر صرف الريال الحالي فإنه أتهم الدولة بدعم السلفيين بدرجة أكبر وذلك لاستهداف الزيدية واستخدام المذهبية ك«ورقة ضغط بيدها لضرب أبناء الشعب اليمني بعضهم ببعض».
أما عن سبب رفع «الشباب المؤمن» للسلاح في وجه الدولة وبقائهم في الجبال رغم قرارات العفو فيقول عبدالملك إنهم رفعوا السلاح في الحرب الأولى دفاعا عن النفس. ويقول يحيى الحوثي- وهو شقيق عبدالملك ونائب في البرلمان اليمني ينشط حالياً في الخارج- في حديث للشرق الأوسط «عندما يهاجم الثعلب أو الذئب منزلك فماذا ستفعل؟» كما يقول عبدالملك إن الدولة لم تلتزم بعد الحرب الأولى بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من إطلاق السجناء وإفساح المجال للناس لممارسة الشعائر الدينية. وقامت بدلاً عن ذلك بالمزيد من الاعتقالات وضيقت على أبناء المحافظة ومنعتهم من الاحتفال بالمناسبات الدينية مثل عيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم شنت عليهم حربا ثانية اضطرتهم إلى الخروج إلى الجبال، ليس كمتمردين ولكن كمشردين.
رؤية السلطة
برغم ان خطاب الحوثيين يستخدم الرموز كثيرا في تعبيره عن مطالبه وهو ما يضفي عليه بعض الغموض إلا ان ذلك الخطاب -وبغض النظر عن شرعيته- يبدو للقارئ المتمعن أكثر وضوحاً واستقراراً وعقلانية من خطاب الدولة وان كان ليس بالضرورة أكثر إقناعا. فأحاديث الداعية حسين الحوثي خلال الحرب الأولى وأحاديث الأب بدر الدين الحوثي (خلال الحرب الثانية في 2005) ثم أحاديث عبدالملك وأخيه يحيى هذا العام (2007) تصب كلها تقريبا في نفس الاتجاه. وعلى العكس من ذلك فإن السلطة وكما يبدو تتحدث بأكثر من صوت وتمارس السياسة بأكثر من يد. فإذا كانت صحيفة سبتمبر قد أشارت في مايو 2004 إلى ان علماء الزيدية يدينون أفكار الحوثي وتصرفاته المتطرفة فإن الدولة ومع اندلاع المواجهات بدأت تتهم حسين الحوثي بالإدعاء انه المهدي المنتظر وبأنه مدعوم من قبل يهود صعدة، وبأنه يعمل على تنفيذ مخططات أعدتها أجهزة استخبارات أجنبية لإعاقة التنمية في اليمن وإخافة المستثمرين وضرب الوحدة الوطنية. ويخلط الكثير من المحسوبين على السلطة بين الدعاية الحزبية وبين الخطاب السياسي المصاحب للحرب. كما يخلط خطاب الدولة بين الأسباب والنتائج. ويظهر ذلك واضحاً في ميل الخطاب الرسمي إلى الحديث عن إشهار الحوثيين للسلاح في وجه الدولة، تحصنهم في الجبال، الحصول على أسلحة، جمع الأموال من الداخل والخارج، والاعتداء على القوات المسلحة والأمن كأسباب للحرب.
وبرغم ان الحركة يمكن ان توصف ببساطة ووضوح على أنها «تمرد على الدولة» كما قال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب وبغض النظر عن الأسباب إلاَّ ان الخطاب الرسمي يضيع الصدق بكثرة الكذب. فالحديث عن الإرهاب والمخططات الخارجية والدعم الإيراني والليبي والإثنا عشرية والصفوية وعنصرية «الهاشميين» وغير ذلك من الأمور مثلت كلها ضربات للنسيج الاجتماعي للوحدة الوطنية وزعزعت الاستقرار وأوهمت الناس بأن دعم الحوثيين يمتد من شمال اليمن إلى إيران ومن شرق الوطن العربي إلى غربه، وهو ما وسع من رقعة التأييد والمساندة للمتمردين في أوساط الهاشميين والزيدية بشكل عام.
