احرق الله قلبه يا ولدي من قتلك واحرق قلبي عليك
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 13 سنة و أسبوعين و 3 أيام
السبت 05 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 08:58 م

أتي العيد وقد ولت فرحته ، لا أدري كيف مذاقه عند بيت قد فارقه الغالي وقد كان لمته وسروره.

تُرى كيف سيكون حال علي صالح لو جاءه النبأ بقتل احمد ابنه على نحو من تلك الصورة في القاع او محرقة تعز في مقام قد حبسه العجز فلا يستطيع ان ينتقم ؟

إذن فما مقدار حرقة وقهر وحزن علي صالح على ابنه في موازاة آلاف الابناء لأسر تجمعها المودة والرقة والشفقة اكثر بكثير مما لدى الطاغية .

صافحه أبوها باسم الله فاملكه فأصبحت لهذا زوجه ، ابتسمت لهما الدنيا وأشرقت في محياهما الحياة ، وهل تسع الدنيا حبيبين سكنت روحاهما في بعضها على بسم الله .

فلما تغشاها بنية اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، حملت في بطنها حياة أخرى ، لم تسعهما الدنيا فرحا ، فصارت هي تجول على رؤوس أصابعها وتحوم حوله كالفراشة ... تدللي سيدتي وزيدي ، وحومي وحلقي ، إن لم يكن لك فلمن سيكون الدلال من بعدك ..

أما هو فقد امتلأت عيناه وفاضت ، وقبل ان يضمها اليه ، ولى بوجهه شطر المسجد الحرام وخرَ ساجدا خُيل لصاحبته من طولها أن الحبيب قد قضى .

وانتفخت بطنها وهي تسير من طور الى طور وزاد الانتفاخ حتى تدورت وصارت تشد العمود الفقري الى الامام ، وبقية الجسم انتفخ بمقداره هو الآخر كما هي حوى عند الحمل , إنه حال ذهب برشاقتها بعيدا ، لم تعد كغصن البان ، وهي حالة تستجير منها المرأة في العادة ، ولا يرتاح الزوج ان يرى حسناه على غير رشاقتها وخفتها ، لكنه في غير هذا الموضع والحال .

أما وانها حامل فلمنظرها اجمل منظر تسير به الدنيا، يا لروعته حسن وجمال لكنه من نوع آخر تحس ان به ما يشبه القداسة ، حال الام وهي تحمله في احشائها وهنا على وهن .

منذ استبان حملها وظهرت معالمه ، كان يُقبل بطنها بحنان يختلف و مذاقا آخر هذه المرة ، ثم يضع يُمناه عليها ويمسحها جيئة وذهابا بخشوع يترنم ويكرر (رب هب لي من الصالحين ) (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ) ( رب لا تجعلني فردا وانت خير الوارثين ) ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )

يا رب إني أسألك نسمه تسجد لك ، وتسبح بحمدك ، وتُعبّد الارض لك ، سيدي وخالقي هبنيه رحيما بالإنسان والحيوان والشجر وكائنات البحر والبر ..

يصل الارحام ، ويحمل الكل ، ويكسب المعدوم ، ويعين على نوائب الدهر ، يحيي الارض بروح منك ، يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، يكون للمظلوم ، ويدفع في وجه الظالم ...

على هذا النحو يستغرق في مناجاة ربه فلا تُعيده الا يدها تشاغبه على رسلك يا هذا .. فماذا لو جاءت أنثى؟ فيبتسم قائلا ( وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) .

وكان هذا نحوه طوال التسعة اشهر ، أما هي فقد لزمت في سجودها (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .

كانا أحيانا إن مر بهما سائل يتجاهلانه لكثرة ما يسألون ولقلة ذات اليد ونادرا ما يكون ، لكن سائلا محترفا ربما اعطته بعض مساغها او اعطاه هو ساعته من يده ان لم يجدا ....( الله يا بني او يا بنتي يرزقكما الولد الصالح ) ..كلمات من هذا لا يستطيعا ردها البتة .

دَعَوَا الله مخلصين منذ لحظة سمّا ( اللهم جنبنا .. ) وفي الاطوار التسعة بأن يرزقهما صالحا ، وقد جاءهما في المنام صالحا قبل أن يحل .

ذات ليلة هبت من نومها فزعة تصرخ وتُغالب البكاء ..

ما بك ؟ .. ضمها اليه وقد زاد نبضه ..

قالت رأيت الغالي ــــ في المنام ـــ وقد استوى بنانه ، كان وسيما قسيما ، على وجهه رقة وصرامه ، يمشي بين الجموع منتصب القامة ، وعليه الانظار بود تحفه ، فجأة قفز عليه قرش البحر ، هشمه واخفاه

.... أضغاث أحلام حبيبتي ..

.... لكني أريد اسأل شيخا يُعبر الاحلام ...

قال الشيخ بعد ان سكت برهة أخبرها انه سيكون لابنها شان ذات يوم ، ثم ابتسم ولم يزد ..

وجاءها المخاض خفيفا ، ووضعته سويا ، وزفت القابلة البشرى إليه ، فانحنى من التي حملته ووضعته يقبلها ودموعه ترقرق ، ثم حمله بين يديه يصيح يا بشرى إنه هو ..

رفع الاذان في أذنه اليمنى وأقام الصلاة في اليسرى ، وسار على نهج السنة في العقيقة والنشأة ..

