اهتمام الرئيس بخروف الاستثمار بعد ذبحه
بقلم/ دكتور/محمد القاهري
نشر منذ: 17 سنة و 10 أشهر و 19 يوماً
الإثنين 08 يناير-كانون الثاني 2007 10:25 ص

مأرب برس - خاص

 طالعنا الرئيس علي عبدالله صالح في كلمته بمناسبة عيد الأضحى بالتأكيد على أن ملف الاستثمار سوف يحظى بالاهتمام والإشراف والمتابعة الشخصية من قبله. ورغم أهمية ملف الاستثمار فإن هذا التأكيد قد فات أوانه كما سنرى في خلاصة هذا الموضوع.

إحدى فرضيات نظرية النمو الاقتصادي تعتبر الموارد المتاحة للاقتصاد كسلعة متجانسة، أي كسلعة واحدة، إما أن يتم استهلاكها أو استثمارها. ظاهرياً هذه الفرضية تقنية قد لا يتوقف عندها حتى المتخصص لكن التأمل فيها ينتهي إلى بعد شديد الأهمية إذ أنها تومئ إلى مسئولية وحكمة صاحب السلعة (وقد يكون فرداً أو حكومة) في ترجيح أحد الاختيارين هل سيستثمرها لينمي حجمها ومردودها المحتمل أم سيستهلكها ليقضي على أي وجود أو فائدة مستقبلية لها. المثال الأقرب إلى مفهوم السلعة المتجانسة هو الخروف الذي إذا ذبحه صاحبه ليأكل لحمه دفعة واحدة فإنه يكون قد قضى نهائياً على وجوده بينما لو تركه يرتع وينتج خرافاَ أخرى فإنه يكون بذلك قد استثمره في تنمية الثروة وأبقى بكل حكمة على فرصٍ اكبر لاستهلاك لاحق. فمن يختار الذبح ومن يختار الاستثمار؟ التاريخ الاقتصادي يعلمنا باختصار أنه لو كان الخروف ملكاً لفرد منتج هو الذي تحمل عناء تربيته فإنه سيختار، ماعدا عند الضرورة النادرة، الإبقاء على الخروف واستعماله في عملية التكاثر أو مبادلته بسلعة استثمارية أخرى، بينما لو كان الخروف غنيمة يسطو عليها فرد من أملاك غيره فإن الأرجح هو أن يذبحه. المسألة تغدو سهلة الفهم، فمالك الخروف منتج يدرك مدى عناء تربيته وبالتالي أهمية الإبقاء عليه لمنفعة أكبر أو لأي يوم أسود بينما الفرد الساطي لاتكلفه تربية الخروف أي عناء ولو انهي وجوده باستهلاكه فسوف يسطو على خراف أخرى، كما أن من سماته أنه لايعرف أو لايريد أن ينتج بنفسه لذلك يحترف السطو ( لمسلح في الغالب) .

هذا المثال المبسط عن أفراد انطبق في التاريخ على جماعات. ففي الصين القديمة على سبيل المثال لا الحصر يبين تاريخ الوقائع الاقتصادية أن من مارس السطو كان عصابات مسلحة خارجة عن الجماعة المنتجة وعن قانونها وغير مستقره (عصابات غازية رحل) كانت تنتظر مواعيد الحصاد لتهجم على تجمعات الفلاحين وتستولي على مايكفيها من المحصول للموسم ثم تحرق الباقي لتجويع الفلاحين وحرمانهم من أي عامل قدرة على مقاوماتها. ولم ينته هذا الوضع إلا عندما ظهر من هذه العصابات من آثر الاستقرار وتحول إلى ما سمي بحاكم اوتوقراطي فضل وبعنف أقل أخذ المحصول ماعدا مايلزم لكفاف الفلاحين. لكن لأنه كان محكوم على كل زيادة في الإنتاج أن تذهب إلى جعبته فقد آثر الفلاحون عدم بذل أي جهد إضافي لزيادة الإنتاج. اختيار الفلاحين هذا يؤسس لما يعرف باقتصاد الكفاف.

ماسبق يقودنا إلى الاستنتاج أن اقتصاد الكفاف يرتبط بالظلم وبقتل الحوافز المشجعة للجهد الإنتاجي وليس بندرة الموارد والخيرات والجهد الإنساني. والظلم وقتل الحوافز رديفان لقتل ما شئتم من القيم أو المفاهيم المتداولة كالحرية الاقتصادية، العدالة الاقتصادية، ولديمقراطية...الخ. 

الاستيلاء على ثمار جهد المنتجين لم ينته إلى اليوم في كثير من المجتمعات التقليدية وإنما اختلف في الشكل والدرجة فقط، واليمن تعاني مثل دول أخرى من هذا الوضع والذي من سماته على سبيل المثال لا الحصر مايلي:

1) أن كل حوادث السطو على ممتلكات خاصة وعامة سجلت ضد مسئولين في السلطة أو ضد أشخاص مقربين منها دون أن يتعرضوا للمحاسبة، كما أن عناصر كثيرة أصبحت ثرية جداً بفضل مواقعها في السلطة وبشكل لايتناسب مع فقر مجموع السكان 

2) أن السلطة القائمة تنفق بكثافة على التسليح، لكن بما أنه لم يسبق وأن استخدمت ذلك التسليح للدفاع عن المنتجين من أي تهديد جدي خارجي أو لضبط الأمن الداخلي فإنها فقط تحتاط به لحماية نفسها من احتجاج هؤلاء المنتجين المحتمل على أدائها

3) أن هذه السلطة تبدو كأجنبية أو خارجة عن جماعة المنتجين وعن قوانينها، فهي لاتقبل الخضوع للانتخاب السليم ولا تقبل المحاسبة والإقالة وإنما تسيطر عبر الأسرية والعلاقات الشخصية وعبر تكتل الفساد، كما أنها تعتمد المركزية كنظام للتحكم بالموارد العامة مناقض لطبيعية البلاد اللامركزية، فالبلاد مكونة فعلاً من أغلبية ريفية مشتته تعاني من الفقر ومن نقص منافع السلطات العامة كالمحاكم والأمن والكهرباء والماء والتعليم والصحة...الخ وكأن السلطة منفصلة عنها أو غير معنية بها.

4) سيادة اقتصاد الكفاف مما يدل على أن العناصر السابقة قتلت الحوافز اللازمة للاستثمار وبذل الجهد الإنتاجي.

وبالتالي فإن هذه السلطة من النوع الذي يذبح الخروف دون استثماره، ولم يعد مجدياً تصريح الرئيس عن اهتمامه ومتابعته الشخصية للاستثمار، على العكس في التصريح، وأكثر من أي شيء آخر، اعتراف ضمني بأن الخروف قد ذبح فعلاً.

قد ينطلق الرئيس في تصريحه من حسن النوايا، لكن ماموقف طابور الفساد الذي على العكس توسع أكثر بمناسبة تجديد تأييده للرئيس في انتخابات 2006؟ حسن النوايا وحده هنا لايكفي فالطريق إلى الكوارث مفروش بحسن النوايا كما تقول الحكمة، وقد خالف الرئيس أقل ماكان منتظراً وهو تسمية حكومة جديدة فور إعادة انتخابه لتترجم حسن النوايا، ولكنه لم يفعل، فماذا بقي له من خيار جاد لتشجيع الاستثمار لو كان هكذا مكبلا؟ ربما الاستقالة!.

malqahiri@videotron.ca