قصة ما حدث
بعيداً عن الخطاب الرسمي وعن تبريرات الحوثيين فإن ما حدث يبدو اقرب ما يكون إلى التالي.
أولاً، دعمت الدولة -ولأسباب تتعلق بلعبة التوازنات السياسية الداخلية والخارجية والتي تكفل محافظة الحكام على مواقعهم واستقرار النظام- المدارس الزيدية والمذهب الزيدي في مقابل العمل على إضعاف الحركات الدينية السنية المدعومة من السعودية. ثم دعمت بعد ذلك «الشباب المؤمن» (جناح حسين الحوثي) كمحاولة لشق الزيدية نظراً لما تمثله من خطر على النظام القائم وخصوصا فيما يتصل بإيمان أتباعها بأن الإمامة ينبغي ان تكون في نسل الحسن والحسين وفي رفضها للتوريث. ولعل ذلك هو ما يفسر تحول الحوثيين من «حزب الحق» إلى «المؤتمر الشعبي العام». وإذا كان دعم السلطة للزيدية ثم للحوثية فيما بعد قد تزامن مع تطورات الخلاف الحدودي بين اليمن والسعودية فإن الخلاف بين الجانبين قد تزامن مع التوصل إلى اتفاق الحدود ومع قرار اليمن التحالف مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب. ويبدو ان اتفاق الحدود بين اليمن والسعودية قد أزاح عن السلطة هما كبيراً وفتح أمامها خيارات جديدة. وقد وقع الخيار بحسب المرحلة على فرع معين من الهاشميين «الصوفية» وفرع معين من السنة «السلفية غير السياسية» والتي كشفت الانتخابات الماضية عمق تحالف السلطة معها.
ثانيا، حاولت السلطة احتواء الحوثيين والعمل على تحجيمهم فرد الحوثيون برفع الشعار (الموت لأمريكا... الموت لإسرائيل). فعلى عكس ما يقال بأن الشعار قد كان سببا للخلاف ثم الحرب، فإن الأرجح هو أن الشعار قد مثل تعبيراً عن عمق الخلاف. وقد حاولت السلطة بعد ذلك احتواء حركة الشعار بإلقاء القبض على مردديه في المساجد لكن الخلاف سرعان ما تحول إلى حرب في يونيو 2004م.
ثالثا، بعد مقتل حسين الحوثي في سبتمبر 2004 عملت السلطة على حل النزاع سلميا. ومع ان عبد الملك الحوثي يذكر في حواره مع صحيفة الناس والمشار إليه بعاليه أن الدولة لم تلتزم بعد الحرب الأولى بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من إطلاق السجناء وإفساح المجال للناس لممارسة الشعائر الدينية إلاَّ انه ليس من الواضح ان كان الطرفان قد عقدا اتفاقا رتب نهاية للحرب. الشيء الواضح هو ان القوات الحكومية ظلت تنتظر الحوثيين الفارين في الجبال وتقوم بإلقاء القبض على كل من وجدته منهم.
رابعا، في بداية عام 2005 دعا رئيس الجمهورية بدر الدين الحوثي الذي تولى قيادة الشباب المؤمن بعد مقتل نجله حسين إلى صنعاء للبقاء فيها لبضعة أشهر حتى يتم التفاهم على حل نهائي للصراع. كان الرئيس بحسب رواية الحوثيين قد وعد الحوثي الأب بإطلاق جميع السجناء ووقف المحاكمات والأعمال العسكرية ان هو جاء إليه في صنعاء. وقد انتظر الحوثي الأب في صنعاء حتى مارس لكنه لم يتمكن من مقابلة الرئيس. وقد وجه الحوثي الأب في التاسع من مارس 2005 نداء للرئيس طالبه فيه بالإيفاء بوعده بإطلاق السجناء وإيقاف المحاكمات. ثم ما لبث بدر الدين ان عاد إلى صعدة في منتصف مارس لتشتعل الحرب مجدداً. وفي الوقت الذي تقول فيه الحكومة ان الحوثي الأب رفض العفو العام يقول هو ان الحكومة تراجعت عن وعودها بإطلاق المعتقلين وتوقيف المحاكمات للشباب المؤمن.