نشأ الوليد رضيعا ، ففطيما ، فطفلا ، فغلاما ، ففتى يافعا ، تداولاه حضنا والداه ، ثم نقلاه خطوة خطوة في مدارج التهذيب والتقى ، وشعب الايمان ، ومنازل اياك نعبد واياك نستعين ، حتى كانا على وشك أن يُتما له بعروس حوراء كأنما هي في نفس ولون مشربه ومدرجة .

وكانت الفاجعة على الاسرة والمجتمع بل والشعب ..

قتله علي صالح بكيفية ... اختلف الناس حولها.

فمنهم من قال صب عليه صالح الزيت والغاز والقار وماء البطاريات ثم احرقه في ساحات تعز .

وآخرون بالتواتر ولا يحصيهم عد يُقسمون بالله انهم رأوا علي صالح قتله قنصا في جمعة الكرامة وهو لا يزال يستغفر ومستغرقا في أذكار عقب الصلاة .

ومثلهم يشهدون ويقسمون بالله ويقولون ان لديهم ادلة حية من الصور بان علي صالح فجر راسه بالكامل بالسلاح الثقيل في مذبحة عصر .

وهناك من يقطع ان علي صالح ذبحه بالخنجر وقطعه بالمعول في قاع صنعاء القديم ، والذي كان يُطلق عليه قاع اليهود سابقا.

على ان الراجح هو ان علي صالح قتله بآلية ما شهدوا كلهم في كل تلك الامكنة بل وفي عشرات أمكنة أخر .

أما كيف تسنى الجمع في ذلك فهذا متروكا للقاضي العدل الذي نترقب طلعته .

آه من طعم الولد ، آه من وجع الولد ، آه من ريح الولد .

كانت اعرابية تشم فطيمها وهي ترقصه وتنشد ...

يا حبذا ريح الولد ، ريح الخُرافي في البلد ، هل هكذا كل ولد أم لم يلد قبلي أحد .

ذات يوم أوجعت صغيري بالعصا ولم يبلغ الثامنة بعد لأمر حسبتني فيه ارعاه ، ثم وليت لبعض أمري ، وما هي الا هلنيهة الا والتأنيب يقرعني ، وروحي تتهدج ، وكأني بجسمي يتهاوى ، والضغط ينخفض ، شيء تبدل فيَّ كثيرا ، اخذت اتنفس بعمق وأزفر بشدة ، ولم يستقر حالي الا وانا أضم صغيري الى صدري وأشم رأسه وأراضيه بقطع الهدايا وزيادة المصروف ، وكلما ذكرت ذلك أخذتني شفقة كبيرة وهزة في الاعماق .

حتى الكبير من الولد إن وجمدت قميصه وكان مريضا أو غائبا عنك ، فان رائحته تبعث فيك شيئا يستقر ، أما إن رأيت لعبه وبقية ملبسه يوم كان في الرابعة الى العاشرة فيا الله كم لها من قيمة ومعنى ، إن قال لك البعض ارمها في القمامة فما عاد لها حاجة وان صاحبها قد استوى ، فاغلظ عليهم في الرد ، وقل لهم لو اتيتموني بملؤها ذهبا فلن تساوي عندي منها خيطا .

نعم انها نفسها ... (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا)

( إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ )

قالوا أن حسني مبارك ازدحمت عليه الشيخوخه وتداعى سريعا بعد موت حفيده لعلاء ابنه ، أحس بعدها أنه يرتجف ويحتوشه الموت .

ليس بمستغرب وان اتت تلك من طاغية كحسني مبارك ، فالعاطفة رحمة من الله سبحانه ، لكن كيف سيكون الحال لدى مواطن مستوي في آدميته وليس عنده شذوذ وانحراف كحال الطاغية ، فضلا عن أن موتة ابن هذا المواطن تختلف عن الموتة الطبيعية لابن ذك ، هنا بها فجور وتوحش واستباحة وقتل مع سبق اصرار وترصد .

أتي العيد وقد ولت فرحته ، لا أدري كيف مذاقه عند بيت قد فارقه الغالي وقد كان لمته وفرحه .

ترى كيف سيكون حال علي صالح لو جاءه النبأ بقتل احمد ابنه على نحو من تلك الصورة في القاع او محرقة تعز في مقام قد حبسه العجز فلا يستطيع ان ينتقم .

إذن فما مقدار حرقة وقهر وحزن علي صالح على ابنه في موازاة آلاف الابناء لأسر تجمعها المودة والرقة والشفقة اكثر بكثير مما لدى الطاغية .

أيستريح صالح في إنسانيته ومعه الملأ من البيت والسلطة وهم يقتلون ابناءنا ثمنا لاعتلاء ابنائهم ؟

أمعقول أو هل يستقر في الأذهان ذلك ، أن يقتل ابناءنا ويحرق اكبادنا عليهم كي يحكمنا ويمهد لأبنائه من بعده ؟

ماذا في الظن لو فعلها تعسفا نفر منا بأبنائه وقدر هو عليهم ، أي أمر كان سيقضيه بهم ؟

إذن فهل سيقبل طواعية وكاستنتاج منطقي ما سيفعله به شعبنا وبأبنائه وبلاطجته لو اصبح في المقام الذي سيقدر فيه على نحو ما قدر صالح ؟

لا تزال تدوي صرخة ( احرق الله قلبه يا ولدي من احرقك واحرق قلبي عليك )

اعتقد ومن السنن واقوال المعمرين انه :

ليس للقاتل فرحة ولا راحة

لا يذوق طعاما ولا يلذ له شراب

لا يهنأ بنوم وان غمض فكله انين يجر الريبة عليه ممن حوله .

ملعون اينما ذهب وحل .

مقتول اشنع قتله على اية حال

ويوم القيامة عند الله جزاءه الاكبر