صيام عاشوراء يفضح التراث الفقهي !!
بقلم/ عبدالرحمن أنيس
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 8 أيام
الجمعة 17 ديسمبر-كانون الأول 2010 07:35 م

لا أنتمي إطلاقاً إلى المذهب الشيعي بل أعتبره مذهباً مليئاً بالخرافات لكني أؤمن بالتعايش في سلام مع معتنقيه وأتباعه كما أعتز بانتمائي إلى المذهب السني على النحو الذي لا يكفر الآخر ولا يفسقه ولا ينكر حق الآخر في حرية الدين والمذهب والمعتقد .

ومع مرور ذكرى العاشر من محرم من كل عام يتجلى حجم الشقاق الطافي على السطح بين أبناء مذهبي السنة والشيعة ، فترى الشيعة يقيمون المآتم والحسينيات ويندبون حظهم ويعذبون أنفسهم حزناً كما يقولون لوفاة الحسين في حين يبادر السنة إلى صيام العاشر من محرم ويومين قبله وبعده .

وإن كنت لا أحبذ ولا أعتقد بصواب أفعال الشيعة في ذكرى عاشوراء باعتبار أن ذكرى مقتل الصالحين لا ينبغي إحياؤها بكل هذا العويل والنحيب مع يقيننا التام سنة وشيعة بأن الحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً شهيداً ، إلا أنني سأناقش اليوم موضوع صيام يوم عاشوراء وأجدها فرصة للدعوة من جديد إلى تنقية تراثنا الفقهي من الشوائب التي يعاني منها لعل وعسى نصل من النقاش إلى نتيجة مشتركة بعيداً عن لغة التخوين والتكفير والاتهام بإنكار السنة والتشكيك في مصداقيتها .

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : ما هذا؟. قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال: " أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر الناس بصيامه )) ، وفي رواية لمسلم : ( حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام القابل - إن شاء اللَّه - صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ) .

ومن متن هذا الحديث تظهر الشكوك والشوائب حوله ، وهو ما يستدعي الدراسة والتمحيص إن كان هذا نصاً نبوياً حقاً أم أنه مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم ، فاليهود لا يتعاملون بالتقويم الهجري وعندهم يوم نجاة موسى من فرعون هو العاشر من أول شهر في تقويمهم العبري ( شهر تشري ) الذي صادف في عام مقدم النبي إلى المدينة شهر ربيع الأول وليس شهر محرم ، ثم إن نص الحديث يقول : (( لما قدم )) أي قدوم النبي إلى المدينة في شهر ربيع الأول ، ثم يقول الحديث في صحيح مسلم : ((حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام القابل - إن شاء اللَّه - صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم )) وهنا يظهر التناقض فرسول الله صلى الله عليه وسلم بقي في المدينة ثلاثة عشر عاماً بينما يصوره نص الحديث كأنه صام عام مقدمه عاشوراء ثم لم يأت العام الذي يليه إلا وقد توفي .

ومن هنا تظهر شبهة أن هذا الحديث قد يكون مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم وقد يكون وضعه بعض الزنادقة من بني أمية للتغطية على مقتل الحسين رضي الله عنه في العاشر من محرم .

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى لا يأخذ تعاليم الدين وسننه ونوافله من اليهود ، بل إنه قال عن كتب الإسرائيليات : (( لاتصدقوها ولا تكذبوها )) .

وإذا كان اليهود يعظمون عاشر يوم في شهرهم العبري الأول فإنه بالضرورة لن يتوافق كل عام مع العاشر من أول شهور السنة الهجرية ( محرم ) ما يجعل من موضوع مخالفتهم بصيام يوم قبله أو يوم بعد موضع استفهام واستغراب .

وإذا كان القرآن الكريم وهو المصدر الرئيسي للتشريع قد تكفل الله تعالى بحفظه (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) ، فإن الأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم لم تنج ممن افترى عليها وأضاف فيها ، حتى ان أحد الزنادقة في عهد بني أمية عندما جيء به ليقطع رأسه قال : (( وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحلل فيها الحرام وأحرم فيها الحلال )) .

إنني أعلم أن كثيرين لن يطيب لهم قراءة هذه السطور ولن أسلم من تهم التشكيك بالسنة والأحاديث لكن كم أتمنى أن نحكم العقل قبل إطلاق التهم .. فتراثنا الفقهي بحاجة إلى تنقيته مما دخل عليه من أحاديث مفتراة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كحديث ( الائمة من قريش ) وحديث ( إرضاع الكبير ) وغيرهما كثير ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : (( إذا جاءكم الحديث تطمئن له قلوبكم وتلين له أبشاركم فهو مني وأنا منه.. وإذا جاءكم الحديث عني تستنكره قلوبكم وتقشعر منه أبدانكم فليس مني ولست منه )) .

abdulrahmananis@yahoo.com