خامساً، انتهت الحرب الثانية بترتيبات معينة كان من ضمنها العفو العام الذي أعلنه الرئيس في 25 سبتمبر 2005 والبدء بإطلاق المساجين والتعويضات وغيرها. لكن المسألة لم تحسم نهائياً. ويبدو ان الجهاز التنفيذي لم يستطع التعامل مع المسألة بالكفاءة المطلوبة. بعض المساجين لم يطلقوا وبعض التعويضات كما يبدو لم تسلم وبعض الإجراءات لم تنفذ. مرة أخرى لم تتم تصفية الموضوع نهائياً.
تحالفات معقدة
تتقاطع في حرب صعدة بجولاتها الثلاث العديد من الخيوط مما يصعب من مهمة أي محلل في فك
حرب صعدة بجولاتها الثلاث تتقاطع فيها العديد من الخيوط تصعب مهمة أي محلل في فك طلاسمها
طلاسمها. فتوصيف الحرب على أنها مواجهة بين الدولة و«السادة» مثلا هو قول غير دقيق لأنه ليس كل «السادة» في صف «الحوثي» ولا كل من في الدولة «غير سيد». وينطبق نفس الأمر على توصيف الحرب بأنها مواجهة بين «الدولة» (كمؤسسة سلفية) و«الزيدية» لان الدولة في اليمن «تسربل في الصلاة» دائماً ونادراً جداً ما «تضم». وبالرغم من ان الحوثيين يحاولون، كما تقول الباحثة الأسترالية سارة فيلبس، تصوير الصراع على انه صراع مذهبي بين «السنة» و«الشيعة» إلا ان وجهة النظر تلك تبدو بعيدة عن الواقع. ويتفق الأستاذ طارق الشامي رئيس الدائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) مع فيلبس. فقد رد الشامي في حوار على قناة الجزيرة على اتهامات عبدالملك الحوثي بان الحرب الجارية هي حرب ضد الزيدية «أنا زيدي والرئيس زيدي». ولو أن الشامي قال «أنا هاشمي مثل عبدالملك» لنفى أيضاً الطبيعة العرقية للصراع.
ومع أخذ الانقسامات السياسية المعقدة في اليمن والتي كما تقول الباحثة فيلبس تعبر المذاهب والقبائل والمناطق والقوى، فان الصراع الدائر يبدو أقرب ما يكون إلى صراع بين أتباع المذهب الواحد- المذهب الزيدي، وعلى نحو أكثر تحديداً بين الزيود الهاشميين وبعض مناصريهم من الزيود غير الهاشميين من جهة، وبين الزيود غير الهاشميين وبعض المناصرين لهم من الهاشميين من جهة أخرى. ومع أخذ الفوارق الواضحة في الاعتبار فإن الصراع العنيف الدائر في صعدة يشبه كثيراً حرب يناير 1986 بين أجنحة الاشتراكي. وما لم تكن انتخابات صعدة مزورة فإن نتائجها تؤكد ما يذهب إليه الكاتب هنا من ان الحوثية هي جناح داخل الحزب الحاكم. لكن طبيعة التحالفات السياسية في اليمن تتيح لكل طرف التلاعب بتعريف الصراع كيفما شاء.
والصراع في جوهره صراع حول الموارد العامة وليس حول المذهبية (زيدي- سلفي) أو الهوية (هاشمي -غير هاشمي) للجماعات المتصارعة. وفي الوقت الذي يسعى فيه الزيود غير الهاشميين وحلفاؤهم من الهاشميين، باستخدام الدولة ومؤسساتها ومواردها، إلى إضعاف الزيدية السياسية (الشرعية التاريخية في الحكم لفئة معينة) القائمة أو المحتملة بغية الحفاظ على مواقعهم في السلطة فإن الزيود الهاشميين ومناصريهم من غير الهاشميين يحاولون جاهدين زيادة نفوذ الزيدية أو على الأقل الحفاظ على مكانتها الحالية سعيا للوصول إلى السلطة- السيطرة على الدولة بغية تعظيم نصيب الجماعة من الموارد. ومع ان الصراع حول السلطة في أي مجتمع يمكن ان يكون سلميا باتباع الآلية الديمقراطية إلاَّ ان ضعف الآلية الديمقراطية في البلاد قد وصل كما يبدو إلى درجة بدأت معها الديمقراطية تفسح المجال لآلية أخرى.
وتقوم إستراتيجية الزيود غير الهاشميين وحلفائهم من الزيود الهاشميين على تصوير الصراع ولأسباب تتصل بالحشد ضد الخصم على انه معركة بين الدولة وجماعة خارجة عليها، بين القوى الملكية والجمهورية، بين جماعة عنصرية تعتقد بأن حكم البلاد حقا لها لأنها مميزة عن غيرها وبين دعاة المساواة، بين الإثنا عشرية والمذاهب اليمنية، وبين القوى العميلة للخارج والقوى الوطنية. أما الزيود الهاشميون ومناصروهم من الزيود غير الهاشميين فتقوم إستراتيجيتهم، الهادفة إلى حشد الدعم الداخلي والخارجي، على تصوير الصراع على انه أولا صراع بين الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في اليمن من جهة وبين المدافعين عن الإسلام والأمة الإسلامية من جهة ثانية، وثانياً على انه صراع بين الزيدية والسلفية، وثالثاً على انه صراع بين قوى تساند الحريات وحقوق الإنسان وقوى مستبدة ومنتهكة للحقوق. وقد حقق الحوثيون بعض النجاح في بداية الحرب الأولى وفي بداية الحرب الثالثة في تصوير خصومهم وكأنهم يحاربون في صف اليهود ضد المسلمين. وإذا كانت الحرب الأولى قد بدت وكأنها حرب بسبب شعار «الموت لأمريكا والموت لإسرائيل» فإن الحرب الثالثة تبدو بدورها وكأنها حرب تشنها الحكومة اليمنية ضد الحوثيين بسبب طردهم لليهود. ولعل هذا ما يفسر قيام السلطة وبشكل متكرر بتسريب خبر يتهم اليهود بالقتال مع الحوثي. لكن التكتيك الذي يوظفه حزب الله في لبنان فيحقق نجاحاً كبيراً هناك لا يمكن ان ينجح في صعدة لسبب بسيط هو أن اليمن يبعد كثيرا عن أمريكا وعن إسرائيل. أما تصوير الصراع على انه صراع بين الزيدية والسلفية فقد ارتبط نجاحه وما زال بالإجراءات التي تتخذها الدولة ضد الزيدية بشكل عام. وإذا كانت التحالفات المعقدة داخل المجتمع اليمني قد جعلت الحوثيين يتجنبون تصوير الصراع على انه صراع بين الهاشميين والدولة فإن محاولات الدولة تصوير الصراع بهذا الشكل وإجراءاتها ضد الهاشميين قد جعلت الحوثيين يحاولون بطريقة حذرة الاستفادة من أخطاء الدولة.
براءة ذمة
حاول كاتب هذا المقال وللمرة الثانية وفي ظل المعلومات الشحيحة أن يقترب من الأسباب التي أدت إلى اندلاع أحداث صعدة والى استمرارها فيما بعد. والكاتب بهذه المناسبة وبدون أدنى تردد وبغض النظر عن الأسباب يدين الحرب الدائرة في صعدة ويدين توظيف العنف في حل الخلافات بين اليمنيين وبغض النظر عن الطرف الذي يوظف العنف. ولا يساور الكاتب أدنى شك في ان الحرب الدائرة في صعدة والتي يقتل فيها اليمني أخاه اليمني لن تحل أي مشكلة ولن تحقق شيئاً لأي طرف. وكل ما يمكن ان تؤدي إليه حرب مثل هذه هو المزيد من التفرقة والمزيد من الثارات والأحقاد التاريخية والمزيد من الأضعاف للبلاد دولة ورئيسا وحكومة وشعباً.
استاذ العلوم السياسية- جامعة صنعاء
DRALFAQIH@YAHOO.COM
نقلا / عن الوسط
نقلا / عن الوسط